عمان – «القدس العربي»: لماذا مالت مفاصل القرار في الحكومة والدولة الأردنية إلى إظهار قدر من الاسترخاء الشديد بعد الإعلان عن فوز الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن؟
يبدو السؤال ساذجاً سياسياً إذا طرح بمعزل عن تلك القناعات المستقرة في عمق القرار الأردني تحت عنوان الفرص والأولويات. والأهم تحت عنوان الغرق الممل والمضجر الذي أدى بعمان أن تسهر الليالي الطويلة وهي تخطط لتجنب تلك الكمائن والمطبات التي زرعها في طريق المملكة ودورها ومصالحها الأساسية الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب.
دراما العلاقات السيئة
سمعت «القدس العربي» عدة مرات، رئيس الوزراء الأردني الحالي والدبلوماسي المخضرم الدكتور بشر الخصاونة قبل رئاسة الوزراء، يتحدث عن علاقات أردنية مستقرة على مستوى المؤسسات بالولايات المتحدة الأمريكية، وعن مصالح تستطيع بلاده التمسك بها في كل الأحوال، إضافة إلى مبالغات في الحديث عن دراما العلاقات السيئة مع الرئيس الراحل دونالد ترامب. وسمعت «القدس العربي» في موقع سيادي أمريكي ملاحظة ذكية تختصر المشهد وتقول: .. ما يخيفنا دوماً ليس ما يقوله أو يفعله أو يقرره الرئيس ترامب، ولكن ما لا يقوله أو ينوي فعله ولا نعلم عنه.
الانطباع قوي في عمان بأن الرئيس الأمريكي الجديد سيخفف من التشنج في المنطقة
تلك مقولة تختصر الفكرة المقصودة في سلسلة من أسوأ العلاقات بين عمان وواشنطن. ظهرت مبكراً ملامح الاشتباك مع صفقة القرن المربكة جداً مع عمان ومع كبير المستشارين جاريد كوشنر، الذي قيل له في اجتماع مغلق في العاصمة الأردنية بأن المملكة لا تستطيع، تحت أي حال، التحدث بلهجتين في عملية السلام. وعليه، يمكن القول اليوم بأن أبرز تجليات الانتخابات الأمريكية بالنسبة للبوصلة الأردنية معيارها التخلص من كوشنر وترتيباته، وأيضاً من الرجل الذي يوصف في عمان بأنه جاهل بقضة الشرق الأوسط وزير الخارجية مايك بومبيو.
ويرحب بالمناخ النخبوي السياسي الأردني هنا بما يوصف بـ»خبرة الديمقراطيين» في المنطقة والصراع، وفي ملف القضية الفلسطينية تحديداً، قياساً بمغامرات الجمهوريين الذين تركوا في المسألة الفلسطينية الحبل منفلتاً تماماً أمام طاقم ترامب في سياق اجتهادات أرهقت وأرعبت الجميع، وتسببت بتحديات كبيرة للمصالح العليا الأردنية، وأهمها -حسب تعبير رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري- مصالح تجاوز الدور، والقفز على بنية التاريخ الأردني في الاشتباك.
بعد بايدن يثق خبراء كبار بأن الكثير من التفاصيل تغيرت، فالالتزام بما يسمى «أمن إسرائيل» مسألة، وتقويض عملة السلام ودفنها تماماً مسألة أخرى مختلفة، حسب الوزير والخبير سابقاً وعضو مجلس الأعيان حالياً وجيه العزايزة.
العزايزة، عندما سألته «القدس العربي» عن قراءة سريعة للمستجد، توقع بأن يعود إلى الطاولة خيار حل الدولتين، وبأن يستمع الأمريكيون بعد بايدن أكثر للعقلاء والحكماء في المنطقة وأصحاب الخبرة بقضاياها، وعلى رأسهم الملك عبد الله الثاني.
وجهة نظر العزايزة في التفاصيل أن الطاقم الجاهل قد يغيب، وبعض الرموز والقادة في المنطقة يمكن توديعهم من الآن، متوقعاً أن يتغير وضع الائتلاف الحكومي في إسرائيل، وتنصف عملية التسوية من جديد، ويعود الحوار مع الشعب الفلسطيني ومؤسساته، وتحدث ميول للاستدراك في واشنطن، وأن يخف الضغط في مسألة الإسلام السياسي، وتبدأ عملية المصالحة في الخليج وإنهاء الحصار على قطر، وكذلك أن تتغير الأوضاع في اليمن ضمن سلسلة معطيات يتوقعها العزايزة على جدول النجم الجديد مع طاقمه في البيت الأبيض.
سأل الأردنيون بكثافة قبل ذلك عن نوعية تلك الفرصة التي يمنحها فوز بايدن لبلادهم. الانطباع قوي في عمان الآن بأن بايدن سيخفف من التشنج، وبأن هوامش الدور الإقليمي الأردني قد تعود أو تنشط بالتدريج بعد ما تجاهلها وأحياناً ركلها قدم ترامب.
والانطباع نفسه يتفاءل بأن يعود الحديث الأمريكي الرسمي صلباً في مسألة المستوطنات، وبأن تختفي من القاموس الدبلوماسي عبارات من طراز حل الدولة الواحدة، أو ضم الضفة الغربية، أو السلام من أجل السلام.
ملف القدس
يأمل الأردنيون أيضاً بأن تتحسن، ولو قليلاً، صورة ما حصل في ملف القدس الجارح، ويرى العزايزة مع غيره بأن تعديلاً في المسألة يمكن توقعه. والآمال انتعشت بأن تخف حدة قطار التطبيع الخليجي والعربي المجاني ودون تشاور مع الأردن، وبأن تصبح إسرائيل أقل تأثيراً في الإدارة المصرية، وبأن يعود مركز الثقل للقاهرة، وتنتهي التشنجات في الخليج واليمن، والأهم بأن تطوى صفحة تلك الأوراق التي خلطها تحالف طاقم ترامب مع اليمين الإسرائيلي الأصولي المتشدد واليمين العربي الذي حاول الاقتناص وتعزيز المصالح الذاتية على جثة العدالة والإنصاف والسلام، وهي مرتكزات وثوابت موقف الدولة الأردنية.