الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تشتد‭ ‬ولا‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬انفراج‭ ‬حقيقي‭… ‬والتجار‭ ‬يخفون‭ ‬بضائعهم‭ ‬بانتظار‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬

حسام‭ ‬عبد‭ ‬البصير
حجم الخط
0

القاهرة‭ ‬ـ‭ ‬‮«‬القدس‭ ‬العربي‭:‬‮»‬ بينما‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬مصطفى‭ ‬مدبولي‭ ‬يعقد‭ ‬اجتماعه‭ ‬الأسبوعي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬العلمين‭ ‬ظل‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطارده‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬يتردد،‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬السياسي‭ ‬الى‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وفحواه‭: ‬كيف‭ ‬تمكنت‭ ‬وزيرة‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬رانيا‭ ‬المشاط‭ ‬من‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬وظيفتها‭ ‬الأساسية‭ ‬ووظيفة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مصرف‭ ‬أبو‭ ‬ظبي‭ ‬الإسلامي‭. ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬تردد‭ ‬بشأن‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬مدبولي‭ ‬بالعمل‭ ‬فإن‭ ‬الانتقادات‭ ‬تتوالى‭ ‬ضد‭ ‬الوزيرة‭ ‬ورئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬معا‭. ‬وطالب‭ ‬كتاب‭ ‬وسياسيون‭ ‬المشاط‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬بين‭ ‬الاستقالة‭ ‬من‭ ‬منصبها‭ ‬الوزاري‭ ‬ورفض‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬منصب‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬مصرف‭ ‬أبو‭ ‬ظبي‭.‬
ومن‭ ‬أخبار‭ ‬مؤسسة‭ ‬الرئاسة‭: ‬وجه‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسي‭ ‬بمواصلة‭ ‬المتابعة‭ ‬لجهود‭ ‬تقنين‭ ‬أوضاع‭ ‬المواطنين‭ ‬وإنهاء‭ ‬ممارسات‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬الدولة،‭ ‬مشددا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬منع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التعديات‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬سرعة‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬التقنين،‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬مصالح‭ ‬المواطنين‭ ‬والمصلحة‭ ‬العامة‭. ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬خلال‭ ‬اجتماع‭ ‬السيسي‭ ‬مؤخرا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬مصطفى‭ ‬مدبولي،‭ ‬والمستشار‭ ‬عمر‭ ‬مروان‭ ‬وزير‭ ‬العدل،‭ ‬واللواء‭ ‬محمود‭ ‬توفيق‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية،‭ ‬واللواء‭ ‬هشام‭ ‬آمنة‭ ‬وزير‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية،‭ ‬واللواء‭ ‬أمير‭ ‬سيد‭ ‬أحمد‭ ‬مستشار‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬للتخطيط‭ ‬العمراني،‭ ‬واللواء‭ ‬أحمد‭ ‬العزازي‭ ‬رئيس‭ ‬الهيئة‭ ‬الهندسية‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭.‬
ومن‭ ‬أخبار‭ ‬الحوادث‭: ‬نجحت‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬لشرطة‭ ‬التموين‭ ‬والتجارة‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬أحد‭ ‬التجار‭ ‬وبحوزته‭ ‬385‭ ‬ألف‭ ‬عبوة‭ ‬سجائر‭ ‬متنوعة‭ ‬لقيامه‭ ‬بحجبها‭ ‬عن‭ ‬التداول‭ ‬لرفع‭ ‬أسعارها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إخفائها‭ ‬وعدم‭ ‬طرحها‭ ‬للبيع‭ ‬والمضاربة‭ ‬بالأسعار‭. ‬
موظفة‭ ‬المصرف

هل‭ ‬كان‭ ‬مصطفى‭ ‬مدبولي‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬يحتاج‭ ‬للانتظار‭ ‬حتى‭ ‬يوجه‭ ‬نائب‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬سؤالا‭ ‬له‭ ‬ليقول‭ ‬للناس‭ ‬لماذا‭ ‬جمعت‭ ‬وزيرة‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬بين‭ ‬منصبها‭ ‬الوزاري‭ ‬الذي‭ ‬تشغله‭ ‬حاليا،‭ ‬وحصولها‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬مصرف‭ ‬أبو‭ ‬ظبي‭ ‬الإسلامي‭ ‬مقابل‭ ‬راتب‭ ‬شهري؟‭! ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬شهيب‭ ‬في‭ “‬فيتو‭”: ‬بالطبع‭ ‬لا‭… ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أثير‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬للناس‭ ‬شارحا‭ ‬لنا‭ ‬كيف‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬الوزير‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أن‭ ‬يتفرغ‭ ‬لأداء‭ ‬مهام‭ ‬منصبه‭ ‬الوزاري‭ ‬منعا‭ ‬لتضارب‭ ‬المصالح،‭ ‬وحتى‭ ‬يركز‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬عمله‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬لكل‭ ‬وقته،‭ ‬فالوزير‭ ‬ليس‭ ‬مثل‭ ‬موظف‭ ‬الحكومة‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬مساء‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬آخر‭ ‬ليزيد‭ ‬من‭ ‬دخله‭… ‬وليقول‭ ‬للناس‭ ‬كذلك‭ ‬لماذا‭ ‬سكت‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الوضع‭ ‬ولم‭ ‬يتحرك‭ ‬لتصحيحه‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬دستوريا،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬أن‭ ‬السكوت‭ ‬علامة‭ ‬رضا‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬الوزيرة‭ ‬بين‭ ‬منصبها‭ ‬الوزاري‭ ‬وعضوية‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬المصرف‭. ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬سكت‭ ‬حتى‭ ‬وجّه‭ ‬له‭ ‬نائب‭ ‬سؤالا‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يتحدث‭ ‬الآن‭ ‬للناس‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬اجتماع‭ ‬لمجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬وسيكون‭ ‬مفيدا‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬شيئا‭ ‬للناس‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الوزيرة‭ ‬قد‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬موافقته‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬بعضوية‭ ‬المصرف‭.‬

قلق‭ ‬وحر

أصعب‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخلفه‭ ‬أي‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬خانقة‭ ‬كالتي‭ ‬تعيشها‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬خالد‭ ‬سيد‭ ‬أحمد‭ ‬في‭ “‬الشروق‭” ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬القلقة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬على‭ ‬مواطنيها‭ ‬وحكومتها،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬ملامح‭ ‬انفراج‭ ‬حقيقي‭ ‬يرسخ‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬اليقين‭ ‬والأمل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬فالمواطنون‭ ‬الذين‭ ‬يكابدون‭ ‬مرارة‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬يشعرون‭ ‬بقلق‭ ‬مضاعف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وقت‭.. ‬كلما‭ ‬نزلوا‭ ‬الأسواق‭ ‬مخافة‭ ‬من‭ ‬سياط‭ ‬الأسعار‭ ‬التي‭ ‬تلهب‭ ‬ظهورهم‭ ‬جلسوا‭ ‬تحت‭ ‬المراوح‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬نسمة‭ ‬هواء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصيف‭ ‬الخانق‭ ‬خشية‭ ‬انقطاع‭ ‬الكهرباء‭. ‬عندما‭ ‬يذهبون‭ ‬إلى‭ ‬الصيدليات‭ ‬ولا‭ ‬يجدون‭ ‬الدواء‭ ‬الضروري‭ ‬لبقائهم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬ويخافون‭ ‬من‭ ‬الاستيقاظ‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬قرارات‭ ‬حكومية‭ ‬قد‭ ‬تعصف‭ ‬بعملتهم‭ ‬ومدخراتهم‭ ‬البسيطة‭ ‬التي‭ ‬يعتمدون‭ ‬عليها‭ ‬لمواجهة‭ ‬أعباء‭ ‬الحياة‭ ‬الصعبة‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تجد‭ ‬الحكومة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬حالة‭ ‬قلق‭ ‬أكبر‭ ‬وترقب‭ ‬بالغ،‭ ‬نظرا‭ ‬للزيادة‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬أرقام‭ ‬الديون،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬‮«‬ارتفاع‭ ‬إجمالي‭ ‬الدين‭ ‬الخارجي‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬165‭.‬4‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بنهاية‭ ‬مارس‭/‬آذار‭ ‬الماضي‭ ‬مقابل‭ ‬162‭.‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭/‬كانون‭ ‬الأول‭ ‬الماضي‭ ‬بزيادة‭ ‬قدرها‭ ‬2‭.‬4‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬شهور‮»‬،‭ ‬وفقا‭ ‬لبيانات‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬المصري‭. ‬تشعر‭ ‬الحكومة‭ ‬بالقلق‭ ‬خشية‭ ‬عدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بجدول‭ ‬سداد‭ ‬الديون‭ ‬المزدحم،‭ ‬لاسيما‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬إجمالي‭ ‬الفوائد‭ ‬والأقساط‭ ‬المستحق‭ ‬سدادها‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬يقدر‭ ‬بـ11‭.‬327‭ ‬مليار‭ ‬دولار‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬وفقا‭ ‬لتقرير‭ ‬الوضع‭ ‬الخارجي‭ ‬للاقتصاد‭ ‬المصري‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭.‬
كذلك‭ ‬تدرك‭ ‬الحكومة‭ ‬أن‭ ‬عليها‭ ‬الاستعداد‭ ‬لمواجهة‭ ‬ثلاثة‭ ‬مخاطر‭ ‬تمويلية‭ ‬محتملة،‭ ‬منها‭ ‬إمكانية‭ ‬خفض‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬للبلاد‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة،‭ ‬مما‭ ‬يعرقل‭ ‬قدوم‭ ‬استثمارات‭ ‬أجنبية‭ ‬جديدة،‭ ‬والتخفيض‭ ‬المتوقع‭ ‬للعملة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تخطي‭ ‬المراجعتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬والمرجحتان‭ ‬في‭ ‬شهري‭ ‬سبتمبر‭/‬ايلول‭ ‬وأكتوبر‭/‬تشرين‭ ‬الأول‭ ‬المقبلين،‭ ‬وتوقف‭ ‬اتفاقية‭ ‬تصدير‭ ‬الحبوب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬مما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مضاعفة‭ ‬فاتورة‭ ‬الاستيراد،‭ ‬وفقا‭ ‬لبنك‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬مورغان‭ ‬ستانلي‮»‬‭.‬
يجب‭ ‬على‭ ‬الحكومة،‭ ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬خالد‭ ‬سيد‭ ‬أحمد،‭ ‬أن‭ ‬تشعر‭ ‬بقلق‭ ‬مضاعف،‭ ‬بعدما‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬‮«‬إنجازاتها‭ ‬الكبيرة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬حل‭ ‬أزمة‭ ‬الكهرباء،‭ ‬قد‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬اختبار‭ ‬‮«‬قيظ‭ ‬صيف‮»‬،‭ ‬تأبى‭ ‬درجة‭ ‬حرارته‭ ‬أن‭ ‬تهدأ،‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬الشكوى‭ ‬والتذمر‭ ‬والسخط‭ ‬لدى‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬هنا‭ ‬مكمن‭ ‬الخطر‭ ‬الحقيقي،‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الالتفات‭ ‬إليه‭ ‬وعدم‭ ‬تجاهله،‭ ‬ونعني‭ ‬بذلك‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬حالة‭ ‬القلق‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تراكم‭ ‬للغضب‭ ‬والنقمة‭ ‬في‭ ‬النفوس،‭ ‬جراء‭ ‬غياب‭ ‬السياسات‭ ‬والرؤى‭ ‬الواقعية،‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بتحقيق‭ ‬عبور‭ ‬آمن‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الصعبة‭ ‬وتحدياتها‭ ‬الضخمة‭ ‬والكفيلة‭ ‬بتهديد‭ ‬استقرار‭ ‬وأمن‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭.‬

‮«‬بيحسدونا‭ ‬على‭ ‬ايه؟‮»‬

أولى‭ ‬الخطوات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬اتخاذها‭ ‬للخروج‭ ‬الآمن‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬ثقة‭ ‬المواطنين‭ ‬وتهدئة‭ ‬مخاوفهم‭ ‬وقلقهم‭ ‬من‭ ‬المستقبل،‭ ‬عبر‭ ‬سياسات‭ ‬وقرارات‭ ‬واعية‭ ‬ومتوازنة‭ ‬تراعي‭ ‬ظروفهم‭ ‬المعيشية‭ ‬القاسية‭ ‬ولا‭ ‬تحملهم‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬الحياتية‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الشروع‭ ‬بشكل‭ ‬جاد‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬الاختلالات‭ ‬الهيكلية‭ ‬الخطيرة‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصري،‭ ‬وتصحيح‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬فيها‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭. ‬كذلك‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬لجم‭ ‬شهيتها‭ ‬المفتوحة‭ ‬للاقتراض‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أضيق‭ ‬الحدود‭ ‬وللضرورة‭ ‬القصوى،‭ ‬مثلما‭ ‬طالبت‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬المحور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للحوار‭ ‬الوطني،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬حقيقية‭ ‬لهذا‭ ‬الملف‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬تداعيات‭ ‬خطرة‭ ‬للغاية‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭. ‬أخيرا،‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬ترشيد‭ ‬سفرها‭ ‬الداخلي‭ ‬إلى‭ ‬الساحل‭ ‬الشمالي‭ ‬لعقد‭ ‬اجتماعها‭ ‬الأسبوعي،‭ ‬تقليلا‭ ‬لنفقات‭ ‬المواكب‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الطاحنة،‭ ‬وضبط‭ ‬تصريحات‭ ‬بعض‭ ‬مسؤوليها،‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬غضب‭ ‬ونقمة‭ ‬المواطنين‭ ‬وترفع‭ ‬من‭ ‬ضغطهم،‭ ‬مثل‭ ‬قول‭ ‬أحدهم‭: ‬‮«‬اللي‭ ‬بره‭ ‬بيحسدنا‭ ‬على‭ ‬اللى‭ ‬إحنا‭ ‬فيه‮»‬‭. ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬الاستفزازية‭ ‬بالطبع،‭ ‬تباعد‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬والحكومة‭ ‬وتطيل‭ ‬من‭ ‬أمد‭ ‬أيام‭ ‬القلق‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد‭.‬
كتف‭ ‬الرئيس

اتهم‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحافي‭ ‬حلمي‭ ‬النمنم‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬الأسبق‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬بتعليق‭ ‬‮«‬كل‭ ‬الأشياء‮»‬‭ ‬على‭ ‬كتف‭ ‬الرئيس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬سمّاه‭ ‬المصلحة‭ ‬الشخصية،‭ ‬معقبا‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬نقل‭ ‬عنه‭ ‬محمد‭ ‬شعبان‭ ‬في‭ ‬‮«‬الشروق‮»‬‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬لدينا‭ ‬معارضون‭. ‬إنما‭ ‬لدينا‭ ‬ممتعضون‭. ‬أنا‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬معارضا‭ ‬لأن‭ ‬المعارضة‭ ‬هتوزنك‭ ‬وهتمكنك‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬برنامج‮»‬‭. ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬السياسي‭ ‬لم‭ ‬يخل‭ ‬من‭ ‬المعارضة،‭ ‬معقبا‭: ‬‮«‬أيام‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تنظيم‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬لكن‭ ‬احتوى‭ ‬داخله‭ ‬أجنحة‭ ‬معارضة‭ ‬لأقصى‭ ‬درجة،‭ ‬مصر‭ ‬ليست‭ ‬دولة‭ ‬صغيرة‮»‬‭. ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬النكت‭ ‬اللي‭ ‬على‭ ‬القهاوي،‭ ‬ليست‭ ‬تسلية،‭ ‬لكنها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المعارضة‮»‬‭. ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬الجماعة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعترف‭ ‬بمسميات‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬واستقلال‭ ‬وسيادة‭ ‬الدولة،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسي‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬سيناء‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬الإرهاب‭ ‬واسشتعادة‭ ‬السيادة‭ ‬كاملة،‭ ‬لافتا‭ ‬الى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬الآن‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬السيسي‭ ‬الطيران‭ ‬المصري‭ ‬داخل‭ ‬سيناء،‭ ‬أنا‭ ‬قضيت‭ ‬فترة‭ ‬تجنيدي‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬سيناء،‭ ‬سنة‭ ‬كاملة‭ ‬لم‭ ‬أر‭ ‬طائرة‭ ‬هناك‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬ممنوعا‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬أي‭ ‬طائرة‭ ‬بسيناء‭ ‬نهائيا‮»‬‭. ‬وتابع‭: ‬‮«‬الطيران‭ ‬الآن‭ ‬موجود،‭ ‬المعارضة‭ ‬زمان‭ ‬كانت‭ ‬تقول‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭: ‬رجعلنا‭ ‬سيناء‭ ‬منقوصة‭ ‬السيادة،‭ ‬والرئيس‭ ‬مبارك‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬الوضع‭ ‬الآن‭ ‬اتعدل،‭ ‬واللي‭ ‬عدله‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسي‮»‬‭. ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬السيسي‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمواطنة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرات‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬وتكافل‭ ‬وكرامة،‭ ‬معقبا‭: ‬‮«‬بالأرقام‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2008‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬قضايا‭ ‬مرفوعة‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬نظيف،‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬للمرتب‭ ‬800‭ ‬جنيه،‭ ‬الآن‭ ‬أصبح‭ ‬3500‭ ‬جنيه‭ ‬يعني‭ ‬4‭ ‬أضعاف‭ ‬ونصف،‭ ‬دا‭ ‬نسميه‭ ‬إيه‭!‬‮»‬‭.‬
ورد‭ ‬على‭ ‬انتقادات‭ ‬بعض‭ ‬التيارات‭ ‬المعارضة‭ ‬خارج‭ ‬الدولة‭ ‬بشأن‭ ‬بناء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة،‭ ‬مستنكرا‭: ‬‮«‬الدولة‭ ‬عندما‭ ‬تبني‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬تبقى‭ ‬جريمة،‭ ‬هل‭ ‬جريمتها‭ ‬أنها‭ ‬تبني،‭ ‬إذا‭ ‬تركت‭ ‬العشوائيات‭ ‬تكون‭ ‬جريمة،‭ ‬وإذا‭ ‬بنت‭ ‬تكون‭ ‬جريمة،‭ ‬ونسينا‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نتكلم‭ ‬منذ‭ ‬الستينيات‭ ‬أن‭ ‬القاهرة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تصلح‭ ‬عاصمة،‭ ‬وأننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬عاصمة‭ ‬جديدة‮»‬‭.‬

بوسعنا‭ ‬التعود

طريق‭ ‬السويس،‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬القاهرة‭ ‬وكل‭ ‬التجمعات‭ ‬السكنية‭ ‬مثل‭ ‬الرحاب‭ ‬ومدينتي‭ ‬الشروق‭ ‬وبدر‭ ‬وغيرها‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬طريقا‭ ‬صحراويا‭ ‬يستخدمه‭ ‬المسافرون،‭ ‬ولكنه‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬أمينة‭ ‬خيري‭ ‬طريق‭ ‬يومي‭ ‬يرتاده‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬أعمالهم‭ ‬ومشاويرهم‭ ‬وتنقلاتهم‭. ‬الطريق‭ ‬غارق‭ ‬في‭ ‬ظلام‭ ‬دامس،‭ ‬والسرعة‭ ‬عليه‭ ‬حدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج،‭ ‬ناهيك‭ ‬من‭ ‬الكثيرين‭ ‬ممن‭ ‬يقررون‭ ‬أن‭ ‬يرشدوا‭ ‬بصفة‭ ‬شخصية‭ ‬اختيارية‭ ‬أثناء‭ ‬قيادتهم‭ ‬لسياراتهم‭ ‬فلا‭ ‬يضيئون‭ ‬أنوارها‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬القائمة‭ ‬المعروفة،‭ ‬والتي‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬مقبولة‮»‬‭ ‬من‭ ‬خرق‭ ‬لكل‭ ‬قوانين‭ ‬السير‭. ‬وأعود‭ ‬إلى‭ ‬فقه‭ ‬الأولويات‭. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مقدور‭ ‬ملايين‭ ‬البيوت‭ ‬المصرية‭ ‬أن‭ ‬توفق‭ ‬أوضاعها‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬جداول‭ ‬معروفة‭ ‬للتخفيف،‭ ‬فإن‭ ‬استخدام‭ ‬طريق‭ ‬دامس‭ ‬تماما‭ ‬أمر‭ ‬بالغ‭ ‬الخطورة‭. ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أرتب‭ ‬تفاصيل‭ ‬البيت‭ ‬حسب‭ ‬التيار‭ ‬وانقطاعه،‭ ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نرتب‭ ‬مواعيد‭ ‬عودتنا‭ ‬من‭ ‬أعمالنا‭ ‬بشكل‭ ‬يقينا‭ ‬شرور‭ ‬طريق‭ ‬هو‭ ‬بحر‭ ‬الظلمات‭ ‬حرفيا؟‭! ‬وألا‭ ‬توجد‭ ‬طريقة‭ ‬لتخفيف‭ ‬الإضاءة‭ ‬وليس‭ ‬قطعها‭ ‬تماما،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬أعمدة‭ ‬الإنارة‭ ‬كبير‭ ‬جدا‭ ‬ولله‭ ‬الحمد؟‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬السويس‭ ‬تحديدا‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬طرق‭ ‬أخرى‭ ‬شبيهة‭ (‬كانت‭ ‬سريعة‭ ‬مخصصة‭ ‬للسفر،‭ ‬ثم‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬طرق‭ ‬ذهاب‭ ‬وعودة‭ ‬يومية‭ ‬للمواطنين‭ ‬بعد‭ ‬تمدد‭ ‬التوسع‭ ‬العمراني‭). ‬السلامة‭ ‬تأتى‭ ‬أولا،‭ ‬وأبجدياتها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الإضاءة‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬السريعة‭ ‬العامرة‭ ‬بحركة‭ ‬السير‭.‬

حتى‭ ‬تمر‭ ‬بسلام

‭”‬أنا‭ ‬على‭ ‬أتم‭ ‬استعداد‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬حياتي‭ ‬بضعة‭ ‬شهور‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الغليان‭ ‬المناخي‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيريش،‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭. ‬تابعت‭ ‬أمينة‭ ‬خيري‭ ‬في‭ “‬المصري‭ ‬اليوم‭”: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الكوكب‭ – ‬بسبب‭ ‬أفعال‭ ‬البشر‭- ‬يمر‭ ‬بـ‭”‬عصر‭ ‬الغليان‭ ‬العالمي‭”‬،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬السفه‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أطالب‭ ‬أو‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬حياتي‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الغليان‭. ‬زادت‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬الأرض،‭ ‬وأصبح‭ ‬الـ«الطبيعى‭ ‬الجديد‮»‬‭ – ‬لحين‭ ‬إصلاح‭ ‬أحوال‭ ‬الكوكب‭ ‬البيئية‭ – ‬هو‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬حرارة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬وحرائق‭ ‬غابات‭ ‬وفيضانات‭ ‬وجفاف‭ ‬وغيرها‭. ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬أتأثر‭ ‬كما‭ ‬يتأثر‭ ‬غيرى‭ ‬من‭ ‬الثمانية‭ ‬مليارات‭ ‬شخص‭ ‬مجموع‭ ‬سكان‭ ‬الأرض‭. ‬إذن‭ ‬أنا‭ ‬مستعدة‭ ‬لإعادة‭ ‬الهيكلة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأشهر‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬فيها‭ ‬قسوة‭ ‬الظواهر‭ ‬المناخية‭. ‬وفى‭ ‬حالتنا‭ ‬الآن،‭ ‬فإن‭ ‬الحرارة‭ ‬الشديدة‭ ‬تتطلب‭ ‬أحيانا‭ ‬تخفيف‭ ‬الأحمال‭ ‬وقطع‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬عن‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬الموجات‭ ‬بسلام،‭ ‬وذلك‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الطريقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المتاحة‭ ‬أمامنا‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الجداول‭ ‬بصيغة‭ ‬‮«‬بى‭ ‬دى‭ ‬إف‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬الطريقة‭ ‬الأمثل‭ ‬أو‭ ‬الأسهل‭ ‬لإطلاع‭ ‬الـ110‭ ‬ملايين‭ ‬مصري‭ ‬على‭ ‬محتواها،‭ ‬ولكن‭ ‬الجهد‭ ‬المبذول‭ ‬فيها‭ ‬كبير‭. ‬ورغم‭ ‬استعدادي‭ ‬هذا‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬حياتي‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الوضع‭ ‬الجديد،‭ ‬فإن‭ ‬قطع‭ ‬التيار‭ ‬تماما،‭ ‬وليس‭ ‬تخفيف‭ ‬الإضاءة‭ ‬على‭ ‬طرق‭ ‬مثل‭ ‬طريق‭ ‬السويس،‭ ‬يصعب‭ ‬جدا‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬باعتباره‭ ‬ضرورة‭ ‬قصوى‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬بدائل‭ ‬عنه‭. ‬أنا‭ ‬وغيري‭ ‬على‭ ‬أتم‭ ‬استعداد‭ ‬لإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الجدول‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يحول‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬المواطنون‭ ‬ليلا‭ ‬إلى‭ ‬ظلام‭ ‬دامس‭ ‬دون‭ ‬عمود‭ ‬إنارة‭ ‬واحد‭.‬
قانون‭ ‬منسي

حسنا‭ ‬فعلت‭ ‬اللجان‭ ‬المتخصصة‭ ‬بـ‭ “‬الحوار‭ ‬الوطني‭” ‬حينما‭ ‬تطرقت‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬المحليات‭ ‬وناقشت‭ ‬مشكلات‭ ‬هذا‭ ‬القانون،‭ ‬وأسباب‭ ‬تأخير‭ ‬صدوره،‭ ‬والنظام‭ ‬الانتخابي‭ ‬الأمثل‭ ‬للمجالس‭ ‬المحلية‭. ‬يرى‭ ‬عبد‭ ‬المحسن‭ ‬سلامة‭ ‬في‭ “‬الأهرام‭” ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬المحليات‭ ‬تأخر‭ ‬كثيرا،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬قانون‭ ‬المجالس‭ ‬النيابية،‭ ‬لأنه‭ ‬يرتبط‭ ‬بمصالح‭ ‬المواطنين‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬القرى،‭ ‬والنجوع،‭ ‬والأحياء،‭ ‬والمحافظات‭ ‬المختلفة‭. ‬المجالس‭ ‬المحلية‭ ‬معطلة‭ ‬منذ‭ ‬12‭ ‬عاما،‭ ‬بعد‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‭/‬كانون‭ ‬الثاني،‭ ‬ومنذ‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬يراوح‭ ‬القانون‭ ‬مكانه‭ ‬بين‭ ‬التقدم‭ ‬عدة‭ ‬خطوات‭ ‬والتراجع‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬هناك‭ ‬اعتقاد‭ ‬خاطئ‭ ‬أن‭ ‬المجالس‭ ‬المحلية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعوق‭ ‬العمل‭ ‬المحلي،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬العكس‭ ‬صحيح،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مبادرة‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسي‭ (‬حياة‭ ‬كريمة‭)‬،‭ ‬وإدخال‭ ‬الريف‭ ‬المصري‭ ‬ضمن‭ ‬منظومة‭ ‬التطوير،‭ ‬والتحديث،‭ ‬وهي‭ ‬المبادرة‭ ‬الأهم،‭ ‬والأضخم‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬عمل‭ ‬المجالس‭ ‬المحلية‭ ‬سوف‭ ‬يساعد‭ ‬الإدارة‭ ‬المحلية،‭ ‬ويراقبها،‭ ‬وينقل‭ ‬نبض‭ ‬المواطن‭ ‬إلى‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية،‭ ‬ويجعله‭ ‬مشاركا‭ ‬وفاعلا‭ ‬فيما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬وتمنى‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يتطرق‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬المحليات‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬توسيع‭ ‬صلاحيات‭ ‬المجالس‭ ‬المحلية‭ ‬كأداة‭ ‬رقابة،‭ ‬وكذلك‭ ‬توسيع‭ ‬صلاحيات‭ ‬رؤساء‭ ‬القرى،‭ ‬والمدن،‭ ‬والمراكز،‭ ‬والأحياء،‭ ‬وأيضا‭ ‬صلاحيات‭ ‬وسلطات‭ ‬المحافظين،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬لهم‭ ‬صلاحيات‭ ‬فعلية‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬إحكام‭ ‬وسائل‭ ‬الرقابة،‭ ‬والمساءلة‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المجالس‭ ‬الشعبية‭ ‬المحلية‭ ‬بمستوياتها‭ ‬المختلفة‭. ‬توسيع‭ ‬الصلاحيات‭ ‬يعطي‭ ‬الفرصة‭ ‬للمنافسة‭ ‬بين‭ ‬المحافظين،‭ ‬وقدرتهم‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطوير‭ ‬المحافظات،‭ ‬والمزج‭ ‬بين‭ ‬الرؤيتين‭ ‬المحلية،‭ ‬والمركزية،‭ ‬والتجاوب‭ ‬السريع‭ ‬مع‭ ‬طموحات‭ ‬التحديث،‭ ‬والتطوير‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬لكي‭ ‬نفكر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬طريقة‭ ‬اختيار‭ ‬المحافظين،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬خلال‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬الأكثر‭ ‬إلى‭ ‬اختيار‭ ‬المحافظين‭ ‬بالانتخاب‭ ‬المباشر‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬كل‭ ‬محافظة‭. ‬المهم‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬قانون‭ ‬المحليات‭ ‬النور‭ ‬قريبا،‭ ‬وكفى‭ ‬12‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬التجميد‭.‬

شعب‭ ‬مهزوم

الخوف‭ ‬آفة‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬الآفات‭ ‬التي‭ ‬تزعج‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العصور‭. ‬والخوف‭ ‬أنواع‭ ‬يطلعنا‭ ‬عليها‭ ‬رفعت‭ ‬رشاد‭ ‬في‭ “‬الوطن‭”: ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مادي‭ ‬حقيقي‭ ‬كأن‭ ‬تلسع‭ ‬النار‭ ‬يدك،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬معنوي‭ ‬أو‭ ‬داخلي‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬يشعر‭ ‬به،‭ ‬كأن‭ ‬يخاف‭ ‬أحدنا‭ ‬من‭ ‬الامتحان‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬منافسة‭ ‬ستجرى‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬عاقبة‭ ‬لارتكاب‭ ‬خطأ‭ ‬ما‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬فإن‭ ‬الخوف‭ ‬حقيقي‭ ‬وهو‭ ‬يضر‭ ‬بالإنسان‭ ‬ضررا‭ ‬شديدا‭ ‬فيجعله‭ ‬مشتت‭ ‬الذهن‭ ‬فاقدا‭ ‬متعة‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬الشعور‭ ‬به‭ ‬فيسترد‭ ‬الإنسان‭ ‬حالته‭ ‬بعد‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭. ‬يبدأ‭ ‬الخوف‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬الصغر،‭ ‬فالطفل‭ ‬يخاف‭ ‬الوحدة‭ ‬والظلام،‭ ‬والصبي‭ ‬يخاف‭ ‬أن‭ ‬تسرق‭ ‬دراجته،‭ ‬والشاب‭ ‬يخاف‭ ‬نتيجة‭ ‬الامتحان‭ ‬أو‭ ‬فقدان‭ ‬حبيبته،‭ ‬والموظف‭ ‬يقلق‭ ‬على‭ ‬درجته‭ ‬المالية‭ ‬أو‭ ‬علاوته،‭ ‬ويخاف‭ ‬الفلاح‭ ‬الآفات‭ ‬الزراعية،‭ ‬والمرأة‭ ‬تخاف‭ ‬أن‭ ‬يذبل‭ ‬جمالها‭. ‬وهكذا‭ ‬يوجد‭ ‬الخوف‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬بأنواع‭ ‬ودرجات‭ ‬مختلفة‭. ‬لكن‭ ‬الخوف‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الأفراد،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجتاح‭ ‬موجة‭ ‬خوف‭ ‬شعبا‭ ‬ما‭ ‬فنجد‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬يخاف‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬يخشى‭ ‬تزايد‭ ‬الفقر‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يسيطر‭ ‬الخوف‭ ‬الجماعي‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬مشاعر‭ ‬الخوف‭ ‬عبر‭ ‬أجيال‭ ‬مثل‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬لدى‭ ‬شعب‭ ‬ما‭ ‬عقدة‭ ‬تجاه‭ ‬شعب‭ ‬آخر‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬انتصر‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬عدة‭ ‬حروب‭ ‬متتالية‭ ‬فيصبح‭ ‬لدى‭ ‬الشعب‭ ‬المهزوم‭ ‬عقدة‭ ‬وخوف‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬الهزيمة‭ ‬وتخور‭ ‬عزيمته‭ ‬فلا‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬أو‭ ‬الثأر‭.‬

الغريزة‭ ‬لا‭ ‬تسمع

من‭ ‬أنواع‭ ‬الخوف‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬حذرنا‭ ‬منها‭ ‬رفعت‭ ‬رشاد‭ ‬الخوف‭ ‬الذي‭ ‬يفقد‭ ‬العقل‭ ‬ويتبع‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭ ‬غريزته‭ ‬فقط‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬لقن‭ ‬أن‭ ‬يتبعه،‭ ‬فقد‭ ‬نخاف‭ ‬شيئا‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬للخوف‭ ‬منه‭ ‬فهو‭ ‬لن‭ ‬يؤذينا،‭ ‬لكنها‭ ‬الغريزة‭ ‬وكذلك‭ ‬التربية‭ ‬التي‭ ‬تعودنا‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬معين‭ ‬تجاه‭ ‬أمور‭ ‬معينة‭. ‬يقول‭ ‬‮«‬داروين‮»‬‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬الخوف‭ ‬عند‭ ‬الإنسان‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الغريزة‭ ‬لا‭ ‬تسمع‭ ‬صوت‭ ‬العقل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬بانعدام‭ ‬الخطر‭. ‬ذهبت‭ ‬يوما‭ ‬إلى‭ ‬حديقة‭ ‬الحيوان‭ ‬ووضعت‭ ‬وجهي‭ ‬ملاصقا‭ ‬لزجاج‭ ‬بيت‭ ‬الثعبان،‭ ‬وعزمت‭ ‬ألا‭ ‬أتراجع‭ ‬إذا‭ ‬أقبل‭ ‬يضربني،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انهارت‭ ‬عزيمتي‭ ‬عندما‭ ‬ضربني‭ ‬الثعبان‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الزجاج،‭ ‬فقفزت‭ ‬خطوات‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لإرادتي‭ ‬وعقلي‭ ‬حيلة‭ ‬عندما‭ ‬تصورت‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬أجربه‭ ‬من‭ ‬قبل‮»‬‭. ‬يعتقد‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الثعبان‭ ‬وغيره‭ ‬غريزي‭ ‬يولد‭ ‬مع‭ ‬الإنسان،‭ ‬لكن‭ ‬التجارب‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬الخوف‭ ‬شعور‭ ‬مكتسب،‭ ‬ينشأ‭ ‬من‭ ‬سماع‭ ‬القصص‭ ‬المخيفة‭ ‬عنه‭ ‬كما‭ ‬أثبتت‭ ‬الأبحاث‭ ‬أن‭ ‬الطفل‭ ‬حديث‭ ‬الولادة‭ ‬لا‭ ‬يتأثر‭ ‬بالانفعالات‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬مشاعر‭ ‬الخوف‭ ‬ولا‭ ‬تؤثر‭ ‬فيه‭. ‬ومن‭ ‬مشاعر‭ ‬الخوف‭ ‬الخطرة،‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر‭ ‬التي‭ ‬يشكلها‭ ‬الإنسان‭ ‬داخل‭ ‬نفسه‭ ‬ويعتقد‭ ‬أنها‭ ‬العامل‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬مصيره،‭ ‬كأن‭ ‬يخاف‭ ‬الموظف‭ ‬غضب‭ ‬رئيسه‭ ‬عليه‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اعتقد‭ ‬أنه‭ ‬أخطأ‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يحبه‭ ‬رئيسه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يعاني‭ ‬بشدة‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬غضب‭ ‬رئيسه‭ ‬عليه‭. ‬وتحكي‭ ‬قصة‭ ‬روسية‭ ‬عن‭ ‬موظف‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬حفلة‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬وتصادف‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬الجالس‭ ‬أمامه‭ ‬رئيسه‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬من‭ ‬الأصل‭ ‬لأنه‭ ‬موظف‭ ‬نكرة‭. ‬خلال‭ ‬جلوسه‭ ‬عطس‭ ‬الموظف‭ ‬فتناثر‭ ‬الرذاذ‭ ‬على‭ ‬قفا‭ ‬رئيسه‭ ‬الذي‭ ‬أبدى‭ ‬استياءه‭ ‬ونظر‭ ‬خلفه‭ ‬لائما‭ ‬الموظف‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬رئيسه‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬ظل‭ ‬الموظف‭ ‬يتألم‭ ‬ويعاني‭ ‬معاناة‭ ‬نفسية‭ ‬شديدة‭ ‬وأصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬رئيسه‭ ‬ليعتذر‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬نسي‭ ‬الأمر،‭ ‬ولكن‭ ‬الموظف‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬ليعتذر‭ ‬لكنه‭ ‬سقط‭ ‬ميتا‭ ‬من‭ ‬الخوف‭. ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يقتلنا‭ ‬الخوف‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬داع‭ ‬لذلك،‭ ‬فالخوف‭ ‬لم‭ ‬يولد‭ ‬معنا،‭ ‬لكننا‭ ‬خلقناه‭ ‬بأنفسنا‭.‬
هروب‭ ‬من‭ ‬الواقع

في‭ ‬تصريح‭ ‬مزعج‭ ‬قال‭ ‬مساعد‭ ‬وزيرة‭ ‬التضامن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عمرو‭ ‬عثمان‭ ‬إن‭ ‬مخدر‭ ‬الحشيش‭ ‬هو‭ ‬الأعلى‭ ‬انتشارا‭ ‬بين‭ ‬الحالات‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬متعاطي‭ ‬المخدرات‭ ‬بالجهاز‭ ‬الإداري‭ ‬للدولة‭ ‬يليه‭ ‬‮«‬الترامادول‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬الشابو‭ ‬والاستروكس‮»‬‭. ‬وقبلها‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬أطلعنا‭ ‬خالد‭ ‬حسن‭ ‬في‭ “‬الوفد‭” ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬خبر‭ ‬صحافي‭ ‬يؤكد‭ ‬تورط‭ ‬23‭ ‬موظفا‭ ‬بينهم‭ ‬16سيدة‭ ‬في‭ ‬إيجابية‭ ‬تحليل‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المحافظات‭… ‬أخبار‭ ‬وتصريحات‭ ‬ليست‭ ‬مفاجأة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الموظف‭ ‬المصري‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬مواجهة‭ ‬الواقع‭ ‬والأزمات‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬إلا‭ ‬بالغياب‭ ‬عنها،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الغياب‭ ‬إلا‭ ‬بالمخدرات‭ ‬لخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الواقع‭. ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭- ‬وليسوا‭ ‬الصنايعية‭ ‬أو‭ ‬العاطلين‭- ‬مدمني‭ ‬مخدرات،‭ ‬ولكن‭ ‬ربما‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬ليس‭ ‬دقيقا‭ ‬لكون‭ ‬الإدمان‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬يوصف‭ ‬صاحبه‭ ‬بأنه‭ ‬مريض‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬والنشاط،‭ ‬ولكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الموظفين‭ ‬رغم‭ ‬إدمانهم‭ ‬اليومي‭ ‬للمخدرات‭ ‬وخاصة‭ ‬الحشيش‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬عليهم‭ ‬أعراض‭ ‬ظاهرة‭ ‬ويكتشف‭ ‬أمرهم‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التحليل‭. ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬أكد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الأدوية‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬نتيجة‭ ‬التحليل‭ ‬وتجعله‭ ‬إيجابي‭ ‬مخدرات،‭ ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬بالفعل‭ ‬أعرف‭ ‬موظفين‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬الاستغناء‭ ‬ليلة‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬تدخين‭ ‬الحشيش‭ ‬ويرفض‭ ‬تماما‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬مدمن،‭ ‬فهو‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬بإمكانه‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المخدر‭ ‬بإرادته،‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬فهو‭ ‬يستمتع‭ ‬بتلك‭ ‬الحالة،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬هروب‭ ‬من‭ ‬الواقع‭.‬
الكثير‭ ‬من‭ ‬مدمني‭ ‬المخدرات‭ ‬يؤدون‭ ‬الصلاة‭ ‬ويرفضون‭ ‬شرب‭ ‬الخمر‭ ‬ويعتبرونه‭ ‬حراما،‭ ‬إنما‭ ‬المخدرات‭ ‬وخاصة‭ ‬الحشيش‭ ‬يعتبرونها‭ ‬عطارة‭ ‬حلال،‭ ‬ليحيلنا‭ ‬ذلك‭ ‬الرأي‭ ‬إلى‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬ثرثرة‭ ‬فوق‭ ‬النيل‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬تناول‭ ‬واقع‭ ‬هروب‭ ‬المصريين‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬بالحشيش‭… ‬وجملة‭ ‬الفنان‭ ‬عماد‭ ‬حمدي‭ ‬الشهيرة‭: ‬‮«‬الحشيش‭ ‬ممنوع‭ ‬والخمرة‭ ‬مش‭ ‬ممنوعة‭ ‬طب‭ ‬ليه؟‭! ‬ده‭ ‬بيسطل‭ ‬المخ‭ ‬ودي‭ ‬بتلطش‭ ‬المخ‭.. ‬ده‭ ‬حرام‭ ‬ودي‭ ‬حرام‭ ‬ده‭ ‬بيضر‭ ‬بالصحة‭.. ‬ودي‭ ‬بتضر‭ ‬بالصحة‭.. ‬الحشيش‭ ‬غالي‭ ‬والخمرة‭ ‬أغلى‭ ‬منه‭… ‬اشمعنا‭ ‬القانون‭ ‬متحيز‭ ‬للخمرة‭… ‬القانون‭ ‬بيفوت‭ ‬للخمرة‭ ‬علشان‭ ‬بندفع‭ ‬عليها‭ ‬ضرائب‭ ‬طيب‭ ‬فوت‭ ‬للحشيش‭ ‬وندفع‭ ‬عليه‭ ‬ضرائب‮»‬‭.‬

جعلوها‭ ‬مجرمة

الدولة‭ ‬انتهجت‭ ‬طريقا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬خالد‭ ‬حسن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬البدء‭ ‬فيه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬ورغم‭ ‬تأخرها‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬على‭ ‬موظفيها‭ ‬ليس‭ ‬للإضرار‭ ‬بلقمة‭ ‬العيش‭ ‬والسعي‭ ‬لفصلهم،‭ ‬بل‭ ‬لعلاجهم‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الآفة‭ ‬المزعجة،‭ ‬ولكنها‭ ‬بعد‭ ‬تحمس‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬توقفت‭ ‬قليلا،‭ ‬وقتها‭ ‬ظن‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬انتهت‭ ‬وأنها‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬الحماسة،‭ ‬ولكن‭ ‬الدولة‭ ‬الآن‭ ‬عادت‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لعلاج‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬بالفعل‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬الحشيش،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬تسمح‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬بمساعدته‭ ‬للتوقف؟‭ ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬هيئة‭ ‬نفسية‭ ‬كبيرة‭ ‬تحترم‭ ‬الخصوصية‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تعالج‭ ‬وليس‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الردع‭ ‬والعقاب،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الكتمان‭ ‬لخطورة‭ ‬وخصوصية‭ ‬الأمر،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬لاكتشاف‭ ‬حالات‭ ‬إيجابية‭ ‬من‭ ‬الموظفات‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬مستغربا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التعرف‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬التعجب‭ ‬والدهشة،‭ ‬ولكن‭ ‬تزول‭ ‬تلك‭ ‬الدهشة‭ ‬عندما‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬العاملة‭ ‬أصبحت‭ ‬هي‭ ‬عمود‭ ‬الأسرة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬الرزق‭ ‬الوحيد‭ ‬للأسرة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬البطالة‭ ‬وإغلاق‭ ‬بعض‭ ‬المصانع‭. ‬إن‭ ‬الموظفة‭ ‬ربما‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الحبوب‭ ‬المخدرة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬حتى‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬العمل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عمل‭ ‬الوظيفة‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬وعملها‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬فهي‭ ‬كما‭ ‬يقولون‭ ‬تطبق‭ ‬أو‭ ‬تعمل‭ ‬وظيفتين‭ ‬في‭ ‬عملها‭ ‬نهارا‭ ‬وفي‭ ‬مسكنها‭ ‬مساء،‭ ‬مما‭ ‬يدعوها‭ ‬إلى‭ ‬تعاطي‭ ‬مخدرات‭ ‬تعينها‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬المجهود‭ ‬والمواصلة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتأكد‭ ‬أن‭ ‬الموظفة‭ ‬المصرية‭ ‬ليست‭ ‬صاحبة‭ ‬كيف‭ ‬ومزاج‭ ‬وأنها‭ ‬مثل‭ ‬زميلها‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬يهرب‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬بجلسات‭ ‬الحشيش،‭ ‬ولكنها‭ ‬تتناول‭ ‬المخدرات‭ ‬لمواصلة‭ ‬الحياة‭ ‬وليس‭ ‬الهروب‭ ‬منها،‭ ‬وهناك‭ ‬فارق‭ ‬كبير‭. ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬العلاج‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سريا‭ ‬لا‭ ‬يطلع‭ ‬عليه‭ ‬أحد‭ ‬فلن‭ ‬يجدي‭ ‬ولن‭ ‬يحقق‭ ‬أهدافه‭ ‬وهو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬موظف‭ ‬سوى‭ ‬كامل‭ ‬العقل‭ ‬واللياقة‭ ‬يستطيع‭ ‬مواصلة‭ ‬وظيفته‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬انحرافات‭ ‬أو‭ ‬عقبات‭ ‬ومصاعب‭. ‬

لا‭ ‬يرون‭ ‬غيره

هل‭ ‬تتابع‭ ‬استمرار‭ ‬قصة‭ ‬نجاح‭ ‬لاعبنا‭ ‬الدولي‭ ‬محمد‭ ‬صلاح‭ ‬خلال‭ ‬مشواره‭ ‬الاحترافي‭ ‬في‭ ‬أوروبا؟‭! ‬هل‭ ‬تتابع‭ ‬محاولات‭ ‬نادي‭ ‬الاتحاد‭ ‬السعودي‭ ‬للتعاقد‭ ‬معه‭ ‬لتحويل‭ ‬الأنظار‭ ‬‮«‬كاملة‮»‬‭ ‬نحو‭ ‬دوري‭ ‬المملكة،‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬رونالدو‭ ‬وبنزيمة‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬نجوم‭ ‬العالم؟‭! ‬أجاب‭ ‬طارق‭ ‬التهامي‭ ‬في‭ “‬الوفد‭”:‬
هذه‭ ‬هي‭ ‬قيمة‭ ‬صلاح،‭ ‬أصبح‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬لقب‭ ‬أفضل‭ ‬لاعب‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬منافسيه‭ ‬إلى‭ ‬دوريات‭ ‬السعودية‭ ‬وكندا‭ ‬وأمريكا‭. ‬هل‭ ‬شاهدت‭ ‬الفيديو‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تصويره‭ ‬خلال‭ ‬رحلة‭ ‬النجم‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬سنغافورة؟‭ ‬جميع‭ ‬المشجعين‭ ‬لا‭ ‬يتوقفون‭ ‬عن‭ ‬الهتاف‭ ‬باسم‭ ‬واحد‭ ‬‮«‬صلاح‭… ‬صلاح‮»‬،‭ ‬فكانت‭ ‬دهشة‭ ‬أصحاب‭ ‬ونجوم‭ ‬ليفربول‭ ‬الكبيرة‭. ‬المشجعون‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬غيره‭. ‬لا‭ ‬يحبون‭ ‬سواه‭. ‬وهذه‭ ‬القيمة‭ ‬اللوجستية‭ ‬لصلاح،‭ ‬وهي‭ ‬سبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬قيمته‭ ‬السوقية،‭ ‬فهو‭ ‬جاذب‭ ‬للمشجعين‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬قاهرا‭ ‬للشباك‭ ‬والحراس‭. ‬فيديو‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمحوه‭ ‬الذاكرة‭ ‬تم‭ ‬تصويره‭ ‬من‭ ‬مدرجات‭ ‬فريق‭ ‬ليفربول‭ ‬الإنكليزي‭ ‬الذي‭ ‬يلعب‭ ‬له‭ ‬النجم‭ ‬المصري،‭ ‬والذي‭ ‬يظهر‭ ‬فيه‭ ‬صلاح‭ ‬ممسكا‭ ‬بقميصه‭ ‬الأحمر،‭ ‬ومتجها‭ ‬ناحية‭ ‬المدرجات،‭ ‬ليمنح‭ ‬القميص‭ ‬هدية‭ ‬لطفل‭ ‬إنكليزي‭ ‬صغير‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬لأن‭ ‬صلاح‭ ‬لمح‭ ‬الطفل‭ ‬عقب‭ ‬المباراة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬يحمل‭ ‬لافتة‭ ‬مكتوبا‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬صلاح‭ ‬هل‭ ‬يمكنني‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬التيشيرت‭ ‬الخاص‭ ‬بك‭.. ‬أرجوك‮»‬‭! ‬نعم‭. ‬طفل‭ ‬إنكليزي‭ ‬صغير‭ ‬يعتبر‭ ‬محمد‭ ‬صلاح‭ ‬المصري‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬تراب‭ ‬الدلتا،‭ ‬ومن‭ ‬إحدى‭ ‬القرى‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬الغربية‭ ‬مثلا‭ ‬أعلى،‭ ‬ونجما‭ ‬يطال‭ ‬السماء،‭ ‬تلاحقه‭ ‬كاميرات‭ ‬التصوير،‭ ‬وتطارده‭ ‬الأندية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬صلاح‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬يونيو‭/‬حزيران‭ ‬عام‭ ‬1992‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بسيون‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬الغربية،‭ ‬تمسك‭ ‬بحلمه‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬مع‭ ‬رفاقه‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬مدينته‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬دوري‭ ‬طلاب‭ ‬المدارس‭ ‬المصرية‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬بيبسي‮»‬‭ ‬للترويج‭ ‬للعلامة‭ ‬التجارية،‭ ‬واكتشاف‭ ‬المواهب‭ ‬الكروية‭ ‬في‭ ‬الطريق،‭ ‬ومنه‭ ‬صعد‭ ‬درجة‭ ‬على‭ ‬سلم‭ ‬النجومية‭ ‬حينما‭ ‬اكتشفه‭ ‬مدربه‭ ‬رضا‭ ‬الملاح‭ ‬لتميزه‭ ‬اللافت‭ ‬بقدمه‭ ‬اليسرى،‭ ‬فانتقل‭ ‬لصفوف‭ ‬نادي‭ ‬مقاولين‭ ‬طنطا‭! ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬خطف‭ ‬الأنظار‭ ‬بشدة‭ ‬بمستواه‭ ‬الكبير‭ ‬لينتقل‭ ‬لصفوف‭ ‬المقاولون‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬وسط‭ ‬معاناة‭ ‬كبيرة‭ ‬بسبب‭ ‬صعوبة‭ ‬المواصلات‭ ‬والمسافة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقطعها‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬والعودة،‭ ‬وانتظار‭ ‬والديه‭ ‬له‭ ‬عند‭ ‬محطة‭ ‬القطار‭ ‬حتى‭ ‬ينتهي‭ ‬ويعود‭ ‬معهما‭ ‬لمنزله‭.‬

سر‭ ‬النجاح

هل‭ ‬تريد‭ ‬معرفة‭ ‬الدرس‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نخرج‭ ‬به‭ ‬جميعا‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬كفاح،‭ ‬وحكاية‭ ‬نضال‭ ‬محمد‭ ‬صلاح؟‭ ‬الحكاية‭ ‬باختصاركما‭ ‬يرويها‭ ‬طارق‭ ‬التهامي‭ ‬هي‭ ‬قيمة‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬غابت‭ ‬عنا‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طوال،‭ ‬والطموح‭ ‬الذي‭ ‬قتله‭ ‬الروتين‭ ‬الذي‭ ‬سيطر‭ ‬علينا‭ ‬لسنوات،‭ ‬ونظرية‭ ‬أن‭ ‬الكل‭ ‬متساو‭ ‬في‭ ‬مصدر‭ ‬الدخل‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬قيمة‭ ‬العمل،‭ ‬ولذلك‭ ‬نفهم‭ ‬بسهولة‭ ‬سبب‭ ‬عدم‭ ‬ظهور‭ ‬نجاحات‭ ‬مبهرة‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات‭ ‬والستينيات،‭ ‬فقط‭ ‬ترى‭ ‬نتاج‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭! ‬والحكاية‭ ‬أيضا‭ ‬هي‭ ‬طموح‭ ‬صلاح،‭ ‬ورغبته‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬إنتاجه‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬فهو‭ ‬يبيع‭ ‬منتجه‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬الكرة‭ ‬لجمهور‭ ‬أوروبي‭ ‬يدفع‭ ‬الملايين‭ ‬يوميا‭ ‬لمشاهدة‭ ‬نجوم‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬ملاعبه،‭ ‬وتشاء‭ ‬الأقدار‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬صلاح‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬النجوم،‭ ‬وهو‭ ‬جالب‭ ‬جيد‭ ‬للعملة‭ ‬الصعبة‭!‬
ليس‭ ‬فقط‭ ‬لاعب‭ ‬كرة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬إضافة‭ ‬عنصر‭ ‬جديد‭ ‬للقوة‭ ‬الناعمة‭ ‬لمصر،‭ ‬فلم‭ ‬نعد‭ ‬أصحاب‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬والغناء‭ ‬والفنون‭ ‬والطب‭ ‬والتدريس‭ ‬والثقافة،‭ ‬بل‭ ‬أصبحنا‭ ‬نمتلك‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬محمد‭ ‬صلاح،‭ ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬الشريف‭ ‬وحيدا‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السينما،‭ ‬ومثلما‭ ‬كان‭ ‬مجدي‭ ‬يعقوب‭ ‬في‭ ‬الطب،‭ ‬وأحمد‭ ‬زويل‭ ‬في‭ ‬العلوم،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬محمد‭ ‬صلاح‭ ‬وحيدا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬ولم‭ ‬ننجح‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نضم‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬حفر‭ ‬اسمه‭ ‬بنفس‭ ‬الحجم‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬مصطفى‭ ‬محمد‭ ‬يحاول‭ ‬وأن‭ ‬محمد‭ ‬النني‭ ‬يكافح،‭ ‬ولكن‭ ‬مازالت‭ ‬أنظمة‭ ‬قطاعات‭ ‬الناشئين‭ ‬ومسابقات‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬فاشلة‭ ‬وفاسدة‭ ‬وعقيمة‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬اللاعبين‭ ‬وتسويقهم‭ ‬واستثمارهم‭. ‬ما‭ ‬زال‭ ‬السوق‭ ‬يعج‭ ‬بالباحثين‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬مؤقتة،‭ ‬واختفى‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬رؤية‭ ‬الإنتاج‭ ‬الكلي‭ ‬من‭ ‬المواهب،‭ ‬بسبب‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬المتصارعين‭ ‬على‭ ‬‮«‬لقمة‭ ‬العيش‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصلحة‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬تخريج‭ ‬لاعبين‭ ‬يستحقون‭ ‬اللعب‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭.‬

غزة‭ ‬تنتظر

يستعد‭ ‬أسطول‭ ‬الحرية‭ ‬للانطلاق‭ ‬صوب‭ ‬شواطئ‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحركت‭ ‬سفنه‭ ‬من‭ ‬موانئ‭ ‬أوروبية‭ ‬عدة،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬أوسلو‭ ‬وكريستيانسوند،‭ ‬مرورا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬بروتردام‭ ‬وليفربول‭ ‬وغلاسكو‭ ‬وهامبورغ،‭ ‬حيث‭ ‬يبقى‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬الدكتور‭ ‬وحيد‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ميناء‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬لتنظيم‭ ‬أنشطة‭ ‬تضامنا‭ ‬مع‭ ‬أطفال‭ ‬القطاع‭ ‬وفلسطين‭ ‬عموما‭. ‬وليس‭ ‬معروفا‭ ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ “‬الأهرام‭” ‬هل‭ ‬سيتمكن‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬وجهته‭ ‬أم‭ ‬سيحال‭ ‬بينه‭ ‬وبينها،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬رحلاته‭ ‬السابقة‭. ‬ويرعى‭ ‬تحالف‭ ‬أوروبي‭ ‬غير‭ ‬حكومي‭ ‬هذا‭ ‬الأسطول‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬الذي‭ ‬يمثّل‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والمقاومة‭ ‬الرمزية‭ ‬للحصار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬غزة‭. ‬ويشارك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬رحلة‭ ‬من‭ ‬رحلاته‭ ‬عدد‭ ‬متفاوت‭ ‬من‭ ‬السفن‭ ‬تحمل‭ ‬سياسيين‭ ‬وحقوقيين‭ ‬وصحافيين‭ ‬وغيرهم‭ ‬ممن‭ ‬يرفعون‭ ‬صوت‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يخفت‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬الصوت،‭ ‬ومعهم‭ ‬مساعدات‭ ‬إنسانية‭. ‬ويرفرف‭ ‬علم‭ ‬فلسطين‭ ‬عاليا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السفن‭ ‬التي‭ ‬حمل‭ ‬بعضها‭ ‬يهودا‭ ‬يؤيدون‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ويرفضون‭ ‬الممارسات‭ ‬العدوانية‭ ‬ضده‭. ‬تعمل‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬لمنع‭ ‬وصول‭ ‬السفن‭ ‬إلى‭ ‬شواطئ‭ ‬غزة،‭ ‬سواء‭ ‬بالقوة‭ ‬المسلحة‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬2010‭ ‬التي‭ ‬قتل‭ ‬في‭ ‬نهايتها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬وأصيب‭ ‬آخرون،‭ ‬أو‭ ‬بفرض‭ ‬حصار‭ ‬مبكر‭ ‬وتشكيل‭ ‬حاجز‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬السفن،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يتيسر‭ ‬منها،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬رحلات‭ ‬تالية‭. ‬وكذلك‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لممارسة‭ ‬ضغوط‭ ‬لا‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬الأعم‭ ‬على‭ ‬حكومات‭ ‬أوروبية‭ ‬لتمتنع‭ ‬عن‭ ‬إصدار‭ ‬تصاريح‭ ‬تحتاجها‭ ‬سفن‭ ‬الأسطول‭ ‬لكي‭ ‬ترسو‭ ‬في‭ ‬الموانئ‭ ‬وتنّظم‭ ‬لقاءات‭ ‬وندوات‭ ‬ومسيرات‭ ‬تضامنية‭ ‬مع‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬وجودها‭. ‬وأسهم‭ ‬السكرتير‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بان‭ ‬كي‭ ‬مون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط،‭ ‬إذ‭ ‬حث‭ ‬حكومات‭ ‬أوروبية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إرسال‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭. ‬ولكن‭ ‬موقف‭ ‬السكرتير‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيريش‭ ‬يبدو‭ ‬أفضل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬مقارنة‭ ‬بسابقه‭. ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬رحلة‭ ‬أسطول‭ ‬الحرية‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬يمنع‭ ‬وصول‭ ‬السفن‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬أن‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬ازدياد‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬وحقوقه‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الأحرار‭ ‬الذين‭ ‬يؤكدون‭ ‬مجددا‭ ‬أن‭ ‬قيمة‭ ‬الحرية‭ ‬لا‭ ‬يعلى‭ ‬عليها‭.‬

جريمة‭ ‬قديمة

في‭ ‬مقالها‭ ‬السابق‭ ‬تعرضت‭ ‬الدكتورة‭ ‬منار‭ ‬الشوربجي‭ ‬باختصار‭ ‬لأحداث‭ ‬حرق‭ ‬المصحف‭ ‬الشريف‭ ‬وتدنيسه‭ ‬في‭ ‬السويد‭ ‬والدنمارك‭. ‬وانتهت‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ “‬المصري‭ ‬اليوم‭” ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬الرؤى‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬الأحداث‭ ‬‮«‬بالإسلاموفوبيا‮»‬،‭ ‬مطالبة‭ ‬ألا‭ ‬نختزل‭ ‬الظاهرة‭ ‬فيها‭ ‬وحدها‭. ‬فالإسلاموفوبيا‭ ‬هي‭ ‬أحدث‭ ‬تجليات‭ ‬المشكلة،‭ ‬لا‭ ‬جذورها‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬جوهرها‭. ‬لكن‭ ‬قبل‭ ‬تناول‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬ترى‭ ‬الكاتبة‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الإشارة‭ ‬لما‭ ‬يقوله‭ ‬المسؤولون‭ ‬في‭ ‬البلدين،‭ ‬لأنه‭ ‬يمثل‭ ‬نموذجا‭ ‬ممتازا‭ ‬للطبيعة‭ ‬الهيكلية‭ ‬لما‭ ‬نحن‭ ‬بصدده‭ ‬وجذوره،‭ ‬كما‭ ‬سيتضح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة،‭ ‬فالشرطة‭ ‬الدنماركية‭ ‬وصفت‭ ‬مظاهرة‭ ‬ركل‭ ‬المصحف‭ ‬الشريف‭ ‬بالأقدام‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬كانت‭ ‬سلمية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬البوليس‮»‬‭!‬،‭ ‬أما‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬السويد‭ ‬فرغم‭ ‬أن‭ ‬حكومته‭ ‬أدانت‭ ‬حرق‭ ‬المصحف‭ ‬يوم‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى،‭ ‬فقد‭ ‬قال‭ ‬الرجل‭ ‬إن‭ ‬الفعل‭ ‬‮«‬رغم‭ ‬قانونيته،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬مناسب‮»‬‭. ‬وتعبير‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مناسب‮»‬‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬التأمل‭. ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يعتبره‭ ‬مثلا‭ ‬‮«‬جريمة‭ ‬كراهية‮»‬،‭ ‬وإنما‭ ‬اعتبره‭ ‬ببساطة‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مناسب‮»‬‭. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فرغم‭ ‬أنه‭ ‬وصف‭ ‬اقتحام‭ ‬سفارات‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬حرق‭ ‬المصحف‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬مقبولا‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‮»‬،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يستخدم‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬العبارة‭ ‬نفسها‭ ‬أي‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬مقبولا‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‮»‬‭ ‬لوصف‭ ‬الجريمة‭ ‬الأصلية‭ ‬التي‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬الاقتحام،‭ ‬وإنما‭ ‬دعا‭ ‬‮«‬للهدوء‮»‬‭ ‬داخل‭ ‬السويد‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬خطير،‭ ‬ولا‭ ‬داعي‭ ‬لإهانة‭ ‬الآخرين‮»‬‭. ‬وكلمة‭ ‬‮«‬الآخرين‮»‬‭ ‬لافتة‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬المسلمين‭ ‬الحاملين‭ ‬للجنسية‭ ‬السويدية‭ ‬صاروا‭ ‬يندرجون‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الآخرين‮»‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يغذي‭ ‬بالضرورة‭ ‬فكرة‭ ‬اختلافهم‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬السويديين‭! ‬فالمفردات‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬السياسيون‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬انتقاؤها‭ ‬بعناية‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬قال‭ ‬عنها‭ ‬الرجل‭ ‬بنفسه‭ ‬إنها‭ ‬تمثل‭ ‬‮«‬وضعا‭ ‬أمنيا‭ ‬خطيرا‮»‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يلزم‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬نولي‭ ‬اهتماما‭ ‬معتبرا‭ ‬لعملية‭ ‬إنتاج‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬لأنها‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬من‭ ‬الظاهرة‭ ‬برمتها‭.‬

لا‭ ‬يعرفون‭ ‬الإسلام

‮«‬الإسلاموفوبيا‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أوضحت‭ ‬الدكتورة‭ ‬منار‭ ‬الشوربجي‭ ‬تقوم،‭ ‬باختصار،‭ ‬على‭ ‬فرضية‭ ‬اخترعتها‭ ‬تيارات‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬وصدقتها،‭ ‬ومؤداها‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الإسلام‮»‬‭ ‬دين‭ ‬عدواني‭ ‬بطبعه‭ ‬ويستحيل‭ ‬انصهاره‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭. ‬لاحظ‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يزعمون‭ ‬استحالة‭ ‬انصهاره‭ ‬ليس‭ ‬المسلمين‭ ‬وإنما‭ ‬الإسلام‭ ‬نفسه‭. ‬والفرضية‭ ‬تضيف،‭ ‬دون‭ ‬دليل،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬المسلمين‮»‬‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬مرتبطون‭ ‬بشبكات‭ ‬عالمية‭ ‬للإرهاب،‭ ‬كالقاعدة‭. ‬وكغيرها‭ ‬من‭ ‬أنماط‭ ‬كراهية‭ ‬الآخر،‭ ‬فـ«الإسلاموفوبيا‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬ثابتة‭ ‬وإنما‭ ‬تأخذ‭ ‬أشكالا‭ ‬كثيرة‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬لآخر‭ ‬ومن‭ ‬زمن‭ ‬لآخر،‭ ‬وتعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬نفسها‭ ‬بنفسها‭. ‬فـ«الإسلاموفوبيا‮»‬‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬أحداث‭ ‬فردية،‭ ‬إذ‭ ‬تمت‭ ‬مأسستها،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنها‭ ‬صارت‭ ‬إطارا‭ ‬من‭ ‬الأعراف‭ ‬والتقاليد‭ ‬والسلوك،‭ ‬وتنبني‭ ‬عليها‭ ‬أيضا‭ ‬القوانين‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬الاعتداد‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬حرق‭ ‬المصحف‭ ‬الشريف‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬عراقي،‭ ‬فهو‭ ‬انسحق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإطار‭ ‬الهيكلي‭ ‬نفسه‭. ‬ولغة‭ ‬خطاب‭ ‬السياسيين‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬هيكلي‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭. ‬فخطابها‭ ‬موجه‭ ‬للجماهير‭ ‬ويمثل‭ ‬استراتيجية‭ ‬للوصول‭ ‬للحكم‭ ‬تلعب‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬الناس‭. ‬وتلك‭ ‬استراتيجية‭ ‬اتخذت‭ ‬مؤخرا‭ ‬طابعا‭ ‬شعبويا‭ ‬فاشيا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وأوروبا‭. ‬معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الإسلاموفوبيا‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ظاهرة‭ ‬تستهدف‭ ‬المسلمين‭ ‬وإنما‭ ‬لها‭ ‬وظيفة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭. ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬آسيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬المسلمون،‭ ‬يستخدمان‭ ‬كمحدد‭ ‬للهوية‭ ‬الغربية‭. ‬فـ«الإسلام‮»‬‭ ‬هنا‭ ‬يتم‭ ‬تحويله‭ ‬‮«‬للتهديد‭ ‬الخارجي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يوحّد‭ ‬الأمة‭ ‬ويؤدي‭ ‬لتماسكها‭ ‬الوطني‭. ‬وهي‭ ‬فكرة‭ ‬يعاد‭ ‬إنتاجها‭ ‬لتتناسب‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬عصر،‭ ‬فهي‭ ‬بالأمس‭ ‬كانت‭ ‬بزعم‭ ‬‮«‬مواجهة‭ ‬الإرهاب‮»‬،‭ ‬واليوم‭ ‬بطابعها‭ ‬اليميني‭ ‬الفاشي‭ ‬تزعم‭ ‬‮«‬حماية‭ ‬القيم‮»‬‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬الجدد،‭ ‬بل‭ ‬وضد‭ ‬من‭ ‬صاروا‭ ‬مواطنين‭ ‬منهم،‭ ‬ولكن‭ ‬جاؤوا‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬المسيحيون‭ ‬الشرقيون،‭ ‬فالقضية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالثقافة‭ ‬والحضارة‭ ‬التي‭ ‬أتوا‭ ‬منها،‭ ‬بل‭ ‬وبلون‭ ‬البشرة‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬بالدين‭!‬

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية