الأردن: مسألة الهوية والسلام

حجم الخط
0

التقلبات في محيط الاردن الاستراتيجي الحرب الاهلية في سوريا التي أدت الى انتقال نحو مليون ونصف لاجيء الى الاردن وتواجد شبكات ارهاب جهادية اسلامية قرب حدود المملكة؛ استمرار عدم الاستقرار في العراق، الذي جلب هو أيضا قرابة نصف مليون لاجيء عراقي، استقروا في الاردن في العقد الاخير، المصاعب في المفاوضات لحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني مما لها تأثير كبير على المزاج العام ولا سيما في الشارع الفلسطيني في الاردن هذه التطورات تثير نقاش جماهيري يقظ، يجد تعبيره في الشبكات الاجتماعية حول هوية المملكة الهاشمية.
ردود الفعل على حدث قتل القاضي الاردني/الفلسطيني على جسر اللبني من قبل جندي اسرائيلي، هي حالة اختبارية لفحص الموضوع. فعدد النشطاء في الشبكات الاجتماعي واعضاء برلمان في الاردن، معظمهم من اصل فلسطيني، قرروا استخدام الحدث كرافعة لممارسة الضغط الجماهيري والبرلماني على الملك، الضغط الذي يستهدف الغاء اتفاق السلام بين اسرائيل والاردن، طرد السفير الاسرائيلي من عمان واضافة الى ذلك العمل على تحرير احمد دقامسة، الجندي الاردني الذي قتل سبع فتيات في نهاريم في 1997.
انتظمت ثلاث استعراضات للقوة في اليوم التالي للحدث: استعراض قوة امام السفارة الاسرائيلية في عمان، وآخر لاتحاد المحامين والقضاة، والذي احرق فيه علم اسرائيل وهتف لطرد السفير، واستعراض ثالث تمثل بتصويت حجب الثقة في البرلمان الاردني حين طالبت اللجنة الفلسطينية ولجنة حقوق الانسان الغاء اتفاق السلام بين الاردن واسرائيل.
وندد الملك عبدالله الثاني بالحدث علنا، بعث بوزير الخارجية ناصر جودة الى البرلمان للتنديد ولضمان التحقيق الدقيق للحدث، قدم التعازي في منزل والد المغدور في الاردن والتقطت له صور وهو يعانق الاب. بعد نحو 24 ساعة من الحدث، قرر رئيس وزراء اسرائيل، وعلى ما يبدو بالتنسيق مع الديوان الملكي، ارسال اعتذار علني الى الملك والى الشعب الاردني على الحدث المؤسف بل والاعلان عن تشكيل لجنة تحقيق مشتركة لفحص ملابسات الحدث.
يشير الخطاب المكثف الذي ثار في الشبكات الاجتماعية في اعقاب الحدث الى ثلاثة ميول اساسية:
فوارق المناهج بين مجموعات النفوذ المختلفة في الاردن الاردنيون مقابل الفلسطينيين في مسألة الهوية والتماثل بين ‘الاردني’ وبين ‘الفلسطيني’.
فشل بارز للمعسكر الفلسطيني في الاردن وزعماء المعارضة في مساعيهم لتجنيد الرأي العام واستخدام الحدث الموضعي للتصعيد في الساحة الثنائية بين اسرائيل والاردن.
الاهمية الاستراتيجية لاتفاق السلام بين الاردن واسرائيل في نظر الجمهور الاردني.
علاقات الفلسطينيين الاردنيين: خطاب الهوية بين ‘الاردني’ وبين ‘الفلسطيني’ والتوتر بينهم. فقد بدأت الازمة في الشبكة عندما اختار النشطاء الفلسطينيون التشديد على كون القاضي المغدور فلسطيني من سكان نابلس وليس على كونه اردنياً. اضافة الى ذلك، اختاروا التلويح في أثناء المظاهرات بعلم فلسطين واستغلوا الحدث من ناحية سياسية لممارسة الضغط على الملك، لاحراجه، لاضعافه وللتهديد بتصويت حجب الثقة في البرلمان. وأدت هذه الخطوات الى رد مضاد في الشبكات الاجتماعية من جانب مواطنين اردنيين ونشطاء من اصل غير فلسطيني.
الشباب الاردني يقف الى جانب الملك. يمنح الشباب الاردني الملك التأييد في ضوء نجاحه في الحفاظ على وحدة الاردن ووقف الفوضى الاقليمية في بوابات المملكة. فالجمهور الشاب الذي شهد الثورات في الدول العربية، ليس معنيا اليوم بدفع ثمن مشابه ولهذا فليس له أي مصلحة في اضعاف الملك. أما محاولة المس بسياسة الملك، فقد أدت بالذات الى توحيد الصفوف وخلق جبهة واحدة ومعارضة فورية وقاطعة للمطالب المطروحة. وثمة حتى من أضاف وقال: ‘كلنا اردنيون، فلماذا هذه التفرقة’؟ ‘العلم الوحيد الذي يجب أن يرفع في المظاهرات هو علم الاردن’.
المطالب الثلاثة: طرد السفير الاسرائيلي من الاردن، الغاء اتفاق السلام وتحرير احمد دقامسة، لم تحظ بتأييد جماهيري واسع وبالاجماع وبالتالي فان المحاولة لاستخدام الحدث كخطوة استراتيجية ضد اسرائيل فشلت.
‘الدولة البديلة’ و ‘دولة كل مواطنيها’. توجد محافل في الشبكة تعتقد بان مواطني الاردن من اصل فلسطيني لا يتنازلون عن الهوية الوطنية الفلسطينية. ويطرح الامر ايضا حول النقاش بالنسبة لمستقبل المملكة، هل ستحافظ المملكة على طابعها الهاشمي أم ربما في ضوء كثرة الاقليات في الاردن فلسطينيين، سوريين وعراقيين يشكلون عمليا اغلبية مطلقة، سيتحول الاردن الى ما يسمى ‘الدولة البديلة’. يرى شباب الاردن في هذا السيناريو خطر للغاية على استقرار المملكة وذلك لان المجموعة الفلسطينية ستكون السائدة وستجعل الاردن دولة فلسطينية بحكم الامر الواقع. ويفهم من الخطاب في الشبكة سيناريو بديل ‘للدولة البديلة’ وهذا يسمى: ‘دولة كل مواطنيها’، يكون فيها كل مواطن في الاردن متساويا في الحقوق والواجبات، دون أفضلية لاي طائفة، قليلة او مجموعة عرقية.

علاقات الاردن ـ اسرائيل

لقد تبين نتيجة الحدث بانه توجد اليوم اغلبية في اوساط الجمهور الاردني الشاب، الذي يشارك في الشبكات، يؤيد اتفاق السلام بين الدولتين.
فليست النخبة السلطوية وحدها تفهم الاهمية الاستراتيجية والمقابل الذي يحققه الاردن جراء اتفاق السلام، بل والجيل الشاب ايضا الذي يرى في الاتفاق عنصر استقرار حيوي في هذه اللحظة. في نظر هذه الجهات، فان الاتفاق يحافظ بالذات على الالية والتوازن الداخلي في الاردن بين مواطني الاردن الفلسطينيين والاردنيين وهو حرج لبقاء المملكة. واذا كان في الماضي اعتراض على اتفاق السلام بين السكان الاردنيين واضطر الملك ووزراؤه الدفاع عن الاتفاق، فثمة اليوم اساس شرعي أوسع للاتفاق، ولهذا فان المحاولة لاستخدام الحدث الذي قتل فيه القاضي، فشلت فشلا ذريعا.

ملاحظات:

الشباب في الاردن، ولا سيما الاردنيون، يحتلون بالتدريج المكان التقليدي للقبائل البدوية في قاعدة التأييد والشرعية للمملكة الهاشية وللملك عبدالله الثاني بشكل خاص. وقد اختار الشباب أن يضعوا أنفسهم في معسكر الملك انطلاقا من الايمان بقدرتهم على التأثير على الملك واحداث الاصلاحات والتغييرات المرغوب فيها والمواجهة الناجحة لتحديات عدم الاستقرار الاقليمي دون عواصف زائدة. وفي السنة والنصف الاخيرتين نشهد انه في كل مرة حاولت فيها مراكز القوة في الاردن ممارسة الضغط على الملك، وقف النشطاء الشباب الى جانبه وسمحوا له بمواجهة الضغوط الداخلية دون أن تهز هذه المملكة.
في ميزان القوى الداخلي الاردني، يشكل الشباب الاردني اليوم قوة توازن بين مركزي القوة: فمن جهة ـ رؤساء القبائل الاردنيين، ومن جهة اخرى ـ الحركات الاسلامية ولا سيما الاخوان المسلمين. وبالتالي، فان كل أزمة داخلية مستقبلية في الاردن ستفحص أيضا عبر هذا المنشور لموقف الشباب الاردني.
اضافة الى ذلك، فاذا كان اتفاق السلام في الماضي منح الشرعية لدولة اسرائيل في المنطقة وبالمقابل تصاعدت في الاردن الاصوات والانتقادات للاتفاق واقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل، فاليوم، عندما يجتاز العالم العربي الصدمات والزعماء العرب يفقدون الشرعية لحكمهم، انقلبت الامور رأسا على عقب وبات اتفاق السلام مع اسرائيل يشكل اساسا شرعيا وعامل استقرار للمملكة الاردنية. وقد أدى هذا التطور التدريجي بالجمهور الشاب في الاردن الى ان يؤيد الحفاظ على اتفاق السلام واعتباره ذخرا استراتيجيا.
جملة التحديات التي تواجهها المملكة: التدخل الخارجية في شؤونها الداخلية؛ انتقال اللاجئين من سوريا الى الاردن؛ استخدام الاردن كمسار عبور وتمويل للجهاديين في طريقهم الى سوريا؛ الصراع بين طالبي النظام الجديد والنخب التقليدية التي تحاول الحفاظ على النظام القديم: غياب حل للنزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني؛ الازمة الاقتصادية ـ كل هذه وغيرها من العناصر تثير خطابا حول هوية الاردن المستقبلية ـ الحفاظ على المملكة الهاشمية، ‘الدولة البديلة’ أو ‘بلاد كل مواطنيها’. هذا الخطاب لا يزال في بدايته وينبغي متابعة تطوراته وآثاره.

نظرة عليا 13/5/2014

أودي ديكل وأوريت برلوف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية