«الأميرة سنو وايت» للمغربية خديجة اليونسي: فنّ قصصي خاصّ جداً

حجم الخط
0

تثير القصص التي تكتبها قاصات عربيات من الجيل الجديد العديد من الأسئلة حول ماهية القصة القصيرة في فهم هذا الجيل من القصاصين والقاصات الجدد. ونتساءل هل القصة مجرد انطباعات عامة عن موضوع ما، أم هي حكاية تتداخل مع حكاية أخرى تحكى، وتتضمن تفاصيل ما حدث، وتنتهي نهاية سعيدة أو حزينة. كما كانت تروي لنا جداتنا قبل النوم أم أنَّ القصة القصيرة فن صعب يعتمد من القاص إلى الإصغاء لنبضات القلب ونقل ما يصله بأمانة لصنع ومضة شعرية، مطلوبة في كل قصة؟ ونجد هذا الأداء المتميز ابتداء من قصص أنطون تشيخوف، وحتى قصص نتالي ساروت في مجموعتها المهمة «انفعالات» الصادرة في الستينيات، التي كتبت فيها الأقصوصة، أو ما نسميه اليوم بالقصة قصيرة جداً. التي تقول كل شيء في تضمينات النص، ليضمن القاص قارئاً متابعاً لما يكتب، ويجد لما يكتبه صدى في نفسه.
«الأميرة سنو وايت» مجموعة قصص جديدة للقاصة المغربية خديجة اليونسي، التي نقلت لنا من خلال قصصها فهم الجيل الجديد من القاصات المغربيات لهذا اللون الأدبي. والقاصة اليونسي من مواليد سبعينيات القرن الماضي في مدينة القصر الكبير في المغرب. وهي من بين العديد من القاصات اللائي كتبن القصة القصيرة الحديثة في المغرب، وطرحن في قصصهن قضية المرأة، وضرورة مساهمتها الكاملة مع الرجل في مجتمع متضامن. ومن هؤلاء القاصات: فاطمة بوزيان، مليكة مستظرف، منى بنحدو، عائشة بورجيلة، ربيعة ريحان، زينب فهمي، نزهة بنسليمان، لطيفة باقا وغيرهن.

قمع الفتيات

الكثير من الأسئلة عن ماهية القصة الحديثة تتبادر إلى الذهن عند قراءة قصص اليونسي، فقد اعتمدت في قصصها استخدام «الفنتاستيك ـ الحلم» فتبدأ حلمها بعنوان المجموعة «سنو وايت» الذي يذكرنا بالأميرة الصغيرة، في الفيلم الكارتوني الأمريكي الطويل «سنو وايت والأقزام السبعة» من إنتاج هوليوود عام 1937. والغاية من الفنتاستيك في قصصها توصيل رسائل أنثى لها معاناتها الخاصة في حياة قروية محدودة تعيشها بطلاتها. وهن يراوحن فيها بين البيت وشوارع القرية مُحَاطاتْ بمحرمات الدين والتقاليد، وتجنب «أقاويل» الجارات وفضولهن. تقول عن ذلك على لسان بطلتها في قصة «غابت نجمة»: يحل الشتاء السادس عشر، يخضر العليق، فتشتد خضرة عينيها. والربيع السادس عشر تتفتح أزهاره الوردية، ويشتد تورد وجنتيها. ثم الصيف السادس عشر، فلا تستطيع أن تمد يديها، هناك ما هو أقسى من الأشواك وألسنة الثعابين.. التقاليد وألسنة الناس». إشارات النص لشجرة العليق، تؤكد ثيمة النضج الجنسي للفتاة، التي تمنع في النص من الاقتراب من تلك الشجرة من قبل الأهل «لأنها تمسك بالثياب فتمزقها، وتترك جراحاً تنزف من جسد من يقترب منها». والمزج في الوصف هنا بين نضوج الشجرة، واخضرار عيني الفتاة ونضوجها الجنسي في الربيع السادس عشر، فهو يوحي بالكثير للعلاقة المتبادلة بين الشجرة وفتاة النص، وحالة قمع الفتيات الذي تعيشه المراهقات في وسط قروي محتشم، يحسب لمسألة شرف الفتاة حسابات كثيرة، ويضع الكثير من الضوابط لكبح جماح سنوات المراهقة وبدء النضج الجنسي لدى الفتاة.
تقول القاصة عن ذلك على لسان بطلتها «الفتاة في قريتها لا ترتمي على الأشجار لتقطف توتاً عندما تصل السادسة عشرة من عمرها، عيب». لكن القاصة في حقيقة الأمر تنقل روح التمرّد على تقاليد القرية فتقول «لكنها تحب التوت، والتوت أيضاً يحبها، وهو من مدَّ يده هذه المرة ليصافحها».

