الأشمونين المصرية: العاصمة الدينية وملاذ الباحثين عن الحقيقة

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة-“القدس-العربي”: القاهرة بمسيرة 300 كيلو متر، تأخذك الدهشة لامحالة. فهنا ما زالت تقبع الكثير من الثروات والكنوز في باطن الأرض فيما الأحفاد وبعض بيوتهم ما زالت من طين، يشقون يومهم بصعوبة في معركة الحياة المقدسة.

اسم الأشمونين باتفاق الأثريين هو تحريف للاسم المصري القديم “خمون” أو مدينة الثُمانية المقدسة. وكانت عاصمة الإقليم الخامس عشر في مصر العليا القديمة وظلت مقراً لعبادة تحوت إله الحكمة الممثل على شكل القرد بابون أو طائر أبو منجل. ولأن الإغريق ظلوا يقرنون إلههم هرميس بالإله المصري تحوت، فقد سموا المدينة “هرموبوليس ماجنا”. ويعرف الإقليم الخامس عشر الذي كانت الأشمونين عاصمته بـ”إقليم أنثى الأرنب”.

تقع المدينة في قلب مصر الوسطى في الوادي الفسيح الذي يحده النيل شرقا، وبحر يوسف غربا. وتعتبر هرموبوليس من أشهر العواصم الدينية بسبب رفعة شأن تحوت إلهها ومعبودها الأكثر رسوخاً، وكانت هذه المدينة في الماضي السحيق تسيطر على منطقة ذات أهمية اقتصادية فائقة بسبب خصوبة تربتها الزراعية، وقربها من محاجر “حتنوب” للرخام. كل ذلك دفع بعض من كانوا يتولون أمرها لأن ينصبوا أنفسهم حكاما مستقلين في بعض الأحيان، مستغلين فرصة ضعف السلطة المركزية.

في أواخر الأسرة السابعة عشرة وقعت المدينة والأراضي التي حولها تحت سيطرة حاكم يدعى تتيان، وعلى الرغم من أنه كان مصرياً لكنه حسب التاريخيين كان متعاونا مع الهكسوس، وكان يحكم من قبل المدينة المجاورة لنفروسي. وخلال عصر الإنتقال الثالث انتحل العديد من زعماء هذه المدينة المحليين، ومن ضمنهم تحوت إم حات، خصائص ومظاهر الفرعون مرة أخرى.

لم تنفتح هرموبوليس أو الأشمونين على التاريخ إلا مؤخرا. فعلى مدار العصرين اليوناني والروماني، وفقاً لتاريخها المدون في أكثر من متحف في ملوي والمنيا وبني سويف، أدى سحر وجاذبية الإله تحوت إلى تسلل العديد من الإغريق إلى هذه المدينة، حيث نتج تماثل فريد بين الحضارة الفرعونية والثقافة الهلنستية. وتعد مقبرة “بتوزيريس” الشهيرة دليلا واضحا على ذلك. تقع الأشمونين غرب مدينة ملوي أبرز مدن محافظة المنيا والتي كانت تسمى في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم بعاصمة الإرهاب بسبب كثرة ما شهدته من عمليات إرهابية.

تجاوز عدد سكان القرية 30 ألف نسمة وهي تجاور أطلال مدينة “خمون” الفرعونية (والتي سماها الإغريق هرموبوليس ماجنا). والأشمونين كما تشير الحفريات والوثائق كانت مزدهرة على مدار التاريخ الفرعوني والعصر اليوناني الروماني، وما زالت فيها بعض الآثار الفرعونية واليونانية، رغم النهب الذي تعرضت له وخاصة المتاحف والمواقع الأثرية غداة ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير، إذ طال النهب حينئذ المتحف المصري في التحرير، والتاريخ يشير إلى ان المدينة لم تتبوأ مكانتها التي تستحقها في العقائد المصرية وفقاً لإحدى نظريات الخلق المهمة، وهي نظرية الثامون المقدس، لأنها كانت مركز عبادة الإله “جحوتي” إله الحكمة والمعرفة في مصر القديمة. وعلى الرغم من مركزيتها الدينية إلا أنها لم تنل الاهتمام الذي يليق بها وبأهميتها الأثرية على امتداد التاريخ المصري القديم، وطوال العصرين اليوناني والروماني.

معابد منسية

 

تزخر الأشمونين التي يشتغل معظم أهلها بالتجارة والزراعة إلى جانب التعليم، بالعديد من بقايا التماثيل وأطلال المعابد، من عهد الملك رمسيس الثاني وابنه الملك مرنبتاح. وتحتفظ المنطقة بأطلال معبد من عهد الملك “نخت نبف” من الأسرة الثلاثين، وآخر شيده فيليب أريدايوس، الأخ غير الشقيق للإسكندر الأكبر. وقد ضمت مناظر المعبد بعض التفاصيل الخاصة بالإسكندر الأكبر. ونالت المدينة اهتماماً كبيرا في العصرين اليوناني والروماني، وهو ما تكشف النقاب عنه الأعمدة اليونانية الرومانية التي كانت تحمل سقوف منشآت ضخمة، وكانت بمثابة الـ”أجورا” أي السوق.

وتحول جزء آخر في وقت لاحق إلى كنيسة قبطية في إطار التخطيط البازيليكي. ولا تزال المدينة تحتفظ ببعض مداخلها، وبنص التأسيس، وحمامات رومانية عامة، ومعبد للإمبراطور نيرون، وعددا من الشواهد الأثرية الأخرى، ومن أبرز معابدها معبد الملك امنمحات الثاني، ومعبد تحوت من الأسرة 18 ومعبد للملك مرنبتاح وسيتي الثاني، ومعبد رمسيس الثاني، ومعبد الملك نختنبو، وشواهد بثيت من معبد فليب ارهديو. ومن آثارها “البازيليكا” والتي بنيت تكريما للسيدة العذراء. ويعد معبد نيرون من أبرز المعالم الأثرية ويعود إلى فترة حكم الإمبراطور نيرون عام 54م وحتى عام 68م. وبني على أطلال معبد الملك رمسيس الثاني، وهو من الحجر الجيري، وتعلوه نقوش لنيرون، تصوره وهو يتعبد أمام آلهة مختلفة، منها الإله جحوتي معبود الأشمونين.

وفي جعبة الخبير الأثري محمد عبد الرحيم، الكثير من معالم القرية التي كانت من أشهر العواصم الدينية في ذلك الوقت. ويقول محمد عبد الرحيم إن “مدينة الأشمونين كانت مركزا لعبادة الإله جحوتي، إله الحكمة والمعرفة في مصر القديمة، حيث كانت تحظى باهتمام كبير في مصر القديمة وفي العصرين اليوناني والروماني”. ووفقا لأثريين بمنطقة مصر الوسطى فأن من أهم المعالم الأثرية الموجودة بقرية الأشمونين، بقايا معبد من عهد الملك أمنمحات الثاني الذي يعود تاريخه إلى عهد الدولة الحديثة وأمنحتب الثالث للإله جحوتي، ولم يتبق منها سوى ثمثال ضخم على هيئة قرد، وتماثيل من عهد الملك رمسيس الثاني، ومعبد للإمبراطور نيرون ملك روما. ومن المعابد الهامة معبد يرجع إلى عهد فيليب أرهيديس، الأخ غير الشقيق للإسكندر الأكبر، ويزخر بعدد من المناظر الخاصة بالإسكندر الأكبر وبقايا كنيسة على الطراز البازيليكي وأعمدتها من الغرانيت الوردي، يرجع تاريخها إلى عهد الملك بطليموس الثاني، وشيدت أولاً لتكون سوقا في العصر الروماني وتحولت إلى كنيسة في العصر القبطي. وتضم محافظة المنيا العديد من المعالم الأثرية التي يرجع تاريخها إلى عصور شتى منها الفرعونية والرومانية واليونانية والقبطية والإسلامية، ومنها تونا الجبل والأشمونين ومنطقة الشيخ عبادة وغيرها.

هنا يقيم إله الحكمة

 

ويشير الباحث ابراهيم عبد العاطي إلى ان هرموبوليس تعد من أشهر العواصم الدينية بسب علو شأن “تحوت” إلهها الرئيسي، وكانت ذات أهمية اقتصادية وهذا دفع بعض من كانوا يتولون أمرها بأن ينصبوا أنفسهم حكاما مستقلين في بعض الأحيان، مستغلين فرصة ضعف السلطة المركزية. وفي أواخر الأسرة السابعة عشرة وقعت هذه المنطقة في قبضة حاكم مصري يدعى تتيان كان متعاونا مع الهكسوس، وكان يحكم من قبل المدينة المجاورة لنفروسي. وخلال عصر الإنتقال الثالث انتحل العديد من زعماء هذه المدينة المحليين، ومن ضمنهم تحوت إم حات، خصائص ومظاهر الفرعون مرة أخرى. والأشمونين ذات تاريخ قديم حيث كانت مزدهرة على طول التاريخ الفرعوني والعصر اليوناني الروماني، وما زالت فيها بعض الآثار الفرعونية واليونانية. وقد أدمج أخناتون نفسه منطقة هرموبوليس داخل نطاق ساحته الاعتكافية المعروفة باسم أخيتاتون. وبغض النظر عن هذه الوقائع والأحداث، وما يماثلها من قوة وسيطرة الحكماء المحليين خلال عصر الانتقال الأول، لم تنفتح هرموبوليس على التاريخ إلا مؤخرا. فخلال العصرين اليوناني والروماني، أدى سحر وجاذبية الإله تحوت إلى اجتذاب العديد من الإغريق إلى هذه المدينة، حيث نما وتطور نتاج فريد من نوعه بين الحضارة الفرعونية والثقافية الهلنستية. وتعد مقبرة بتوزيريس الشهيرة دليلا واضحا على ذلك. ولم تتبوأ الأشمونين مكانتها المرموقة في العقائد المصرية بسبب ثامون الأشمونين فحسب، وإنما لأنها كانت كذلك مركز عبادة الإله جحوتي إله الحكمة والمعرفة في مصر القديمة. ومنطقة كان لها كل هذا الثقل الديني، كان لا بد أن تنال الاهتمام على امتداد التاريخ المصري القديم، وطوال العصرين اليوناني والروماني، فتقام المعابد، وتنشأ المساكن، وأماكن الخدمات والمرافق. ولسوء حظ المنطقة، فقد زحف عليها العمران عبر العصور. أن منطقة لها كل هذه الجذور العميقة في الحضارة المصرية، لابد وأنها كانت تعج بالنشاط منذ بواكير التاريخ المصري القديم، فهناك شواهد أثرية على نشاط في الدولتين القديمة والوسطى، حيث عثر على أطلال معبد من عهد الملك أمنمحات الثاني. وفي الدولة الحديثة أصبحت الشواهد الأثرية أكثر وضوحاً، حيث عثر على أطلال معبد شيده الملك أمنحتب الثالث للإله دجحوتي ولم يتبق منه سوى تمثال ضخم على هيئة قرد، وأجزاء من تماثيل مماثلة. ويعتبر هذا التمثال أضخم تمثال لقرد عثر عليه في مصر.

بين رمسيس وشقيق الإسكندر

 

ومن بين شواهد الأشمونين الأثرية أطلال معبد، وبقايا تماثيل من عهد الملك رعمسيس الثاني وابنه الملك مرنبتاح. وتحتفظ المنطقة بأطلال معبد من عهد الملك “نخت نبف “من الأسرة الثلاثين، وآخر شيده فيليب أريدايوس، الأخ غير الشقيق للإسكندر الأكبر.

ومن أهم آثار الأشمونين حسب زاهي حواس وزير الآثار السابق متحف في الهواء الطلق يضم تمثالين ضخمين للإله تحوت على شكل قرد بابون متضرعا للشمس، بالإضافة لمنحوتات حجرية أخرى. وترجع إلى عهد الدولة الحديثة بالإضافة لبقايا معبد من فيليب أرهيديس بقايا معبد للإله تحوت من عهد رمسيس الثاني بالإضافة لسوق يوناني محاط بمجموعة من الأعمدة من الغرانيت الأحمر ذات تيجان كورنثية وتتصدر الموقع لافتة حجرية تحدد تاريخ إنشاء السوق سنة 350 ق.م في عهد بطليموس الثاني وزوجته أرسينوي. إضافة إلى بقايا كنيسة على الطراز البازيليكي وأعمدتها من الغرانيت ولسوء حظ المنطقة، فقد زحف عليها العمران عبر العصور، وتطوقها حاليا ثلاث قرى هي الأشمونين، والإدارة، وإبراهيم عوض، وعلى بعد من خمسة كيلومترات منها توجد قرية السواهجة معقل عائلة أشرف مروان صهر الزعيم جمال عبد الناصر.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية