الأغلبية والدرس اللبناني: هكذا ستبدو إسرائيل بعد مئة عام من الضم

حجم الخط
0

ولدت في بلاد تحولت فيها الأغلبية إلى أقلية، وتبدد الحلم التاريخي الذي حلمت به هذه الأغلبية، وتفككت مؤسسات البلاد. كل شيء حصل بسبب الضم، ضم أراض وسكان باسم أيديولوجيا فئوية، الحديث عن جارتنا الشمالية، لبنان.

عشية انحلال الإمبراطورية العثمانية، بعد الحرب العالمية الأولى، كانت حدود لبنان هي جبل لبنان ومدينة بيروت، تسكنها أغلبية مسيحية متماسكة. ولكن المصالح الضيقة، والتطلع نحو التوسع الإقليمي على حساب الآخرين، والاعتماد على قوة عظمى عالمية في حينه، فرنسا، أدت بالمسيحيين إلى توسيع حدود دولتهم شمالاً حتى طرابلس، وجنوباً حتى صور، إلى مناطق مأهولة بأغلبية إسلامية. في الأول من أيلول 1920 أعلن المندوب الفرنسي السامي الأول لسوريا ولبنان، الجنرال آنري غورو، عن إقامة لبنان الكبير، الذي هو لبنان اليوم. في حالة من النشوى يصعب أخفاؤها، فرح المسيحيون بإنجازهم التاريخي. صحيفة الجالية اليهودية في لبنان حينذاك، “العالم الإسرائيلي”، رحبت بهذه الخطوة التاريخية. وتمنى الكاردينال اللبناني اغناسيو مبارك لليهود أن يحققوا تطلعهم التاريخي في فلسطين مثلما فعلوا هم ذلك في دولة الأرز. كل هذا حصل قبل مئة سنة.

لقد عمل الزمن في طالح المسيحيين. ضم الأراضي من طرف واحد في صالحهم تسبب في أن يفقد المسيحيون في لبنان الأغلبية بين السكان التي كانت لهم، وأصبحوا أقلية في بحر من المسلمين – الشيعة والسُنة. اليوم، تبدد حلمهم منذ زمن، ويعيشون حرب بقاء. لا أريد مصيراً مشابهاً هنا. لأن ضماً من طرف واحد هو أخذ بلا إذن، وهذا شجب بخلاف الضم الذي بالتوافق. في إحدى وجبات الغداء مع الرئيس الراحل حسني مبارك في قصره بالقاهرة، مع هيلاري كلينتون وأبو مازن ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، توجه إليّ صائب عريقات بنبرة غضب وقال: “ما الذي تريدونه منا؟ فقد وافقنا على أن تبقى المستوطنات الكبرى معكم في إطار تبادل الأراضي”. بمعنى أن هذا ضم بالتوافق، إذ إنه سيكون جزءاً من التسوية مع الفلسطينيين وبموافقتهم. ليست هكذا هي حالات الضم التي يجري الحديث عنها اليوم، والتي تستمد شرعيتها من وعد قوة عظمى عليا وصفقة قرن ترامب. الجنرال غورو هو الآخر مندوب قوة عظمى عليا في حينه، وعد بتوسع إقليمي للمسيحيين في لبنان.

قبل اتخاذ القرارات المصيرية التي لا رجعة عنها يجب النظر إلى ما سيكون عليه الحال بعد مئة سنة، والتعلم من الدرس اللبناني. لقد جرى الحديث كثيراً عن الآثار الأمنية للضم: آثار أمننا القومي، والفرصة التي لا يجب تفويتها، وكذا الغضب الذي سينفجر في العالم العربي. كل هذه اعتبارات سياسية مهمة. ولكن يفوقها جميعاً اعتبار فقدان الأغلبية اليهودية على مدى السنين وسيتيتم إعلان الاستقلال لإقامة دولة يهودية في بلاد إسرائيل.

بقلم: إسحق ليفانون

 معاريف 15/6/2020

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية