يمكن ببساطة الشعور بالألغام المدفونة التي تحرك بينها وفي جوارها المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن وهو يناضل عابرا بين التنميق اللفظي واختيار المفردات، حتى يتمكن من وصف ما جرى في الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث هندسة عجيبة وغريبة كانت مرسومة بدقّة ضمن ما سبق أن سميناه «كبسة الرئيس ترامب» قبل أن يختفي الأخير من كل المشهد، لكي تبدأ من جديد وللأسف طبعا في بلاد العرب أوطاني محاولات الاستدراك بكبسة زر اخرى تناسب الرئيس جو بايدن.
قرأت بشغف واهتمام حيثيات تقرير التقييم الذي قدمه المركز الوطني لحقوق الإنسان بخصوص واحدة من أغرب الانتخابات العامة في الأردن.
تجول الناطقون باسم المركز، وهو بالمناسبة الذراع الرسمي التابع للدولة، هذه المرة بين العبارات والمفردات أملا في إنصاف التقييم نفسه، ثم الحفاظ على هيبة وسمعة المركز ولاحقا تجنب إغضاب بعض المسؤولين جدا بمعنى تأسيس جملة تغضبهم قليلا.
تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان لم يقل بسيطرة المال السياسي على الانتخابات بل قال عبارة أخف وطأة لكنها مهمة، عندما أشار لانتشار المال السياسي على نطاق واسع.
المركز الذي نحترم كل من يعمل فيه وسجله وتراثه تطرق أيضا لفعاليات الهندسة عند تشكيل قوائم المرشحين، ولم يتحدث عن ضغوطات مباشرة، لكنه اختار عبارة متذاكية تقول إن بعض الشكاوى والمخالفات للضغط على مرشحين وثنيهم أوصل المركز إلى قناعة بصحة الادعاءات والتي بلغ بعضها من الجسامة ما يعيب العملية الانتخابية برمتها.
لاحظوا هنا كيف يتجول بين الألغام من أعد التقرير، وقال هذا الكلام بمؤتمر صحافي وهو يحاول انتقاء المفردات بأناقة وسلاسة.
المركز ايضا اعتبر أن اجتماعات العشائر قبل الاقتراع سمح بها تحت مرأى السلطات خارج إطار القانون ووصف هذه الاجتماعات بأنها تخرق أمر الدفاع.
وينبغي أن يسمع هذه الملاحظة شخصان على الأقل في هرم الدولة الأردنية، وهما وزير الصحة الذي سمح بالاجتماعات العشائرية أصلا، ورئيس الهيئة المستقلة للانتخابات الذي طلب من لجنة الوباء الوطني أن تسمح بتلك الاجتماعات قبل أن يتحدث المركز الوطني عن منع المصابين بالفايروس كورونا في عدة حالات من التصويت رغم أن الهيئة أعلنت أنها جهزت لذلك.
يمكن ببساطة تخيُّل الألغام المدفونة التي تحرك بينها وفي جوارها المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن، وهو يناضل عابرا بين التنميق اللفظي واختيار المفردات، حتى يتمكن من وصف ما جرى في الانتخابات النيابية الأخيرة
ثمة في التقرير المهم، ملاحظات على الهيئة نفسها من حيث الأداء وعلى لجان الاقتراع والفرز التي وقعت بأخطاء.
تلك إشارة باطنية أيضا لأن أداء لجان الهيئة كجسم دستوري على الأقل في الانتخابات الأخيرة لم يرق بعد إلى مستوى التوافق داخل جسم الدولة… هذه تحديدا رسالة تعني الكثير اليوم، لأن الوطني لحقوق الإنسان ممثل للدولة وليس للناس ولأن من يلاحظ أو ينتقد هنا ليس المعارضة أو الحراك. بالمحصلة الكياسة والسياسة في الخلاصة، حيث المركز نفسه يوصي بتطوير النظام الانتخابي ويطالب بتمكين المواطن الأردني من تعبير انتخابي عن نفسه والاختيار الحر.
ولا أبالغ إذا قلت إن ذلك يعني أيضا أن الدولة ليست موحدة في نظرتها لآخر نسخة انتخابية من حيث أنها مكنت المواطنين من الاختيار الحر والتعبير عن أنفسهم.
تلك إشارات تستحق التقدير لكنها سياسيا قد تعني ما هو أكثر من ذلك، وأحسب وأجري على الله أن من ينتقد اليوم الجهات التي ارتكبت أخطاء جسيمة، ومن يلاحظ اليوم على أداء الهيئة المستقلة للانتخابات هم حقوقيون وخبراء انتدبتهم الدولة نفسها لمراقبة الأداء التنفيذي.
لا تستطيع السلطات بالموجب إحالة الملاحظ هنا أو الناقد أو المشخص إلى المحكمة بتهمة الإساءة لهيئة رسمية أو إثارة الفتنة أو المساس بمصالح وهيبة الدولة، وفقا لعلبة اتهامات فعلية، وجهت لأشخاص وأفراد انتقدوا قبل المركز الوطني لحقوق الإنسان ولاحظوا وليس سرا أن بين هؤلاء مجلس نقابة المعلمين أيضا.
مجددا ارتبكت الحلقات الكسولة والنائمة وأثبتت النخبة المحلية أن الارتجال والعشوائية نمط متكرس وأن البلاد ينبغي أن تستدرك دوما، وهو ما سبق أن حذرنا منه عشرات المرات، فمن غير المعقول أن تجري انتخابات أو تهندس بناء على كبسة زر لها علاقة بإدارة أمريكية تخوض انتخابات ثم يفوز طرف منافس خارج التوقعات فتخفق المؤسسات في الاستدراك في وقته المناسب.
وبعد أقل من شهرين على التعاطي مع نتائج الخلل والقصور يصبح المطلوب من المواطنين الأردنيين التحلي بالمزيد من الصبر واحتمال النتائج الفظيعة والاستعداد لمرحلة كبسة زر جديدة تناسب رئيسا أمريكيا منتخبا وجديدا.
يستحق الأردن قيادة وشعبا أداء مختلفا ووصفة وطنية بدون كبسات أزرار مهووسة أو متسرعة أو خالية من الاحتراف والمهنية.
نوجه التحية لجرأة المركز الوطني لحقوق الإنسان ونزعم بأن بين أسطر تقييمه ما هو أعمق وأهم بكثير من مجرد تشخيص لإجراءات انتخابية وأملنا في الله والوطن والقيادة أن نستدرك ولو مرة واحدة للمرة الأخيرة.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
*الأردن بخير والحمد لله على الرغم من
خسائر الشبيح كورونا.
حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين والمفسدين بالأرض.