الاغتيال السياسي هو عملية للتخلص من شخص أو عدة أشخاص يهدد أو يهددون صاحب السلطة في منصبه، أو بعض المتطرفين الذي لا تروقهم سياسة رئيس أو دولة ما لأسباب سياسية، أو وطنية تحررية. أو قوى استعمارية تقوم باغتيال زعماء سياسيين وطنيين.
عهد بوتين
والاغتيال السياسي في الواقع ليس وقفا على الأنظمة العربية بالطبع. فالولايات المتحدة شهدت تصفية رئيسين (أبراهام لينكولن 1805 من قبل متطرف ضد تحرير السود. وجون كنيدي 1963 لأسباب مجهولة لحد الآن) وكذلك في روسيا، حدث ولا حرج منذ أن اغتيل ليف برونشتاين (ليون تروتسكي في العام 1940) في العهد السوفييتي من قبل جوزيف ستالين، إلى مجموعة الاغتيالات في عهد بوتين (ألكسندر ليتفيننكو 2006 مثلا والصحافية آنا بوليتكوتسكايا وسواهما والقائمة طويلة بالسم المحبب للمخابرات الروسية وآخر الضحايا الذي نجا من الاغتيال أليكسي نافالني حاليا).
وفي فرنسا تم اغتيال رئيسين (فرانسوا كارنو 1894 من قبل أحد الإيطاليين، وبول دومير 1931 من قبل أحد الروس).
وفي إيطاليا (ألدو مور اغتيل من قبل مجموعة الالوية الحمراء اليسارية 1978). وحتى في السويد عندما اغتيل (رئيس الوزراء اولف بالم في العام 1986) لا شك أن الاغتيال الأشهر في أوروبا هو اغتيال الأرشيدوق فرانز فيرديناند وريث العرش النمساوي في العام 1914 من قبل متطرفين بوسنيين والذي أشعل الحرب العالمية الأولى التي انتهت بسقوط السلطنة العثمانيةـ والامبراطورية النمساوية المجرية.
والاغتيالات كثيرة في أمريكا الجنوبية الأشهر اغتيال أرنستوتشي غيفارا في العام 1967 من قبل الجيش الأمريكي.
أما في شرق آسيا فحدث ولا حرج فقد تم اغتيال (المهاتما غاندي من قبل متطرف من الهندوس في 1948). واغتيال (أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند من قبل احد حراسها السيخ في العام 1984 ثم ابنها راجيف غاندي من قبل أحد نمور التاميل في العام 1991) وفي الباكستان اغتيال (رئيسة الوزراء بي نظير بوتو في العام 2007) والقائمة طويلة، ولا يسعـنا هنا سوى ذكر الأشهر منها. وعمليات الاغتيال السـياسي لا تنـجح في كل مـرة، وإذا نجحـت ربما تكون وبـالا على من قـام بها، وتكون لهـا انعكاسـات كبيـرة جـدا ليسـت بالضـرورة في صـالح من دبـرها.
وإذا ما عدنا إلى العالم العربي نجد أن اغتيال الصحافي والكاتب جمال خاشقجي من قبل فريق سعودي في القنصلية السعودية في إسطنبول وضع السعودية بأكملها تحت منظار العالم أجمع المستنكر لهذه الجريمة البشعة، ومهما كان الموقف من المملكة فإن عملية الاغتيال لن تنتهي فصولا فهي ربما ستكون الأكثر تداولا في وسائل الإعلام العالمية وحتى المحافل الدولية. ولكن عملية الاغتيال هذه لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة عند العرب، فالعرب شهدوا أولى الاغتيالات السياسية في أوائل الدولة الإسلامية باغتيال ثلاثة من الخلفاء الراشدين (عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب) ثم عملية اغتيال الخليفة الخامس (عمر بن عبد العزيز) مسموما من قبل أولاد عمه كونه كان يهددهم في مصالحهم. وأشهر وأكبر عملية اغتيال قام بها العباسيون عندما اغتال أبو العباس السفاح معظم الأمراء الامويين بعد أن أعطاهم الأمان ودعاهم إلى مأدبة عشاء كان قد حضر لعملية اعدامهم جميعا ماعدا صقر قريش بعد الرحمن الداخل الذي نجا بأعجوبة وهرب إلى الأندلس.
واشتهرت فرقة الحشاشين في العهد الفاطمي بالاغتيالات السياسية وكادت أن تنجح في اغتيال صلاح الدين الأيوبي. وفي العهد العثماني فإنه كان عهدا زاهرا بالاغتيالات بين السلاطين وأولادهم وأبناء أعمامهم، ومع بداية الدولة الحديثة لم تكن الآستانة تتوانى عن اغتيال معارضيها العرب كما حصل عندما اغتالت العالم السوري الفذ عبد الرحمن الكواكبي بالسم في مصر. وكذلك شهدت مصر اغتيال الجنرال الفرنسي كليبر إبان الحملة الفرنسية على مصر من قبل السوري سليمان الحلبي في العام 1801.
