الأردن ـ سوريا: مين «الداية» ومين«الولادة»؟ حرب الجوع «لبنان أولا»

مجددا تعود حليمة التلفزيونية في عمان الى عادتها القديمة. فالعرس كأنه عند الجيران بالنسبة لأذرع الإعلام، مثل التلفزيون الرسمي، الذي تدفع له الخزينة مئات الملايين من الدنانير والدولارات سنويا.
الفتنة الأخيرة كانت أكبر صدمة في تاريخ الأردنيين منذ أكثر من 85 عاما والإجراء المتخذ في ملف الأمير حمزة بن الحسين، ضمن ظلال الفتنة هو الأول من نوعه، حسب تلفزيون “رؤيا”.
بالتالي لا يمكن أن يقف عند حدود السرد والخبر فقط، والواجب المهني والوطني يقتضي بأن تتابع الشاشات الرسمية مثل تلفزيون الحكومة أو حتى فضائية “المملكة” ما ينبغي أن تتابعه في العادة أي وسيلة إعلام.
انشغلت شريحة المراسلين التلفزيونيين حتى في فضائيات “الجزيرة” و”سكاي نيوز” و”بي بي سي” وغيرها وغالبية الفضائيات بمتابعة الحدث وتحليله واستضافة معلقين أردنيين لتناول الرسالة المهمة والتاريخية، التي قدمها الملك شخصيا في مصارحة شعبه.
قد تكون تلك شفافية وجرأة غير معهودة وغير مسبوقة في وضع كامل الملف، الذي فصم الأردنيين وصدمهم بين يدي الشعب ولأول مرة.
غير معقول إطلاقا وغير مبرر أن يصمت الإعلام الرسمي المتلفز ويبتلع لسانه، وكأن المسألة لا تخصه، فيما تنشغل فضائيات الكون في التحليل والاستضافة والتعليق.
هذا مؤسف حقا وفعلا ويتكرر، فقيمة الحالة الأردنية محورها الشرعية الدستورية والاستقرار الذي تديمه كنعمة على الأردنيين.
لماذا الرعب وعلى أي أساس؟!
نواجه مجددا نفس السؤال القديم عن الإعلام المرعوب؟
لا يوجد ما يرعب، لا بل يوجد نص مهم ومرجعي أساسي يحتاج للتفصيل والتحليل ولبناء الاستنتاجات عليه.

حرب الجوع

المتحدث مع الزميل محمد كريشان على قناة “الجزيرة” أحد القلائل في الخبرة الدولية في ملف الغذاء ويقيم في عمان.
تدفق الضيف وهو يتحدث محذرا من حرب الجوع التي أشار لها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين.
سأل زميلنا المذيع كريشان ضيفه الأردني، وهو منسق لمخاطر الغذاء سابقا في الأمم المتحدة، وكانت إشارة شاشة “الجزيرة” تشير الى أن الضيف من عمان.
سأل كريشان عن الدول العربية المهددة بالجوع، بسرعة قال الضيف: لبنان في الصدارة واليمن بعدها ثم السودان.
استغربت قليلا لأن الإلحاح في السؤال قابله جواب دبلوماسي أيضا للضيف المتحدث فقد اعتبر غالبية الدول العربية متضررة جدا أو تواجه مخاطر بنسب متفاوتة. وأشار الى مشكلة القمح والغذاء في العراق.
والى التعقيدات التي ستحصل في سوريا، وبخصوص دول الخليج تبين بأن “الحكاية حكاية فلوس”، فمن لديه أموال “لن يجوع”. يا حسرتنا نحن شعوب جوار إسرائيل.
ثم سألت نفسك كأردني مشاهد ومتابع، ماذا عن الأمن الغذائي الأردني، ولماذا لا يقولها الضيف بوضوح بأن الأردن من البلدان والدول العربية التي ستواجه مشكلة، ليس في الغذاء تقريبا، ولكن في أسعاره وفي تأمينه ومخزونه وأيضا في أمن الطاقة والأمن المائي.
لا يقولها الضيف لياقة لنشرة أخبار “الجزيرة”.
لكن نقولها نحن بالنيابة عنه، لأن أكثر عبارة تتردد في الاردن منذ أشهر هي المخزون الآمن استجابة وطنية والأمن الغذائي، وما نفهمه من الخبراء والمعنيين أننا فعلا وحقا في الخطر وأننا بحاجة ملحة لاستجابة وطنية.
أجهزة وأذرع العسس في الدول العربية الغنية، وتلك الطفرانة مهووسة بمراقبة الناس وأرائهم وانتقاداتهم، ولا تشتغل بخمسة قروش في الأمن الثلاثي الأخطر، حيث الغذاء والماء والطاقة.

الداية والولادة

تبدو عبارة ذهنية مستفزة للعقل والمنطق “الداية مش أحن من الولادة”.
قالها رئيس مجلس النواب الأردني الفاضل عبد الكريم الدغمي، وتعثرت بها مجددا في شريط مصور يتضمن مقابلة بثتها للدغمي فضائية “المملكة”.
يقصد الدغمي ملف اللجوء السوري تحديدا. لا توجد أداة لقياس مقدار الشفقة والحنان ما بين سوريا الأم والداية الأردنية التي استقبلت ضحايا الجحيم السوري!
أعلم مسبقا بأن شريحة لا يستهان بها من اللاجئين السوريين خرجت بالإغراء أو لأسباب اقتصادية، ونعلم مثل الدغمي أن الكرة في مرمى بلدي الأردن وأن المؤامرة كانت ضخمة على سوريا الشقيقة. لكن الداية فقط في الحالة السورية يمكنها أن تكون أحن من الولادة عندما تستخدم السيدة الأم فلسفة العقاب الجماعي فتقصف ببراميل متفجرة قرية كاملة، لأن مسلحا مرتزقا عبر منها أو أقام فيها عنوة.
فقط الملف السوري هو الذي يفصمنا دوما، حيث لا يمكن الخضوع للمنطق ولا معرفة ما الذي حصل ومتى وأين ولماذا؟
الأم الحقيقية لا تسمح أصلا بتشريد 6 ملايين مواطن من أولادها، لكن ذلك أصبح وراء الظهر ويمكن للولادة أن تستدرك وتثبت للداية بأنه ثمة مكان لعودة الابن، سواء أكان ضالا أم فر قسرا من الجحيم والبراميل المتفجرة وأذرع الأمن، التي تقلع الأظافر أو تقتل بالجوع والعطش.
عندما تقسو وتظلم الولادة ليس بالضرورة مغازلتها بتوجيه اللوم للداية!

٭ مدير مكتب «القدس العربي» في عمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية