الأردن بين «كمين الزيارة» ومجزرة جنين في مستوى «مراقبة الخطر»

بسام البدارين
حجم الخط
1

عمان – «القدس العربي»: طبيعي جداً القول بأن المجزرة الجديدة التي ارتكبتها إسرائيل في مخيم جنين صباح الخميس، تشكل حلقة ضغوط عنيفة على هوامش المناورة الأردنية سياسياً وإقليمياً لأنها باختصار وفي الخلاصة تقضي على كل احتمالات وسيناريوهات ليس النضج فقط الذي راهن عليه الأردن عند حكومة بنيامين نتنياهو، ولكن على كل مساحات المناورة التي تخيلها كثيرون بعد استقبال نتنياهو الأخير في عمان.
قبل أيام قليلة كانت تلك الزيارة عبئاً سياسياً وشعبياً بكل الدلالات والمقاييس. وقد أصبحت اليوم عبئاً أكبر بكثير بعد مجزرة جنين بسبب انطباعات واستنتاجات قد تكون متسرعة ولا تمثل الحقيقة، خصوصًا أن الأردن دائم التحذير من انهيار الوضع الأمني والقانوني في الأراضي الفلسطينية. ويمكن القول إن سياسياً من وزن طاهر المصري، وفي التداعيات المحلية الأردنية، كان أول من التقط إشارة التوقيت وعبئها عندما ظهر على شاشة قنات الجزيرة، ملمحاً إلى أن منح نتنياهو عملية جنين العسكرية الإذن مباشرة بعد مغادرة عمان توقيت وسلوك “لئيم”.
اختار المصري، وهو رجل دولة معتدل سياسياً، مفردته وهي “لئيم”، لعكس واقع الحال لا بل لإسقاط مشاعر الإحراج التي تسبب بها نتنياهو للأردن وغيره، حيث تشعر المؤسسات الأردنية باللؤم والتضليل إلى حد ما، وإن كانت لا تقر بذلك لأسباب مفهومة.

رسالة مرهقة

والرسالة هنا سياسياً مرهقة جداً وتثبت مرة أخرى وجديدة مشكلات بناء الثقة مع الإسرائيليين، التي يصفها في نقاش مع “القدس العربي” القيادي الشاب في الحركة الإسلامية رامي العياصرة، بأنها واهمة عملياً، وتثبت مجدداً عدم وجود حدود واضحة لإدراك مخاطر وانعكاسات مسارات التكيف.
مسار التكيف -في رأي العياصرة – لا ينطوي على مكاسب جوهرية من أي نوع، وإن كان يوفر مساحة مناورة مجانية في ظل ترتيبات مرهقة وخيارات محدودة أمام السياسي الأردني تتطلب في المحصلة مقاربات مختلفة ترتقي إلى مستوى الاشتباك وتعمل على أساس عكس الاطمئنان أردنياً للعدو الذي تم تجريبه عشرات المرات.
وهو رأي يتفق معه المصري مجددا، وهو يعلن بأن اليمين الإسرائيلي طامع بالأردن.
في المقابل، انعكاسات مجزرة جنين على الواقع الموضوعي في الأردن كانت سريعة وحادة الملامح وسط دعوات من منتديات شعبية وإعلامية للتضامن مع الشعب الفلسطيني وأهل جنين صباح الجمعة، فيما تكثفت عمليات التعبير عن كمين سياسي تورطت به البلاد عندما استقبلت نتنياهو.
وطبعاً تلك سردية لمسار الأحداث لا تتفق معها الشخصيات الرسمية دون بناء سيناريو أو سردية مضادة تقول للرأي العام حكومياً على الأقل بأن استقبال نتنياهو كان خطوة غير مهمة هدفها التأكيد على الثوابت أو خططت لمنح عملية سلام ميتة سريرياً فرصة للبحث عن ملاذ وأفق سياسي ما دامت الأطراف تتحدث اليوم بلغة الأفق الاقتصادي فقط، وهو ليس بديلاً بأي حال عن الحلول السياسية والحقوقية والقانونية، برأي العديد من الخبراء مثل الدكتور مروان المعشر وآخرين.

تصريح خشن

ورغم غياب تلك السردية المقنعة، اعتبر سياسيون ومراقبون بأن مجزرة جنين “صفعة جديدة” في الاتجاه المعاكس للثوابت الأردنية تتطلب رداً أو عقاباً، خصوصاً أن زيارة نتنياهو أعقبها تدنيس الاحتلال للمصلى المرواني في المسجد الأقصى، كما أعقبتها تصريحات جديدة من الوزراء اليمينيين ضد الوصاية الأردنية.
الموقف بهذا المعنى أصبح معقداً أكثر، وتوقيت الزيارة قد يكون لئيماً فعلاً، مما دفع وزارة الخارجية الأردنية لإصدار تصريح خشن إلى حد ما يتهم إسرائيل بالتصعيد ويحذر من أن جميع الأطراف ستدفع ثمن الانهيار الأمني.
باختصار، تراكم على الطاولة الأردنية سبب جديد يقول ضمناً بأن استقبال نتنياهو والتحدث معه لم يكن خطوة ناجحة بأي معيار، ونتحدث هنا طبعاً عن مجزرة جنين التي أضافت للقناعات القديمة انطباعات جديدة بأن إسرائيل التي كان يمكن للأردن أن يتفاهم معها سابقاً وفي مراحل زمنية متعددة لم تعد قائمة، ولا يوجد في الأفق إلا الكيان الإسرائيلي اليميني المتطرف الذي يخطط، على رأي المصري بكل حال، لابتلاع الأردن وفي أقل تقدير لإقامة “الوطن البديل”، برأي المعشر.
زيارة نتنياهو بعد ما حصل في جنين خرجت تماماً عن سكتها الإنتاجية، وتساهم أردنياً بخلط الأوراق مجدداً، وقد تعيد إذا ما انفلتت الأوضاع الأمنية مجدداً الأردن الرسمي إلى المربع الأول، وهو صعوبة بناء الثقة مع الإسرائيليين والعودة قسراً لمخاطبة المجتمع الدولي على أساس أن الصمت على مجزرة جنين في المحصلة “لن يخدم” مشروع تثبيت الخطوط الحمراء ولا الوصاية في القدس.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تيسير خرما:

    إسرائيل تسعد بترويج الأردن نفسها دولياً كراعية لعرب فلسطين 1948 والضفة وغزة وترويج الأردن كدولة ترحب بدخول 3 مليون من 4 دول جوار عبر عقدين وتقدم خدمات لهم مجاناً وتشغلهم بدل مواطنيها، فإسرائيل تريد تهجير فلسطينين للأردن لحل مشكلتها الديمغرافية وهذا الترويج للأردن ستعتبره إسرائيل وداعميها مكمل لخططهم بالتهجير، وبالتالي على الأردن من الآن فصاعداً انتهاج سياسة طاردة ترفض استقبال من يحاول عبور حدودها وترفض تقديم خدمات مجانية لهم وتشغيلهم وترفض مساعدات دول أخرى لهم لا تشمل قبول تسفيرهم للدول المانحة.

إشترك في قائمتنا البريدية