من يعتقد أن الغزو الروسي لأوكرانيا ليس سوى حرب تقليدية لا علاقة للعرب بها سوى أنهم متفرجون، فهو واهم بكل تأكيد، فتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية سوف تكون كبيرة وعميقة على الدول العربية، خاصة إذا ما طال أمدها واستمرت لفترة أخرى، وإن كنا نتفق على أن آثارها على المنطقة العربية سوف تتفاوت من بلد إلى آخر.
منذ مطلع العام الحالي، أي خلال شهرين فقط ارتفعت أسعار القمح في الأسواق العالمية بنسبة 57%، وهذا ارتفاع غير مسبوق من حيث النسبة والسرعة منذ عام 1973 عندما قفزت الأسعار في ذلك الحين على وقع حرب أكتوبر/تشرين الأول التي أشعلت توتراً عالمياً كبيراً، دخلت فيه كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وإذا ما استمرت حرب أوكرانيا طويلاً، وظل الارتفاع في أسعار القمح على هذه الوتيرة فهذا يعني أن عام 2022 قد يُسجل أكبر ارتفاع في أسعار القمح على الإطلاق.
الجوع والفقر والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية لا يُمكن التغلب عليها بالسلاح الذي يشتريه العرب من الولايات المتحدة
ارتفاع أسعار القمح يُهدد منطقتنا العربية بأزمة غذاء وأزمة فقر في آن واحد، حيث أن العرب يشكلون أقل من 5% من هذه البشرية، لكنهم يستهلكون أكثر من 20% من إنتاج الحبوب في العالم، كما أن مصر وحدها تستورد أكثر من 5% من إجمالي تجارة القمح في العالم، في الوقت الذي تستحوذ فيه مصر والجزائر على 10% من القمح الذي يتم تصديره في العالم. لا يبدو أن الجزائر ستواجه أي مشكلة في الظرف الحالي، إذ أنها أحد منتجي النفط، وسوف تستفيد من ارتفاع أسعاره، حيث كان العام الماضي يُباع بعشرين دولاراً وتجاوز العام الجاري مستويات الـ130 دولاراً، ما يعني أن الفوائض التي ستنتج عن مبيعات النفط ستغطي ارتفاع أسعار القمح وزيادة، بينما تبدو المشكلة أعمق بالنسبة للدول التي تستورد الاثنين، والتي أصبحت على موعد مع أزمة مزدوجة. مع ارتفاع أسعار القمح والنفط أصبح من السهل لأي مراقب، بل لأي شخص عاقل، أن يتوقع ارتفاع نسب التضخم، واتساع رقعة الفقر والجوع والبطالة، تبعاً لذلك في عالمنا العربي، وهو ما يعني أن المنطقة على موعد مع مزيد من الأزمات، على الرغم من أنها تنام على ثروات ليس لها مثيل في أي مكان آخر من العالم. أزمة القمح التي تلوح في الأفق والتي ستجعل رغيف الخبز نوعاً من الرفاهية في بعض الدول العربية، تعيد إلى الأذهان السؤال الكبير عن غياب الأمن الغذائي في بلادنا العربية، بل حتى الدول الغنية والمنتجة للنفط ربما تجد شحاً في واردات القمح، إذا طالت الحرب في أوكرانيا أو إذا توسعت، وهذا يفتح نزيفاً من الأسئلة يتعلق بمستقبل طعامنا ورغيف خبزنا العربي.
ثمة الكثير من الأسئلة التي يُمكن أن تطرح في هذا السياق لكن أهمها: لماذا تستثمر الدول العربية الغنية في سندات الخزانة الأمريكية وأسواق الأسهم في «وول ستريت» بدلاً من أن تتجه الى استثمارات استراتيجية كزراعة القمح في السودان ومصر على سبيل المثال؟ وكيف نفهم أن دولة عملاقة وغنية بالماء بحجم مصر تستورد ما بين 80% الى 90% من قمحها، بينما يتم ضخ المليارات في بناء الجسور والأنفاق والمباني الحكومية في العاصمة الجديدة؟ ألم يكن ممكناً ضخ هذه المليارات في تأمين القمح والخبز وتجنيب البلاد والعباد هذا التهديد؟ العالم العربي اليوم يعاني التهديد الحقيقي الأكبر وهو انهيار منظومة الأمن الغذائي، وهذه المنظومة لا يُمكن ضمانها بصفقات الأسلحة الأمريكية ولا الطائرات المقاتلة، إذ الجوع والفقر والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية لا يُمكن التغلب عليها بالسلاح الذي يشتريه العرب من الولايات المتحدة، وإنما فقط بأن يأكلوا مما يزرعون ويلبسوا مما يُنتجون.
كاتب فلسطيني
*ومنذ متى حكام العرب يهتمون بشعوبهم؟؟؟
الإهتمام الأول والأخير بعروشهم
إلا من رحم ربي.
حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد.