لا أعرف سببا يدفعني كمواطن أردني للامتناع عن المشاركة في نشاط تفاعلي مع إيقاع الوطن الفلسطيني السليب بالمعنى السلمي والسياسي على حسابي الشخصي ونفقتي الخاصة، لإظهار حجم من التضامن مع شعبنا الفلسطيني وتحديدا مع أهل قطاع غزة الذين يدفعون ضريبة الدم اليوم دفاعا عن ما تبقى من كرامة الأمة.
على الشعوب والدول العربية أن تلتفت لتحصين مصالحها بالتوقف عن إنكار الحاجة الملحة لتجنب المزيد من «خذلان» الدم الفلسطيني الذي يعتدي عليه اليوم الحليف الأمريكي والغربي وشريك السلام الإسرائيلي الموهوم.
لا أعرف بالمقابل كمواطن ما الذي يدفع بعض أذرع الإعلام الرسمي في بلادي للتشكيك بنوايا دعوات تلقائية شبابية تتحدث عن الإضراب وتحاول البحث عن أفضل وسيلة فاعلة لإظهار التفاعل مع تضحيات الشعب الفلسطيني.
بعض التعبيرات الإعلامية وقبل وبعد إضراب الإثنين الناجح والمهم بدأت تشكك بالنوايا والخلفيات وبخبث الأجندات بصيغة تثبت بأن بعض الصحف «لا تقرأ» في الواقع معطيات الشبكة معلوماتيا، وهي تبث وتنشر وتشرح قصة «الإضراب إياه» عشرات المرات.
على الشعوب والدول العربية أن تلتفت لتحصين مصالحها بالتوقف عن إنكار الحاجة الملحة لتجنب المزيد من «خذلان» الدم الفلسطيني الذي يعتدي عليه اليوم الحليف الأمريكي والغربي وشريك السلام الإسرائيلي الموهوم
أجزم شخصيا بأن ضريبة الدم الفلسطيني ينبغي أن نوفر لها نحن القاعدين والذين لا نتعرض لإجرام الوحش الهمجي الإسرائيلي اليوم على الأقل نمطا من التضامن والحماية ولو بالحد الأدنى من الانسجام مع الضمير والوقائع أو حتى من باب التعويض عن القصور والتقصير الذي يعترينا إزاء التضحيات العظيمة لشعبنا الفلسطيني.
التضامن مع أهل قطاع غزة اليوم يعني فورا التضامن مع الذات وحماية لها وكي وعيها ووعي الأمة بالحقائق والوقائع بعدما سقطت «كل الأقنعة».
لم يبالغ من قال يوما فينا نحن الأردنيين بأن الحفرة العميقة التي نتجت عن قنبلة أمريكية ألقيت على مربع سكني في مخيم جباليا سيتم إسقاط أختها لاحقا- إذا صمتنا الآن- على ملعب كرة قدم في عمان أو على أهرامات مصر وبرج خليفة وفنادق بغداد ومرافق ومنشآت بقية عواصم العرب ما لم يدرك العدوان ورموزه أن طوفان الأقصى غير وبدل في المعادلة.
معيب جدا أن تصدر في صحف رسمية أردنية مانشتات كبيرة وعريضة تتحدث عن أطراف غير وطنية أو مشبوهة دعت لإضراب ما ومعيب جدا أن الذهنية التي تدير الإعلام الرسمي أو الأداء البيروقراطي في عمان لا زالت تلك الذهنية الخشبية التي تصر على استدعاء كل ما سبق أن عرض في الماضي من كلاسيكيات الاتهامات المعلبة.
المؤسف أكثر أن لا ندرك بعد اليوم بأن منصات التواصل الاجتماعي أو ما يسمى بـ «السوشال ميديا» هي السلاح الفاعل والأساسي في التأسيس لحالات تحشيد اجتماعي.
ومن غير المعقول أن تبقى أطراف الحراك والمعارضة باسم الشعب الأردني في الشارع فقط في إطار التظاهر اللفظي وترديد الأهازيج.
صعب جدا قراءة الحديث عن تجاوب الأردنيين مع إضراب قررته فتاة فلسطينية في المهجر، عندما خاطبت بعض مشاهير منصات التواصل فتحول إلى مسلسل يتسلل بعمق إلى أذهان الجمهور.
وبدلا من الوقوف عند هذه الحقيقة والتعمق في الأسباب العميقة التي تدفع الأردنيين للتجاوب وبكثافة ملحوظة بحثا عن أسرار ومفاتيح ألغاز موقف الشعب الأردني من الواضح أن بعضنا انتخب الطريق الأسهل في ترديد كلمات قديمة علاها الغبار عن أجندات ومندسين ودعوات مشبوهة.
تلك تأطيرات باطلة يدرك المراقب فيها أن السلطة قد تكون أغضبها الإضراب ونجاحه لكن دون إظهار الأسباب.
لا أعتقد أن امتناع أحدهم عن فتح بقالته مثلا من باب التعبير الرمزي عن التضامن مع شعب فلسطين وأهلها ينطوي على إيذاء مصالح رسمية.
ولا أعتقد إطلاقا بأن تقديم التبرعات المادية فقط والتظاهرات في الشارع هي الوسائل الوحيدة للضغط على العدوان الإسرائيلي وأغلب الظن والتقدير أن حلقات في عمق مكونات المجتمع الأردني تبحث عن ما يسد رمقها في انعكاس حالة العجز الرسمية التي ستدفع الأنظمة والحكومات إذا ما استمرت مقابل شلال الدم الجاري ثمنها مستقبلا.
تصوري أن الإضرابات والتنويع في مسيرات الاحتجاج على العدوان والتضامن مع شعب فلسطين وأهلها ومقاومتها متعددة وينبغي أن تتنوع مادامت ملتزمة بالقانون.
واعتقادي راسخ بأن من لا يفهم لغة العصر في تحشيد آراء الشباب على الأقل لا يمكنه إتهام نشاطاتهم وحراكاتهم وهي غير ملزمة لجموع الشعوب بالعادة.
العقلية الخشبية يفترض أننا غادرناها في وقت سابق ومنطوق التحديث السياسي والتنموي والاقتصادي في الأردن مثلا يرتكز برمته على مخاطبة الشباب والشريحة التي استجابت لإضراب الإثنين المثير للجدل هي شريحة الشباب بمعنى أن الشاب الأردني وجد ضالته في هذا النمط من التعبير مادام لا يؤذي أحدا، فيما الإضراب لم يكن ملزما للقطاع العام ولا لأي مواطن .
ما يجري خطير والتضحية في الدم الفلسطيني كبيرة ومقارباتنا الرسمية والإعلامية ينبغي أن ترتقي كما ينبغي أن ترتقي المؤسسات التنفيذية إجرائيا إلى مستوى الخطاب الرسمي المرجعي الواضح في الاشتباك مع العدوان ورموزه وسرديته.
كاتب أردني