القاهرة ـ «القدس العربي:» بينما كان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي يعقد اجتماعه الأسبوعي في مدينة العلمين ظل السؤال الذي يطارده على مدار الأيام الماضية يتردد، ثم انتقل من المهتمين في الشأن السياسي الى الرأي العام، وفحواه: كيف تمكنت وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط من الجمع بين وظيفتها الأساسية ووظيفة جديدة في مصرف أبو ظبي الإسلامي. ورغم ما تردد بشأن حصولها على موافقة مدبولي بالعمل فإن الانتقادات تتوالى ضد الوزيرة ورئيس الحكومة معا. وطالب كتاب وسياسيون المشاط أن تختار بين الاستقالة من منصبها الوزاري ورفض العمل في منصب عضو مجلس إدارة مصرف أبو ظبي.
ومن أخبار مؤسسة الرئاسة: وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بمواصلة المتابعة لجهود تقنين أوضاع المواطنين وإنهاء ممارسات الاستيلاء على أراضي الدولة، مشددا في هذا الصدد على ضرورة منع المزيد من التعديات بالتوازي مع سرعة الانتهاء من إجراءات التقنين، بما يحقق مصالح المواطنين والمصلحة العامة. جاء ذلك خلال اجتماع السيسي مؤخرا مع كل من رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، والمستشار عمر مروان وزير العدل، واللواء محمود توفيق وزير الداخلية، واللواء هشام آمنة وزير التنمية المحلية، واللواء أمير سيد أحمد مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، واللواء أحمد العزازي رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
ومن أخبار الحوادث: نجحت الإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة في ضبط أحد التجار وبحوزته 385 ألف عبوة سجائر متنوعة لقيامه بحجبها عن التداول لرفع أسعارها عن طريق إخفائها وعدم طرحها للبيع والمضاربة بالأسعار.
موظفة المصرف
هل كان مصطفى مدبولي رئيس الحكومة يحتاج للانتظار حتى يوجه نائب في البرلمان سؤالا له ليقول للناس لماذا جمعت وزيرة التعاون الدولي بين منصبها الوزاري الذي تشغله حاليا، وحصولها على عضوية مجلس إدارة مصرف أبو ظبي الإسلامي مقابل راتب شهري؟! الإجابة على لسان عبد القادر شهيب في “فيتو”: بالطبع لا… كان ينبغي على رئيس الحكومة منذ أن أثير هذا الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي أن يخرج للناس شارحا لنا كيف حدث ذلك في وقت يتعين على الوزير في مصر أن يتفرغ لأداء مهام منصبه الوزاري منعا لتضارب المصالح، وحتى يركز في أداء عمله الذي يحتاج لكل وقته، فالوزير ليس مثل موظف الحكومة الذي يعمل مساء في عمل آخر ليزيد من دخله… وليقول للناس كذلك لماذا سكت رئيس الوزراء على ذلك الوضع ولم يتحرك لتصحيحه كما ينبغي دستوريا، وذلك حتى لا يفهم أن السكوت علامة رضا على جمع الوزيرة بين منصبها الوزاري وعضوية مجلس إدارة المصرف. لكن الذي حدث أن رئيس الحكومة سكت حتى وجّه له نائب سؤالا في البرلمان رغم أنه يتحدث الآن للناس بعد كل اجتماع لمجلس الوزراء، وسيكون مفيدا أن يقول شيئا للناس حول هذا الأمر، اللهم إلا إذا كانت الوزيرة قد حصلت على موافقته قبل أن تقبل بعضوية المصرف.
قلق وحر
أصعب ما يمكن أن تخلفه أي أزمة اقتصادية خانقة كالتي تعيشها مصر في الوقت الراهن، من وجهة نظر خالد سيد أحمد في “الشروق” هي تلك الأيام القلقة التي تمر على مواطنيها وحكومتها، من دون أن تبدو في الأفق ملامح انفراج حقيقي يرسخ حالة من اليقين والأمل في المستقبل. فالمواطنون الذين يكابدون مرارة الوضع الاقتصادي، يشعرون بقلق مضاعف في كل وقت.. كلما نزلوا الأسواق مخافة من سياط الأسعار التي تلهب ظهورهم جلسوا تحت المراوح بحثا عن نسمة هواء في هذا الصيف الخانق خشية انقطاع الكهرباء. عندما يذهبون إلى الصيدليات ولا يجدون الدواء الضروري لبقائهم على قيد الحياة، ويخافون من الاستيقاظ على وقع قرارات حكومية قد تعصف بعملتهم ومدخراتهم البسيطة التي يعتمدون عليها لمواجهة أعباء الحياة الصعبة. في المقابل، تجد الحكومة نفسها في خضم حالة قلق أكبر وترقب بالغ، نظرا للزيادة المستمرة في أرقام الديون، خصوصا مع «ارتفاع إجمالي الدين الخارجي إلى نحو 165.4 مليار دولار بنهاية مارس/آذار الماضي مقابل 162.9 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول الماضي بزيادة قدرها 2.4 مليار دولار في 3 شهور»، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري. تشعر الحكومة بالقلق خشية عدم الالتزام بجدول سداد الديون المزدحم، لاسيما وأن «إجمالي الفوائد والأقساط المستحق سدادها خلال النصف الثاني من عام 2023 يقدر بـ11.327 مليار دولار»، وذلك وفقا لتقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي.
كذلك تدرك الحكومة أن عليها الاستعداد لمواجهة ثلاثة مخاطر تمويلية محتملة، منها إمكانية خفض التصنيف الائتماني للبلاد في الفترة المقبلة، مما يعرقل قدوم استثمارات أجنبية جديدة، والتخفيض المتوقع للعملة من أجل تخطي المراجعتين الأولى والثانية مع صندوق النقد الدولي، والمرجحتان في شهري سبتمبر/ايلول وأكتوبر/تشرين الأول المقبلين، وتوقف اتفاقية تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا مما سيؤدي إلى مضاعفة فاتورة الاستيراد، وفقا لبنك الاستثمار الأمريكي «مورغان ستانلي».
يجب على الحكومة، كما أوضح خالد سيد أحمد، أن تشعر بقلق مضاعف، بعدما اتضح أن أحد «إنجازاتها الكبيرة»، وهي حل أزمة الكهرباء، قد سقطت في اختبار «قيظ صيف»، تأبى درجة حرارته أن تهدأ، ما تسبب في ارتفاع منسوب الشكوى والتذمر والسخط لدى المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي. هنا مكمن الخطر الحقيقي، الذي ينبغي على الحكومة الالتفات إليه وعدم تجاهله، ونعني بذلك أن استمرار حالة القلق لدى الكثير من المواطنين، يمكن أن يتسبب في إحداث تراكم للغضب والنقمة في النفوس، جراء غياب السياسات والرؤى الواقعية، التي تسمح بتحقيق عبور آمن من هذه المرحلة الصعبة وتحدياتها الضخمة والكفيلة بتهديد استقرار وأمن أي دولة على سطح الكرة الأرضية.
«بيحسدونا على ايه؟»
أولى الخطوات التي ينبغي على الحكومة اتخاذها للخروج الآمن من هذه الأزمة، هو العمل على استعادة ثقة المواطنين وتهدئة مخاوفهم وقلقهم من المستقبل، عبر سياسات وقرارات واعية ومتوازنة تراعي ظروفهم المعيشية القاسية ولا تحملهم مزيدا من الأعباء الحياتية. وفي الوقت نفسه الشروع بشكل جاد في معالجة الاختلالات الهيكلية الخطيرة في جسد الاقتصاد المصري، وتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها خلال الفترة الماضية. كذلك يجب على الحكومة لجم شهيتها المفتوحة للاقتراض من الخارج، إلا في أضيق الحدود وللضرورة القصوى، مثلما طالبت بعض الأصوات في جلسات المحور الاقتصادي للحوار الوطني، والبحث عن حلول حقيقية لهذا الملف الذي قد يتسبب في تداعيات خطرة للغاية على استقرار الدولة المصرية. أخيرا، ينبغي على الحكومة ترشيد سفرها الداخلي إلى الساحل الشمالي لعقد اجتماعها الأسبوعي، تقليلا لنفقات المواكب الرسمية في ظل هذه الأزمة الطاحنة، وضبط تصريحات بعض مسؤوليها، التي تزيد من غضب ونقمة المواطنين وترفع من ضغطهم، مثل قول أحدهم: «اللي بره بيحسدنا على اللى إحنا فيه». مثل هذه التصريحات الاستفزازية بالطبع، تباعد المسافة بين الشعب والحكومة وتطيل من أمد أيام القلق التي تعيشها البلاد.
كتف الرئيس
اتهم الكاتب الصحافي حلمي النمنم وزير الثقافة الأسبق بعض القوى السياسية بتعليق «كل الأشياء» على كتف الرئيس من أجل تحقيق ما سمّاه المصلحة الشخصية، معقبا وفق ما نقل عنه محمد شعبان في «الشروق»: «لا يوجد لدينا معارضون. إنما لدينا ممتعضون. أنا أتمنى أن تكون معارضا لأن المعارضة هتوزنك وهتمكنك من وضع برنامج». وأضاف أن تاريخ مصر السياسي لم يخل من المعارضة، معقبا: «أيام عبد الناصر كان هناك تنظيم واحد هو الاتحاد الاشتراكي لكن احتوى داخله أجنحة معارضة لأقصى درجة، مصر ليست دولة صغيرة». وأشار إلى أن «النكت اللي على القهاوي، ليست تسلية، لكنها نوع من المعارضة». وأكد أن الجماعة لم تكن تعترف بمسميات الدولة الوطنية واستقلال وسيادة الدولة، مشيرا إلى نجاح الرئيس السيسي على مدار السنوات العشر الماضية في حماية سيناء من خطر الإرهاب واسشتعادة السيادة كاملة، لافتا الى أنه «الآن في عهد السيسي الطيران المصري داخل سيناء، أنا قضيت فترة تجنيدي في شمال سيناء، سنة كاملة لم أر طائرة هناك لأنه كان ممنوعا أن تمر أي طائرة بسيناء نهائيا». وتابع: «الطيران الآن موجود، المعارضة زمان كانت تقول الرئيس السادات: رجعلنا سيناء منقوصة السيادة، والرئيس مبارك قبل هذا الوضع، الوضع الآن اتعدل، واللي عدله الرئيس السيسي». وأشار إلى نجاح السيسي على مدار السنوات الماضية في تحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية والمواطنة من خلال مبادرات حياة كريمة وتكافل وكرامة، معقبا: «بالأرقام في سنة 2008 كانت هناك قضايا مرفوعة على حكومة الدكتور أحمد نظيف، لكي يكون الحد الأدنى للمرتب 800 جنيه، الآن أصبح 3500 جنيه يعني 4 أضعاف ونصف، دا نسميه إيه!».
ورد على انتقادات بعض التيارات المعارضة خارج الدولة بشأن بناء العاصمة الإدارية الجديدة، مستنكرا: «الدولة عندما تبني العاصمة الإدارية الجديدة تبقى جريمة، هل جريمتها أنها تبني، إذا تركت العشوائيات تكون جريمة، وإذا بنت تكون جريمة، ونسينا أننا كنا نتكلم منذ الستينيات أن القاهرة لم تعد تصلح عاصمة، وأننا بحاجة إلى عاصمة جديدة».
بوسعنا التعود
طريق السويس، الذي يربط بين القاهرة وكل التجمعات السكنية مثل الرحاب ومدينتي الشروق وبدر وغيرها لم يعد طريقا صحراويا يستخدمه المسافرون، ولكنه كما قالت أمينة خيري طريق يومي يرتاده الملايين من وإلى أعمالهم ومشاويرهم وتنقلاتهم. الطريق غارق في ظلام دامس، والسرعة عليه حدث ولا حرج، ناهيك من الكثيرين ممن يقررون أن يرشدوا بصفة شخصية اختيارية أثناء قيادتهم لسياراتهم فلا يضيئون أنوارها إلى آخر القائمة المعروفة، والتي يبدو أنها «مقبولة» من خرق لكل قوانين السير. وأعود إلى فقه الأولويات. إذا كان في مقدور ملايين البيوت المصرية أن توفق أوضاعها في ضوء جداول معروفة للتخفيف، فإن استخدام طريق دامس تماما أمر بالغ الخطورة. يمكنني أن أرتب تفاصيل البيت حسب التيار وانقطاعه، لكن كيف لنا أن نرتب مواعيد عودتنا من أعمالنا بشكل يقينا شرور طريق هو بحر الظلمات حرفيا؟! وألا توجد طريقة لتخفيف الإضاءة وليس قطعها تماما، لا سيما أن عدد أعمدة الإنارة كبير جدا ولله الحمد؟ أتحدث عن طريق السويس تحديدا ولا أعلم إن كانت طرق أخرى شبيهة (كانت سريعة مخصصة للسفر، ثم تحولت إلى طرق ذهاب وعودة يومية للمواطنين بعد تمدد التوسع العمراني). السلامة تأتى أولا، وأبجدياتها تكمن في قدر من الإضاءة على الطرق السريعة العامرة بحركة السير.
حتى تمر بسلام
”أنا على أتم استعداد أن أعيد ترتيب حياتي بضعة شهور في السنة في ضوء الغليان المناخي”، كما أشار أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قبل أيام. تابعت أمينة خيري في “المصري اليوم”: إذا كان الكوكب – بسبب أفعال البشر- يمر بـ”عصر الغليان العالمي”، فإنه من السفه مني أن أطالب أو أتوقع أن تسير حياتي كما كانت في عصور ما قبل الغليان. زادت درجة حرارة الأرض، وأصبح الـ«الطبيعى الجديد» – لحين إصلاح أحوال الكوكب البيئية – هو ما نشهده من موجات حرارة غير مسبوقة وحرائق غابات وفيضانات وجفاف وغيرها. الطبيعي أن أتأثر كما يتأثر غيرى من الثمانية مليارات شخص مجموع سكان الأرض. إذن أنا مستعدة لإعادة الهيكلة، لا سيما في تلك الأشهر التي تزيد فيها قسوة الظواهر المناخية. وفى حالتنا الآن، فإن الحرارة الشديدة تتطلب أحيانا تخفيف الأحمال وقطع التيار الكهربائي عن مختلف المناطق في مصر إلى أن تمر الموجات بسلام، وذلك إذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة المتاحة أمامنا. صحيح أن الجداول بصيغة «بى دى إف» ليست الطريقة الأمثل أو الأسهل لإطلاع الـ110 ملايين مصري على محتواها، ولكن الجهد المبذول فيها كبير. ورغم استعدادي هذا لإعادة ترتيب حياتي في ضوء الوضع الجديد، فإن قطع التيار تماما، وليس تخفيف الإضاءة على طرق مثل طريق السويس، يصعب جدا التعامل معه باعتباره ضرورة قصوى أو لا بدائل عنه. أنا وغيري على أتم استعداد لإعادة هيكلة الجدول بشكل لا يحول الطرق التي يستخدمها المواطنون ليلا إلى ظلام دامس دون عمود إنارة واحد.
