الناصرة- “القدس العربي”:
على النقيض تماما من المكانة السامية التي يحظى بها الأسرى الفلسطينيون لدى شعبهم بوصفهم قيادات وطلائع و”خيرة أبناء وبنات الشعب”، تميل معظم التحليلات والمقاربات الإسرائيلية إلى ترداد وجهة النظر الرسمية – الأمنية، التي تنظر إلى الأسرى الفلسطينيين من زاوية استعلائية عنصرية، فهم مخربون وقتلة ومتطرفون، وأفراد يمثلون خطرا على الجمهور، تحركهم رغبة القتل وليسوا جديرين بأية معاملة إنسانية ولا حتى وفق الحد الأدنى للقوانين الإسرائيلية للسجناء الجنائيين وينبغي مطاردتهم وسجنهم وإبقاؤهم رهن الاعتقال مع تشديد ظروف حبسهم.
ونادرة هي المواقف ووجهات النظر التي تتطرق للأسرى الفلسطينيين باعتبارهم بشرا ذوي حقوق أولا، ناهيك عن الاعتراف بهم كمناضلين من أجل الحرية. ومثلما تمتنع إسرائيل عن تطبيق القوانين والمعاهدات الدولية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعتمد نظامين قانونيين متباينين أحدهما للمستوطنين والثاني للفلسطينيين، فإن سلطات الاحتلال تطبق نظامين قانونيين على السجناء أحدهما للسجناء الجنائيين، والثاني للسجناء الأمنيين، وهم الأسرى الفلسطينيون. ويحرم الاحتلال الأسرى بموجب هذه القوانين والإجراءات من جميع أنواع التسهيلات والمزايا التي توفرها القوانين للسجناء العاديين مثل الزيارات والإجازات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية وإمكانيات الاتصال مع الأهل وظروف الزيارة والتفتيش والرعاية الطبية، بينما أعدت قوانين خاصة للأسرى السياسيين في مختلف المجالات التي تخص ظروف الاعتقال أو المحاكمة كما يُفصلها المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل “عدالة”.
من أبرز وقائع النظرة العنصرية للأسرى الفلسطينيين، قرار أمير أوحانا، وزير الأمن الداخلي السابق في حكومة بنيامين نتنياهو، حرمان الأسرى من الحصول على اللقاح ضد جائحة كورونا في العام الماضي، والاكتفاء بتقديم اللقاح لعناصر إدارة السجون، ووجه أوحانا في حينه كتابا لسلطات السجون جاء فيه أن “الأسرى سيحصلون على اللقاح بعد تقديمه لجميع سكان إسرائيل”، وهو ما اعتبره نادي الأسير الفلسطيني قرارا عنصريا يمثل انتهاكا جديدا يضاف لقائمة طويلة من الانتهاكات لحق الأسرى في العلاج.
ويستعرض المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) تفاعلات الأسرى الفلسطينيين بعيون إسرائيلية فيشير أن عضو الكنيست اليميني المتطرف إيتمار بن غفير يكرر هذا الموقف ويقول “مدار” إن الأخير إذ لا يمكنه استيعاب أو تفهم الخطوات الاحتجاجية التي قام بها الأسرى مؤخرا بعد التنكيل بهم، فيدعو إلى جعل الذين حرقوا أمتعتهم يعانون من نتائج هذا الحريق، وتدفيعهم كلفة الأضرار المادية التي تسببوا بها.
وعن مطاردة الأسرى الهاربين يحذر بن غفير في تصريحات نقلها موقع القناة السابعة بتاريخ 8/9/2021 من تعريض أي جندي إسرائيلي للخطر خلال عمليات تعقب الأسرى، ويقترح القيام بعمليات قصف جوي لأماكن تواجدهم سواء كانوا في جنين أو طولكرم أو أي مكان آخر، وهدم المباني التي تؤويهم على من فيها.
ويشكل موضوع الأسرى الفلسطينيين الأمنيين الذين يتراوح عددهم بين 4600 و4700 أسير، بينهم 40 امرأة، و200 طفل وأكثر من 500 معتقل إداري، موضوعا بالغ الحساسية بالنسبة للفلسطينيين، لكنه بات يمثل ورقة ضغط وابتزاز في يد السلطات الإسرائيلية بحسب نادي الأسير الفلسطيني الذي تؤكد معطياته أن أكثر من مليون فلسطيني تعرضوا للاعتقال منذ العام 1967 لفترات متفاوتة، ومن بينهم نحو 13000 امرأة. ورغم أهمية الموضوع وحساسيته فقد خلت اتفاقية أوسلو، المعروفة باتفاقية إعلان المبادئ، الموقعة في أوسلو في مثل هذه الأيام عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية من أي ذكر لقضية الأسرى.
لا يلتفت المحللون والمسؤولون الإسرائيليون في الغالب إلى طبيعة الأسرى الفلسطينيين الذين يحتجزونهم لسنوات طويلة قد تصل إلى عقود، وما هي خصائصهم وسماتهم الفردية والجماعية، ولا إلى ما يمثلون في مجتمعهم الفلسطيني، ولا سيما أن بين الأسرى قيادات سياسية وتنظيمية، وأطفال ونساء وشيوخ، وكفاءات أكاديمية ومهنية ومبدعون في شتى مجالات الأدب والثقافة والرياضة والفنون.
وسبق لسلطات الاحتلال أن اعتقلت عشرات النواب الفلسطينيين المنتخبين لعضوية المجلس التشريعي لكونهم محسوبين على حركة “حماس”، وما زالت تحتجز النواب أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والنائبة خالدة جرار، القيادية في الجبهة، والقيادي البارز في حركة فتح مروان البرغوثي المنتخب لمرتين في اللجنة المركزية للحركة ولعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني. وأي تدقيق في هوية المسؤولين الفلسطينيين الحاليين أو السابقين سيبين أن معظمهم تخرج من “أكاديميات” السجون والمعتقلات التي أصبحت معاهد لتخريج القيادات والكوادر الفلسطينية، وممرا إجباريا للعاملين في السياسة والحقل العام.
ويتفق عاموس هرئيل في “هآرتس” مع ميخائيل في أن فرار الأسرى الستة سيضخ رياحا جديدة في أشرعة التنظيمات “الإرهابية”، كما أن ذلك سيعزز “الاتجاهات المتطرفة” في الشارع الفلسطيني وخاصة حركة الجهاد الإسلامي. ويكرر هرئيل في مقاله بتاريخ 10/9/2021 فكرة “عود الثقاب” الذي يمكن أن يشعل المنطقة وخاصة إذا قتل أي من الأسرى الستة خلال اشتباك أو عملية أمنية إسرائيلية.
ويعيد الكاتب التركيز على الخطر الأمني الذي يمثله الأسرى الهاربون، مشيرا إلى أن الواقعة كشفت عن إخفاقات “تقشعر لها الأبدان” من جانب سلطات السجون، والتي تخفي خلفها “أخطارا أمنية معينة”، ويربط هذه الأخطار باستذكار حادثة هروب ستة أسرى من قطاع غزة في أيار 1987، وكان لهم دور مهم في إشعال أحداث الانتفاضة الأولى بعد أن نفذوا سلسلة من العمليات العسكرية “الدموية” التي أدت إلى مقتل عدد من الإسرائيليين.
ويلفت هرئيل إلى بدء تقاذف التهم والمسؤوليات بين المستويات السياسية والأمنية مشددا على أن الهروب يقع تحت مسؤولية وزير الأمن الداخلي عومر بارليف ورئيس الوزراء نفتالي بينيت، لكنه يعزو جزءا من الإخفاقات إلى “الدمار المنهجي والمتعمد” الذي ألحقته سياسات حكومات الليكود بأجهزة الدولة وبشكل خاص بجهاز الشرطة ومصلحة السجون، من خلال تدخلات مركز الليكود في إجراء تعيينات لم تضف شيئا لمصلحة السجون وكفاءتها.
وبشكل أكثر حدة، يهاجم يوآف ليمور المحلل العسكري البارز الأسرى و”التسهيلات” الممنوحة لهم كما يهاجم مصلحة السجون التي “لديها مواضع خلل على نحو مخجل”. ويقول في مقاله في صحيفة “يسرائيل هيوم” بتاريخ 10/9 إن ما جرى “مخجل ورهيب”، ويدل على تعفن عميق في مصلحة السجون. ويدعي أن من يسيطر في السجون هم السجناء وليس الدولة ما يستدعي تدخلا عاجلا بإنهاء ذلك، ويقترح، إلى جانب مطاردة “المخربين الهاربين”، سحب امتيازات الأسرى، مشبها ما يحظى به السجناء بأنه “حكم ذاتي” وأن السجون “أصبحت مثل المنتجعات حيث أن الأسرى يصنعون طعامهم بأنفسهم ويستخدمون الهواتف الخليوية لتنسيق العمليات”.
وينوه “مدار” أن حديث التسهيلات والامتيازات تدحضه الدراسات المتخصصة، ففي دراسة تعود إلى العام 2016 ترى الباحثة طالي حيروتي سوفير، في بحث نشره موقع “ذي ماركر” بتاريخ 14 تموز 2016، أن نظام السجون في إسرائيل هو من أكثر الأنظمة شدة وصرامة في العالم. وفي دراستها أجرت مقارنات مع عدد من الدول الأوروبية يتبين منها أن نسبة عدد السجناء الأمنيين والجنائيين في إسرائيل إلى عدد السكان (256 لكل مئة ألف) تصل إلى أربعة أضعاف دولة مثل السويد وأكثر من ثلاثة أضعاف ما في هولندا، لكن النسب في جنوب أوروبا تقترب قليلا من إسرائيل التي لا يتفوق عليها في هذا الشأن في أوروبا سوى روسيا.