عمان- «القدس العربي»: الملاحظة التي سجلت مرجعياً وعلناً قبل أشهر على رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز أنه «بطيء قليلاً لكنه عميق»، بمعنى أنه يتردد في اتخاذ القرارات ويدرس كل التفاصيل.
طبعاً، لا يمكن تحديد وترسيم ملامح الملاحظة نفسها اليوم في «التقييم الملكي» لأداء الرئيس الرزاز الذي يواجه أزمة بيروقراطية واقتصادية وشعبية وسياسية مركبة، فكرتها باختصار ضرورة إصلاح الأعطاب في جسم طائرة «خربانة» أثناء التحليق.
لكن أمام الرئيس، في كل حال، فرصة زمنية قد ترتبط بسقف العمر المتبقي للبرلمان. المقصود أن عمر حكومة الرزاز على الأرجح سيطول إلى نهاية الصيف المقبل، حيث تنتهي الدورة العادية الأخيرة لبرلمان الشعب وتحت شعار: «السلطتان تبقيان معاً وتسقطان معاً».
ينتقل للخارج ويلعب دور «الظهير القشاش» بعد «بطيء وعميق»
مع بدايات العام الجديد، يبدو أن الرزاز يقر بتمكنه من فعاليات الداخل وتجاوزه الأشهر السبعة الأولى الساخنة وسط أزمة الحراك الشعبي الذي لم يصل من حيث الزخم إلى استحقاق من نوع التغيير الوزاري. الآن بدأ رئيس الوزراء يتهيأ للعمل على أولويته الاقتصادي، لكن من الخارج، في محاولة واضحة ستكشف عن مواهب وفعالية المثقف والخبير الإكتواري المالي الذي كان كادراً متقدماً في البنك الدولي قبل تولي مهام إدارة حكومة بلاده.
هنا يمكن ملاحظة التطور الأخير اللافت جداً في مسيرة حكومة الرزاز، فهو- ومباشرة بعد زيارتين له خارج البلاد في غاية الأهمية لبغداد وأنقره- في طريقه إلى المحطة الثالثة على جدول أعمال النشاط الخارجي، وهي «واشنطن»، حيث تتضح الرؤية أكثر لمعرفة ما إذا كانت المؤسسات التي تمثل «الدول المانحة» ستمنح الرزاز «فرصة منصفة» بعد الإصلاحات الضريبية الجريئة التي نفذها مؤخراً.
يسعى الرزاز لإبلاغ كل خصومه في الداخل والخارج والشارع بأنه يستطيع لعب دور «الظهير القشاش» الذي يحاول جمع المكاسب والاستثمار في الحضور الدولي للقيادة الأردنية وبطريقة فنية ورشيقة.
لا توجد أي قرينة على أن الرزاز مهتم أصلاً ببحث ملفات «سياسية» مع الأمريكيين أو حتى العراقيين والأتراك، فقد منحه الرئيس رجب طيب اردوغان ما يريده عندما استقبله بعدما قام بتسليمه رجل الأعمال المتهم في قضية التبغ، عوني مطيع، واستقبله العراقيون بدفء قبل تحميله 15 اتفاقية دفعة واحدة، يتطلب نفاذها على الأرجح إعادة تعيين سفير أردني في طهران.
الملاحظة الأخيرة سجلها رئيس الديوان الملكي الأسبق الخبير الاقتصادي البارز، الدكتور جواد العناني، علناً وفي الصالون السياسي للصحافي محمد التل، عندما اعتبر أن الوصفة الأقرب لاحتواء الأزمة الاقتصادية في بلاده فـتح الـبلاد أمام «السياحة الشيعية الإيرانية» والتعاون استراتيجياً مع قطر.
الاقتراح الذي يتبناه العناني يتطلب «تغييراً دراماتيكياً» في الذهنية الأمنية الأردنية وجرأة على تجاوز البوصلة الأمريكية وتحمل كلفة استفزاز شقيقتها الإسرائيلية، وهما بوصلتان لم تقدما أي خدمة حتى اللحظة بالمناسبة لصالح التقليص من أزمة الخزينة الأردنية.
عملياً، يخطط الرزاز للقول بأنه قادر على «اختراقات دبلوماسية خارجية» بالرغم من كل ما يقال عن البطء والتدرج ومحلية حضوره وشخصيته، خصوصاً وأنه «متراسل موثوق» منذ أسابيع مع النظام السوري أيضاً ويطمح إلى تعزيز حصته في الاتصالات مع دمشق ويأمل في رفع مستوى استعادة الثقة لنقطة يستقبل فيها نظيره السوري في عمان ثم يلحقه لزيارة دمشق.
تسجيل نقاط في هذا الاتجاه يتطلب «تجربة الحظ» في عاصمة القرار الكوني. فالرزاز في واشنطن قريباً لأول مرة منذ توليه وظيفة رسمية في بلاده.. هذا «خبر عاجل» بمواصفات قياسية، وجدول أعمال الزيارة – وفقاً لصحيفة عمون الإلكترونية – يخلو تماماً من الأجندة السياسية والملفات المعقدة، ويقتصر على مقابلات معمقة مع مسؤولي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من رفاق الرزاز القدامى، ثم مقابلة خاصة مع وزير الخزانة الأمريكية ستيفن مونتشين.
واضح تماماً في السياق أن الاشتباك مع «العقل المالي» الذي يدير الأمور في واشنطن له هدف واحد ويتيم ويحظى بكل الأولية ومتعلق باستحقاق القسط المالي المطلوب من الأردن قريباً جداً، وبقيمة مليار وربع المليار دولار كـ «فوائد اقتراض».
واضح أيضاً أن هذا المبلغ غير متوفر كله على الأقل، وأن الرزاز يسعى لجدولة جديدة أو «وصفة مبتكرة» لتجاوز استحقاق توقيت الدفع لأن هذا الموضوع – كما أكدت «القدس العربي» – له أولوية قصوى الآن في عمان.
الهدف هو الاطمئنان على أن البنك الدولي وبعثة الصندوق في عمان لن تخذلا الرزاز مجدداً، وستمنحان المملكة فرصة لتمكينها من الاقتراض دولياً بنسبة فائدة محمية. ولاحقاً، تلمس الطريقة التي تفكر فيها وزارة الخزينة الأمريكية إزاء أزمة فوائد أقساط الدين الخارجي ومعرفة ما إذا كانت مستعدة لضمان المملكة مجدداً، كما كانت تفعل في الماضي إذا ما قررت الاقتراض أو تأجيل السداد.
ثمة في الأفق أسئلة سياسية مهمة ستجيب عليها وقفة الرزاز في واشنطن، لأن الأرقام تقرأ سياسياً هنا، والسؤال الأردني الأكثر قلقاً بعنوان: هل تخلت واشنطن تماماً أو في طريقها للتخلي عن حليفها الأردني مالياً واقتصادياً؟