قواعد مالية لم يعتد عليها القطاع الخاص ومن الطبيعي ان يهاجمها الحيتان وان تغضب حتى بعض المسؤولين والوزراء بسبب سياسة القبضة المستحكمة في توزيع وإنفاق المخصصات ومراقبة الإنفاق.
عمان-»القدس العربي»: التحدي المالي تحديدا بالمعادلة الأردنية يفترض ويعتقد انه سيتجدد مع إطلالة العام الجديد. لكن التحدي الأساسي بالمقابل عشية إنشغال الطاقم المالي في الحكومة بإعداد الميزانية المالية الجديدة يتمثل اليوم في الحرص على ثلاثة مبادئ يقال وسط الاقتصاديين بأن وزير المالية الحالي الدكتور محمد العسعس نجح في تكريسها واعتبارا من العام الماضي في ظل محاولة رسم سياسات مالية تتناغم مع طبيعة التحديات التي تواجهها الخزينة ولاحقا الاقتصاد الأردني في ظل تحديات فيروس كورونا.
ومع دخول البلاد في الموجة الثالثة أو حتى الرابعة للفيروس وعودة مؤشرات التفشي، يصبح الإنتباه والحذر برأي الخبير الاقتصادي والوزير والبرلماني السابق الدكتور محمد الحلايقة عندما يتعلق الأمر بإدارة حصيفة ورصينة للسياسة المالية ما دامت السياسة النقدية منتجة وفعالة ولديها ما يكفي من احتياط القرارات والاستراتيجيات للعبور بين الكمائن والمطبات.
مجددا التحدي الأساسي يتعلق بثلاثة مفاصل هي حصريا البقاء في مستوى الالتزام الحرفي المهني بالإنفاق الرأسمالي تحديدا كما أقر سابقا. ثم العمل على تحسين عوائد ومكاسب الخزينة والمالية قدر الامكان وفقا لزيادة برامج كفاءة التحصيل وتحسين نوعية الأداء الضريبي. ثم ثالثا وهو الأهم الحرص على العبور بالميزانية المالية وفقا لنفس سيناريو العام الماضي، بمعنى بقاء الحكومة ملتزمة بعدم رفع المزيد من الضرائب على المواطنين وخصوصا في إطار نظام الخدمات وأسعار السلع الأساسية.
وتشير الأوراق التي تدرس حاليا في السياق الرقمي بأن العائد الضريبي على الخزينة وخلال عام كورونا المنصرم زاد بمعدلات نسبوية مئوية ما بين 6-15 في المئة في إشارة لا تبدو مفهومة أو مألوفة وفي ظل تراجع العديد من المشروعات والشركات والمصانع وتراجع الصادرات والحركة الاقتصادية عموما.
لكن في قياسات المطبخ المالي للحكومة تم تحصيل الضرائب التي وردت كعائدات في الميزانية العام الماضي وبنسب زيادة عن التوقعات في بعض التفاصيل، والمطبخ المعني يرد الأمر هنا إلى إنتاجية البرامج الضريبية المهنية التي طبقت معاييرها وأدت إلى زيادة نسبة التحصيل وإلى تأسيس منطق منصف وجديد من العدالة الضريبية.
المعنى ان العوائد الضريبية على الخزينة زادت بسبب الالتزام من قبل وزارة المالية وأجهزتها الحرفية والمهنية بالقوانين واللوائح والتعليمات وبعد الاجتهاد والنشاط في توجيه ضربات مدروسة لمكافحة التهرب الضريبي، الأمر الذي رفع من تقييمات وتصنيفات الأردن في مقاربات وتقارير البنك الدولي وفقا لما كان ينادي به البنك لسنوات طويلة.
وبمعنى ان السيطرة الكبيرة على إنفاق المشاريع وإنفاق مؤسسات والوزارات دفع باتجاه عملية ضبط منهجية مبرمجة جعلت الأرقام التي وردت في بند النفقات قريبة بنسبة تصل إلى 99 و100 في المئة في بعض الأحيان وفقا للخطة الموضوعة سابقا.
وبالمقابل تمكنت وزارة المالية من زيادة العائدات عبر التقنيات الضريبية الجديدة المستعملة مما دفعها للاسترخاء في الجزء المتعلق باللجوء إلى الخيارات السهلة دوما مثل رفع الضرائب العامة.
مبكرا ومن العام الماضي رفع الوزير العسعس شعارا أمام «القدس العربي» قوامه العمل ضمن برنامج منصف لتحسين الكفاءة الضريبية والالتزام بعدم رفع ضريبة المبيعات أو أصناف الضرائب العامة بدلالة تقترب أكثر من مفهوم التكافل الضريبي.
وليس سرا هنا ان العسعس وطاقمه خططا مبكرا للتركيز على كبار دافعي الضرائب والذين يحققون الأرباح الأكبر بطبيعة الحال بدلا من التركيز على صغار المتاجرين ودافعي الضرائب مما ساهم على الأرجح فيما يبدو بتقليص الهوامش وبتأسيس معادلة أدت إلى تجميد عوائد الخزينة نتائج وتداعيات عامي كورونا.
تلك قواعد إدارة مالية مختلفة لم يعتد عليها القطاع الخاص الأردني ومن الطبيعي ان يهاجمها الحيتان ورأس المال وان تغضب حتى بعض المسؤولين والوزراء بسبب سياسة القبضة المستحكمة في توزيع وإنفاق المخصصات ومراقبة الإنفاق الصغير قبل الكبير.
يرضي هذا النمط من العمل المؤسسات والدول المانحة ويضفي على الأردن مصداقية في المجتمع الدولي ويعزز موقع حكومته ما دامت تحقق نتائج في العوائد برفض ومقاومة أي توصيات لها علاقة بفرض أو رفع المزيد من الضرائب.
ويحصل ذلك فيما تتنوع الآن وبجرأة قواعد العمل في الاشتباك المالي تحديدا في عملية لها خصوم محليون بطبيعة الحال سياسيا لكنها وفرت حماية حتى الآن وبرأي الخبير والنائب خير ابو صعليك من الذهاب إلى السيناريو اللبناني.
وما يترقبه الجميع اليوم هو حجم انعكاس تلك القواعد على النسخة الجديدة من الميزانية المالية التي يفترض ان تحيلها الحكومة للبرلمان قريبا وقبل نهاية العام الجاري.
الصورة: محمد العسعس