الأردن: لماذا «تتساهل» وزارة الخصاونة في مسألة «الولاية العامة»؟… «أصل الحكاية فلوس»

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان – «القدس العربي»: التمسك بـ “الولاية العامة” بمعناها الكلاسيكي في ظل “عدم وجود مال” يصبح بلا معنى ولا دلالة، وعلى الأرجح “ترف” لا تملكه أي حكومة.
واضح أن حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة قررت مبكراً أنها لا تحمل ترف الإصرار على مقولة الولاية العامة بمعناها المتشدد، كما فعلت حكومات سابقة لأن “ورثة العجز المالي” لدى الحكومة الحالية غير المحظوظة كبيرة وغير مسبوقة.
يرى تقدمي مسيس مثل الدكتور برهم مضاعين أن “المديون لا سيادة له” ويوافق على ضرورة “تفهم” الظروف والاعتبارات الاقتصادية والمالية عندما يتعلق الأمر بمراقبة “أداء واتجاهات” أي حكومة.
حديثاً، وعلى هامش نقاشات الإعفاءات الطبية تحت قبة البرلمان، اعتبر القطب القانوني والبرلماني صالح عرموطي أن قرار الحكومة نقل صلاحيات إصدار الإعفاء الطبي للديوان الملكي “مخالفة دستورية”، مشيراً إلى أن جوهر “الولاية العامة” يؤسس للنص الدستوري القائل بأن السلطة التنفيذية هي المسؤولة عن “إدارة مرافق الدولة”. في الأثناء كان وزير العمل الأسبق معن قطامين، يشرح تعليقاً على النقاش نفسه: “الولاية العامة ليست مسلوبة بل لا ترغب بها الحكومة”.
رغم أن تعليقات الوزير السابق القطامين يمكن تصنيفها بالمناكفة لحكومة كان فيها وزيراً لعدة أشهر، إلا أن الالتقاط هنا له ما يسوغه على أرض الواقع، لأن وزارة الخصاونة، وهو خبير استثنائي بحقيقة الأوضاع، تبدو من أكثر الحكومات “تساهلاً” في مسألة الولاية العامة وليس “تفريطاً” كما يتهمها كثيرون. وفي إحدى المناسبات، سمعت “القدس العربي” مباشرة الخصاونة يسأل: ما هي الولاية العامة؟ لاحقاً، نقل عنه أن مسألة الولاية العامة مقولة سياسية وليست “دستورية”.
طبعاً، المقصود أنها ليست سؤالاً استفهامياً بقدر ما هي تأشير على “وقائع الأمور”، فلجوء الحكومة لمؤسسات “سيادية” أخرى لديها “قدرات خاصة وأحياناً “عابرة للحكومات” قد يكون الخطوة الأكثر حكمة في ظروف خاصة ومحددة وصعبة، وفيما يخص بعض الملفات؛ لأن القدرات هنا بكل بساطة مرتبطة بـ “خزينة وزارة المالية” وبما يستطيع رئيس الوزراء إنفاقه أو حفظه أو عدم إنفاقه في ظل أولويات وثوابت، ولأن ممارسة الولاية العامة والتمسك بها بدون جذور وفي ظل عدم توفر “سيولة نقدية” هو ادعاء لبطولة وهمية وتجاوز على “الواقع الموضوعي” وعلى أساس النظرة التي يتحدث عنها دوما وزير المالية الدكتور محمد العسعس في إطار “وصفة وطنية” وليس “وصفة حكومية”.
في مثل تلك الظروف الخاصة، يصبح التمسك بـ”قشريات الولاية العامة” صنفاً من الهروب من مواجهة المشكلات وليس العكس، خصوصاً أن وزارة الخصاونة سجلت معدلات “تميز في إنجاز” المأمول منها، وشكلت في ظروف استثنائية معقدة خلافاً لأنها “أكملت واجباتها الموكولة تماماً” حتى بقناعة رئيس طاقمها.