قانون منسي
حسنا فعلت اللجان المتخصصة بـ “الحوار الوطني” حينما تطرقت إلى قانون المحليات وناقشت مشكلات هذا القانون، وأسباب تأخير صدوره، والنظام الانتخابي الأمثل للمجالس المحلية. يرى عبد المحسن سلامة في “الأهرام” أن قانون المحليات تأخر كثيرا، وهو لا يقل أهمية عن قانون المجالس النيابية، لأنه يرتبط بمصالح المواطنين بشكل مباشر في القرى، والنجوع، والأحياء، والمحافظات المختلفة. المجالس المحلية معطلة منذ 12 عاما، بعد قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني، ومنذ هذا التاريخ يراوح القانون مكانه بين التقدم عدة خطوات والتراجع أكثر منها حتى الآن. هناك اعتقاد خاطئ أن المجالس المحلية يمكن أن تعوق العمل المحلي، وأعتقد أن العكس صحيح، خاصة في ظل مبادرة الرئيس السيسي (حياة كريمة)، وإدخال الريف المصري ضمن منظومة التطوير، والتحديث، وهي المبادرة الأهم، والأضخم في تاريخ الدولة المصرية منذ نشأتها حتى الآن. المؤكد أن عمل المجالس المحلية سوف يساعد الإدارة المحلية، ويراقبها، وينقل نبض المواطن إلى السلطات المحلية، ويجعله مشاركا وفاعلا فيما يحدث من إنجازات على أرض الواقع. وتمنى الكاتب أن يتطرق مشروع قانون المحليات إلى ضرورة توسيع صلاحيات المجالس المحلية كأداة رقابة، وكذلك توسيع صلاحيات رؤساء القرى، والمدن، والمراكز، والأحياء، وأيضا صلاحيات وسلطات المحافظين، بحيث تكون لهم صلاحيات فعلية في مقابل إحكام وسائل الرقابة، والمساءلة عليهم من خلال المجالس الشعبية المحلية بمستوياتها المختلفة. توسيع الصلاحيات يعطي الفرصة للمنافسة بين المحافظين، وقدرتهم على تقديم أفضل ما لديهم من أجل تطوير المحافظات، والمزج بين الرؤيتين المحلية، والمركزية، والتجاوب السريع مع طموحات التحديث، والتطوير في مختلف المجالات خلال المرحلة المقبلة لكي نفكر بعد ذلك في ضرورة تغيير طريقة اختيار المحافظين، وأتمنى أن نصل خلال 10 سنوات على الأكثر إلى اختيار المحافظين بالانتخاب المباشر من مواطني كل محافظة. المهم الآن أن يرى قانون المحليات النور قريبا، وكفى 12 عاما من التجميد.
شعب مهزوم
الخوف آفة من أخطر الآفات التي تزعج الإنسان في كل العصور. والخوف أنواع يطلعنا عليها رفعت رشاد في “الوطن”: ما هو مادي حقيقي كأن تلسع النار يدك، ومنها ما هو معنوي أو داخلي لا يدركه إلا من يشعر به، كأن يخاف أحدنا من الامتحان أو من منافسة ستجرى أو من عاقبة لارتكاب خطأ ما. في كل الأحوال فإن الخوف حقيقي وهو يضر بالإنسان ضررا شديدا فيجعله مشتت الذهن فاقدا متعة الحياة إلى أن ينتهي الشعور به فيسترد الإنسان حالته بعد المعاناة التي مر بها. يبدأ الخوف مع الإنسان منذ الصغر، فالطفل يخاف الوحدة والظلام، والصبي يخاف أن تسرق دراجته، والشاب يخاف نتيجة الامتحان أو فقدان حبيبته، والموظف يقلق على درجته المالية أو علاوته، ويخاف الفلاح الآفات الزراعية، والمرأة تخاف أن يذبل جمالها. وهكذا يوجد الخوف لدى كل الناس بأنواع ودرجات مختلفة. لكن الخوف لا يقتصر على الأفراد، بل يمكن أن تجتاح موجة خوف شعبا ما فنجد هذا الشعب أو ذاك يخاف من الحرب أو يخشى تزايد الفقر وفي هذه الحالة يسيطر الخوف الجماعي على الناس ويمكن أن تنتقل مشاعر الخوف عبر أجيال مثل أن تصبح لدى شعب ما عقدة تجاه شعب آخر يكون قد انتصر عليه في الحرب أو عدة حروب متتالية فيصبح لدى الشعب المهزوم عقدة وخوف شديد من تكرار الهزيمة وتخور عزيمته فلا يفكر في المقاومة أو الثأر.
الغريزة لا تسمع
من أنواع الخوف الخطيرة التي حذرنا منها رفعت رشاد الخوف الذي يفقد العقل ويتبع فيه الإنسان غريزته فقط أو ما لقن أن يتبعه، فقد نخاف شيئا لا مبرر للخوف منه فهو لن يؤذينا، لكنها الغريزة وكذلك التربية التي تعودنا على سلوك معين تجاه أمور معينة. يقول «داروين» عن مشاعر الخوف عند الإنسان: «إن الغريزة لا تسمع صوت العقل إذا ما قال بانعدام الخطر. ذهبت يوما إلى حديقة الحيوان ووضعت وجهي ملاصقا لزجاج بيت الثعبان، وعزمت ألا أتراجع إذا أقبل يضربني، لكن سرعان ما انهارت عزيمتي عندما ضربني الثعبان من وراء الزجاج، فقفزت خطوات إلى الوراء، ولم يكن لإرادتي وعقلي حيلة عندما تصورت الخطر الذي لم أجربه من قبل». يعتقد الناس أن الخوف من الثعبان وغيره غريزي يولد مع الإنسان، لكن التجارب أثبتت أن الخوف شعور مكتسب، ينشأ من سماع القصص المخيفة عنه كما أثبتت الأبحاث أن الطفل حديث الولادة لا يتأثر بالانفعالات وبالتالي لا يدرك مشاعر الخوف ولا تؤثر فيه. ومن مشاعر الخوف الخطرة، تلك المشاعر التي يشكلها الإنسان داخل نفسه ويعتقد أنها العامل الحاسم في مصيره، كأن يخاف الموظف غضب رئيسه عليه إذا ما اعتقد أنه أخطأ في أمر لا يحبه رئيسه وهو في هذه الحالة يعاني بشدة خوفا من نتائج غضب رئيسه عليه. وتحكي قصة روسية عن موظف ذهب إلى حفلة في دار الأوبرا وتصادف أن كان الجالس أمامه رئيسه في العمل الذي لا يعرفه من الأصل لأنه موظف نكرة. خلال جلوسه عطس الموظف فتناثر الرذاذ على قفا رئيسه الذي أبدى استياءه ونظر خلفه لائما الموظف. ورغم أن رئيسه لا يعرفه ظل الموظف يتألم ويعاني معاناة نفسية شديدة وأصر على أن يذهب إلى رئيسه ليعتذر له مع أن الرجل نسي الأمر، ولكن الموظف ذهب إليه في منزله ليعتذر لكنه سقط ميتا من الخوف. كثيرا ما يقتلنا الخوف بدون أن يكون هناك داع لذلك، فالخوف لم يولد معنا، لكننا خلقناه بأنفسنا.
هروب من الواقع
في تصريح مزعج قال مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي عمرو عثمان إن مخدر الحشيش هو الأعلى انتشارا بين الحالات الإيجابية في حملات الكشف عن متعاطي المخدرات بالجهاز الإداري للدولة يليه «الترامادول» ثم «الشابو والاستروكس». وقبلها وفق ما أطلعنا خالد حسن في “الوفد” كان هناك خبر صحافي يؤكد تورط 23 موظفا بينهم 16سيدة في إيجابية تحليل المخدرات في إحدى المحافظات… أخبار وتصريحات ليست مفاجأة بعد أن أصبح الموظف المصري لا يستطيع مواجهة الواقع والأزمات التي يعيشها إلا بالغياب عنها، ولا يكون هذا الغياب إلا بالمخدرات لخلق حالة من الخروج من الواقع. كثير من الموظفين- وليسوا الصنايعية أو العاطلين- مدمني مخدرات، ولكن ربما هذا الوصف ليس دقيقا لكون الإدمان دائما ما يوصف صاحبه بأنه مريض لا يقدر على الحياة والنشاط، ولكن هؤلاء الموظفين رغم إدمانهم اليومي للمخدرات وخاصة الحشيش لا توجد عليهم أعراض ظاهرة ويكتشف أمرهم فقط من خلال التحليل. أحد الأصدقاء أكد لي أن هناك بعض الأدوية من الممكن أن تؤثر في نتيجة التحليل وتجعله إيجابي مخدرات، ولكن للأسف بالفعل أعرف موظفين لا يستطيع الواحد منهم الاستغناء ليلة واحدة عن تدخين الحشيش ويرفض تماما أن يطلق عليه مدمن، فهو يعتقد أنه بإمكانه الاستغناء عن هذا المخدر بإرادته، ولكنه لا يريد فهو يستمتع بتلك الحالة، وهو لا شك هروب من الواقع.
الكثير من مدمني المخدرات يؤدون الصلاة ويرفضون شرب الخمر ويعتبرونه حراما، إنما المخدرات وخاصة الحشيش يعتبرونها عطارة حلال، ليحيلنا ذلك الرأي إلى نجيب محفوظ في روايته التي تحولت إلى فيلم «ثرثرة فوق النيل» والذي تناول واقع هروب المصريين من الواقع بالحشيش… وجملة الفنان عماد حمدي الشهيرة: «الحشيش ممنوع والخمرة مش ممنوعة طب ليه؟! ده بيسطل المخ ودي بتلطش المخ.. ده حرام ودي حرام ده بيضر بالصحة.. ودي بتضر بالصحة.. الحشيش غالي والخمرة أغلى منه… اشمعنا القانون متحيز للخمرة… القانون بيفوت للخمرة علشان بندفع عليها ضرائب طيب فوت للحشيش وندفع عليه ضرائب».
جعلوها مجرمة
الدولة انتهجت طريقا كان من المفترض وفق ما أشار خالد حسن أن يتم البدء فيه منذ سنوات ورغم تأخرها في الكشف على موظفيها ليس للإضرار بلقمة العيش والسعي لفصلهم، بل لعلاجهم من تلك الآفة المزعجة، ولكنها بعد تحمس في بداية الأمر توقفت قليلا، وقتها ظن الجميع أن المسألة انتهت وأنها لحظات من الحماسة، ولكن الدولة الآن عادت من جديد لعلاج الموظف الذي بالفعل يحتاج إلى التوقف عن الحشيش، ولكن هل تسمح الظروف التي يمر بها بمساعدته للتوقف؟ الأمر يحتاج إلى هيئة نفسية كبيرة تحترم الخصوصية وفي الوقت نفسه تعالج وليس هو نوع من الردع والعقاب، كما أن الأمر يحتاج إلى المزيد من الكتمان لخطورة وخصوصية الأمر، خاصة إذا وصل الأمر لاكتشاف حالات إيجابية من الموظفات وهو أمر ربما يكون مستغربا في بداية التعرف عليه، بل هو يصل إلى درجة التعجب والدهشة، ولكن تزول تلك الدهشة عندما تعلم أن المرأة العاملة أصبحت هي عمود الأسرة، بل في كثير من الأحيان هي مصدر الرزق الوحيد للأسرة في ظل حالة البطالة وإغلاق بعض المصانع. إن الموظفة ربما تلجأ إلى الحبوب المخدرة في بعض الحالات حتى تستطيع أن تواصل العمل ما بين عمل الوظيفة الذي أصبح يعتمد عليها وعملها أيضا في المنزل فهي كما يقولون تطبق أو تعمل وظيفتين في عملها نهارا وفي مسكنها مساء، مما يدعوها إلى تعاطي مخدرات تعينها على تحمل المجهود والمواصلة في الحياة. علينا أن نتأكد أن الموظفة المصرية ليست صاحبة كيف ومزاج وأنها مثل زميلها الموظف الذي يهرب من الواقع بجلسات الحشيش، ولكنها تتناول المخدرات لمواصلة الحياة وليس الهروب منها، وهناك فارق كبير. أعتقد أن العلاج إن لم يكن سريا لا يطلع عليه أحد فلن يجدي ولن يحقق أهدافه وهو الحصول على موظف سوى كامل العقل واللياقة يستطيع مواصلة وظيفته دون أي انحرافات أو عقبات ومصاعب.
لا يرون غيره
هل تتابع استمرار قصة نجاح لاعبنا الدولي محمد صلاح خلال مشواره الاحترافي في أوروبا؟! هل تتابع محاولات نادي الاتحاد السعودي للتعاقد معه لتحويل الأنظار «كاملة» نحو دوري المملكة، رغم وجود رونالدو وبنزيمة وغيرهما من نجوم العالم؟! أجاب طارق التهامي في “الوفد”:
هذه هي قيمة صلاح، أصبح يقترب من لقب أفضل لاعب في العالم، بعد رحيل منافسيه إلى دوريات السعودية وكندا وأمريكا. هل شاهدت الفيديو الذي تم تصويره خلال رحلة النجم المصري في سنغافورة؟ جميع المشجعين لا يتوقفون عن الهتاف باسم واحد «صلاح… صلاح»، فكانت دهشة أصحاب ونجوم ليفربول الكبيرة. المشجعون لا يرون غيره. لا يحبون سواه. وهذه القيمة اللوجستية لصلاح، وهي سبب ارتفاع قيمته السوقية، فهو جاذب للمشجعين وليس فقط قاهرا للشباك والحراس. فيديو آخر لا يمكن أن تمحوه الذاكرة تم تصويره من مدرجات فريق ليفربول الإنكليزي الذي يلعب له النجم المصري، والذي يظهر فيه صلاح ممسكا بقميصه الأحمر، ومتجها ناحية المدرجات، ليمنح القميص هدية لطفل إنكليزي صغير جدا في السن لأن صلاح لمح الطفل عقب المباراة الأخيرة، يحمل لافتة مكتوبا عليها «محمد صلاح هل يمكنني الحصول على التيشيرت الخاص بك.. أرجوك»! نعم. طفل إنكليزي صغير يعتبر محمد صلاح المصري القادم من تراب الدلتا، ومن إحدى القرى الصغيرة في الغربية مثلا أعلى، ونجما يطال السماء، تلاحقه كاميرات التصوير، وتطارده الأندية الكبرى في العالم! صلاح المولود في 15 يونيو/حزيران عام 1992 في مدينة بسيون في محافظة الغربية، تمسك بحلمه منذ البداية مع رفاقه في شوارع مدينته ومنها إلى دوري طلاب المدارس المصرية الشهير «بيبسي» للترويج للعلامة التجارية، واكتشاف المواهب الكروية في الطريق، ومنه صعد درجة على سلم النجومية حينما اكتشفه مدربه رضا الملاح لتميزه اللافت بقدمه اليسرى، فانتقل لصفوف نادي مقاولين طنطا! وسرعان ما خطف الأنظار بشدة بمستواه الكبير لينتقل لصفوف المقاولون العرب في القاهرة وسط معاناة كبيرة بسبب صعوبة المواصلات والمسافة الكبيرة التي كان يقطعها في الذهاب والعودة، وانتظار والديه له عند محطة القطار حتى ينتهي ويعود معهما لمنزله.
سر النجاح
هل تريد معرفة الدرس الذي يجب أن نخرج به جميعا من قصة كفاح، وحكاية نضال محمد صلاح؟ الحكاية باختصاركما يرويها طارق التهامي هي قيمة العمل التي غابت عنا منذ سنوات طوال، والطموح الذي قتله الروتين الذي سيطر علينا لسنوات، ونظرية أن الكل متساو في مصدر الدخل بغض النظر عن قيمة العمل، ولذلك نفهم بسهولة سبب عدم ظهور نجاحات مبهرة في الخمسينيات والستينيات، فقط ترى نتاج ما قبل هذه الفترة! والحكاية أيضا هي طموح صلاح، ورغبته في بيع إنتاجه خارج البلاد، فهو يبيع منتجه من فنون الكرة لجمهور أوروبي يدفع الملايين يوميا لمشاهدة نجوم العالم على ملاعبه، وتشاء الأقدار أن يصبح صلاح واحدا من أهم هذه النجوم، وهو جالب جيد للعملة الصعبة!
ليس فقط لاعب كرة، بل هو صاحب إضافة عنصر جديد للقوة الناعمة لمصر، فلم نعد أصحاب القوة الناعمة في السينما والغناء والفنون والطب والتدريس والثقافة، بل أصبحنا نمتلك هذه القوة من خلال كرة القدم ممثلة في محمد صلاح، ولكن للأسف مثلما كان عمر الشريف وحيدا في أوروبا في مجال السينما، ومثلما كان مجدي يعقوب في الطب، وأحمد زويل في العلوم، ما زال محمد صلاح وحيدا في مجال كرة القدم، ولم ننجح حتى الآن في أن نضم له من يستطيع حفر اسمه بنفس الحجم. صحيح أن مصطفى محمد يحاول وأن محمد النني يكافح، ولكن مازالت أنظمة قطاعات الناشئين ومسابقات كرة القدم في مصر فاشلة وفاسدة وعقيمة وغير قادرة على إنتاج اللاعبين وتسويقهم واستثمارهم. ما زال السوق يعج بالباحثين عن مكاسب مؤقتة، واختفى منها من يملك رؤية الإنتاج الكلي من المواهب، بسبب التنافس بين المتصارعين على «لقمة العيش» حتى ولو كان على حساب مصلحة مصر في تخريج لاعبين يستحقون اللعب في أوروبا.
غزة تنتظر
يستعد أسطول الحرية للانطلاق صوب شواطئ قطاع غزة، بعد أن تحركت سفنه من موانئ أوروبية عدة، بدءا من أوسلو وكريستيانسوند، مرورا حتى الآن بروتردام وليفربول وغلاسكو وهامبورغ، حيث يبقى وفق ما أشار الدكتور وحيد عبد المجيد في كل ميناء عدة أيام لتنظيم أنشطة تضامنا مع أطفال القطاع وفلسطين عموما. وليس معروفا كما أوضح الكاتب في “الأهرام” هل سيتمكن من الوصول إلى وجهته أم سيحال بينه وبينها، كما حدث في رحلاته السابقة. ويرعى تحالف أوروبي غير حكومي هذا الأسطول منذ عام 2010، الذي يمثّل نوعا من التضامن مع الشعب الفلسطيني والمقاومة الرمزية للحصار الإسرائيلي المفروض على غزة. ويشارك في كل رحلة من رحلاته عدد متفاوت من السفن تحمل سياسيين وحقوقيين وصحافيين وغيرهم ممن يرفعون صوت الحرية في عالم يخفت فيه هذا الصوت، ومعهم مساعدات إنسانية. ويرفرف علم فلسطين عاليا على هذه السفن التي حمل بعضها يهودا يؤيدون حقوق الشعب الفلسطيني، ويرفضون الممارسات العدوانية ضده. تعمل إسرائيل في كل مرة لمنع وصول السفن إلى شواطئ غزة، سواء بالقوة المسلحة كما حدث في رحلة 2010 التي قتل في نهايتها عدد من المشاركين وأصيب آخرون، أو بفرض حصار مبكر وتشكيل حاجز أمام هذه السفن، والاستيلاء على ما يتيسر منها، كما حدث في رحلات تالية. وكذلك التنسيق مع الولايات المتحدة لممارسة ضغوط لا تنجح في الأغلب الأعم على حكومات أوروبية لتمتنع عن إصدار تصاريح تحتاجها سفن الأسطول لكي ترسو في الموانئ وتنّظم لقاءات وندوات ومسيرات تضامنية مع شعب فلسطين خلال فترة وجودها. وأسهم السكرتير العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون في هذه الضغوط، إذ حث حكومات أوروبية على أن يكون إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق المنظمة الدولية دون غيرها. ولكن موقف السكرتير العام الحالي أنطونيو غوتيريش يبدو أفضل حتى الآن في هذا الشأن مقارنة بسابقه. وبغض النظر عن مصير رحلة أسطول الحرية هذه المرة، لا يستطيع من يمنع وصول السفن إلى غزة أن يحول دون ازدياد التعاطف مع شعب فلسطين وحقوقه في أوساط الأحرار الذين يؤكدون مجددا أن قيمة الحرية لا يعلى عليها.
جريمة قديمة
في مقالها السابق تعرضت الدكتورة منار الشوربجي باختصار لأحداث حرق المصحف الشريف وتدنيسه في السويد والدنمارك. وانتهت الكاتبة في “المصري اليوم” إلى أنها تتفق مع الرؤى التي ربطت الأحداث «بالإسلاموفوبيا»، مطالبة ألا نختزل الظاهرة فيها وحدها. فالإسلاموفوبيا هي أحدث تجليات المشكلة، لا جذورها ولا حتى جوهرها. لكن قبل تناول الإسلاموفوبيا ترى الكاتبة من المهم الإشارة لما يقوله المسؤولون في البلدين، لأنه يمثل نموذجا ممتازا للطبيعة الهيكلية لما نحن بصدده وجذوره، كما سيتضح في هذه السلسلة، فالشرطة الدنماركية وصفت مظاهرة ركل المصحف الشريف بالأقدام بأنها «كانت سلمية من وجهة نظر البوليس»!، أما رئيس وزراء السويد فرغم أن حكومته أدانت حرق المصحف يوم عيد الأضحى، فقد قال الرجل إن الفعل «رغم قانونيته، إلا أنه غير مناسب». وتعبير «غير مناسب» هو ما يستحق التأمل. فهو لم يعتبره مثلا «جريمة كراهية»، وإنما اعتبره ببساطة «غير مناسب». أكثر من ذلك، فرغم أنه وصف اقتحام سفارات بلاده في العالم الإسلامي احتجاجا على حرق المصحف بأنه «ليس مقبولا على الإطلاق»، فإنه لم يستخدم حتى تلك العبارة نفسها أي «ليس مقبولا على الإطلاق» لوصف الجريمة الأصلية التي نتج عنها الاقتحام، وإنما دعا «للهدوء» داخل السويد لأن «الوضع الأمني خطير، ولا داعي لإهانة الآخرين». وكلمة «الآخرين» لافتة هي الأخرى إذ إن المسلمين الحاملين للجنسية السويدية صاروا يندرجون تحت اسم «الآخرين»، الأمر الذي يغذي بالضرورة فكرة اختلافهم عن باقي السويديين! فالمفردات التي يستخدمها السياسيون عادة ما يتم انتقاؤها بعناية خصوصا في ظروف قال عنها الرجل بنفسه إنها تمثل «وضعا أمنيا خطيرا»، الأمر الذي يلزم معه أن نولي اهتماما معتبرا لعملية إنتاج المعنى في الغرب لأنها تقع في القلب من الظاهرة برمتها.
لا يعرفون الإسلام
«الإسلاموفوبيا»، كما أوضحت الدكتورة منار الشوربجي تقوم، باختصار، على فرضية اخترعتها تيارات في الثقافة الغربية وصدقتها، ومؤداها أن «الإسلام» دين عدواني بطبعه ويستحيل انصهاره في بوتقة المجتمعات الغربية. لاحظ هنا أن ما يزعمون استحالة انصهاره ليس المسلمين وإنما الإسلام نفسه. والفرضية تضيف، دون دليل، أن «المسلمين» في الغرب مرتبطون بشبكات عالمية للإرهاب، كالقاعدة. وكغيرها من أنماط كراهية الآخر، فـ«الإسلاموفوبيا» ليست ثابتة وإنما تأخذ أشكالا كثيرة تختلف من مكان لآخر ومن زمن لآخر، وتعيد إنتاج نفسها بنفسها. فـ«الإسلاموفوبيا» في الكثير من المجتمعات الغربية ليست مجرد أحداث فردية، إذ تمت مأسستها، بمعنى أنها صارت إطارا من الأعراف والتقاليد والسلوك، وتنبني عليها أيضا القوانين. ومن هنا لا يجوز الاعتداد بأن من حرق المصحف الشريف من أصل عراقي، فهو انسحق في ذلك الإطار الهيكلي نفسه. ولغة خطاب السياسيين ذات طابع هيكلي هي الأخرى. فخطابها موجه للجماهير ويمثل استراتيجية للوصول للحكم تلعب على مشاعر الناس. وتلك استراتيجية اتخذت مؤخرا طابعا شعبويا فاشيا في أمريكا وأوروبا. معنى ذلك أن «الإسلاموفوبيا» ليست مجرد ظاهرة تستهدف المسلمين وإنما لها وظيفة في المجتمعات الغربية. إذ إن آسيا والشرق الأوسط، حيث يعيش المسلمون، يستخدمان كمحدد للهوية الغربية. فـ«الإسلام» هنا يتم تحويله «للتهديد الخارجي» الذي يوحّد الأمة ويؤدي لتماسكها الوطني. وهي فكرة يعاد إنتاجها لتتناسب مع كل عصر، فهي بالأمس كانت بزعم «مواجهة الإرهاب»، واليوم بطابعها اليميني الفاشي تزعم «حماية القيم» من المهاجرين الجدد، بل وضد من صاروا مواطنين منهم، ولكن جاؤوا من العالم العربي الإسلامي، بما فيه المسيحيون الشرقيون، فالقضية تتعلق بالثقافة والحضارة التي أتوا منها، بل وبلون البشرة أكثر منها بالدين!