الأزمات الاقتصادية التي تمر بها الدول ينتج عنها العديد من المشاكل والأزمات الأكبر، ولذلك تسارع الدول في العادة الى إنقاذ الاقتصاد ليس فقط حرصاً على لقمة عيش الناس، وإنما أيضاً تحسباً من الانعكاسات والأزمات التي تنتج عن الأزمة الاقتصادية التي تصبح أشبه بأحجار الدومينو التي تبدأ بالتساقط واحدة تلو الأخرى.
في العديد من الدول العربية ثمة أزمات اقتصادية عميقة، وتزداد عمقاً بشكل يومي، والخوف ليس على الاقتصاد وحده، وإنما على تبعات هذه الأزمات، وما يمكن أن ينتج عنها، وهو ما يدفع الى الاعتقاد بأن المنطقة العربية قد تكون مقبلة على مزيد من الفوضى والمشاكل التي سيكون الاقتصاد بالنسبة لها مجرد البداية والشرارة.
الأزمات الاقتصادية أحياناً تكون ناتجة عن عوامل خارجية، لكن الذي لا شك فيه أن الفساد وسوء الإدارة يلعبان دوراً مهماً في تغذيتها في بعض الدول العربية
تؤكد التجارب التاريخية السابقة، بل حتى الراهنة لدول مرت بأزمات اقتصادية، أن الأزمة الاقتصادية سرعان ما تتطور الى جملة من المظاهر المرعبة والمخيفة، ففي بريطانيا مثلاً ومع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وأزمة الغلاء المعيشي ارتفعت جرائم السرقة إلى أعلى مستوى لها منذ عشر سنوات، أي أنها في المستوى المرتفع ذاته الذي كانت عليه خلال وبعد الأزمة المالية العالمية، وهذا يؤكد وجود ارتباط وثيق بين جرائم السرقة، والأزمة الاقتصادية التي تؤدي بكثير من الناس إلى الفقر والجوع والحاجة فيلجؤون إلى الطرق غير المشروعة لتلبية هذه الحاجات وتعويض الفقر والجوع.
وخلال أزمة «الكساد الكبير» المعروفة في النصف الأول من القرن الماضي، التي بدأت تحديداً في عام 1929، سرعان ما تسببت هذه الأزمة بانتشار كبير للجريمة وانفلات أمني في كثير من جيوب الفقر، والمصيبة أن تلك الأزمة استمرت حتى كانت أحد أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وهو تعبير آخر عن حجم التداعيات الكارثية التي يُمكن للأزمات الاقتصادية أن تُسببها. في عالمنا العربي اليوم يواجه العديد من الدول أزمات اقتصادية طاحنة، وهي أزمات إذا استمرت على حالها، من دون علاج فهذا يعني أنها ستنتج العديد من المشاكل الأخرى مثل، ارتفاع معدلات الجريمة، والبطالة، والفقر، والتوترات الاجتماعية، وانتشار العنف، وقد تتوسع إلى توترات سياسية وحالة عدم استقرار، وغير ذلك. في مصر، وهي أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، وثاني أكبر اقتصاد عربي، فقد الجنيه أكثر من 40% من قيمته خلال عام واحد، أي خلال الفترة من يونيو/حزيران 2022 الى يونيو 2023، أما خلال عامين فقد هبط الجنيه المصري بنسبة 50%، وهذا يعني أن المصريين فقدوا نصف أموالهم وأن نصف ثرواتهم ومدخراتهم، تبخرت خلال عامين فقط، وإذا ما أضيف إلى ذلك الارتفاع الحاد في الأسعار، فهذا سيعني أن القوة الشرائية للعملة المحلية تراجعت بنسبة تتراوح بين 70% و80%، وهذا يعني في نهاية المطاف أن ملايين المصريين انتقلوا من الطبقة المتوسطة إلى الفقيرة. في تونس ولبنان وسوريا لا يبدو الوضع الاقتصادي أفضل حالاً بكثير، إذ ثمة أزمات تتوسع وتتعمق، والمشاهد المتكررة لهجمات من مودعين تستهدف بنوكهم في لبنان، أملاً باستعادة شيء من أموالهم، تؤكد بأن هذه الأزمات قد تتحول إلى العنف أو الفوضى أو مزيد من الاضطرابات والتوترات، لا قدر الله. نعلم ويعلم الجميع أن الأزمات الاقتصادية أحياناً ما تكون ناتجة عن عوامل خارجية، لكن الذي لا شك فيه أن الفساد وسوء الإدارة يلعبان دوراً مهماً في تغذية هذه الأزمات في بعض الدول العربية، إذ إن الأسباب العالمية (مثل حرب أوكرانيا) تؤثر في كل العالم، وليس على العرب وحدهم، بينما الأزمات في الدول العربية أعمق من غيرها، وهذا يؤكد أن ثمة عوامل داخلية يجب الانتباه لها.
تحتاج المنطقة العربية خطة إنقاذ اقتصادي لتجنيب شعوبها الانزلاق نحو مزيد من الفقر والبطالة والجوع وسوء التغذية وتردي الخدمات، وإذا لم تنجح المنطقة في تجنب ذلك فسوف تكون على موعد مع جملة من الأزمات الاجتماعية والسياسية، بما فيها توترات واضطرابات اجتماعية وسياسية، وهذا يعني أننا سندفع ثمناً غالياً سيتجاوز الاقتصاد والمال.
كاتب فلسطيني