المراهقات المتمرّدات

«المونولوج» ـ الحوار الداخلي ـ الذي تستخدمه اليونسي في قصصها القصيرة جداً، معبر، وينقل أرق الأحساسات وأكثرها دفئاً لدى فتاة مراهقة تعيش ربيعها السادس عشر، وقد برعت في المزج بين ما تقوله بطلاتها مع الآخرين، وما تضمره من أفكار، ونيات، وفي مرات قليلة يتلاءم الديالوغ ـ الحوار الخارجي ـ مع المونولوج الداخلي، وهذا يؤكد ما تمرُّ به الفتاة العربية المراهقة من فصام وخوف وتناقض مع بيئتها، وما ترغب به حقاً وما لا تريده.
في قصة «الأميرة سنو وايت» التي صارت عنواناً للمجموعة، تنقلنا القاصة إلى عالم الحلم لدى أميرتها الصغيرة، تقول عن ذلك على لسان الأميرة «حاولت مراراً أن أتشبث بيقظتي كي أتملى طلعة ملائكة المنام دون جدوى» وتكمل «إنَّ هؤلاء الملائكة لا يتركون أثراً يدل عليهم سوى الأحلام». وتحكي القصة «حكاية كل الفتيات الصغيرات» اللائي هُنَّ أميرات لدى جداتهن «وكل أميرة تأخذ شكلها وصفاتها من أميرات الحكايات، التي تحكيها الجدّة لحفيداتها. ومن البداية تحاول الجدّة أن تروض حفيدتها، وتجعلها تذعن لما يريده مجتمع الكبار، وأن لا تتركها «لأحلام الأميرات» التي تجدها في حكاياتها الليلية. وهنا تضع القاصة أفكارها، وما تتبناه في حياتها اليومية على لسان أميرتها الصغيرة من أفكار وأمنيات، تقول الجدّة بعد أن تمسك أصابعها الصغيرة وتسألها «متى يأتي الرجل الذي سيزين هذه الأصابع بالذهب؟ فأجيبها: «أنا يا جدّتي أريد كتباً» تقول لي: أنت أيتها الحمقاء الصغيرة، لم لا تفكرين في الحصول على بيت وزوج يغمرك بالذهب والحرير أكثر مما تفكرين في الكتب؟ فأجيبها: «لأنني كلما فتحت كتاباً ازداد الكون حولي اتساعاً». وتختتم قصتها بعبارة موحية تدلل على فهم عميق لأحلام فتاة مراهقة مُتمرّدة ستصطدم حتماً بإرداة ورغبات مجتمع ضاغط «لا شك في أنَّ منامي قطعة من قوس قزح، لأني حين استيقظ أجد طعم الألوان عالقاً بلساني».
والقاصة في جميع قصصها تحاول أن تكتب قصصاً نفسية تعالج فيها ما يحدث في حياة المُراهِقات المُتمرّدات من صدام الأنا مع الضمير، وفي العادة يكون ذلك الضمير، قوة غاشمة لا يمكن تغييرها تحاول قمع المراهقة المتمرّدة على الضوابط الاجتماعيّة المتعارف عليها، وفي الوقت ذاته لا يمكن للمراهقة الإذعان لها بسهولة. وما كتب من قصص في هذه المجموعة، فنّ قصصيّ خاصّ جداً بجيل جديد من القاصّات. نجد ذلك في قصة «تفتحي يا وردة» و»متلبسة بالعطر» و»فراشات منوية».
ضمت المجموعة للقاصة خمس قصص قصيرة، وصدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع عمان ـ الأردن وامتازت بلغتها الشاعرية وقدرة كاتبتها الولوغ إلى أدق المشاعر الإنسانية لدى فتاة قروية مراهقة حبيسة أحلامها ولاءات مجتمعها القروي الضيق.

كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية