الأميرة الغائبة عن لبنان: الكهرباء!

حجم الخط
23

لم يسبق أن ابتعدت طوال عامين عن وطني العربي، وبالذات عن بيتي البيروتي، إلا هذه المرة.. فالكهرباء قضت نحبها في لبنان إلا ساعات مزاجية نادرة جداً.. (وأنا من عشاق الكتابة والقراءة ليلاً).
وحتى الذين اشتروا محركات كهربائية خاصة بمبانيهم، يعانون من صعوبة إيجاد الوقود لها، ناهيك عن ارتفاع أسعارها إلى المدى الذي لا يطاق، هذا إذا استطاعوا الحصول عليها.
غيابي عن وطني العربي يعني ببساطة أن بطاريتي الكتابية تعاني لا باسمي وحده، بل وأيضاً باسم آلاف الناس الذين يعيشون الكثير من الليالي في الظلام في لبنان.. وباسم المرضى الذين لا يستطيعون زيارة الطبيب والعودة إلى بيوتهم دون أن يتحرك المصعد، إلا إذا تكرمت عليهم «الأميرة» الكهربائية بدقائق تبث الروح خلالها بالمصعد ويصل المريض إلى بيته.

جارة المسؤول الكبير: كهرباء دائمة!

لي صديقة لبنانية أستقي منها الأخبار الحقيقية لما يدور في لبنان.. وتصادف أنها تقيم مقابل بيت ذلك (المسؤول) الكبير من حكام لبنان. وقالت لي في مخابرتنا الهاتفية الأخيرة وبكل بساطة، إنها تقبع في الظلام بلا أنيس غير شمعة، بينما الغرف كلها في بيت الوجيه السياسي مقابل بيتها تشع غرفه بالكهرباء.. وهي ليست حالة نادرة، بل النموذج لمئات الآلاف من الناس في لبنان الذين يعيشون المعاناة من موت الكهرباء وهي من بعض معاناتهم.. ترى لو تم إرغام الجميع على معاناة الظلام بالتساوي وبدرجة واحدة من الحكام والمسؤولين إلى الأثرياء وأصحاب المحركات المفتقرة إلى الوقود، لو عاشوا معاناة مئات آلاف الناس، أما كانوا سيجدون طريقة لاستعادة تلك الأميرة الملقبة بالكهرباء التي يفقدها لبنان؟
لا أطلع في باريس على الصحف اللبنانية للأسف، لأنها لا تصلنا، لكنني أستطيع أن أتخيل ما يكتب فيها حول مأساة لبنان مع الكهرباء وغير ذلك من عذاباتها. ولا أعتقد أن الحكم سيستتب لأي (زعيم) أو (سياسي) أو حاكم في لبنان إذا لم يواجه مأساة انقطاع الكهرباء ويعيدها للبنانيين بالتساوي.
قبل قليل نهضت عن طاولة الكتابة وقمت بضغط أزرار الكهرباء جميعاً في بيتي الباريسي: يا له من سحر أن ينعم الناس بالكهرباء في كل لحظة كما ينعم الفرنسيون بذلك.. والكثير من الشعوب الأخرى في هذا العصر! ويتساءلون لماذا يهاجر اللبناني من لبنان الوطن الحبيب و(سويسرا) الشرق (سابقاً!) وعاصمة الظلام في العالم العربي حالياً؟

البنوك والنقود المجمدة

كيف أكتب عن لبنان وأنا التي لم تغادر باريس إلى بيروت منذ فترة طالت، وللمرة الأولى؟ لا أكتب عما أجهله. فأنا على اتصال دائم مع ما يدور في بيروت، وبعضه يخصني كصاحبة لمنشوراتي ومسؤولة عن دار النشر العريقة التي أسسها زوجي الراحل د. بشير الداعوق، والأهم من كل ما تقدم رغبتي في العودة إلى لبنان في طائرة الشوق إلى الوطن.. لكن المتاعب تحاصر ذلك الوطن الحبيب. في الحقول كلها.. هل يعقل ألا تستطيع التصرف بمالك الذي أودعته في أحد البنوك اللبنانية؟
لا أكتب شعراً عن لبنان كما فعل من قبل كبار الشعراء وصغارهم، لأن الواقع قتل الشعر وبقيت الحقيقة عارية عن الوضع في ذلك الوطن الحبيب.

المطلوب واحد: الإصلاح!

لا مفر من التورط بالتظاهرات دون قتل بعضنا بعضاً، فالمفترض أننا جميعاً نريد شيئاً واحداً: إعادة الحياة إلى لبنان! هذا دون شهية الحكم أو الاستزلام لهذا أو سواه. يجب أن يظل لبنان حاكماً لنفسه، وليس شبه عميل لأحد. والدرب إلى ذلك اسمه «الإصلاح» في كل حقل. أما الذي سيعيد الأميرة الكهرباء إلى لبنان فسيصير بطلها الحقيقي في القلوب، فقد تعب لبنان من الظلام بمعاني الكلمة كلها.

هيا تكلمي فأنا لا أفعل شيئاً!

في زيارتي الأخيرة إلى بيروت، اصطحبتني صديقة بسيارتها من مكتبي في منشوراتي في حي «المصيطبة» إلى بيتي. وفي الطريق رن هاتفها المحمول (الموبايل) وقلت لنفسي إنها لن ترد على المخابرة لأنها تقود سيارتها، لكنها فعلت ولم تكتف بذلك، بل سمعتها تقول للمتكلمة «لا أفعل شيئاً، فقط أقود سيارتي»! هالني ذلك!
بعد إقامتي الطويلة في فرنسا أعرف أن الحديث على الهاتف أثناء قيادة السيارة ممنوع لأنه يمكن أن يسبب حوادث الاصطدام لانشغال السائق بالكلام على الهاتف المحمول (الموبايل) بدلاً من التركيز على قيادة السيارة دون إيذاء أحد. ومن يقترف ذلك هناك يدفع غرامة كبيرة، ولم أقل شيئاً لصديقتي بل كنت سعيدة بالعودة إلى بيتي حية وحزينة لاستخفاف الناس عامة في لبنان بالقانون وحياة الآخرين!

الغربة العصرية

في باريس دعاني صديق لبناني وزوجته إلى الغداء في مطعم فاخر، وما كدنا نستقر في مقاعدنا ونختار الطعام حتى رن هاتف (الموبايل) الخاص بالمحامي الصديق! وغرق في حوار قانوني، ورن أيضاً هاتف زوجته وغرقت في حوار مع أسرتها في بيروت، وبقيت وحدي على مائدة واحدة مدعوة إلى الغداء مع «اللا أحد»!
وعلى المائدة المجاورة كان كل شخص يتكلم بمفرده على (الموبايل)!
يا لتلك «الغربة العصرية» حين تجد نفسك محاطاً بالناس ووحدك!

حقيقة ذلك الوطن الحبيب

التلفزيون الفرنسي كالقناة السابعة والثانية والسادسة وسواها، صارت تقدم تحقيقات تدوم أكثر من ساعة عن الوضع في لبنان، بلا أقنعة.. وعن الحياة الحقيقية في بيروت وذلك مؤلم حقاً. البارحة مثلاً شاهدت تحقيقاً متلفزاً عما يدور منذ 17 أكتوبر ومروراً بانفجار المرفأ.. ويتحدث فيه (البيارتة) بكبرياء عن بيوتهم التي هدمها الانفجار ومخاوفهم وفكرهم (الجديد) وأحزانهم.. ترى، هل يعيش بعض حكام لبنان في كوكب آخر، أم أن علينا أن نرغمهم على مشاهدة حقيقة أيام حكمهم حتى على شاشات تلفزيونات غربية؟ أتساءل: من كان أفضل الزعماء الذين حكموا لبنان؟ ومن كان منهم الأكثر لا مبالاة بهموم الناس؟
أترك الجواب للقارئ ولأبناء الوطن في لبنان.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لقد تم تدمير لبنان لصالح أشخاص وأحزاب ودول غاضهم مدى الحرية بالرأي!
    وسيتم تدمير الشعب اللبناني حتى لا تقوم للبنان قائمة!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      غاظهم وليس غاضهم!!

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    السؤال المخيف هو: ماهي حالة الأمن والأمان الآن بلبنان؟
    هل زادت حوادث السرقة والخطف وووو؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    الحل الأمثل هو بتسليم الحكم للجيش من قبل الشعب حتى تكون له شرعية!
    الجيش اللبناني مكون من جميع الطوائف, ويثق فيه المجتمع الدولي!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول AR:

      استغرب من حضرتكم هذا الاقتراح وانتم في اكثر من مكان اشرت الى ضيق افق العسكر وقيلدتهم اي بلاد يديرونها الى الهلاك. لا اعرف سبب ازدواجية الاراء, وبما ان الله من عليك بالعلم الشرعي، نذكركم بالقاعدة “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”

  4. يقول أفانين كبة - كندا:

    هاهو ظلام من نوع آخر يلاحق المواطن اللبناني من بعد ظلمات الحرب الأهلية التي دمرته لسنين عديدة والتي قدم فيها الكثير من الدماء والتضحيات ، فالصبر وغريزة البقاء هما وقود المواطن اللبناني في مقاومة هذه الظلمات التي تغرق فيها البلاد الساحرة لبنان .
    وواضح أن هنالك من تزدهر وتنتعش مصالحه في الفوضى التي يمر فيها البلد ، حيث المواطن اللبناني الذي يعيش فيما بين الأمل واليأس مشغول بتوفير أساسيات الحياة ، وهذه الظروف القاسية التي يمر فيها ترهق الانسان عقليا وروحيا وتسبب موت الروح عنده ، فقابلية البشر محدودة ، وقرار الرحيل ليس بالسهل ، علما أن هنالك الكثير من المهاجرين اللبنانيين ممن يرغب في العودة الى لبنان حالما تتوفر فيه الخدمات الأساسية للحياة الكريمة .
    رحم الله الدكتور بشير الداعوق الذي هو من الجيل الذي ساهم في بناء لبنان عندما كانت سويسرا الشرق ، ذلك الجيل كان عملة نادرة و معظمهم قد رحل عن هذه الحياة .

    أفانين كبة – كندا

  5. يقول عبد الحميد الأول وارث الخاتم النبوي العظيم Abdülhamid I, Torun: Büyük peygamberlik mührünün varisi:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قبل يومين كنت بجوار بيتك على ضفاف نهر السين وامامي اسقفية نوتردام اهديتك السلام عن بعد

  6. يقول سوري جدا:

    أختي الكريمة، ست الشام الحبيبة
    بعد أن كانت بيروت منارة الشرق أغاظت خفافيش الظلام، فظلموها وأظلموها، لبنان قطعة سماء لا يمكن أن تعيش بدون شمس بيبلوس، وبعلبك، وقمر مشغرة. لبنان صوت فيروز، ورقص كركلا، وخواتم أنسي الحاج، وروشة العشاق المنتحرين فداء للحب. لبنان قطعة من قلب سورية وكل سوري، ونبض كل لبناني حر يعيش على أمل أن يتخلص من أمل، والحزب الذي لا يعرف الله، ومن كل ملوك الطوائف الذي دمروا لبنان كما دمروا بالأمس الأندلس.

  7. يقول عمرو - سلطنة عمان:

    يبدو أن الكوابيس اقسمت الا تغادر لبنان
    أكثر ما يؤلم القلب في هذه الفوضى هو لبنان الذي لم يجد من يحتويه ويدعمه اقتصاديا الجميع يريد لبنان خاضع لسياساته وأن تكون هباتهم مكافأة على ذلك
    لكن لبنان الكرامة والحرية أكبر من جميع المتصارعين عليه سينهض قريبا وينفضهم عن الساحات..
    دائما يتردد أن لبنان سويسرا الشرق بجماله وكم أتمنى أن تصبح بيروت كجنيف بعيدة عن الحروب وأن تكون مركزا للسلام والوفاق بين الشعوب كما يليق ب “ست الدنيا”..
    لماذا على لبنان في ظل أزمته الأقتصادية وعدم توفر البنزين والأدوية والكهرباء وانهيار الليرة أن يعاني من تصيد الأخطاء والتصعيد ولوي الذراع..
    نريد لبنان حر مستقل نريده سويسرا الشرق

  8. يقول الكروي داود النرويج:

    أنا ضد حكم العسكر إلا في حالة الإحتراب الأهلي, وهو ما سيحصل بلبنان!
    الجيش اللبناني نسيج متنوع من مكونات الشعب اللبناني, وقادر على وقف التدهور الأمني, ويدعمه المجتمع الدولي!!
    لذلك أنصح الشعب اللبناني بتفويض الجيش للحكم لفترة خمس سنوات لتعديل الوضع السياسي بالبلد!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول AR:

      وهذا بالضبط ما يقوله رئيس تونس وقاله السيسي ويقوله البرهان وقاله كل من اتخذ الهه هواه.

    2. يقول الكروي داود النرويج:

      لم تكن هناك حرب أهلية بمصر أو تونس أو السودان!
      لكن كان هناك حرب أهلية بلبنان بين 1975 – 1990 !!
      ولازال هناك سلاح بلبنان!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    3. يقول AR:

      لا داعي للجدال ان كنت مقتنع حقا بتبريرك. لكن للاخوة الصادقة، ونحسبك من متحريي الحق، نذكر مرة اخرى بقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

  9. يقول نجم الدراجي - العراق:

    دولتنا دولتنا نذكرها بأنفس تدمى عليها وجدا ..
    هكذا كان يشدو الملهم جبران خليل جبران عن لبنان بلد الحضارة والانسان والبحر والجبل ( سويسرا الشرق ) …
    اتسال لو ان الحياة عادت لجبران مالذي سيكتبه ؟ … كيف له ان يصف مآسي واحزان البلد الجميل ؟ .. وكيف له أن يتحمل كل هذه المصائب ؟ .. واذا الحياة عادت لميخائيل نعيمة ناسك الشخروب والفنان التشكيلي يوسف الحويك والاديب أمين الريحاني وسواهم من مفكرين وفنانين وادباء .. كيف تكون ردود افعالهم ؟..
    من طرفي أقول انهم ودعوا البلد الجميل بابهى مشهد ويال حسن حظهم !! .
    لكن أنظر إلى لبنان والعراق وسوريا واليمن وأزرع الامل في اعماقي بان بلدان الحضارات الجميلة لاترحل وستنتهي يوما ما احزانها وتتلاشى همومها وتنتهي الحروب العبثية .. كما كان جبران يغرس الامل في اعماقه ( ليس حزن النفس الا ظل وهم لا يدوم وغيوم النفس تبدو من ثناياها النجوم )
    اتمنى لبيروت اشراقة بهية .
    تحياتي

  10. يقول بولنوار قويدر:

    السلام عليكم
    نحبو طيبة ماركة لكم جميعا قراءة ومعلقين وإلى طاقم الجريدة وسيدة الادب وايقونته السيد عادة

    لبنان الذبيح الذي لم يسلم عنقه من سكين
    اهله ا(طبعا ليس الكل) ولا غيرهم …لبنان عروس الشرق لقد بل يعاني الويلات ويءن من أثر جراحه وذلك حسدا من عند أنفسهم كونها المنطقة الوحيدة التي كانت انهم بالهدوء والسكينة فلم يرضوا بهذا وقد دير له في ليلة الماء ليصيبه ما اصحابه ولكن ليكن في علم هؤلاء ان لبنان عفريت مارد سوف يعود لمسألة لما كان عليه وذلك رغم كيد الكاءدين…عاش لبنان والسحق والمحق لاعداءه
    ولله في خلقه شؤون
    و سبحان الله

    1. يقول بولنوار قويدر-الجزائر-:

      السلام عليكم
      تحية طيبة مباركة لكم جميعا قراء ومعلقين وإلى طاقم الجريدة وسيدة الادب وايقونته السيد غادة السمان
      لبنان الجريح لبنان الذبيح الذي لم يسلم عنقه من سكين اهله ـ (طبعا ليس الكل)ـ ولا غيرهم …لبنان عروس الشرق لقد بل يعاني الويلات ويئن من أثر جراحه وذلك حسدا من عند أنفسهم كونها المنطقة الوحيدة التي كانت يعم فيها الهدوء والسكينة نظرا لطبيعة أناسها الأوائل الذين حافظوا عليها فلم يعجب هذا أعداؤه ولم يرضوا بهذا وقد دير له في ليلة ظلماء بتخطيط له خلفيات التهديم ليصيبه ما اصابه ولكن ليكن في علم هؤلاء ان لبنان عفريت مارد سوف ينهض ليعود بيد للبناء وأخرى للغرس وأخرى لتجميع ما قد بعثرويعود لما كان عليه وذلك رغم كيد الكائدين…عاش لبنان والسحق والمحق لأعدائه
      ولله في خلقه شؤون
      و سبحان الله

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية