عمان- «القدس العربي»: يقولها نقيب الأطباء ورئيس النقباء سابقاً في الأردن، الدكتور علي العبوس، بوضوح وصراحة.. «الرزاز يشبه الملقي». قبل ذلك بأيام، يعلنها أحد أقوى حلفاء رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز، وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر..»لا عذر له بعد التعديل الوزاري الأخير».
في الأثناء، وعلى مستوى التفاعل مع «الأزمة الأكبر»، وفي عهد الرزاز ومشروعه في الدولة المدنية والنهضة، يقرر الثنائي المخضرم أحمد عبيدات وطاهر المصري التقدم بالمبادرة الأخطر والأهم والأكثر عمقاً ودلالة باسم الإعلان عن «التجمع الوطني للتغيير». الرأي العام، على الأقل حتى مساء الخميس، لم يعرف بعد طبيعة الجملة الاعتراضية التي قرر عبيدات والمصري التقدم بها أملاً في «التحريك»، والأهم «ملء الفراغ» في المنطقة الفاصلة ما بين «عبث السلطة» ومغامرات الحراك الشعبي المتشدد.
حلفاء الرزاز «يتخلون» عنه ومبادرة عبيدات – المصري قريباً
مبادرة التغيير قديمة وحاولت الولادة مرات عدة بتوقيع المصري والعبيدات. لكنها فعلت هذه المرة، وفي عهد رئيس وزراء يفترض أنه ينتمي لنفس الأدبيات التي يمكن أن يتبناها ثنائي ثقيل الحجم، والمصري أبلغ «القدس العربي» مرات عدة بأن أصحاب الرأي السديد والمتوازن ينبغي أن يتصرفوا؛ لأن «البوصلة تنحرف»، مصرّاً على أن تقوم النخبة بدورها بدلاً من الصمت.
تبقى، في كل حال، محاولة من سياسيين يمارسان من سنوات النقد الوطني البناء على أمل «إشعال شمعة». المثير أن حراك عبيدات – المصري يولد في عهد حكومة الرزاز وحصرياً بعد آخر نسخة من التعديل الوزاري، ويتحالف مع سلوك العبوس والمعشر في التأشير على أن المرحلة صعبة ووزارة الرزاز خارج سياق «البصمة والتأثير».
وبعيداً سياسياً عن ذلك بقليل تحصل مواجهة هاتفية منقولة كرواية برلمانية بين أهم وزراء الرزاز بعد التعديل والمخضرم المشرع البارز عبد الكريم الدغمي. يتوجه الدغمي لأهله وأقاربه المحتقنين في قبيلة بني حسن بعد مداهمة وتصوير عملية اعتقال أحد النشطاء، ويتواصل مع وزير الداخلية الجديد سلامه حماد.
يسأل الدغمي حماد أمام الناس عن تعليقه حول المنقول باسمه بخصوص استفزاز وتحدي قبيلة بني حسن، فينفي الثاني الإساءة لأكبر قبيلة في المملكة جملة وتفصيلاً، ثم يطالب الدغمي ورفاقه من الوزير النافي إصدار بيان أو تصريح رسمي بهذا النفي، الأمر الذي حصل بكل الأحوال.
تنجح تدريجياً «إبرة التخدير» في احتواء غضب الناس، خصوصاً بعد مداهمة لم يفهم أحد بعد رسالتها، خلافاً للمألوف الأمني، صورت خلال تنفيذها فجراً في منزل المحامي نعيم أبو ردينة الذي تقول السلطات إنه ظهر في «فيديو شهير» وهو في حالة «إطالة لسان» و»تهديد لكيان الدولة».
في الهامش، يتبرأ وبعدة لهجات الوزير حماد من المسؤولية عن «المداهمات»، ويعد بضبط مجموعات الاعتقال عندما يتطلب الأمر، وبذكائه البيروقراطي المعهود يبدأ بإبلاغ الحراكيين والوسطاء بالمعادلة الجديدة.. «تقف المداهمات ويتغير أسلوب الاعتقال عند الضرورة، لكن الدولة «لن تسمح» بشطط الهتاف والشعارات التي تطيل اللسان بعد الآن». تبدو معادلة منطقية لبيروقراطي أمني أثارت عودته أصلاً لوزارة الداخلية عاصفة من الجدل.
لكن المثير أنها معادلة قد لا يستطيع «وزير سيادي سياسي» إلزام جميع الأجهزة والتطبيقات بها بالقدر نفسه الذي لا يملك فيه من تحدث ويتحدث باسم «الحراك التأزيمي» من نشطاء بني حسن أو غيرهم القدرة الفعلية على «ضبط» الهتافات وفي أي موقع أو مكان أو حتى القدرة على ادعاء تمثيل «الهتافين الشتامين».
الحراك الشعبي في الجزء المتشدد منه في الأطراف والبنية القبلية والمناطقية «لا رأس ولا برنامج له»… تلك إشكالية أعيت الدولة والسلطة والأحزاب والمبادرات وكل الأطراف، وهي نفسها الإشكالية التي تجعل الحركة الإسلامية مثلاً في أبعد مسافة عن حراك الشارع المنفلت.
وقد تكون نفسها الإشكالية التي تدفع بمبادرة عبيدات- المصري للواجهة مجدداً، وعلى أساس أن مصلحة الدولة العليا تتطلب اليوم وجود «قوى مستحكمة راشدة» في الشارع لديها مطالب محددة من الطراز الذي «يمكن التحاور معه».
في المقابل، كل ذلك يحصل وينمو من تحت أرجل حكومة الرزاز. وكله يولد ويزيد، فيما كشفت حادثة مداهمة منزل المحامي الناشط نعيم أبو ردينة عن «صراع نادر» كان يمكن الاستغناء عنه بين سلسلة برنامج «استعادة هيبة الدولة» ومسلسل الحراك العشائري الذي يتشدد بالعادة كلما حصلت اعتقالات ويشتط تماماً عند المداهمات.
هي قد تكون المواجهة الأكثر حساسية بين «هيبة العشيرة» التي تتوحد خلف كلمة واحدة، و»هيبة الأمن» الذي يحاول التقدم برسائل خشنة ضد الهتاف التأزيمي.
الإشارة هنا تدلل على «تدهور» جديد وحساس في العلاقة بين الدولة وبنيتها القبلية يرصد لأول مرة، فطوال عقود كانت الهيبتان معاً.
لكن مؤشرات احتمالية صراع بين إصرار البنية العشائرية وإصرار رعاة ودعاة «هيبة الدولة» قد تكون الأكثر إحراجاً الآن لعدة أسباب، أهمها توفّر فرصة كبيرة لأن يتسع الخرق والتباين، وهو يتغذى على أي «خطأ فردي» في الحراك إياه أو من عناصر الأجهزة الأمنية.
ثمة أسس لتغذية هذا الإحراج الآن أملاً في الوصول إلى لحظة الحقيقة واختبار يبرز في «أسوأ توقيت». الأيام المقبلة في الحالة الداخلية الأردنية قد تحسم المسألة، في الوقت الذي تتراكم فيه الاعتبارات والمبادرات والتحولات الخطرة في أحضان حكومة النهضة الوطنية.