عمان- ليث الجنيدي: يواصل الأردنيون التعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين في قطاع غزة، ورفضهم للحرب الإسرائيلية الدموية المستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
هذا التضامن يتجسد في فعاليات شعبية شبه يومية، لكنها تصاعدت منذ بدء النصف الثاني من شهر رمضان، مدفوعة بلا مبالاة إسرائيل بالتحذيرات الدولية من التداعيات الكارثية للحرب على نحو 2.3 مليون فلسطيني.
فجر الاثنين، انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي من “مجمع الشفاء الطبي” غرب مدينة غزة بعد اقتحامه لمدة أسبوعين، مخلفا مئات الجثث داخل المجمع ومحيطه، فضلا عن إحراق وتدمير مباني المجمع ومعظم المنازل المحيطة به.
وبزعم أنها “المعقل الأخير لحركة حماس”، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الأحد، الموافقة على خطط عملياتية لاجتياح محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر.
وتتزايد تحذيرات دولية من تداعيات كارثية لاجتياح رفح، حيث يوجد نحو 1.4 مليون نازح، ما ينذر بارتكاب مزيد من المجازر في القطاع الذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عاما.
وحتى الآن، خلفت الحرب الإسرائيلية على غزة عشرات آلاف الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
وتواصل إسرائيل الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال رمضان، ورغم مثولها للمرة الأولى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية”.
وردا على ذلك، اختار المحتجون الأردنيون بجوار سفارة تل أبيب في عمّان مكانا ثابتا لمظاهرة يومية، سمحت بها السلطات، شريطة عدم تجاوز القانون في المملكة التي ترتبط مع إسرائيل باتفاقية سلام منذ عام 1994.
مراسل الأناضول تابع المظاهرات على مدار أيام متتالية، ورصد مطالب المحتجين وأبرزها: موقف رسمي “أكثر جدية” من الأردن تجاه ما يجري في غزة، باعتبار المملكة عمقا جغرافيا وديموغرافيا لفلسطين.
“لا سفارة (إسرائيلية) على الأرض الأردنية”.. هتاف صار يردده آلاف الأردنيين يوميا في الاحتجاجات، وهو مطلب لم يسبق أن نُفذ؛ فمعظم التصعيدات بين عمّان وتل أبيب دارت في فلك استدعاء السفير وإجراءات احتجاجية أخرى.
وسبق أن استجابت الحكومة الأردنية لمطالب الشارع، وقررت في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 سحب سفيرها من تل أبيب، ورفضت عودة سفير إسرائيل إلى عمّان.
ومنذ بدء النصف الثاني من رمضان، التزم آلاف الأردنيين بالمشاركة في مظاهرة يومية أمام مسجد الكالوتي بمنطقة الرابية في العاصمة، على بعد مئات الأمتار من مقر سفارة تل أبيب.
وشهدت المظاهرات اليومية هتافات، أبرزها إغلاق سفارة إسرائيل، وإلغاء اتفاقية السلام، ولم تخل من تدافع بين محتجين ورجال الأمن، خاصة أثناء محاولتهم تغيير مكان الاحتجاج والتقدم نحو مقر السفارة الإسرائيلية.
والأحد، أعلنت مديرية الأمن العام (تتبع لوزارة الداخلية) أن فعالية مساء السبت شهدت تصادمات مع رجال الأمن وإغلاق لطرق.
وأضافت أنها ستواصل عملها في “الحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي وتمكين المواطنين من التعبير عن آرائهم وفقا للقوانين”.
وشددت في الوقت نفسه على “تطبيق القانون على كل من يحاول التجاوز أو التحريض بالفعل أو القول على رجال الأمن أو إثارة الفتنة على وسائل التواصل”.
رئيس قسم الإعلام والدراسات الاستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال (رسمية) عيسى الشلبي قال للأناضول إن “ما يحدث قرب السفارة الإسرائيلية ما هو إلا ضغط على النظام السياسي الأردني لإلغاء اتفاقية وادي عربة (مع إسرائيل) وقطع كافة العلاقات مع دولة الاحتلال”.
وأضاف أن “المتظاهرين يرون أن ما يقوم به الأردن غير كافٍ لوقف العدوان على غزة، والذي زاد على ستة أشهر دون تحرك عربي أو دولي أو عالمي لوقف العدوان الغاشم”.
