الأعلى للإعلام… جنين ميت… وولادة متعثرة!

حجم الخط
0

عندما كتبت في هذه الزاوية «السبت الماضي»، عن حركة تنقلات الهيئات الإعلامية الثلاث، كان هذا بعد يومين من النشر في المواقع الإلكترونية الرسمية، التي تملكها السلطة وتمارس الشركة المتحدة صلاحيات المالك عليها.
ثم تبين أن المنشور هو تسريبات، وأن القوم لم ينتهوا حتى ساعته وتاريخه من التشكيل رسمياً حتى الآن (الجمعة 12 يوليو/تموز 2024، الموافق 6 محرم 1446)، فكل ولادة للقوم متعثرة، وقد ظلوا في مخاض لستة أشهر، حتى تم الانتهاء من تشكيل الحكومة، فكانت الولادة قيصرية، بفتح البطن، وكأن قطباً بمعناه الصوفي دعا عليهم: اللهم عسر عليهم ولا تيسر!
لم يتوقف النشر طيلة الأسبوع الماضي، وكان آخر المنشور يوم الخميس (11 يوليو/تموز)، في جريدة «الوطن» المملوكة للشركة المتحدة، وبعنوان بارز: «ضياء رشوان يقترب من رئاسة الأعلى للإعلام وطارق سعدة للوطنية»، وهذه الملكية للوطن، وللمواقع الأخرى التابعة لذات المالك، تؤكد أنه لا يمكن النشر بدون إذن، ولا يوجد رماد بدون نار، لكن لماذا كل أمر متعسر، وكل ولادة قيصرية، إلا إذا كان الداعي قطب من أهل المدد بأن يشدد الله عليهم في كل أمر.
وبعد جهد جهيد يكون الجنين ميتاً، فلا اختيارات مدهشة، ولا شخصيات تدعو للتفاؤل، فهي حركة تنقلات، تشبه الحركة السنوية لتنقلات ضابط الشرطة؛ رشوان من هيئة الاستعلامات إلى الأعلى للإعلام، وطارق سعدة من نقابة الإعلاميين إلى رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام، أما مهندس الطباعة فمستمر في موقعه رئيساً للهيئة الوطنية للصحافة، ومن عجب أن بلداً من أقدم الدول التي عرفت الصحافة، ومع ذلك فإن مدير مطابع «روزا اليوسف» السابق هو المسؤول عن صحافتها القومية، في زمن النشر الإلكتروني، وهبوط عدد المطبوع من الصحف هبوطاً غير مسبوق!
الباقي في موقعه، جاء لهذا الموقع هذا ذات حركة تنقلات، من رئاسة مجلس إدارة «روزا اليوسف»، ولم يثبت أنه حقق إنجازات لها، لكن الاختيار للمواقع العليا للدولة يتم وفق قاعدة الاستملاح، وكرم جبر رئيس الأعلى للإعلام الحالي جاء ذات حركة من رئاسة الوطنية للصحافة، لكن من الواضح أنهم زهدوا فيه، فالسلطة تتهمه بتوريطها في مرشحها لموقع نقيب الصحافيين خالد ميري، ولم يضع في اعتباره، أمراً في مسيرته أخذ عليه، فسقط لينجح مرشح الاستقلال النقابي خالد البلشي.
والواقع أنه تم تحميله أكثر مما يتحمل، وما أظنه تبنى ترشيحه إلا بدفع من أجهزة أخرى، ناصرت هذا المرشح من قبل، وهو يرأس تحرير جريدة «الأخبار»، على رجل السيسي في المؤسسة نفسه الراحل ياسر رزق، رحمه الله، وكان أداتها في محاربته، حتى مات رزق، والاجماع في الوسط الصحافي يكاد يكون منعقداً على أن ياسر رزق لم يتحمل هذه الضغوط، وهو يعاني من أمراض عدة فكان ما كان!
بيد أن الفشل يتبرأ الجميع منه، وأجزم أن سقوط مرشح السلطة، ونجاح مرشح الاستقلال كان مفاجأة للسلطة، كما كان مفاجأة لنا، وقد أحجم المرشحون التقليديون عن خوض الانتخابات باعتبار النتيجة محسومة، حتى كتبت أنه لا يجوز ترك مرشح السلطة ينجح بالتزكية، ولا بد من منافسة تحفظ للنقابة مكانتها مهما كانت النتائج!

تصفية ماسبيرو

لا بأس، إن حملوا كرم جبر، وزر اختيار مرشح السلطة لمنصب نقيب الصحافيين، وهو أمر يخرج عن الاختصاص الوظيفي لهذه الزاوية؛ «فضائيات وأرضيات»! فمن يتصل بها هو طارق سعدة، الذي من المقرر أن يرأس الهيئة الوطنية للإعلام، خلفاً لحسين الزين، والقاسم المشترك بينهما أنهما جيء بهما من المجهول، ومن مؤخرة الصفوف، زين رشحته درية شرف الدين، وسعدة اختيار الراحل حمدي الكنيسي، فلما وجده القوم باهتاً كالمرحلة مدوا له في موقعه النقابي مداً (نقيب الإعلاميين) بالمخالفة للقانون، وعينوه في مجلس الشيوخ، ليجمع بين الأختين بالمخالفة أيضاً للقانون، الذي يشترط على عضو البرلمان التفرغ، وفي حكم قضائي سابق، أبطل القضاء الجمع بين موقع وكيل نقابة الصحافيين، وبين عضوية البرلمان (في حالة محمد الشبه)، وبين عضوية البرلمان والترشح لموقع نقيب المحامين (في حالة سامح عاشور)، فمن مكن الفتى من المال العام، بدلات، وحوافز، وراتب شهري، من خزينة مجلس الشيوخ؟!
«الهيئة الوطنية للإعلام»، هي البديل لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، التي كانت تدير القنوات التلفزيونية والشبكات الإذاعية المملوكة للدولة، وهذه المؤسسات هي من تجليات الثورة، لتكون إدارة الإعلام عبر مؤسسات مستقلة عن السلطة التنفيذية، وفي ظل الاستبداد هناك فرق بين الهدف المعلن من التشريع، والواقع الذي تخلقه السلطة لتحتال على إرادة المشرع، أقصد الإرادة الظاهرة له! وفي الأسبوع الماضي تم تسريب ديون الإذاعة والتلفزيون، وما تتحمله الميزانية العامة للدولة كل عام للإنفاق على مبنى ماسبيرو، وهو أمر يمهد لمرحلة جديدة وهي تصفيته والتخلص منه وبيع المبنى، وربما الأرض فضاء لصاحب القسمة والنصيب، فالسلطة الحالية زاهدة فيه، فلديها إعلامها الخاص، لكن الفشل من صنعها، لأن اختياراتها فاشلة بالفطرة، وعندما تعين طارق سعدة، ومن قبله حسين الزين، بدون أن يكون لأي منهما بصمة، فمن يحاسب على المشاريب؟ الشعب والعاملون في المبنى، أم سلطة الاختيارات الفاشلة؟!
عشر سنوات ولم يُعينوا فرداً واحداً في الإذاعة والتلفزيون والصحافة القومية، لهو يؤكد أنه الاتجاه للتصفية طال الزمان أم قصر!
سيقوم بالمهمة من ليس له حضور، أو تاريخ يخاف عليه!

وقف شوبير: كل هذه السعادة الغامرة

لست متابعاً للبرامج الرياضية، ولا أعرف معظم نجوم الكرة، ولم أتعرف على شخص أحمد شوبير في الملاعب، لأني لست زبوناً عليها، فالمعرفة بدأت به عندما كان يكتب زاوية في صفحة الرياضة في جريدتنا، وذلك في بداية التسعينيات، يسلم مقاله بنفسه كل أسبوع وينصرف، وهو أكثر حظاً من لاعب في هذه المرحلة اسمه حاجة ريان!
رأيته يتحدث في الهاتف الأرضي للمحررين (لم نكن قد عرفنا المحمول) والهواتف شحيحة، وطالت المكالمة لأكثر من ساعة، فاعتقدت لأني لا أعرفه أنه محرر متدرب يفتقد للياقة، فتحركت من مكاني، وأخذت منه السماعة ووضعتها على الهاتف، وسط هتاف من الزملاء بالقسم الرياضي، إنه الكابتن حاجة ريان، وكان زميل جديد التحق بالعمل حديثاً اسمه كمال ريان، أقرأ اسمه ولم أتعرف عليه، فقد اعتقدت أنه هو، فذهبت أعطيه درساً في أصول المسائل، لأكتشف أنها فقرة ينظمها الزملاء في القسم لنجم كروي يرد على اتصالات الجمهور!
بطبيعة الحال إن لم أتعرف على شوبير في المرحلة السابقة، فكنت سأعرفه دون متابعة له، لأنه كثيراً ما يثير الجدل، والأزمات، والتي لا أركز فيها، ولا أتابع تفاصيلها!
والخميس الماضي طالعت على منصات التواصل الاجتماعي سعادة غامرة، لم نعرف لها مثيلاً إلا عندما أطيح بمختار جمعة من وزارة الأوقاف. وكانت المناسبة أن الشركة المتحدة قررت الاستغناء عن مقدم البرنامج الرياضي في قناة «أون»، وتحدث البيان عن المهنية (أنظر من يتكلم)، وعن فوضى الإعلام الرياضي (أيضاً انظر من يتكلم)!
البيان عائم، فلم يحدد مخالفة أو أكثر، لكن الجماهير هبت معه، يبدو أنها تعلم ما لا ينشر في البيان، وتمطع مقدم البرنامج الديني في قناة «دي إم سي» خالد الجندي فنظر لذلك كأنه من الفتوحات الدينية العظيمة، وقال إن الشركة المتحدة فعلت أمراً له أجر عظيم عند الله، مؤكداً أن أعظم نعمة فعلوها هو التذكير بالأخلاق والقيم.
و»دي إم سي» قناة تملكها الشركة المتحدة، أي أن الشيخ الجندي يزكي صاحب العمل على الله، ولا نعرف لماذا وقد بدا متلهفاً على قرار الوقف، وقرر أن أجره عظيم عند الله، لماذا لم يدن الخروج على القيم والأخلاق قبل قرار صاحب العمل!
أما شوبير، فلا أرض أقلت ولا سماء أظلت، لأنه بخروجه من معية الشركة المتحدة، فلن يجد قناة أخرى، فالشركة المتحدة هي المالك المحتكر في زمن السماوات المفتوحة! هل شوبير وحده هو من يخرج على المهنية؟!

 صحافي من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية