عمان ـ «القدس العربي»: قد لا يقود عمل الأردن المكثف ضد الطموح الإسرائيلي التوسعي من خلال التنسيق مع الدول العربية والمجتمع الدولي، إلى نتائج مثمرة لا في قياسات الشارع الأردني ولا حتى في قياسات مؤسسات القرار الرسمي، خصوصاً إذا بقيت المقاربة في إطار الموقف السلبي للمجتمع الدولي كما كان عليه المشهد منذ العام الماضي.
رغم ذلك، اتجاه الدولة الأردنية هو الذي عبر عنه الاثنين الماضي خطاب العرش الملكي بمناسبة افتتاح دورة البرلمان.
ولاحقاً خطاب وزير الخارجية أيمن الصفدي، يتحدث عن التمسك بـ «الثوابت والمبادئ» وإن كانت السيولة الاستراتيجية التي دخلت فيها المنطقة قد تؤدي ـ وفقاً لما قرأه مع «القدس العربي» السياسي مروان الفاعوري ـ إلى «ضغوط على الأردن» في عهد الرئيس دونالد ترامب لـ«تعديل» نصوص تلك المبادئ والثوابت.
يستعد الأردن استراتيجياً لكل الخيارات والسيناريوهات وسط نقاشات صاخبة من أبرز قيادات المجتمع وتدشين تساؤلات الصالونات السياسية بانتظار المزيد من الشرح والتفصيل للسردية الرسمية في مسار الأحداث، فيما تتواصل «المشاورات السيادية» خلف الستائر والكواليس في انتظار التوصل إلى تقييمات محددة بشأن كيفية التعاطي مع الرئيس ترامب و«رسائل مستشاريه» التي وصلت لعمان بتكتم حتى الآن.
الصفدي في أول ظهور إعلامي له منذ خمسة أسابيع برفقة الممثل الأوروبي الأعلى للسياسة الخارجية جوزيب بوريل منتصف الأسبوع، وجه مجدداً «انتقادات لاذعة» للجرائم الإسرائيلية المتكررة ضد النازحين والمدنيين في قطاع غزة، ثم استعرض الرؤية الملكية الأردنية المعلنة.
وتمكن المراقبون بوضوح من ملامسة الرصد الذي «لاحظ» بأن عبارة «حل الدولتين» تغيبت ولم ترد في خطاب الوزير الصفدي ولا حتى في خطاب الثوابت، ما قد يمهد لـ «مقترحات أخرى» تطفو الآن على الأرجح، وأيضاً بأن البوصلة الأردنية حتى وهي تناور مع الأوروبيين، تجلس على دكة «انتظار إبداعات» الرئيس ترامب وطاقمه.
مروحيات إلى غزة واستقبال «جرحى»
بوريل من جهته وفي جلسة حوارية مغلقة نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ورداً على سؤال لـ «القدس العربي» حول تعريفه لما يحصل في غزة، قال بوضوح «أخفقنا في وقف قتل المدنيين الفلسطينيين والحرب ضدهم في غزة» وأضاف: «نعم، أخفقنا جميعاً، وليس مهماً الآن تحديد لماذا حصل ما حصل ومن هو المسؤول عنه». على هامش زيارة بوريل الطويلة نسبياً والتي تخللها منحه شهادة «الدكتوراه الفخرية» تكريماً لـ «ضيف جلالة الملك» كما وصف رئيس الجامعة الأردنية البروفيسور نذير عبيدات، بقي الأردنيون مشغولين في قراءة أعمق لمضمون ومحتوى خطاب العرش وما تزامن معه من تطورات.
الاحتفال ببوريل وتمكينه من عدة لقاءات رفيعة في عمان، يعبر عملياً عن شعور المؤسسة الأردنية بأن الصديق المتاح الوحيد الآن في ملف «وقف الحرب» هو «الأوروبي» بعد سلسلة خذلان من الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة.
قبل استقبال بوريل، قيل في مقرات سيادية: «سنعمل مع أوروبا». وفي خطاب العرش، قيل بالنص إن الأردن سيواصل جهده من أجل سلام عادل وشامل مع «الدول الشقيقة والصديقة في المجتمع الدولي» فيما ركن بارز في الدبلوماسية الأردنية يلفت نظر «القدس العربي» إلى أن بلاده تعلم مسبقاً بأن العمل مع الأصدقاء الأوروبيين هو الدرب الوحيد الآن للأسف، وقد لا يكون منتجاً إلا جزئياً في ضغوط عزل حكومة اليمين الإسرائيلي.
لكن العمل مع أوروبا ينتج في ملف «الإغاثة» لقطاع غزة.
هنا يمكن استنتاج ما يقترحه الفاعوري وسياسيون آخرون في عمان من أن إعادة ترسيم علاقة مع المقاومة في لبنان وفلسطين والتعددية في الخيارات الإقليمية قد يكون الخطوة الملائمة، الأمر الذي يعيد إنتاج مفهوم الزوايا الضيقة التي يتحرك فيها بلد مثل الأردن استمر في التحدث عن «الثوابت الأخلاقية والمبادئ» سياسياً وإعلامياً.
لكنه يؤسس يومياً لاختراقات متميزة في حصار وتجويع أهل غزة في الوقت ذاته، تطبيقاً لما قاله الملك عبد الله الثاني علناً وفي خطاب العرش لأهل غزة بجملة «سنبقى معكم».
في محور الإغاثة، طور الأردن النطاق العملياتي منتصف الأسبوع؛ فقد تمكن من إدخال حمولة 100 شاحنة إلى قطاع غزة.
والجديد إغاثياً هو إرسال 8 طائرات مروحية بحمولات خاصة محملة بالمساعدات الطبية على أمل إحداث فارق، ثم الحرص على بروتوكول جديد يتضمن استبدال الإغاثة عبر المظليات بالجو بإرسال مروحيات لقطاع غزة.
طبعاً، تعلم المؤسسة الأردنية أن ما يرسل من إغاثة لا يكفي، لكن مرة أخرى يكشف مصدر في الخارجية الأردنية لـ «القدس العربي»: «أطراف أوروبية هي التي تعمل معنا الآن بجهد واضح لإرسال مساعدات وإغاثة» وقريباً ستبدأ عمان باستقبال مصابين وجرحى يحتاجون لعناية مكثفة وصل بعضهم فعلاً. ويثبت ما حصل أردنياً الأسبوع الماضي، أن العمل مع الأوروبيين مساحته الحيوية «الجهود الإغاثية» التي يرى الأردن أنها ضرورية؛ لأنها باختصار تساعد في «صمود أهل غزة» وقد تعيق ترتيبات «جنرالات اليمين الإسرائيلي» ولو بصورة محدودة.
هيئة الأردن عموماً كانت في الأسبوع الماضي بصيغة ثلاثية ملموسة، فكرتها «الاستمرار في المحاولة مع الأوروبيين» وبالتزامن «البقاء إغاثياً» قدر الإمكان مع أهل غزة، ثم التأمل والتعمق والتحليل والقراءة في انتظار جلوس ترامب.