عمان ـ «القدس العربي»: يطرح الساسة والمسؤولون الأردنيون ثلاث ملاحظات أمنية الطابع عندما يتعلق الأمر بأي نقاش حول هوية التموقع السياسي والسيادي في حال اتساع نطاق التصعيد العسكري في الإقليم.
حساسية عمان تجاه سيناريو التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران مضاعفة ولا تقف عند حدود ما قاله ويقوله وزير الخارجية أيمن الصفدي عندما استمعت إليه «القدس العربي» وتحدث بإسهاب عن وجهة نظر بلاده في مخاطر اشتباك قد يبدأ، ولا أحد يعرف كيف ينتهي إذا ما اتسع نطاق العمل العسكري.
واحدة من القيم الأساسية التي كان يشرحها الصفدي في كل اتصالاته خلف الكاميرات ووراء الستائر عندما يتعلق الأمر بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، هي تلك الإشارة إلى أن استمرار العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة يحمل في طياته نضجاً في فكرة الأردن عن التعقيدات التي ستطال الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها إذا ما اتسع نطاق المواجهة.
في السياق، يلفت الجنرال والخبير الاستراتيجي، قاصد محمود، دوائر صناعة القرار والمحللين السياسيين في نقاش مع «القدس العربي» إلى أن الجميع ينبغي أن يفهم بأن اندلاع أو امتداد الصراع الحالي في العدوان الإسرائيلي إلى نقاط أخرى ملتهبة في المنطقة ينطوي على مخاطر من الصعب إدراكها.
واحدة من الذرائع والحجج الأردنية الأساسية التي كانت تقال خلف الكواليس لوزراء الخارجية الغربيين والمسؤولين الأمريكيين هي تلك التي تفترض بأن استمرار العدوان وقتل المدنيين بكثافة والتلويح بمهاجمة لبنان هي عناصر مستفزة من اليمين الإسرائيلي لا تخدم إلا القوى الراديكالية في المنطقة. لكن مخاوف الأردن لا تقف عند هذه الحدود فقط عندما يتعلق الأمر بمواجهة عسكرية عن بعد مع إيران افتعلتها إسرائيل عندما قصفت القنصلية الإيرانية في دمشق.
وفي أروقة القرار الأردني قناعة بأن اليمين الإسرائيلي يرغب مجدداً بخوض نفس لعبة العدوان على غزة، وتتمثل في أن توسيع نطاق الصراع العسكري يشكل فرصة لبقاء الطاقم الموتور الحالي في حكم إسرائيل. لم يعارض الوزير الصفدي هذا الاستنتاج، فيما تعتقد عمان أن حمى الالتهاب في المواجهة الإقليمية التي يفتعلها بنيامين نتنياهو بالتأكيد ستطال سوريا والعراق بعد لبنان.
والوضع معقد جداً في البلدين اللذين يرتبط الأردن بحدود واسعة معها وبصيغة تتطلب حالة استنفار قصوى وعين ساهرة أمنية الطابع على الحدود كانت أصلاً نشطة بسبب عصابات المخدرات المسلحة من سوريا واحتمالات العودة لظاهرة التحشيد على الحدود العراقية، ومن ثم الصدام العسكري يضيف تعقيدات إلى واقع معقد أصلاً، وفقاً للجنرال قاصد محمود.
ورقة رابحة
بكل حال، الجغرافيا الأردنية التي كانت عازلاً طوال الوقت بين إسرائيل والجوار العربي والإقليمي بقيت سياسياً منذ عقود ورقة رابحة، لكنها اليوم وفي ظل أجواء وافتعال اليمين الإسرائيلي للحرب في كل مكان أصبحت ورقة خطرة وتمثل الموقع الأسوأ، لأن كل استراتيجية عمان النشطة في مجال منع توسع نطاق مواجهة العسكرية قائمة على فكرة السعي لعزل الجغرافيا الأردنية عن الصدامات. تلك طبعاً ستكون مهمة أمنية جيوسياسية معقدة للغاية إذا ما استنفرت القيادة الأمنية الوسطى قواتها، وبدأت إسرائيل وإيران تتبادلان قصف الصواريخ.
وسيزداد المشهد تعقيداً في الجغرافيا الأردنية إذا ما قرر الإسرائيلي قسراً العبور لضرب إيران عبر الأراضي الأردنية، أو إذا ما قررت طهران توجيه صواريخ عبر الأجواء الأردنية إلى الكيان الإسرائيلي. الجغرافيا هنا إذا لم تكن لعنة في ظروف الحرب وتعقيداتها، لن تعود امتيازاً أو مكسباً. لذلك، تعرف المؤسسة الأردنية أن التعقيد الأبرز الذي يواجهها يتعلق بكيفية حماية الأردن براً وجواً من توابع ومخلفات صراع عسكري عن بعد بين إيران وإسرائيل.
وهو ما لفت له النظر مبكراً عندما التقته «القدس العربي» رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، وهو يقول إن حماية حدود الأردن في كل الاتجاهات هي الأولوية المطلقة، وإن أجواء الشحن والشحن المضاد عسكرياً يمكن أن تقود إلى سقوط شظايا أو أجسام يتبادلها المتنازعون على الأرض الأردنية.
لا يوجد ما يوحي حتى الآن على الأقل بأن مناورة تحشد مواطنين عراقيين موالين لإيران على الحدود مع الأردن تحت لافتة هتاف يطالب بفتح الحدود للقتال في فلسطين المحتلة يمكن أن تتكرر. لكن في المقابل، لا توجد ضمانة بأن لا تتكرر بمواجهة أجواء الشحن والتصعيد العسكري، الأمر الذي يضرب أوتاراً أردنية بمنتهى الحساسية؛ فالجماعات التحشيدية المسلحة وغير المسلحة في العراق إذا ما ضربت إسرائيل إيران أو العكس، قد تزيد من جرعة وجودها على الحدود مع الأردن بغرض الجهاد المقدس، مع أن عضو مجلس الأعيان الدكتور محمد المومني سبق أن سأل علناً هذه المجموعات عن خلفيات وألغاز رغبتها بالقتال ضد إسرائيل عبر الأراضي الأردنية، مع أن الأجواء في الجولان السوري والجنوب اللبناني مؤاتية لها أكثر لإعلان «الجهاد» ومتاحة لها.
طموحات «عراقية»
بكل حال، بروز طموحات لمجموعات عراقية بالتحشد على الحدود مظهر كان مقلقاً، لكنه يصبح مقلقاً أكثر إذا ما تكررت المحاولة، والسبب أنه يتطلب مقاربة أمنية تعزيزية على الحدود مع العراق لحمايتها وأخرى على الحدود الشمالية القريبة من الجولان، ما يعني بكل بساطة سياسياً أن تبادل عمليات عسكرية بأي صيغة بين طهران وتل أبيب من الطبيعي أن يؤدي إلى حالة استنفار حدودية وأمنية.
وذلك بكل حال ليس المحور الأمني الوحيد أردنياً، فحتى على هامش محاولات ضرب اليمنيين والعراقيين والسوريين لإسرائيل خلال العدوان على غزة، فقد كانت بعض الأجسام أو الطائرات المسيرة الصغيرة وشظايا القذائف تسقط في الأراضي الأردنية.
وما يبدو عليه الأمر أن عمان بحاجة ملحة لتقنيات دفاع جوي متقدمة جداً سبق أن طلبتها من الأمريكيين احتياطاً لتأثر العقبة في حال بروز سيناريو ضرب إيلات أو لحماية مناطق شمال المملكة بالقرب من الجولان ومناطق الأغوار.