الأردن: «وداع ميركل» و«جس نبض جونسون»… أسئلة «الدور والإدارة» مطروحة بقوة

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان – «القدس العربي» : يراقب الأردن باهتمام معطيات المشهد الإقليمي في سياق يحاول فيه إعادة الاعتبار لخريطة المكاسب التي نتجت عن احتضان دافئ من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، للأردن قيادة ودوراً، قبل عدة أسابيع.
ومع أن القناعة تزداد رسوخاً وسط السياسيين الأردنيين بأن أوضاع المنطقة والإقليم دخلت في سياق المتحول وليس الثابت، إلا أن مؤشرات الدفاع عن الدور والحصة والحراك الدبلوماسي مستمرة وسط قناعة غرفة القرار الأردنية بعدم وجود بديل عن الحركة الدائمة، خصوصاً أن علاقات الأردن بالمحور الخليجي إما تضررت أو متصدعة، فيما العلاقات مع دول مثل قطر وتركيا وسوريا، في طريقها لفتح صفحة جديدة بالتوازي مع ثبات استراتيجية اشتباك مشترك برفقة القيادة المصرية وتصورات تحاول النفاذ أحياناً للمعادلة العراقية، وأحياناً أخرى للمعادلة اللبنانية.

تأصيل العلاقات

تسعى عمان مجدداً للاستثمار في أفضلية «القدرة على التحدث مع جميع الأطراف في الوقت نفسه». لكن المكاسب تقلص منها بين الحين والآخر طبيعة الأدوات الموكلة إليها بعض المهام، وهي مسألة يحاول التنبيه لها متابع إستراتيجي مثل الدكتور عامر السبايلة، وهو يقترح على هامش نقاش مع «القدس العربي» بذل جهد أكبر لتأهيل أدوات على مستوى الإدارة والأداء تستطيع إنجاز المكاسب وإعادة التفاوض انطلاقاً أو بالتوازي مع الرؤية المرجعية التي تحاول الاختراق هنا وهناك.
عاد النشاط بكثافة إلى جبهة الحراك الملكي الأردني خلال الأيام القليلة الماضية، فقد زار الملك عبد الله الثاني برلين في إطار مبادرة خاصة يمكن اعتبارها باسم مجموعة من زعماء المنطقة العرب لتكريم ووداع المستشارة إنجيلا ميركل، وبهدف إظهار امتنان الأردن للصفحات التي فتحتها ميركل وفريقها على صعيد العلاقات الثنائية.
رغم أن السفير الأردني الجديد المعين في ألمانيا لم يتسلم مهام وظيفته بعدُ، إلا أن نائبه حضر الاجتماعات، والسياق الاستراتيجي للدولة الأردنية يحاول تثبيت لافتة العلاقات مع الألمان تحديداً، ليس فقط باعتبارها أحد العناوين الأساسية للبقاء في أقرب مسافة من المجموعة الأوروبية، ولكن أيضاً لتأصيل العلاقات بمستواها الثنائي، فألمانيا أصبحت ثاني أكبر دولة مانحة تدعم الاقتصاد الأردني، وما ذكرته وسائل الإعلام المحلية على هامش وداع ميركل ملكياً هو مبلغ يزيد على 400 مليون دولار قدمت أو رصدت. ووظيفة وزير التخطط والتعاون الدولي الأردني ناصر الشريدة، العمل على إدامة هذا الدعم المادي المباشر، لا بل زيادة رقعته إن وجد لذلك سبيلاً. ويلاحظ في السياق بأن الأجندة الألمانية تحديداً بدأت تجد لها مكاناً في بوصلة واتجاهات السياسة الأردنية بسبب الدعم الاقتصادي والمالي.
لكنها تجد، في التوازي، مكاناً في نشاط المنظمات الأهلية الأردنية التي تدعمها برامج مالية ألمانية بالتوازي مع الحكومة، وسط اعتقاد بأن استمرار الدعم الألماني المالي والسياسي عليه أيضاً بعض القيود، وترافقه بعض الاشتراطات قد يكون من بينها ثقافة الجندر، وملف المساواة، ودعم المرأة وتمكينها. وهو ما لاحظه في نقاش أيضاً مع «القدس العربي» الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي المعارضة، الشيخ مراد العضايلة، مكرراً التحذير من المساس بالهوية الوطنية والدينية للمجتمع الأردني.
لكن ما يجد له مكانة أيضاً هو تلك الجدية الألمانية في العمل على مراقبة إنفاق المال والمساعدات المخصصة، واشتراطات وقيود الشفافية ومعايير النزاهة التي يحذر بعض البيروقراطيين الأردنيين من تحولها إلى حالة ضغط على الواقع السياسي الأردني في مناخات تقبل مقايضات سياسية.

