“نقف الآن أمام مفترق T”، يقول مصدر أمني. “أمامنا إمكانيتان: إما تسوية في غزة وصفقة مخطوفين وتوجيه المقدرات لإيران وللشمال، أو حرب إقليمية. نتنياهو يجرنا إلى حرب إقليمية”.
أعتقد أنك مخطئ، قلت. صحيح، نحن نقف أمام مفترق T، لكن نتنياهو يختار الثالثة من بين الإمكانيتين: الاستيطان في المفترق، والتمترس هناك على أمل أن يطل أحد ما أو شيء ما ويحل المشكلة. هو مسيح من نوع جديد – ليس مسيحياً يأتي بمعجزة، بل مسيح يعول على معجزات الآخرين.
الكلمتان الأكثر عجزاً في كل تحليل سياسي هما “غير مسبوق”: في ألفي سنة منفى، 127 سنة صهيونية و76 سنة دولة جمعنا مخزوناً هائلاً من السوابق التاريخية، الجيدة والسيئة، الوفيرة لكل مستخدم. على الرغم من ذلك، يصعب إيجاد سابقة لفترة الانتظار الحالية. فهل هي تذكر بثلاثة أسابيع الانتظار قبل حرب الأيام الستة؟ ليس تماماً. لعل هناك وجه شبه في حجوم القلق لدى الجمهور والنقد السياسي على رئيس الوزراء. في حينه، مثلما هو اليوم، كان الدافع في أوساط القوات المقاتلة عاليا، رغم المصاعب.
لكن الترقب في حينه كان لقرار حكومة إسرائيل، وليس لقرارات رئيس منظمة إرهاب لبنانية وآية الله إيراني، والتضامن مع إسرائيل في الغرب وفي العالم اليهودي كان كاملاً. الجيش الإسرائيلي كان الجهة التي دفعت إلى الحرب؛ أما اليوم فقيادة الجيش تفضل طريق التسوية.
حرب الأيام الستة كانت حرب اللامفر: التهديد الذي شكلته مصر وسوريا والأردن على وجود الدولة كان واضحاً وفورياً؛ أما حرب غزة فقد بدأت كحرب لا مفر، وليدة مذبحة وحشية، وتطورت إلى حرب مفر متواصلة، دامية في الجنوب، دامية في الشمال. معظم الإسرائيليين يعيشون في إحساس أننا نخوض حرب اللا مفر: 7 أكتوبر لا تزال معنا. هذا خطأ: السابقة التي على عتبتنا هي 18 سنة من الفشل الإسرائيلي في لبنان، وليس حرب الأيام الستة.
المقارنة لا تستوي أيضاً بالنسبة لرئيسي الوزراء في حينه واليوم. ليفي أشكول كان رجلاً عملياً، متوازناً، شكاكاً بطبيعته. حنه زيمر، المحررة الأسطورية لصحيفة “دافار” سألته ذات مرة: لماذا يتعذب بهذا القدر – فلكل عملة وجهان: فرفع اشكول نظارته سميكة العدسات وقال: “لكني أرى ثلاثة”. لم تكن له كاريزما؛ لكن حصل بالمقابل على حكمة، ومزاج صلب وقدرة للعمل مع خصوم سياسيين. أما نتنياهو فلديه ما ليس لدى أشكول، وليس لديه ما كان له.
الجيش يشتكي من أن المستوى السياسي، أي رئيس الوزراء، يخلد وضع “عدم الوضوح الاستراتيجي”. بكلمات أقل عسكرية، يدور الحديث عن قرارات تتخذ من يوم إلى يوم، دون أن يوضع فوقها هدف ينبغي السعي إليه، وبدون حوار حقيقي بين أصحاب القرار. فإذا لم تعرف أين تسير، قال هنري كيسنجر، فإن كل طريق تختاره تؤدي بك إلى اللامكان. الإحباط لا ينبع من فكر يميني أو يساري. من ناحية الجيش فإن أمراً ما هو الاستعداد لاتفاق في الجنوب ينقل وزن القرارات شمالاً وشرقاً؛ وثمة أمر آخر، وهو أن الاستعداد لاتفاق إنساني معناه وقف نار مؤقت؛ والأمر الثالث هو الاستعداد لخطوة تعيدنا إلى الوضع القائم هذه اللحظة، واستمرار الاستنزاف المتبادل في الشمال؛ والرابع هو الاستعداد لحرب إقليمية حيال إيران. مقدرات الجيش محدودة: هو بحاجة إلى منحى، إلى طريق. هو يتطلع إلى رئيس الوزراء ويتلقى شعارات عليلة، كاذبة مثل “نصر مطلق”.
إيران دولة حافة نووية. السؤال هو: أما زال ممكناً تصفية منشآتها النووية، أم مثل كوريا الشمالية؛ حققت لنفسها شهادة مناعة نووية، مفتوحة للجدال؟ طوق النار الذي خلقته إيران حول إسرائيل يعد تهديداً إضافياً. التهديدان واجبا العلاج، بتدخل أمريكي وتفاهم مع دول في المنطقة. ولن يختفيا بواسطة إحباطات مركزة.
على هذه الخلفية، بذلت في الآونة الأخيرة جهود عظمى لإقناع الإيرانيين بعدم حدوث شيء فظيع. تصفية هنية في طهران لم تكن شاذة، فقد جرت تصفيات على الأراضي الإيرانية من قبل. وقد تمت بالأساليب ذاتها في هذا الحد أو ذاك. إسرائيل لم تأخذ المسؤولية، والنظام الإيراني عرف كيف يحتوي. وتكاد تكون تصفية هنية أسهل على الاحتواء – فهنية فلسطيني، شخصية أجنبية، وحساب إسرائيل معه لا يتعلق ظاهراً بحساب إيران مع إسرائيل.
ديوان رئيس الوزراء تباهى في الشبكة بتصفية هنية، وفور ذلك شطب النشر. مثلما هو الحال دوماً، ثمة غبي مناوب ضغط على الزر غير الصحيح في لوحة مفاتيح الحاسوب. لكن التوتر بين الحاجة إلى تهدئة إيران وبين الإغراء لإشعال حماسة القاعدة لم تختف. “جويش كرونيكل” هي مجلة أسبوعية تعنى بالجالية اليهودية في بريطانيا. تضم نحو 20 ألف مشترك. اختيرت من بين كل وسائل الإعلام في العالم، لكشف التفاصيل السرية لعملية التصفية، المنسوبة لإسرائيل. فقد بينت أين زرعت القنبلة، ووزنها، والعميلان اللذان زرعاها، وكيف تابعهما رجال الموساد (من قمة الأشجار بلباس أخضر)، والمال الذي حصلا عليه، وكيف هُربا سراً إلى دولة شمال أوروبية. المجلة عرفت حتى عن دور وحدة 8200 في العملية. سبق صحافي هائل.
مع نهاية الأسبوع، خيل أن الجهد يعطي ثماره. الخليط بين ضغط دول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والزمن الذي انقضى، والظروف المخففة، كانت سبباً بتصريحات أقل حماسة من ناطقين إيرانيين. “إيران دكتاتورية”، قال لي مصدر أمني. “على الرغم من ذلك، ربما في الحكومة هناك جدال على مدى الرد، وربما حتى على مجرد الرد”.
إسرائيل دكتاتورية، قلت له. على الرغم من ذلك، لا يوجد في حكومتنا جدال على مدى الرد، وربما ليس حتى على مجرد الفعل. انعدام يقين استراتيجي. فسخر.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 9/8/2024