ينبغي أن لا ننسى أنه لأمد ليس بالبعيد وتحديدا في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2002 امتنعت الولايات المتحدة وإسرائيل عن التصويت لقرارين حاسمين تبنتهما لجنة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة، يدعوالأول إلى اتخاذ إجراءات أشد صرامة لمنع عسكرة الفضاء الخارجي، لتفادي الخطر المميت على السلم والأمن الدوليين.
أما القرار الثاني فأعاد التأكيد على بروتوكول جنيف لعام 1925 والذي يحظر استخدام الأسلحة البيولوجية والسامة في الحرب، والأمر ليس مستغربا إذا ما كانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت الأسلحة النووية في نهاية الحرب العالمية الثانية بإلقاء قنبلتين مدمرتين على اليابان، ومثل هذه الرغبة في إبقاء الأيدي مطلقة تفعل ما تشاء، من شأنها تبرير وقوف واشنطن إلى جانب إسرائيل في الصف المعارض في الجمعية العامة أو في مجلس الأمن، وهو أمر لم يخرج إلى الآن عن النمط المألوف، والأمم المتحدة تكون هيئة ملائمة لأمريكا حين تعول عليها، ويشارك أعضاؤها واشنطن وجهات نظرها، لكنها تصبح محل استهجان وقدح حين يعارض أغلب ممثليها أمريكا في قضايا دولية مختلفة.
وفي هذه الأثناء تستمر معادلة المتاجرة بالخوف، لتعبئة المجتمع الإسرائيلي، وهي معادلة خطها بن غوريون، ومازالت سارية إلى الآن في إسرائيل، التي تُقلص خيارات بقائها في مسارها التاريخي المحدود، لإصرارها على العداء، كونها قاعدة لأمريكا في المنطقة تنفذ كل مطالب البيت الأبيض، فهي ليست سوى كيان تنفيذي أمريكي تُصاغ سياستها المتذيلة وفق المتطلبات الأمريكية، وكل الحروب أو الاستفزازات التي تُقْدم عليها، إنما تتم بضوء أخضر أمريكي وبتصريح ومباركة البيت الأبيض. وهي سياسة انتحارية تنقاد بتعصب مفرط وفوضوية دموية تُراكم مخزونا من الحقد والغضب والغيظ الذي ستحمله أجيال متعاقبة. ويدرك بعض الكتاب والساسة الأمريكيين ومنهم، ميكايل إيغناتييف، أن التحدي الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة هو فرض سلام على الفلسطينيين والاسرائيليين، والسلام المفروض أمريكيا، كما ينتظره إلى الآن كثيرون، يجب أن يمنح الفلسطينيين كحد أدنى «دولة قابلة للحياة» ومتواصلة جغرافيا. ويُعيد بناء بنيتهم التحتية المحطمة. أما ترك الفلسطينيين يواجهون الدبابات والمروحيات الحربية الإسرائيلية، فهو ضمانة فعلية لاستمرار الغضب الإسلامي على أمريكا. وجدير بالذكر ما كتبه رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية الأسبق أوري سالغي عندما خلص إلى أن اجتياح لبنان وغيره من الأعمال الحربية، لن توصل إسرائيل إلى أي نتيجة باتباعها شعار «سنلقنكم درسا ينفعكم»، فخليق بها أن ترى الأمور من منظور الطرف الآخر. ومن يرجو بقاء متبادلا مع العرب لا بد من أن يقبل حدا أدنى من الاحترام للمجتمع العربي»، أما البديل فحرب لا نهاية لها.
الفلسطينيون يرغبون في دولة حرة تحفظ حقوقهم، ولا ينتظرون تعاطفا ويرفضون أن يكونوا «الشعب المسكين»
الجميع يتحدث بلغة العاطفة تجاه الفلسطينيين الذين يرغبون في دولة حرة ذات سيادة تحفظ حقوقهم، ولا ينتظرون تعاطفا أو مشاعر نبيلة تجاه شعب يرفض أن يكون «الشعب المسكين». وإن كانت وجهة النظر الغربية مكشوفة، ورغم تنميق العبارات فهي لا ترى في ما تفعله إسرائيل اجراما ولا إرهابا، فالقتل والتنكيل وتعذيب الأسرى في السجون، وهدم البيوت ورفض تنفيذ قرارات هيئة الأمم المتحدة، أو الالتزام بالمواثيق الدولية، ليست تعبيرا عمليا عن الإرهاب، بل تصبح أشكال مقاومة الاحتلال إرهابا في رأيهم. وهنا يتضح زيف مبادئ السياسة الأممية، التي تتنكر للأعراف الإنسانية وتتلاعب بالقوانين الدولية كما تشاء. ومع ذلك يظل الفلسطيني يُقاوم ويواجه كل أشكال الترهيب والعنصرية، ومحاولات كسر الإرادة الوطنية الجامعة وتقويض الرغبة في العيش من قبل الكيان الصهيوني، الذي يسعى لتشريع الاحتلال وتثبيت قدمه في أرض ليست له، ومازال الجميع يشاهد الفلسطينيين وهم يستخدمون الحجارة دفاعا عن أرضهم وعرضهم وكرامة وطنهم وعزة مقدساتهم، والعالم لم يلتفت إليهم، بل ترك آلة القتل الإسرائيلية تُبيد الكثير منهم وتُقيم المجازر وتفتك المزارع والأراضي والقرى، وهي بذلك تدفع نحو تفجير الابداع الانتفاضي بأشكاله المختلفة.
كاتب تونسي
هذا المقال يعبر بصدق عن إحساس كل عربي صادق يحمل القضية الفلسطينية في وجدانه .
كل التحية و التقدير للكاتب الأستاذ لطفي العبيدي صاحب المقالات المهمة البعيدة عن التحيز الانفعالي العميقة في أبعادها و معانيها