حاجة براغماتية

في كل حال، وبعيداً عن تلك الحسابات، كان وداع ميركل بمبادرة أردنية محاولة للبقاء على مسافة قريبة جداً من المطبخ الأوروبي، وإن كانت البوصلة لا تزال غامضة مع العهد الجديد في برلين. لكن الخطوة التي قد تكون أكثر أهمية في حسابات السياسية الأردنية الدقيقة والصريحة بعد زيارة ألمانيا، قد تكون التوقف ملكياً مجدداً على المحطة البريطانية، وتلك المشاورات التي ستعني الكثير لاحقاً في حسابات الأردن الإقليمية مع رئيس الوزراء في المملكة المتحدة والحزب الحاكم، فعمان تتحرك في اتجاه دبلوماسية التنويع بخطوات بطيئة.
لكنها يفترض أن تكون عميقة، وجس نبض حكومة بريطانيا ورئيسها بورس جونسون، قد يكون محطة أساسية في الاستشعار تحاول الإجابة حصرياً على سؤال له علاقة بما يدور بخصوص دور الأردن وحصته من العناية في عقل الأركان الأساسية في المجتمع الدولي، وعلى أساس أن الجبهة آمنة مع الأمريكيين وشبه مضمونة حتى سقف زمني محدد مسبقاً مع إدارة بايدن والحزب الديمقراطي.
لكن الحاجة براغماتية لتلمس المكانة والتفويض وقراءة المساحات وتدوير الزوايا مجدداً عند الأوروبيين، مما يفسر التفاعل مع محطتي لندن وبرلين. في الأثناء، ثمة مسوغ آخر مهم يقر به السياسيون الأردنيون، وتحديداً في الشريحة التي تعتقد منهم بأن ما سمي بوثائق باندورا في حلقتها الأولى أو في الحلقات التالية إن وجدت، قد يكون ألحق بعض الأذى ويحتاج إلى التلمس والرصد والاستدراك، والسبب ليس قوة الحجة والمخاوف، بل سوء الإدارة في التعامل مع الملف من جانب المؤسسات والنخب الأردنية، إعلامياً على الأقل.
في كل حال، خطة الاشتباك الأردني تتواصل، والماكينة الملكية السياسية على الأقل تواصل الحراك والتحرك، ومصالح الأردن في الميزان من جهة التضامن الاقتصادي والمالي ومن جهة الدور والمبادرات الإقليمية، وان كان السبايلة يحذر من أن المساحة الإقليمية مفتوحة على الغموض، والانتباه الدقيق واجب في كل الأحوال. وهو تحذير لم يعد سراً أن المؤسسة الأردنية تأخذه بالاعتبار.
ولكن لم يعد سراً – في المقابل – أن المرحلة التالية في الأداء والأدوات بعد الاعتبار مهمة أيضاً؛ فعبارة مثل «سوء الإدارة» ترافق عدداً كبيراً من الدبلوماسيين الغربيين الذين يتحدثون أو يسربون هنا أو هناك وفي عمق العاصمة عمان، الأمر الذي تجاوز الجميع مرحلة النفي والنكران.
المطلوب من حكومة الأردن ونخبها هو الانتقال إلى جملة أداء ترقى إلى مستوى ما يؤسسه ويضعه حراك ملكي في عمق عواصم المجتمع الأردني المؤثرة من منتج، بين يدي المؤسسات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية