مجرما حرب عريقان في الإجرام بنيامين نتنياهو، وبشار الأسد. الأول يحكم دولة الاحتلال منذ العام 1996 تخللها بعض الفترات المتقطعة حكمت فيها المعارضة، ولكن وبشكل فعلي فإنه حكم دولة الاحتلال حوالي 18 سنة وهي الفترة الأطول لرئيس وزراء. (وكان قد ترأس حزب الليكود، أقصى اليمين)، كان هدفه الأول منذ توليه الحكم القضاء على القضية الفلسطينية برمتها، واحتلال الضفة الغربية، وغزة، وبث الفرقة بين مختلف الفصائل الفلسطينية، ولاسيما بين فتح وحماس، وتحقيق المخطط الصهيوني بدولة إسرائيل ما بعد الفرات والنيل. خلال فترة حكمه قام بالعدوان على قطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل منها في العام 2005 وسيطرة حركة المقاومة الإسلامية حماس على قطاع غزة في العام 2007 (بعد انتخابات ديمقراطية) باعتبارها كيانا معاديا، فقامت دولة الاحتلال بعملية «الرصاص المصبوب» في العام 2008 وفرضت على قطاع غزة حصارا شاملا، وكان الهدف من العملية القضاء على حماس، واستعادة الجندي الأسير جلعاد شاليط، العملية استمرت 23 يوما استخدمت فيها أسلحة محرمة دولية (تم اطلاق 1000 طن من المتفجرات)، وأسفرت عن مقتل 1430 شخصا منهم 400 طفل، و 5400 جريح، وتدمير آلاف المنازل. في العام 2012 قامت بعدوان آخر تحت مسمى «عمود السحاب» لتدمير مواقع صواريخ حماس، وقتل فيها 180 شخصا، و1300 مصاب، وفي العام 2014 أطلقت عملية «الجرف الصامد» التي استمرت حوالي شهرين وقامت خلالها بـ 60 ألف غارة أدت إلى مقتل 2322 شخصا، واصابة 11 ألف آخرين، في العام 2021 قامت بعملية «حارس الأسوار» ثم في العام 2022 بعملية «الفجر الصادق» اللتين أديتا إلى مقتل وإصابة المئات. واختتمت هذه العمليات بغزو غزة وممارسة أكبر جريمة في تاريخ جرائمها بحق الشعب الفلسطيني التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 150 ألف شخص بين قتيل وجريح، كما أمر نتنياهو باغتيال العشرات من قادة المقاومة بجميع أطيافها. ومن حركة حماس بدءا من الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة إلى رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية. هذه القائمة الطويلة من الإجرام أدينت دوليا، وقانونيا في المحاكم الدولية، أما في الضفة الغربية فكانت سياسة قضم الأراضي عبر بناء المستوطنات، وسور الفصل العنصري، مستمرة دون هوادة مع هدم بيوت الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم، وقتل واعتقال الآلاف من أبنائها.
بشار الأسد: تم توريث بشار الأسد حكم سوريا بعد وفاة أبيه في العام 2000 بعد ثلاثين عاما من الاستبداد والمجازر بحق الشعب السوري، (أكثر من عشرين مجزرة أهمها مجزرة سجن تدمر، راح ضحيتها أكثر من ألف سجين قتلوا في مهاجعهم، ومجزرة حماة التي قام بها عم بشار قائد سرايا الدفاع رفعت الأسد وراح ضحيتها أكثر من 40 ألف قتيل)، لم يحدث أي تغيير في سلوكية النظام القمعي مع الوريث بشار، خاصة وأن الأجهزة الأمنية استمرت في اعتقال الآلاف وامتلأت السجون بالمساجين السياسيين، والاختفاء القسري لعدد كبير من المعتقلين. مع انطلاقة الثورة السورية في العام 2011 ظهرت طبيعة النظام الإجرامية بكل جوانبها خاصة بعد أن أوشك النظام على وشك السقوط، فلم يكن منه إلا أن تمادى في عمليات الإجرام وتخطى كل الحدود الحمر في بعمليات القتل والمجازر باستخدام كل الأسلحة المتاحة بما فيها الأسلحة الكيماوية، وجلب مجموعة كبيرة من الميليشيات الطائفية الأجنبية لارتكاب أبشع المجازر بحق الشعب السوري، ودفع الملايين منهم للجوء في دول الجوار، ودول أوروبية. فكانت الحصيلة أكثر من مليون قتيل ومصاب، وأكثر من 12 مليون لاجئ ونازح يعيشون في أصعب الظروف ويتعرضون لشتى أصناف المضايقات العنصرية، والعنف، والقتل وتخريب الممتلكات. وقد تم توثيق كل جرائم الأسد من قبل منظمات دولية كما تم الحكم عليه وعلى كبار مسؤوليه بجرائم حرب وضد الإنسانية من محاكم دولية وأوربية.
كان هدف بنيامين نتنياهو الأول منذ توليه الحكم القضاء على القضية الفلسطينية برمتها، واحتلال الضفة الغربية، وغزة، وبث الفرقة بين مختلف الفصائل الفلسطينية
انقلبت المفاهيم والنظرة لدولة الاحتلال كدولة مغتصبة للأرض الفلسطينية بعد لاءات الخرطوم الشهيرة (لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف)، إذ تم بعدها القبول بقراري الأمم المتحدة رقم 242، و 338 اللذين يتضمنان ضمنيا القبول بوجود إسرائيل، منذ تلك اللحظة تبدلت الاستراتيجيات العربية، من استراتيجية موحدة في وجه العدوان، إلى البحث عن علاقات بينية مع دولة الاحتلال والرضوخ لشروطها: (الاعتراف بها عبر التفاوض، والوصول إلى الصلح)، وكانت اتفاقية كامب ديفيد فاتحة التطبيع بين مصر وإسرائيل، تبعها الأردن، ثم موريتانيا (قبل أن تتراجع عنها). ثم جاء «طوفان اتفاقيات إبراهيم» (قامت كل من الإمارات، البحرين، والسودان، والمغرب بالاعتراف بإسرائيل، والسعودية بالانتظار). جاءت عملية طوفان الأقصى لتظهر أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية الأنظمة العربية (المطبع منها، وغير المطبع، إذا ما استثنينا بعض الميليشيات العاملة تحت مظلة بعض الأنظمة العربية)، فبعد المجازر المروعة في الضفة وغزة وتدمير الأبنية والمنشآت، ومقتل عشرات الآلاف والمصابين، واغتيال قادة سياسيين وعلى رأسهم إسماعيل هنية لم تتخذ الجامعة العربية أي موقف حازم يوقف المجزرة الفلسطينية، ولو حتى بسحب سفير من دولة الاحتلال، بل ولم نسمع إدانة، ولم نر مظاهرات شعبية (إلا فيما ندر من بعض الشعوب العربية الرافضة للتطبيع وجرائم الحرب)، وهذا الصمت المريب كان موضع استهجان في الداخل والخارج، خاصة من شعوب دول أجنبية استنكرت الهجمة البربرية على الفلسطينيين وعبرت عنها بمظاهرات حاشدة رغم وقوف بعض حكامها إلى جانب إسرائيل. بل أن دولا مطبعة كان دعمها لدولة الاحتلال يفوق ما قدمته لمنكوبي غزة الذي اشتد عليها طوق الحصار بعد إغلاق المعابر، وتفاقمت المجاعة، حتى أن الغزاويين يناشدون اليوم على مواقع التواصل العالم الأجنبي باللغة الإنكليزية لمساعدتهم بعد نفضوا أيديهم من إخوانهم العرب الذين تخلوا عنهم.
منذ زمن بعيد وشعوب العالم «الثالث» تشك بالمعايير والشعارات الغربية، وبأخلاقيات الديمقراطيات الليبرالية فيما يخص حقوق الشعوب بتقرير مصيرها، وحريتها، وسيادتها، لكن حرب غزة قلبت الموازين والمفاهيم وأصبحت ادعاءات الغرب بالدفاع عن حقوق الانسان، والحريات، واحترام سيادة الدول أضحوكة يهزأ منها الجميع خاصة بعد تكريم مجرم الحرب العريق بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأمريكي، وتزويده بالأسلحة والذخائر المدمرة من واشنطن، وعدة عواصم غربية لتسقطها على رؤوس أطفال غزة، تحت ذريعة «دفاع إسرائيل عن نفسها» حتى ولو أن هذا الدفاع كان لقتل أكبر عدد من أطفال ونساء فلسطين، وإطلاق يد المستوطنين بقتل الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم ومساكنهم، وأن شرطة إسرائيل تقوم بتعذيب المعتقلين الفلسطينيين والتنكيل بهم، وحتى الاعتداء الجنسي عليهم والاغتصاب الجماعي لأحدهم في منشأة الاعتقال الظلامية «سديه تيمان». (حتى وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير اعتبر المغتصبين أبطالا، هذه هي معايير هذه هي أخلاقيات دولة الاحتلال)، و(هذه هي معايير الغرب وسلوكياته عندما يتعلق الأمر بإسرائيل). وهنا وحسب هذه المعايير يصبح القتل، والتنكيل، والاعتداء الجنسي حقا، وتهديد المحاكم الدولية التي أصدرت أحكامها ضد جرائم دولة الاحتلال باطلة بل وتتهم مع كل من يتخذ موقفا ضد إسرائيل بأنهم «ضد السامية».
بعد ارتكاب الأسد كل جرائمه بحق الشعب السوري اتفقت معظم الدول العربية بقرار من الجامعة العربية بتعليق عضوية النظام السوري، بل أن بعض الأنظمة قامت بدعم المعارضة السورية المسلحة، والسياسية (دعم المجلس الوطني، ثم الائتلاف الوطني) وقطعت العلاقات الدبلوماسية معه، وسحبت سفراءها من دمشق. لكن هذه المواقف تبدلت مع انطلاقة الثورات المضادة التي واجهت ثورات مصر وليبيا والسودان واليمن وسوريا. فكان مطلوبا عودة التطبيع مع النظام، وعودة عضويته في الجامعة العربية، واستقباله في مؤتمرات القمة، وكأن شيئا لم يكن، فدماء الضحايا، وتدمير سوريا، وتحويلها إلى مصنع مخدرات، والإبقاء على عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون الأسدية الرهيبة هي مسألة فيها نظر، وجرائم الحرب، وضد الإنسانية التي أكدتها المحاكم الدولية سقطت بالتقادم، وأمام المصالح.
بعد العرب بدأت معزوفة التطبيع مع نظام الأسد تسمع في أكثر من دولة أوروبية رغم العقوبات التي فرضت عليه من قبل واشنطن حسب «قانون قيصر» إذ قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، إن روما قررت تعيين سفير لها في دمشق، وسبق ذلك دعوة في بيان لوزراء خارجية ثماني دول أوربية يدعو إلى إعادة النظر في علاقاتها مع نظام دمشق ( إيطاليا والنمسا وكرواتيا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا)، واقترحت تعيين مبعوث أوروبي خاص إلى سوريا يقوم بمهمة التواصل تمهيدا للتخلي لإعادة اللاجئين تمهيدا للتراجع عن استراتيجيتها المتخذة في العام 2017 المتمثلة بلاءات أوروبا الثلاث (لا تطبيع، لا لرفع العقوبات، لا لإعادة الإعمار ما لم يتم تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 2254) لعودة اللاجئين السوريين، رغم تأكيد منظمات حقوقية ومبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، على أن سوريا «ليست آمنة لسكان البلاد ولا حتى للاجئين العائدين»، وإزاء هذا التحول ووجه من قبل الإدارة الأمريكية بالصمت، وهذا يفهم منه عدم اعتراضها على إعادة تعويم مجرم حرب آخر.
كاتب سوري