عمان-“القدس العربي”: قد يلتفت كثيرون لعدم وجود “تعريف مانع وشامل” لما يسميه رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز بـ”مشروع النهضة الوطني” قبل ان يرتد سياسيا طرف السلطة لتبحث في التفاصيل وهي تطالب المواطنين بالاستعداد للمشاركة و”تشمير السواعد” في بناء المشروع الغامض.
منذ البداية أمر خطاب التكليف الملكي لحكومة الرزاز بالعمل على مشروع نهضة وطني شامل. ومن البداية أيضا تعهد الأخير في الرد على خطاب الملك وفي البيان الوزاري الذي نال ثقة البرلمان على أساسه بالعمل على إعداد مشروع نهضة وطني شامل.
لكن في كل المراحل لم تقدم الحكومة أي شروح أو تفاصيل، والرأي العام لا يعرف بعد ما هو المقصود، وإن كان “الإصلاح السياسي الحقيقي” هو المساحة المرشحة للخوض في بناء نهضوي حسب ترجيحات الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة الشيخ مراد العضايلة، الذي جدد عبر “القدس العربي” المطالبة بقواعد عمل عميقة ونظيفة.
في كل حال يطرح الرزاز الإطار ويترك التفاصيل لكل الجهات المهتمة، وإن كان يحتفظ مع الدوائر المقربة منه بسيناريو محتمل ليس بالضرورة ان تلتزم به جميع الجهات الفاعلة في الدولة ولا حتى في البرلمان. ويعني ذلك ان الحكومة تسعى لإنتاج فاصل زمني يسمح بتلاقح الأفكار وبعد ترسيم ثلاثة عناوين رئيسية للنهضة المفترضة وهي دولة القانون والإنتاج وعلاقة ضريبية معنية بسياق الخدمات الأفضل للقطاع العام والتحول نحو مشاركة المواطن في صناعة القرار.
تلك العناوين لها علاقة بخطوات إصلاحية منطقية وطبيعية مقابل ترف الوقت الضائع وغياب الجدية كما يلاحظ المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ عبد الحميد الذنيبات.
بمعنى ان حكومة الرزاز لا تستطيع إطلاق اسم “مشروع نهضة” على خطوات إصلاحية أو بيروقراطية يفترض ان الواقع أصلا يتطلبها وبصفة خاصة بعد الإقرار “المرجعي الملكي” ولاحقا “الحكومي التنفيذي” بحصول “أخطاء في المسيرة” برفقة المنجزات وبحصول مظاهر “تقصير” لم يعد من الممكن المراوغة أو المراوحة فيها.
لكن عبارة “مشروع نهضة وطني” تنتمي في الواقع لعائلة الأدبيات المدنية والعلمية التي وردت سابقا في أبحاث وتقارير ودراسات خاصة تقدم بها الرزاز نفسه حتى قبل استلامه وزارة التربية والتعليم، وعندما كان يشارك في “دراسات ظل عميقة” تزود صانع القرار بالمعطيات وهي الدراسات نفسها التي قفزت به لاحقا رئيسا للوزراء. ومن المرجح ان الرزاز لا يريد ان يقول ذلك بصورة علنية لأنه يعلم يقينا ان الطائرة ينبغي ان يتم إصلاحها أثناء التحليق كما قال أمام “القدس العربي”.
وثانيا انه “ليس وحيدا في مضمار القرار” كما ألمح أيضا أمام “القدس العربي” الأمر الذي يعزز الانطباع السياسي بأن مربع رئيس الوزراء يتحسس الاحتمالات ولا يزال مشوشا في الاعتماد على دعم واسناد بقية مؤسسات القرار لخطته، ويريد ان يدمج ما يفكر فيه بصفته الرجل الثاني دستوريا في هرم الدولة بما تفكر فيه “قوى الواقع” النافذة على حد تعبير وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر.
إلى ان يتلمس الرزاز طريق ودرب مشروعه النهضوي الغامض يمكن القول ان خطته التكتيكية هي التريث لكي تجتمع القوى الأساسية في الدولة قبل المجتمع على قواسم محددة تنتهي بـ”نص خليط” يحظى بالحد الأدنى من الإجماع الوطني ويسمح بالعمل على “خطة تنفيذية” تتجنب قوى الواقع إعاقتها.
لذلك يحرص الرزاز على البقاء على “تواصل” مع المجتمع وقواعده وبالتوازي على الاستمرار في بناء صورة رئيس جديد للوزراء مع التمتع بمراقبة بقية القوى داخل الدولة وهي تحاول تقييم تجربته برفقة البرلمان والسهر على “علاقة خالية من التوتر” مع جميع القوى الاجتماعية إبتداء بالإسلاميين وانتهاء بالتيارات المدنية مرورا بالبنية العشائرية وطبقة البيروقراط والتكنوقراط.
يبدو ذلك اتجاها تكتيكيا فاعلا وإجباريا، لكنه قد يتطلب المزيد من الوقت والقبول بسلسلة لا تنتهي من”التسويات”على حساب وثيقة مرجعية باسم النهضة الوطنية. والأهم على حساب مشكلات الواقع البيروقراطي التي تزداد شراسة في ظل تعقيدات الإقليم وعدم وجود آفاق لحل القضية الفلسطينية والأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة التي تعيشها خزينة الدولة.
وهو وضع “واقعي” يدفع الحكومة للتواري خلف إطار عام غامض باسم “مشروع نهضة وطني” ينتج جرعة محسوبة من”الإغراء السياسي والإعلامي” بدلا من التركيز على ملفات وقرارات وإتجاهات محددة في مستوى الإصلاح السياسي ينتقل عبره ما يسمى بمشروع النهضة الوطني مثل “برلمان حقيقي” وانتخابات “نزيهة” والقدرة حقا ليس قولا فقط، على تنفيذ إلتزام علني سابق بـ”حكومة أغلبية برلمانية منتخبة”.