الرواية الأخيرة للسيناريست والكاتبة الكتالانية جيزيلا بو «الأسماء الثلاثة للودكا» التي نشرتها مؤخرا دار النشر (بلانتيا) يوم الثلاثاء الماضي، هي جزء من قصة درامية غير معروفة: قصة الأطفال الذين سرقهم النازيون، عندما انتهت الحرب عام 1945، حيث وضعوا في الأديرة أو الملاجئظ، أو مع العائلات المرضعة. وقد عملت خدمات التتبع في ما بعد التي أنشأتها هيئة الصليب الأحمر الدولية ومنظمات الإغاثة اليهودية في عمليات البحث عنهم؛ إلا أن عمليات البحث كانت تتم بحذر، لأن النازيين والحرب وعمليات الترحيل الجماعي في وسط وشرق أوروبا أدت جميعها إلى تشرد الملايين من السكان.
أطفال بولنديون في برشلونة… هويات مسروقة
وصل ما يقرب من مئتي شخص إلى برشلونة في عام 1946، جاؤوا لقضاء إجازة فقط وبقي بعضهم لمدة تصل إلى عشر سنوات. كانوا في برج Marsans، في منطقة Villarica، في قصر أصبح الآن نزلا للشباب Generalitat.
تقول الكاتبة جيزيلا بو لصحيفة «الفانكودوريا» الإسبانية عن اختيارها لموضوع روايتها، إنها قرأت تقريرا للصحافي خوسيه لويس باربيريا عام 2008، وأثار اهتمامها أطفال بولنديون يقيمون مؤقتا في برشلونة في انتظار مطالبة آبائهم، أو أولياء أمورهم لهم. لم يكونوا دائما أطفالا يتامى، لكن غالبا ما تم أسرهم أو سرقتهم من قبل النازيين في إطار برنامج كان يسمى (ليبنسبورن) الذي أشرف عليه أحد الزعماء النازيين المدعو هاينريش هيملر، حيث كان معظم الذين تم اختيارهم من سيليزيا (بولندا) حيث كانت تعتبر منطقة من العرق الآري، ما جعلها تكتب عن فتاة تدعى (لودكا) وعن صداقتها مع (إيما) فتاة من برشلونة.
تضيف الكاتبة، أن الامر كان فظيعا حيث كادت الوثائق تلتهمني، كان الأمر أشبه بكتابة أطروحة. تستغرق كتابة الرواية ما بين عام ونصف العام أو عامين، وأبدأ بالتوثيق، وفي الوقت نفسه أصمم الشخصيات. لا أبدأ الكتابة حتى أحصل على لمحة عامة عن العمل والمفهوم بأكمله. تعلمت ذلك من غابرييل غارسيا ماركيز. إذا كنت تعرف إلى أين أنت ذاهب، إذا كان لديك اتجاه، فإن الكتابة تتدفق، إنها مثل الذهاب إلى غابة ومعرفة المسارات، حتى لو كان في إمكاني الانتقال من واحد إلى آخر. وهذا يسمح لي بعدم اتباع تسلسل زمني، وذلك لإنشاء الشخصيات والجمع بين المناظر الطبيعية. آمل ألا يتمكن الذكاء الاصطناعي من إنشاء شخصيات جديدة أيضا!
ما بين المتخيل والواقعي… تفاصيل صغيرة
وعن تداخل الشخصيات ما بين المتخيل والواقعي تبرز الكاتبة أنها أرادت أن تكون مخلصة للواقع، فهناك شخصية (واندا موربيتزر توزر) سكرتيرة القنصل الفخري لبولندا في برشلونة، وهي امرأة ستصبح لمدة عشر سنوات الأم الروحية لهؤلاء الأطفال. وفي هذا العمل الوثائقي، كانت مكتبة صحيفة La Vanguardia ضرورية، لأنها سمحت لي بمعرفة التواريخ الدقيقة الثلاثة التي وصل فيها هؤلاء الأطفال إلى ميناء برشلونة، قادمين من جنوة، ما جعلها تنظر كيف تمت كتابته في الأربعينيات! وتفاصيل أخرى مثل زيارة فرانكو لبرشلونة في مايو/أيار 1947، مضيفة أن (كريستينا) ابنة واندا، التي تعيش في مدريد، قرأت المخطوطة على الرغم من أنها كانت متحفظة للغاية، لكنها ساعدتها في التفاصيل الصغيرة. على سبيل المثال، أخبرتها أن الفتيات لم يتصلن بأمهن «سينورا» واندا، هذه المرأة، التي أنشأت خلال الحرب العالمية الثانية شبكة هروب وساعدت في نقل البولنديين إلى البرتغال ولندن، تستحق فعلا سيرة ذاتية.
نتخيل رواية تاريخية، لكنها في النهاية قصة أكثر إنسانية، صراعات شخصية، حب مستحيل، حياة قصيرة، فالخيال يسمح لنا بالدخول إلى الإنسان، ومن هنا تأتي أهمية الشخصيات، في الجسد والروح. هناك شخصيات ثانوية، لكنها مهمة مثل (رامون كيليز) عضو اللواء السياسي الاجتماعي، أو (دانييال) الشيوعي وعضو المقاومة، وبالطبع(إيزابيل) الخياطة التي تساعد واندا، وكلها تعكس مشهد ما بعد الحرب. هي شخصيات تبحث عن السعادة من خلال فجوات صغيرة من أجل الاستمرار في العيش. بالنسبة لهؤلاء الأطفال، ففي برشلونة، شعروا ببعض الأمور الطبيعية. لقد مروا بالكثير من المشقة والمعاناة. يقول البطل في الرواية إنهم كانوا مثل الأشجار الصغيرة بجذورها تهب في الريح، ولا تعرف إلى أين تذهب. كانوا بولنديين، ألمانا، اضطروا فجأة إلى حب لغة كان عليهم التخلي عنها. كان الأمر صعبا جدا على هؤلاء المراهقين. ونعم، كان هذا المنزل في برشلونة مثل الجنة.
الفتاة لودكا: دون هوية، لا نعرف من نحن
اما عن شخصية (لودكا) فهي الفتاة التي وصلت إلى برشلونة في التاسعة من عمرها، تبنتها أم ألمانية، متزوجة من نازي، شخصية خيالية، لكنها في الوقت نفسه مزيج من عدة فتيات. تريد العودة إلى والدتها بالتبني التي تحبها. تريد الكاتبة أن تبين أنه ليس كل الألمان يفكرون في الطريقة نفسها، التي لا يكون فيها كل رجال الشرطة سيئين، أن كل شيء ليس أبيض أو أسود، عندما عاد بعض هؤلاء الأطفال، (الشخصيات الحقيقية) إلى برشلونة في عام 2008، بدعوة من مجلس مدينة برشلونة، تذكروا هذه الإقامة على أنها عودة إلى الحياة الطبيعية. لا بد من أن الأمر نفسه حدث لمجموعة الأطفال الأوكرانيين الذين أمضوا عيد الميلاد الماضي من سنة 2023 في فالنسيا، حيث الصداقة والموسيقى هي العناصر التي تسمح لهم بترسيخ الجذور. تقول لودكا إن الموسيقى أعطتها العالم الذي تحتاجه، وهي تجلب لها العاطفة. دون هوية، لا نعرف من نحن. تقول إذا كنت لا أعرف من أين أنا فلا أعرف من أنا، لكن الحجة هي رسالة أمل في أن نتمكن من بناء أنفسنا. وبعد عشر سنوات، مثل الأطفال الآخرين، وكان هذا هو الحال، قررت الذهاب إلى بوفالو، في الولايات المتحدة، حيث توجد جالية بولندية كبيرة، لكسب لقمة العيش.
باحث من المغرب
رواية مشوقة لحالة الطفولة عموما و فترة النازية خاصة حقبة الحرب . كل منا تحز في نفسه الطفولة خصوصا بعد تشردها و فقدانها لامومتها امر رهيب . رواية تضرب في اعماق النفس البشرية و تحول العالم بعد الحرب لشكل جديد .