الأمير أميراً على شرق الاردن

حجم الخط
1

ان الاستراتيجية التي وضعها الانتداب، وعلى الامير ومسؤولي ادارته تنفيذها هي أن لا يوجد في الاردن حكم وطني يضع الاساس لبناء نظام يضع مصلحة مواطنيه أساسا للحكم، ثانيا أن يبقى الاردن في عوز دائم، وهذا استدعى ألا يكون لأهل الاردن رأي في تقرير السياسة على كل الصعد في الدولة – الأمر الذي لا يزال قائما حتى يومنا هذا- يتم التحايل والتضليل وأحياناً الفرض لاختلاق ديمقراطية الـ((One man ذ one vote التي لا مثيل ديمقراطي لها في العالم.
أما العوز الاقتصادي، فالواقع في الاردن اليوم يعطينا الجواب، فالانهيار الاقتصادي وصل إلى ما لا يستطيع أن يتعداه، والفساد مستشر تاريخياً والنهب والسلب وبيع مقدرات البلاد الاقتصادية أوصل الأردن الى واقع أنه لم يعد هناك ما ينهب، ووصلت مديونية الدولة إلى ما لا يمكن سداده، وكل ذلك هو حصيلة المسار الاستراتيجي المرسوم للبلد، منذ أن تسلم الأمير عبد الله المسؤولية. هذه الاستراتيجية التي فرضها الانتداب استدعت ألا يكون للأردنيين موقع مؤثر في السلطة التي تولاها في تلك المرحلة رجالات حزب الاستقلال، الذين استهدفوا أن يجعلوا من الأردن الرباط الذي من على أرضه يبدأ تحرير سورية، وبسبب هذه السياية الإبعادية للأردنيين قامت أكثر من انتفاضة مسلحة، أهمها ثورة ماجد العدوان التي كان لها برنامج سياسي وطني وبعدها ثورة كليب الشريدة في كورة ابن رباع، وطبيعي أن تقمع هذه الانتفاضات حتى يصبح الاردن قادراً على القيام بالدور المرسوم له لخدمة أهداف الانتداب.
وبعد أن هيأت بريطانيا الواقع في الأردن قضت على أحلام الاستقلاليين وأقصتهم عن الحكم في الإمارة واستبدلتهم بشخصيات فلسطينية انتدبتهم سلطة الانتداب في فلسطين للمساعدة في بناء الدولة. ومن أهم هذه الشخصيات ابراهيم هاشم وتوفيق ابو الهدى وسمير الرفاعي. وقد تناوب هؤلاء السادة على رئاسة الوزراء دون غيرهم حتى العام 1951، واخر وزارة للسيد توفيق ابو الهدى كانت في العام 1954، واخر وزارة للسيد ابراهيم هاشم كانت في عام 1958، واخر وزارة للسيد سمير الرفاعي كانت في عام 1963، وللحقيقة فإن هؤلاء السادة (وإن التزموا بالاستراتيجية الموضوعة) إلا أنهم ساهموا مساهمة فاعلة في بناء الدولة، وكان اميزهم السيد توفيق ابو الهدى صاحب دستور عام 1952، رجل دولة، صاحب ولاية، حريصا على سمعة الدولة ومالها. وأول أردني تسلم رئاسة الوزراء هو السيد سعيد المفتي من الجالية الشركسية، رجل نظيف اليد رفض مشروع (الموادعة) الذي طرحه الامير مع الاسرائيليين.
ولم يتسلم أي أردني جده مولود في الاردن رئاسة الوزراء، إلا في العام 1955 حينما تولى السيد هزاع المجالية، وهو الذي اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية. وأهم شخصيتين أردنيتين تسلمتا رئاسة الوزراء، هما السيد هزاع المجالية والسيد وصفي التل وكلاهما اغتيل اغتيالاً دون غيرهما من رؤساء الوزارات على تعددهم لماذا؟ بتقديري الذاتي لأن لكل منهما وجود عشائري وسياسي، وكل منهما أيضاً يتمتع برؤية قطرية، حيث شكل هذا الواقع في مرحلته مركز استقطاب أردني يضعف مركز الملكية بين الاردنيين لو استمر.
الوحدة بين الضفة الغربية والاردن، على الرغم من المآخذ الموضوعية على ضم الاردن الضفة الغربية وتشكيل بعد ذلك المملكة الاردنية الهاشمية (رداً على المملكة العربية السعودية) الا أن التفاعل والتعايش بين الطرفين كان ايجابيا بل أكثر من ذلك. فقد تزاوجوا بكثرة وانتشر الفلسطينيون على كل مساحة شرق الاردن، دونما شعور بالغربة. وكانوا مثالا يحتذى للاردنيين على كل صعد العمل، ان كان زراعيا او تجارياً او صناعيا. وقد خلقوا على الصعيد السياسي وعيا سياسيا على صعيد المملكة شكل واقعا سياسيا ناهضا، ان كان على الصعيد المدني او العسكري، ساهم مساهمة فاعلة في منع الاردن من الانضمام لحلف بغداد، وخلق هذا الوعي السياسي حركة وطنية مكونة قياداتها وقواعدها من الفلسطينيين والاردنيين فرضت تغييراً أساسياً في النهج السياسي المشيخي المتبع منذ تأسيس الامارة الى الاعتراف بالاحزاب ومنح الحريات في مجالات واسعة، قادت الى انتخابات ديمقراطية قريبة الى النزاهة، ومن بعد الى حكومة وطنية تستند الى حزب الاكثرية في مجلس النواب، وكان من الطبيعي أن يرتد النظام على هذه التجربة الديمقراطية، لأن هذه التجربة تتعارض مع المهمة الاستراتيجية التي وجد من أجلها الكيان في الأردن. ولهذا حكم الاردن بعد الردة على الديمقراطية حكماً عرفياً لا يحده لا عرف ولا قانون ولا عادة ولا شرف، الأمر الذي قاد الى هزيمة عام 1967 واستيلاء العدو على ما تبقى من فلسطين. لقد لعبت امارة شرق الاردن ومن بعد المملكة الاردنية الهاشمية دورا شديد الالتزام بالسياسة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية، ففيما أرادت السياسة الغربية والصهيونية جعل القضية الفلسطينية بين العرب واليهود: ضم الاردن الضفة الغربية الى الامارة، وبعد هزيمة العرب في عام 1967 أراد الغرب والصهيونية جعل القضية الفلسطينية مسؤولية الفلسطينيين أصحاب الارض حينها فك النظام في الاردن الارتباط بفلسطين ماذا يمكن أن نسمي ذلك؟ إن هذا الفعل لا يرتبط إلا بالالتزام بوعد (بلفور)، ولكنه الفعل الذي يتعداه الى الالتزام باستراتيجية الغرب وأداته الصهيونية وهدفها إضعاف العرب.
والان بعد الذي ذكرت ما هو دور الشعب في الاردن في ضياع فلسطين، فكلا الشعبين العربيين فرض عليهما الامر حينما كانا منفصلين، وكذلك حينما اصبحا موحدين. ومع ذلك لقد أثبتت تجربة الوحدة، رغم ظــــروف قــــيامها والقائمين عليها، أنها أكثر نفعا من الانفصال، فقد حققت وعيا وطنيا أدى الى خــــلق قـــوى وطنية ساهمت في منع الاردن من دخول حلف بغداد وفي مرحلة من نضالها الســــياسي والاجتماعي: ألغت الواقع العرفي وحققت رفع الحذر عن الاحزاب والوصول الى انتخابات كانت الاكثر ديمقراطية في تاريخ الاردن قادت الى تشكيل حكومة وطنية تستند الى الأكثرية في مجلس النواب. صحيح تم الارتداد على كل ذلك، ولكن الارتداد هذا ما كان ليدوم حتى اليوم لولا الارتداد على الوحدة من قبل طرفي المعادلة النظام وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، هذا الارتداد الذي قاد كلا من العرب الفلسطينيين الى (اوسلو) والعرب الاردنيين الى (وادي عربة)، هذا الارتداد الذي قاد الى العداوة ثم الى التجزئة هو الذي اوصلنا الى ما نحن عليه اليوم في الاردن. وكذلك ما نحن عليه في فلسطين.
فدولة الاردن اليوم هي في أضعف واقع سياسي واقتصادي واجتماعي مر عليها منذ تأسيس الامارة، وهي في أزمة ضمن ظروف الاقليم لا يعرف مصيرها الا الله تعالى. أما السلطة الوطنية حصيلة اتفاق (اوسلو)، فيكفيها شرفا نضاليا واعتزازا وطنيا أنها في ظل الاحتلال الذي يهود الارض والمقدسات وهي تستجدي الذين خلقوا سلطة الاحتلال ووضعوا استراتيجيتها: تستجديهم أن يعاونوها في خلق وطن للفلسطينيين المشردين على أرضهم المغتصبة. إن هؤلاء السادة الذين يكونون هذه السلطة لا يستطيعون الفكاك اليوم من واقعهم ولا يمكن أن يأتي من سياساتهم ما هو أفضل. ان تاريخ القضية الفلسطينية يعطينا الاثبات والدليل الذي لا يدحض (منذ دبرها يا مستر ديل بلكي على ايدك بتنحل)، حتى رباعية السيد (بلير): وريث الساسة البريطانيين الذين خلقوا اسرائيل كأحد العوامل الرئيسية التي تحقق لهم السيطرة الدائمة في ذهنهم على مصير العرب.
والآن ما هو الطريق الذي يقودنا ـ نحن العرب الاردنيين والعرب الفلسطينيين (مواطني المملكة الأردنية الهاشمية) ـ الى الصمود في هذه المرحلة الخطرة؟ من البديهيات أن التفرقة اضعفت واقعنا وأن استراتيجية (فرق تسد) التي يمارسها أعداؤنا الخارجيون والداخليون قد اوصلت تردينا الى النخاع، فالصف الفلسطيني في فرقة والصف الاردني الفلسطيني (مواطنو المملكة الأردنية الهاشمية) في فرقة ، فكيف لنا أن نواجه المخاطر، والذين يقودوننا اليها إن كان في الاردن أو في فلسطين؟ إن مقاومة وعد (بلفور) والمشروع الصهيوني كان وجوباً وواقعاً استراتيجياً يجب أن يكون في الأردن، والاستعمار البريطاني الخبير عرف ذلك ولهذا فرض واقعاً سياسياً استراتيجياً في الأردن منعه من فعل ذلك. من هنا علينا اليوم مواجهة حقيقة الواقع الخطر في فلسطين، ليس في فلسطين فقط وإنما أساساً الآن في الأردن لأن الخطر يستهدف الواقعين. فمواجهته في الاردن ليس بوحدة على غرار وحدة عام 1948 ولا بالكونفدرالية، التي يسعى اليها عملاء الغرب والصهيونية في الواقعين (عملاء سلام الاستعمار الغربي والصهيوني)، وإنما بتحقيق المواطنة الحرة في الأردن التي تقود الى وحدة الشعب والنظام تحقق واقعا سياسيا عادلا متكافئا يعطي راحة وأمنا واستقرارا وصفاء ذهن إلى الأكثرية الساحقة من مواطنيه، فلسطينيين وأردنيين، حينها تحقق وحدة الشعب التي ستضع الأردن على قدمين ثابتتين تمنعانه من أن يكون مجالا حيويا للصهيونية ولا عميلاً لأية قوى عالمية حينها يحصل الاردن على ميزتين استراتيجيتين:
1) يصبح الأردن سيد خياراته خارج نفوذ الصهيونية والغرب.
2) يشكل واقع الاردن هذا حائطا يستند اليه الفلسطينيون في فلسطين في نضالهم من أجل حقوقهم المشروعة. من هنا لا يمكن تحقيق ذلك إلا بفعل وقناعة موحدة من مواطني المملكة الأردنية الهاشمية، أردنيين وفلسطينيين. بغير ذلك أيها الفلسطينيون والأردنيون مواطنو الأردن ستذهب ريحكم.

‘ كاتب وسياسي اردني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول والله احبك يا ضافي الجمعاني:

    ان هذا السرد التاريخي لآثار وعد بلفور على الاردن وفلسطين يحتم على شعبي البلدين التلاحم لإبعاد قيادات القطرين عن الاستمرار في التضليل الذي يمارسانه منذ عقود لتمكين عدونا المشترك من فلسطين. فالوطن البديل حكاية نظرية واشاعة متكررة يغذيها اذناب الحكام في البلدين للإيقاع بين الشقيقين وتمكين اسرائيل من البقاء ولن تصبح واقعا حتى لو دعمتها امريكا وبريطانيا.
    أنا مستغرب من عدم وجود تعليقات من قبل بلطجية الأنظمة الإلكترونيين لان اغلب تدخلاتهم تكون في مثل هذه الكتابات الدسمة عن الاردني والفلسطيني.
    شكرًا لك اخ ضافي وسلمت حاميا للشعبين الشقيقين

إشترك في قائمتنا البريدية