إسطنبول ـ «القدس العربي»: تشير الأرقام المعلنة والتقديرات الطبية والسياسية في تركيا إلى أن البلاد تجاوزت بالفعل ذروة انتشار فيروس كورونا وأنها دخلت بالفعل مرحلة انحسار انتشار المرض، مدعومة بالأرقام التي تواصل تراجعها منذ أيام وسط تجاوز أعداد المتعافين أعداد المصابين الجديد لليوم الثالث على التوالي.
وفي ظل هذه التقديرات، بدأت الجهات الرسمية في البلاد الحديث عن سيناريوهات موعد وآلية عودة الحياة إلى طبيعتها، وسط تقديرات بأن تبدأ هذه العملية عقب عيد الفطر مباشرة، حيث يجري الحديث عن خطط مختلفة للطريقة التي ستعود فيها الحياة إلى طبيعتها في كافة المحافظات والمجالات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة.
تقلص عدد الإصابات والوفيات
ومنذ أيام، بدأت أرقام الإصابات والوفيات الجديدة في تركيا بالتقلص بشكل طفيف وتدريجي بعدما وصلت إلى ما يعتقد أنها الذروة قبل نحو أسبوع بتسجيل قرابة 5000 إصابة في 24 ساعة إلى جانب قرابة 130 حالة وفاة، وهي أعلى حصيلة يومية تعلن حتى اليوم في تركيا.
ورغم وصول تركيا إلى حاجز إجراء أكثر من 40 ألف فحص يومياً، وهو الرقم الذي يزيد بشكل يومي، إلا أن عدد الحالات بدأ يتراجع بشكل لافت، فبعد تسجيل قرابة 5 ألاف إصابة يومياً بداية الأسبوع، تراجع الرقم إلى حدود 3 آلاف أيام الأربعاء والخميس والجمعة، وصولاً إلى تسجيل 2861 إصابة جديدة فقط يوم السبت، وهو أقل رقم يومي يتم تسجيله في الآونة الأخيرة، وهو ما بعث على التفاؤل ببدء انحسار انتشار الفيروس.
وفي مؤشر آخر، ولليوم الثاني على التوالي تجاوز عددُ المتعافين من فيروس كورونا خلال آخر 24 ساعة في تركيا عدد المصابين الجدد، وحسب إحصائية يوم السبت، فقد بلغ عدد المتعافين ممن غادروا المستشفيات 3845 بينما بلغ عدد الإصابات الجديدة 2861 بفارق قرابة 1000 حالة، ليصل بذلك إجمالي عدد المتعافين إلى الربع؛ أي 25 ألف متعاف.
وعلى الرغم من أن إجمالي عدد الإصابات في تركيا بلغ قرابة 110 آلاف والوفيات 2706 إلا أن الحكومة تقول إن الوضع ما زال تحت السيطرة وأنها تمتلك الإمكانيات الكافية لتقديم الخدمات الطبية الكاملة لكافة المرضى، لا سيما غرف العناية المكثفة وأجهزة التنفس الاصطناعي، وتعتبر أن ذلك سبب مهم في تقليص نسبة الوفيات في البلاد. واعتبر وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، أن بلاده تحرز تقدماً في مكافحتها وباء «كورونا»، والمعطيات اليومية تشير إلى سيطرتها على الفيروس، وقال: «معدل وفيات كورونا في بلاده 2.3 ٪ وهو من النسب الأدنى مقارنة مع البلدان الأخرى، وهذا يثبت تطبيقها علاجاً فعالاً ضد كورونا».
وأشار الوزير إلى انخفاض نسبة مرضى كورونا الخاضعين للتنفس الاصطناعي من 58٪ إلى 10٪، وإلى تراجع معدلات إشغال الأسرّة في المستشفيات التركية من 70٪إلى نحو 30 ٪ فقط، وتراجع معدلات إشغال وحدات العناية المركزة إلى مستوى 60 ٪ بعد أن كانت عند 80٪، مؤكداً أن ثلث الأسرة فقط ممتلئ في مستشفيات تركيا.
ومع هذه الأرقام الإيجابية، بدأت الأوساط الرسمية والشعبية الحديث عن الموعد المتوقع لبدء إعادة الحياة إلى طبيعتها والطريقة المثلى للقيام بذلك بدون حدوث كارثة تعيد انتشار الفيروس أقوى من السابق وعلى نطاق أوسع، وهو التخوف الذي يدفع الحكومة للتروي أكثر رغم حاجتها الملحة لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد وتقليل الخسائر المالية والصعوبات الاقتصادية التي تسبب فيها الإغلاق لكافة القطاعات.
التسرع في تخفيف الإجراءات
وحذر وزير الصحة من التسرع في تخفيف الإجراءات في شهر رمضان، وقال: «لا نعتبر شهر رمضان فرصة لتخفيف التدابير ضد كورونا، وعلينا تأجيل موائد الإفطار الجماعية واللقاءات الاجتماعية لرمضان المقبل»، مضيفاً: «لا نتوقع موجة كورونا جديدة إذا استمر التزامنا بالتدابير كما نسير حالياً»، لكنه حذر من أن «وضع تركيا كان سيشبه ما تعاني منه بلدان أوروبا والولايات المتحدة في الوقت الراهن بسبب الوباء، لولا التدابير»، في حين نقلت وسائل إعلام تركية عن الوزير قوله إنه متفائل بإمكانية البدء بعودة الحياة إلى طبيعتها بعد العيد مباشرة.
وفي خطاب له قبل أيام، طالب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من مواطنيه الالتزام بقوة في الإجراءات الوقائية المعلنة طوال فترة شهر رمضان، معبراً عن ثقته بعودة الحياة إلى طبيعتها عقب العيد، وهو ما قالت صحف تركية بأنه أعلنه أمام اجتماع اللجنة القيادية العليا لحزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث أخبرهم بقرار الحكومة وضع خطط ببدء عودة الحياة إلى طبيعتها بعد عيد الفطر مباشرة.
وحسب الخطط الأولوية التي بدأت الحكومة العمل عليها، سيتم إجراء تقييم يتعلق بتخفيف الإجراءات في كل محافظة بشكل منفصل ولن يستمر الوضع كما كان عليه في السابق من حيث اتخاذ قرارات عامة تتعلق بالـ81 محافظة تركية أو الـ30 محافظة كبرى في البلاد والتي فرض عليها في الأيام الأربعة الأخيرة حظر تجول مشدد، وبالتالي فإن الحكومة سوف تقوم بتقييم وضع كل محافظة وربما استثناء الأماكن الأكثر انتشاراً للوباء فيها من قرارات التخفيف، وربما يتم تقييم المدن والأحياء داخل المحافظات بشكل جزئي أيضاً واتخاذ قرارات خاصة تتناسب مع مستوى انتشار الوباء في كل منطقة.
وإلى جانب التقسيم المناطقي، سيجري تقسيم وتصنيف يتعلق بمجالات العمل، على أن يتم الأخذ بعين الاعتبارات المجالات الأقل خطراً والتي يمكن تشغيلها بنسبة خطر أقل من غيرها مع اتخاذ احتياجات مشددة، وسط توجه للتركيز في المرحلة الأولى على إعادة الحياة إلى قطاعات الملابس والزراعة والصناعة والسياحة.
وفي مرحلة ثانية، سوف يجري العمل على إعادة الحياة بشكل تدريجي إلى قطاعات المطاعم والبنوك والأسواق والمراكز التجارية، مع فرض قيود مشددة على استمرار ارتداء الكمامات والالتزام بشروط التباعد الاجتماعي، وتحديد قواعد وشروط جديدة للمسافات بين المقاعد والأشخاص داخل المطاعم والمراكز التجارية.
وفيما يتعلق بالقطاع السياحي، لا سيما الفنادق، سوف تعود للعمل بالحد الأدنى حيث سيسمح في المرحلة الأولى للفنادق باستيعاب نزلاء بنصف قدرتها الاستيعابية ومنع نظام البوفيه المفتوح في مطاعمها، وإعطاء تدريب خاص لعمال الفنادق وترك الغرف فارغة 48 ساعة عقب مغادرة كل نزيل للغرفة، وغيرها من الشروط التفصيلية.
وفيما يتعلق بالمدارس، لم تصل الحكومة التركية لأي تصور حول موعد إعادة فتحها، حيث تم ربط الأمر بتطورات انتشار الفيروس في الأيام المقبلة على أن يجري تقييم جديد عقب عيد الفطر مباشرة، وفي ظل وضع سيناريوهات لتقليل عدد الطلاب في الفصول واتخاذ إجراءات مشددة، إلا أن التقديرات تشير إلى إمكانية إنهاء العام الدراسي بدون عودة الطلاب إلى المدارس التي كانت تختم عامها الدراسي منتصف يونيو/حزيران المقبل.
وفيما يتعلق بوسائل المواصلات العامة والنقل، سوف يتم تطبيق شروط التباعد الاجتماعي بشكل مشدد وسوف يتم زيادة عدد الرحلات في كافة وسائل النقل الجوي والبري والبحري ويتم إلغاء نصف المقاعد تقريباً والتشديد على ارتداء الكمامات الطبية وغيرها من الشروط الصحية.
ومن ناحية التقويم الزمني، يتوقع أن تستمر المرحلة الأولى من إجراءات إعادة الحياة إلى طبيعتها ما بين شهري مايو/أيار وأغسطس/آب، بينما تمتد المرحلة الثانية بين شهري أيلول وديسمبر، على أن تبدأ المرحلة الثالثة مع بداية العام الجديد.