ما بعد الاستعمار
وإذا ما تطرقنا للأنظمة العربية (ما بعد الاستعمار) نجد أن معظم حكام هذه الأنظمة اعتمدت على الاغتيال السياسي للتخلص من معارضيها، ومهددي حكامها.
ونذكر على سبيل المثال لا الحصر أشهر الاغتيالات التي كانت لها انعكاسات كبيرة، وضجة إعلامية. فاغتيال المهدي بن بركة في المغرب في فرنسا في العام 1965 في عهد الملك الحسن الثاني كان له صدى واسع في الداخل والخارج، ومازالت هذه العملية ماثلة إلى الأذهان في كل مرة يتم الكشف عن جانب من جوانب اسرارها.
وفي الجزائر مع اغتيال الرئيس محمد بوضياف في العام 1992 دخلت الجزائر في حقبة حكم الدولة العميقة (حكم الجنرالات بغطاء مدني). وفي تونس فإن عملية اغتيال فرحات حشاد من قبل السلطات الفرنسية في العام 1951 كانت لها انعكاسات كبيرة على وجود الاستعمار الفرنسي في البلاد، وجعل من الاتحاد التونسي للشغل مكانة كبيرة سياسية الذي يعتبر اليوم بيضة القبان في السياسة التونسية، كما أن اغتيال صالح بن يوسف في العام 1961 المعارض لحكم الحبيب بورقيبة كان له انعكاسات كبيرة وقسم الشعب التونسي بين بورقيبيين ويوسفيين. وجاء عملية الاغتيال الأخيرة للسياسي شكري بلعيد، ومحمد البراهمي (2013) لتزيد من الطين بلة في المشهد السياسي التونسي بعد الثورة، وقد دان الشعب التونسي بقوة هاتين العمليتين ومازالتا تثيران الكثير من التساؤلات عن مدبري عملية الاغتيال.
في ليبيا تم اختفاء وزير الخارجية السابق والمعارض لحكم معمر القذافي منصور الكيخيا في مصر في العام 1993 ثم اختفاء الزعيم الروحي لشيعة لبنان موسى الصدر في ظروف غامضة بعد زيارة لليبيا. وبالطبع الاغتيالات السياسية الجماعية التي وقعت في سجن بوسليم في العام 1996. كما التي حصلت في سجن تدمر في سوريا في العام 1980 وسجن بوغريب في العراق. في مصر فإن الاغتيال السياسي الأبرز هو اغتيال الرئيس أنور السادات في العام 1982 من قبل الإخوان المسلمين عقابا له على توقيع اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل، والذي أدخل مصر في الحقبة المباركية التي انتهت بالثورة المصرية في العام 2011.
في السودان مازال مقتل العقيد جون غارنغ رئيس المعارضة الجنوبية في حادث طائرة هيلوكبتر تثير الكثير من الشكوك حول عملية اغتيال مدبرة من قبل جهات مجهولة. وفي اليمن رغم كثرة الاغتيالات تبقى عملية اغتيال الرؤساء الثلاثة (إبراهيم الحمدي، وأحمد الغشمي 1977) والرئيس (علي عبد الله صالح من قبل الحوثيين) العمليات الأبرز والتي كان لها تأثيرات كبيرة وانعكاسات على المشهد السياسي اليمني ومستقبلة بعد الثورة والحرب الأهلية. دول المنطقة العربية في الشرق الأوسط وخاصة سوريا تعتبر من أكثر الدول اعتمادا على الاغتيال السياسي، فسوريا شهدت اغتيالات كثيرة أهمها اغتيال الرئيس أديب الشيشكلي من قبل أحد السوريين الدروز انتقاما للهجوم الذي شنه الشيشكلي على جبل الدروز. ثم تتالت الاغتيالات بشكل كبير تم تمويهها بعمليات انتحار (بأربع رصاصات في الظهر) لكن عمليات الاغتيال التي تمت في عهد الأسد الأب كان أشهرها اغتيال اللواء محمد عمران شريك الأسد في الانقلاب ورفيق دربه في العام 1972 في لبنان، ثم اغتيال صلاح الدين البيطار (رئيس وزراء سابق واحد مؤسسي البعث) في باريس في العام 1980. ومع دخول الجيش السوري إلى لبنان تم اغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، ومع خروجه باغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وما بين هذا وذاك تمت عمليات اغتيال كثيرة أشهرها اغتيال الرئيسين بشير الجميل ورينه معوض، ورئيس الوزراء رشـيد كرامي.
وفي عهد الأبن بشار لا يمكن حصر عدد الاغتيالات وخاصة بعد الثورة. أما الاغتيالات في الساحة الفلسطينية فلا تعد ولا تحصى أيضا أكان من قبل إسرائيل أو من قبل الفلسطينيين أنفسهم أو من قبل هذا النظام العربي أو ذاك. وهذه لوحدها تحتاج لمقال موسع…
كاتب سوري