وأردف: “60 بالمئة من سكان الأردن من أصول فلسطينية، ولا يفصل المملكة عن الضفة الغربية سوى نهر الأردن، وهذا زاد من تحمل عمّان للوضع القائم حاليا بشكل كبير. والأردن يسعى للحل السياسي وإيقاف الحرب”.
الشلبي قال إن “هناك أيادٍ خارجية (لم يسمها) تحاول الزج بالشارع الأردني إلى الانحراف عن الوقفات الاحتجاجية السلمية إلى مظاهرات تدعو إلى الفوضى والاعتداء على الأمن الأردني، الذي يحاول مساعدة المحتجين”.
وتابع: “لا بد أن يكون هناك ضبط للنفس ومحاولة ضبط الشارع في مسيرات سلمية ووقفات تضامنية تعّبر عن روح المسؤولية، بعيدا عن الفوضى والعبارات غير المسؤولة”.
وزاد بأن “الأردن هو الأطول حدودا مع إسرائيل، وهذا من أهم محددات السياسة الخارجية للتعامل معها، إضافة إلى أن اتفاقية 1994 كانت ضرورة حتمية تقتضيها مصلحة الدولة الأردنية”.
بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية (رسمية) بدر الماضي أن “المظاهرات بدأت تخرج عن المألوف في الحياة السياسية الأردنية والأطر المتفق عليها ضمنا بين القوى المحسوبة على المعارضة وأجهزة الدولة”.
وأضاف الماضي للأناضول: “الأردن الرسمي لم يتوان عن أخذ زمام المبادرة في نصرة أهل غزة، وعلى المستوى الشعبي، لم يمر يوم أو جمعة حتى وقف الشعب الأردني بكافة مكوناته منددا بالجرائم المرتكبة ضد أبناء القطاع”.
واستدرك: “استمر ذلك حتى منتصف رمضان، حيث بدأ التحول في الخطاب الشعبي من مهاجمة الكيان الإسرائيلي إلى مهاجمة السياسات الحكومية الأردنية”.
واستطرد: “وبدأت الأمور تسير باتجاه أن مسؤولية نصرة الشعب الفلسطيني هي مسؤولية أردنية فقط وليست عربية أو إسلامية أو إنسانية دولية”.
و”تمت الدعوة إلى مظاهرات لاحتلال سفارة الكيان، والتي لا يوجد بها أحد منذ بداية الحرب، والأردن ملزم بمحددات دولية وسياسية جاءت ضمن إطار عربي، وتحديدا فلسطيني عندما تم الذهاب إلى إقامة سلام مع دولة الاحتلال”، وفق الماضي.
وعن القوى المشاركة في المظاهرات، قال إن “الكل يعلم أن هناك تيارا سياسيا (لم يسمه) يتصدر المشهد في الساحة الأردنية في الوقت الحالي”.
وأردف: “ولكن يجب علينا أن لا ننسى أن هناك تيارات يسارية وقومية مشاركة بقوة، بالإضافة إلى التيار العريض غير المسيس من النخب العمّانية التي لم تعتد التنظيم السياسي، لكنها خرجت هذه المرة نصرة لغزة”.
واستدرك: “لكن تحولت هذه النصرة إلى اتهام مباشر للحكومة من هذه التيارات السياسية والشعبية”.
ومنذ بدء الحرب على غزة، فإن الداعي الرئيس لعدد كبير من الاحتجاجات في الأردن هو “الملتقى الوطني لدعم المقاومة” (نقابي حزبي)، والذي تعد الحركة الإسلامية جزءا منه.
وبخصوص السيناريوهات القادمة، رأى الماضي أن “الحكومة الأردنية يمكنها أن تتجه إلى منع المظاهرات والتجمعات البشرية، إذا ما بقي هذا النفس الاتهامي للدولة في الشارع”.
ودعا قيادات المقاومة الفلسطينية إلى “أن تتوقف عن تجاوز النظام الرسمي الأردني، عبر توجيه الخطاب إلى القواعد الشعبية”.
ومضى قائلا إنه “بات من المستهجن أن تتم مخاطبة بعض الشعوب دون الأخرى، وكأن الأمر يشي بمحاولة جعل الأردن ساحة للصراع بعد الذي جرى في غزة”.
وقبل أيام، دعت الحكومة الأردنية حركة “حماس” إلى التوقف عما وصفته بـ”التحريض على الدولة”.
وجاءت دعوة الحكومة بعد دعوات وجهها كل من قائد “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” محمد الضيف، وزعيم الحركة بالخارج خالد مشعل، إلى الشعب الأردني باستمرار التظاهر من أجل غزة.
(الأناضول)