المقصود دوماً عند اتهام الحكومة بالتفريط بالولاية العامة هي تلك المساحات في القرار والإدارة التي تتحرك فيها مؤسسات أخرى مهمة وشريكة مثل المؤسستين العسكرية والأمنية، ومؤسسة القصر الملكي، والديوان الملكي. وما يمكن فهمه من سجالات قريبة من رموز فاعلة في حكومة الخصاونة هو أن مفهوم الولاية العام هو للدولة عموماً ولكل مؤسساتها مجتمعة وليس لـ”حكومة معينة لم تنتخب” وتؤمر بمهام محددة وتحصل على ثقة البرلمان على أساس بيان وزاري مختص بتلك المهام. لذلك يبدو خصاونة أكثر مرونة في مسألة الولاية العامة؛ لأن الحرص على استئثار الحكومة بكل مساحات الاشتباك يتطلب “وفرة مالية في الخزينة”، وعجوزات ومديونية أقل، وفائضاً مالياً يتيح للرئيس أن يقرر ويشتبك ويعالج ويناور ويبادر.
ولعل وزارة الخصاونة الأكثر حظاً في وجود “وثائق مرجعية” تهتدي بها، لكنها فعلاً الأقل حظاً عندما يتعلق الأمر بـ “ضيق ذات اليد” مالياً، فيما المعيار “الاقتصادي والمالي” أساسي جداً ومفصلي حتى في تحديد الاتجاه السياسي، وهو ما يلمح له الخبير البارز الدكتور خير أبوصعليك وهو ينظر لاهتمام الأردن بـ “التهدئة” في فلسطين باعتباره اهتماماً بأجندة اقتصادية بالمقام الأول، حيث لا يمكن تأسيس ولا إقامة مشاريع دون “تهدئة”. وعليه، لا يلتقط كثيرون ما هو جوهري في رسالة الخصاونة عندما يبدو ميسراً وغير متمسك بشراسة بحكاية الولاية العامة، لأن أصل الحكاية – كما ذكر مسؤول بارز أمام “القدس العربي”- هو “حكاية فلوس”.
طبعاً، لأسباب مفهومة يحجم خصاونة وكبار المسؤولين عن إظهار مشكلاتهم ومخاوفهم “المالية” حصراً، لأن الرأي العام المحلي ليس من النوع الراشد في التعاطي مع “أزمة مالية”. لكن القناعة راسخة عموماً بأن التمسك المتشدد بمقولة الولاية العامة بدون سند دستوري قوي في وقت “الطفر” يصبح أقرب إلى ترف أو ادعاء وتمثيلية، فيما طاقم الخصاونة قرر مبكراً ومن اليوم الأول “أن لا يمثل” على مؤسسات القرار ولا على الشارع.
قد لا تقول الحكومة “كل الأشياء والمعلومات”، لكنها قررت أن لا تعمل في الخفاء وتتصرف بشفافية وتتحدث بالحد المنطقي من الصراحة والامتناع عن ترحيل المشكلات، وفي الوقت نفسه “تعداد الأيام” قبل الرحيل وبدون وصلات “تشدق” غير منتجة بولاية عامة أو خاصة لا يمكن ممارستها في ظل أزمة مالية خانقة تجعل الطاقم مهتماً بمعالجة المشكلات “عندما تحصل” فقط على طريقة الدكتور عمر الرزاز، لأن البحث عن المشكلات قبل حصولها ووضع خطط لمواجهتها منهجياً يتطلب وباختصار “إمكانات مالية غير متاحة”، وكل من يعمل في دوائر القرار يعلم ذلك. وفي الأثناء، يمكن إفساح المجال للآلية المستحدثة عند رسم السياسات واتخاذ القرارات المهمة والأساسية عبر هيكل مؤسسي رفيع باسم “مجلس السياسات” وتفريعاته.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية