الرباط ـ «القدس العربي»: على عادة الكثير من النساء المغربيات، تلجأ السعدية إلى طريقة «دارتْ» وهي وسيلة لجمع المال بين مجموعة من السيدات يتوافقن على دفع مبلغ محدد كل شهر، والمجموع يكون من نصيب واحدة منهن بعد شهر، وهكذا دواليك تجري العملية بالتناوب.
وجدت السعدية وهي سيدة في أواخر عقدها الثالث، نفسها مجبرة على اعتماد هذا الحل، من أجل مساعدة زوجها الجيلالي ـ صاحب الصّنارة التي يبحث بها عن قوت يومه ـ على مواجهة تكاليف الحياة وكثرة المصاريف.
في بيتهما المتواضع القريب من بحر مدينة سلا، جارة العاصمة الرباط، تحدثت السعدية إلى «القدس العربي» معلنةً عن فرحتها الكبرى لكون الحصة المالية لعملية «دارتْ» آلت إليها هذا الشهر، مع قرب بداية الموسم الدراسي الجديد.
الخبر الذي أفرح الزوج أدخله في دوامة أيضًا، فالمبلغ المطلوب دفعه شهريا كبير مقارنة مع دخله كصياد بسيط بالصّنارة، لكن لا يهم ما دام المشكل قد حل، ويقصد هنا اللوازم المدرسية، من كتب ودفاتر وحتى كسوة جديدة، الأبناء أحدهم التحق بالسلك الثانوي، والثاني بلغ الإعدادي، أما الثالث فلا زال يتابع دراسته في الابتدائي.
«الحمد لله، لقد فُرجت» رددها الجيلالي أمام مراسل «القدس العربي»، وربت على كتف زوجته، وأنهى شرب كأس شاي، مطمئنا على حال أبنائه ودخولهم إلى المدرسة كما يشتهون ويرغبون، من محفظة مناسبة وكتب كافية ولوازم مدرسية تليق بأحلامهم الصغيرة.
بيد أنه قبل أن يقوم من مكانه، خاطبه الابن البكر بقوله: «الكتب المقرّرة إذا لم تتغير سأبادلها بكتب أخرى تتناسب مع المستوى الدراسي الذي بلغته» وهي خدمة يقدّمها المواطنون المغاربة البسطاء لبعضهم البعض عند بداية كل موسم دراسي، إذ تجد بعض الساحات وقد امتلأت بأطفال وشبان في طور المراهقة، يعرضون ما لديهم من مقررات دراسية من سنوات فائتة. غير أن ذلك بدأ يصطدم كل موسم جديد باعتماد مقررات جديدة مختلفة عن السابقة، وهو ما يجعل الأسر تقتني الكتب من المكتبات عوض استبدالها بتلك التي «أكل عليها الزمن الدراسي وشرب» كما قال أحد الظرفاء.
لوازم تليق بأحلام الأطفال
الكتب التي تستهلك الكثير من ميزانية الأسر، تتحمل جانبا من عبئها مبادرة «مليون محفظة» بالنسبة للمستويين الابتدائي والإعدادي، لكن الكسوة التي هي من ضروريات أي موسم جديد، تمثل ثقلا مضافا على ميزانية الأب، اما اللوازم فحدث ولا حرج، أشكال وألوان مختلفة تغري وتصيب الطفل بالحيرة، كل شيء متوفر، لكن ما تشتهيه النفس يبقى مرتفع الثمن. وعموما تبقى تلك الأسواق الشعبية خير ملجأ للجميع من «صهد» الأسعار المرتفعة، وبين درهم وثلاثة، يبدو السعر متواضعا، لكن عند جمع الحساب النهائي يدخل جيب الأب في حيص بيص، ويجد نفسه أمام مبلغ لا يقل عن 500 درهم (49 دولارا) فقط الأقلام والدفاتر وباقي اللوازم، أما الكسوة فتلك قصة أخرى، وللأطفال فيها مشتهيات عديدة وحسب الموضة، لكن يبقى الابن البكر دائما رهن إشارة التضحية، يفضل أن يستفيد إخوته الصغار، ويعتبر نفسه كبيرا بما يكفي لينزاح من قائمة مشاغل الوالد المالية.
الكسوة وحدها من لبسة جديدة وحذاء غالبا رياضي، تكلف الأب 600 درهم (59 دولارا) للابن الواحد، ليصبح المجموعة بالنسبة للأبناء الثلاثة في حالة تشبث الابن البكر بحقه في الجديد، 1800 درهم (177 دولارا)، وبحساب سريع تتجاوز التكاليف سقف الممكن والمتاح أمام رجل بسيط من ذوي الدخل المحدود، مثل حالة الجيلالي صاحب الصّنارة.
مدارس بتكاليف «خمس نجوم»
المصاريف التي يتطلبها الموسم المدرسي الجديد في شق التعليم العمومي تبدو هينة إلى. حد ما، مقارنة مع حجم وهول المبالغ المطلوب دفعها عند بداية كل موسم بالنسبة للتعليم الخصوصي، رسوم تسجيل لا يقوى عليها إلا أصحاب الدخل المرتفع والرواتب السمينة ورجال الأعمال أو غيرهم من أسر تعيش الرفاهية، لكن معهم تحشر أسر من الطبقة المتوسطة نفسها، وترغم ميزانيتها على تحمل تلك المصاريف المرتفعة رغم عدم قدرتها على الوفاء بها مجتمعة ليتم التقسيط على أشهر، ومن الأسر من يلجأ إلى الاقتراض من البنوك أو غيرها من وكالات القروض المنتشرة والمتنوعة والتي ترفع إعلاناتها عند كل مناسبة، وبداية الموسم المدرسي إحدى تلك المناسبات.
مسألة المقررات الدراسية الخاصة بالمدارس الخصوصية، شكلت بداية معركة نشبت بين باعة الكتب وأرباب تلك المؤسسات التعليمية، وكان الاستنكار والتنديد على خلفية بيع الكتب واللوازم للأسر في تجاهل للمهنيين الذين حرفتهم هي البيع، بينما المدارس تخصصها التعليم فقط. الخلاف ارتفع وصار موضوعا لأسئلة برلمانية كتابية موجهة لوزير التعليم، وذلك بعد البيان الصادر عن «رابطة الكتبيين بالمغرب» التي طالبت «الجهات الوصية على القطاع بالتدخل العاجل والفوري لوقف هذا الاستغلال البشع، والذي لم يعد يخفى أنه يجري بتواطؤ واضح مع عدد من مستوردي الكتب الأجنبية، كما يدعو الجمعيات العاملة في مجال حماية المستهلك إلى القيام بدورها بهذا الخصوص.»
بالنسبة للأسر فلم يحصل أي تفاعل يذكر مع البيان المذكور، فهناك من يجد ضالته في اقتناء الكتب من المؤسسة التي يدرس فيها أبناؤه، لأنه يحصل على تسهيلات ويتم تقسيط المبلغ على عدة أشهر، وذلك غير متاح لو أنه فضل اقتنائها من «الكتبي»، لكن هذا الأخير يؤكد أن الأسعار مرتفعة والكتاب الذي يدخل في المناهج التربوية للمدارس الخصوصية يطرح دائما المشكل، لأنه مستورد من فرنسا وكلفته مرتفعة جدا، ولا يمكن تقليده حتى يتسنى خفض التكلفة وبالتالي الثمن.
أولياء وأباء تلاميذ المدارس الخصوصية لهم عالمهم الخاص، فاللوازم المدرسية تقتنى من أكبر المحلات الممتازة وبنوعيات «راقية» وأشكال مبهجة جدا و«ماركات» معروفة لا علاقة لها بما يبيعه السوق الشعبي، لأن ثمن قلم واحد يساوي مقلمة كاملة بمحتوياتها في تلك الأسواق الشعبية الطارئة عن بداية كل موسم.
أما الحقيبة فثمنها وحده يساوي حقيبة مهندس أو طبيب أو صحافي، بالنسبة للكسوة فالحكاية أكبر من أن تحتويها مخيلة البسطاء من أصحاب الدخل المحدود، من الرأس حتى أخمص القدم الكل مغطى بأحدث الصيحات وأجملها وأبهاها، والأهم في ذلك انها أصلية وليست مقلدة مثلما هو حال كسوة الفقراء.
عمومًا، لا أحد يبقى دون كسوة أو لوازم تليق بالحلم الطفولي، سواء في فئة البسطاء والأثرياء، الجميع يلبس ويحمل حقيبة ويمضي إلى المدرسة، فقط تختلف أشكال الطاولات وألوان الجدران بين الخاص والعام، حتى المحتوى الدراسي متغير وللعمومي نصيب من التميز، كما أبناء الطبقات الشعبية لهم نصيب وافر من النبوغ ويجتهدون يجدون ويبلغون أعلى المراتب في سلم المهنية والكفاءة.
لا جديد في الأسعار
في تصريحات استقتها «القدس العربي» بخصوص السؤال الذي يؤرق الأسر المغربية حول أسعار اللوازم المدرسية، جاء الجواب على لسان المهنيين في القطاع الذين طمأنوا آباء وأولياء التلاميذ، وأكدوا انخفاض أسعار الأدوات المدرسية والتي نزلت بنسبة بين 5 و10 في المئة، أما الكتاب المدرسي، فقد حافظ على ثمنه دون زيادة بسبب الدعم الحكومي.
وأبرز المهنيون أيضا، أن الموسم المدرسي الجديد سيمر في ظروف طبيعية وعادية وجيدة، لأن هناك الوفرة، والسعر لم يتغير بل تراجع بخصوص الدفاتر وباقي اللوازم.
منغصات أخرى
الأكيد أن الأسر المغربية لا تهتم في بداية كل موسم مدرسي بغير تأمين دخول يناسب الأبناء، وتوفير ما يلزم لذلك؛ بينما تبقى منغصات تعتبر جانبية غير واردة في البداية وتهتم بها هيئات تمثل الآباء والاولياء، مثل الإضرابات والاحتجاجات التي ترافق كل موسم دراسي، من طرف فئات مختلفة تنتمي لأسرة التعليم من كوادر ومدرسين ومفتشين وغيرهم.
الحديث عن ضياع أو «هدر الزمن المدرسي» كما يحلو للمغاربة تسميته، يعتلي قائمة انشغالات الأسر بعد مضي عاصفة الدخول، وهو ما حدث عندما هددت نقابة تعليمية بـ«إفشال الموسم المدرسي» والتي تزامن موعد وقفتها الاحتجاجية مع اجتماع اللجنة العليا لإعداد مشروع النظام الأساسي للتعليم، الذي ضمّ وزير التربية الوطنية والأمناء العامين للنقابات التعليمية الأربع «الاتحاد المغربي للشغل» و«الكونفدرالية الديمقراطية للشغل» و«الاتحاد العام للشغالين بالمغرب» و«الفيدرالية الديمقراطية للشغل».
أما النقابة الغاضبة التي أبت إلا أن تتوعد بإفشال الموسم المدرسي، فهي «نقابة المتصرفين التربويين» التي قالت إن سبب احتجاجها وتهديدها هو تجاهل الوزارة لمطالبها وتمسكها بتمرير نظام أساسي وصفته بالمجحف وغير المحفز وغير المنصف.
تلك حكاية أخرى بعيدة كل البعد عن الهاجس الاجتماعي للأسر التي تعيش يوميات تدبير التكاليف قبيل بداية أي موسم، وتتنفس الصعداء كلما مرت العاصفة بسلام ورضي الأبناء بما جادت به ميزانية الأب وحلول التضامن المجتمعي أو قروض الأبناك وقليل من مدخرات.