نلاحظ قبل أشهر من الآن؛ أن هناك سعيا حثيثا لتبريد الأجواء بين الدول الفاعلة في المشهد السياسي، أو مشهد الصراع السياسي والعسكري، في المنطقة العربية وجوارها.
في سوريا ولبنان واليمن وليبيا و(العراق) وتونس والسودان؛ هذه الدول جميعها تعاني من اضطراب وفوضى، ولم يتم حتى اللحظة، حسم هذا الاضطراب وهذه الفوضى؛ كل ما هو جار ويجري، ما هو إلا لتبريد الاوضاع في هذه الدول، وليس وضع حلول ناجعة ومستدامة لها.
لنأخذ سوريا، ولبنان، واليمن والعراق؛ للوجود الإيراني الفعال في المشهد السياسي والعسكري فيها، دور مفصلي في صياغة الحلول مستقبلا، وفي الوقت الحاضر ايضا. هذا من جانب أما من الجانب الثاني؛ هذا الوجود الإيراني، لم تتضح صورته بعد، أي لم يستقر، ويأخذ طابع الثبات في موازنة هذا الوجود، مع تواجد، أو وجود الآخرين؛ في موازنة مستقرة، تتلاقى فيها مصالح الأطراف، في هذه الدول، بل لم تزل الأوضاع في الدول سابقة الإشارة لها، ولم يزل التواجد الأجنبي فيها، سواء كان الإيراني أو غيره، خاضعا للموازنة القلقة، وللمتغيرات التي ربما سوف يأتي بها المستقبل، سواء بالترضيات والمساومات والمقايضات، أو بأي شكل آخر، بين القوى العظمى الثلاث، والأصح لجهة التحديد الحصري، روسيا وأمريكا حاليا، وإلى الأمد المنظور، وقوى الإقليم الكبرى، أو أن الشعوب بقواها الحرة والحية، تثور على هؤلاء، وعلى تواجدهم غير المشروع، وتجبرهم على الخروج هروبا.
في سوريا؛ تلعب كل من تركيا وإيران وروسيا وأمريكا؛ أدوارا متعددة فيها، كل طرف يريد أن يجد له موطئ قدم مستقبلي في سوريا، مع بقاء نظام بشار الأسد على كرسي الحكم في بلد تحول إلى أنقاض، وشعب توزع بين تيه المنافي وتيه الداخل.
لجنة كتابة الدستور معطلة، والقرار الأممي 2254معلق العمل فيه، في الوقت الحاضر. في الفترة الأخيرة جرت عدة محاولات لمد الجسور مع النظام السوري، كانت الإمارات اللاعب المحوري فيها. كما أن أمريكا لم تتشدد في تطبيق قانون قيصر، أي تركت هامشا من المرونة في الالتفاف عليه، إضافة إلى أن هناك لقاءات على مستوى الأمن والمخابرات بين النظام والبعض من دول الخليج العربي، ودول عربية أخرى، ودول في الجوار العربي. إن هناك ما هو غاطس، وراء هذه التحركات، بمعنى آخر؛ وراء الأكمة ما وراءها. عليه أطرح السؤالين التاليين: هل هناك ترتيب ما، لعلاقة النظام السوري مع الكيان الإسرائيلي؟ وما مصير الثوابت الوطنية والقومية التي رفعها النظام خلال عدة عقود، إن جرى وضع الحلول، أو ترتيبات ما لهذه العلاقة؛ بضغط روسي عبر المقايضة مع الأمريكي؟ أترك الإجابة للزمن والمستقبل.
مع هذا أقول؛ إن هناك في هذه الخانة ما يجري وراء الأبواب المغلقة، أقطاب تحركاتها، روسيا، أمريكا، النظام، الإمارات، وتركيا، وإيران، لكن الأخيرة تنتظر النتائج؛ لتلعب لعبتها على المخارج.
في خضم هذا المشهد؛ هناك محاولات لتهدئة الأوضاع، عن طريق مد جسور التراضي، ونسيان الخلافات، بين دول الخليج العربي وبقية دول المنطقة العربية، وبين الدول الإقليمية الفاعلة في الخليج العربي والمنطقة العربية
تحاول تركيا تصفير مشاكلها مع الدول العربية المحورية، السعودية ومصر والإمارات، السؤال هنا؛ هل يدخل في السعي لبناء، أو إعادة الوئام لعلاقتها مع الدول سابقة الإشارة لها؛ علاقتها، أو إعادة علاقتها مع النظام السوري. من الجانب الثاني وهو الأهم؛ ما علاقة روسيا وأمريكا، على الرغم من صراعهما الذي احتدم مؤخرا؛ بهذه المساعي الحثيثة في ترميم صدوع علاقات دول المنطقة العربية مع بعضها البعض، وعلاقتها مع الجوار العربي. من أكثر العلاقات التباسا، وغموضا؛ هي العلاقات بين الحليفين الروسي والسوري( النظام السوري) وهي من حيث الواقع الفعلي على الأرض، ومقدمات هذا الواقع ونتائجه؛ لا هي علاقة تحالف بين شريكين متكافئين، ولو في الحدود الدنيا لتقارب قدرات الحليفين؛ ولا هي علاقة شراكة استراتيجية، تفرضها حاجة الشريكين في الدفاع والحسم في المواجهة لعدو مشترك؛ لأن قدرة سوريا، قدرة صفرية بالمقارنة مع القدرة الروسية؛ عليه فهي علاقة خارج هاتين العلاقتين؟ مما يكسر الإرادة السياسية للنظام السوري في ترتيب علاقته مع المحيط العربي، عربيا كان أو لا عربيا؛ بحكم الواقع واشتراطات هذا الواقع، لاختلال الموازين العسكرية والاقتصادية والسياسية في أسس العلاقة بين الدولتين. روسيا لها علاقة قوية جدا مع الكيان الإسرائيلي، وهي أي روسيا تحرص أشد الحرص على المحافظة على هذه العلاقة، بل تعمل بجهد على تطويرها على مختلف الصعد. كما أنها تسمح بطريقة او بأخرى (لإسرائيل) التحرك بحرية في ضرب أهداف تنتخبها في الداخل السوري، وأحيانا على مقربة من قواعدها في سوريا، والأمر والأدهى تمنع القوات السورية من تشغيل منصات الدفاع الجوي الفاعلة، اس 300، والتي إن تم تشغيلها؛ تمنع أو تحد من حركة الطائرات الإسرائيلية. روسيا تدفع بعض الأنظمة العربية لإعادة العلاقة مع النظام السوري، بالقفز على متطلبات التغيير المنشود، أو المأمول الذي يطالب به الشعب السوري (دستور جديد، مرحلة انتقالية، انتخابات) بضوء أخضر أمريكي، أو بمباركة أمريكية. مما يجعلنا كمراقبين نضع ألف علامة استفهام على هذه التحركات كما غيرها من تحركات رأب الصدوع العربية وفي الجوار العربي. وفي اليمن لم يزل القتال مستمرا، من دون أن يلوح في الأفق المنظور حل له. الحوار السعودي الإيراني، بواسطة عراقية (أعتقد أن وراء تحريك هذه الواسطة، إرادة امريكية.. وله علاقة بالصفقة النووية، والتي من المؤمل، أو الأصح لجهة اليقين والدقة، المؤكد؛ إعادة العمل بها في الأسابيع المقبلة) يقع في خانة الحرب في اليمن.
ربما يأتي هذا الحوار بنتائج من قبيل إعادة العلاقة الدبلوماسية كما كانت عليها العلاقة بينهما قبل عام 2016 وليس أكثر، فيما يخص إيجاد طريق لتمتين العلاقة بينهما، بمعنى أن هذا الطريق وإن تم فتحه؛ فإن الخصمين الإقليميين، لن يدخلاها. إن لكلا منهما أهداف أيديولوجية، من الصعوبة، إن لم أقل من المستحيل التخلي عنها، لأنها جزء من بنية النظام الإيديولوجية، وهنا أقصد حصريا، إيران. إنما من الممكن أن يصار إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في اليمن، واللجوء إلى الحوار من أجل التوصل إلى حلول تنهي أو تحد من حمام الدم في اليمن والجوع والفقر والمرض، لكن من غير الممكن على ضوء قوى الصراع الفاعلة في حرب اليمن، وأهدافها وغاياتها، وارتباطاتها الإقليمية والدولية؛ التوصل إلى حل جدي وواقعي يعيد اليمن إلى ما كان عليه حاله، قبل الحرب.
في تونس والسودان انقلاب على الديمقراطية، أمام صمت أمريكا وغيرها، إلا بعض التصريحات الخجولة التي يراد منها؛ أن تكون بمثابة ذر الرماد في العيون، حتى لا ترى المدفون من الأهداف. وفي هذا الإطار، ما تكليف موفد أممي للعمل على جمع الفرقاء السودانيين على طاولة حوار واحدة؛ تفضي إلى انتاج الحلول للوضع المعقد في السودان؛ لا دعم وتمتين وتقوية موقف قادة الجيش الذين انقلبوا على الوثيقة الدستورية، واضفاء الشرعية على انقلابهم. أعتقد أن الأوضاع سوف تأخذ في التأزم على ضوء مقترحات الموفد الأممي، وربما تقود إلى الصراع بين مكونات الشعب السوداني ذي التنوع العرقي. في خضم هذا المشهد؛ هناك محاولات لتهدئة الأوضاع، عن طريق مد جسور التراضي، ونسيان الخلافات، بين دول الخليج العربي وبقية دول المنطقة العربية، وبين الدول الإقليمية الفاعلة في الخليج العربي والمنطقة العربية، أو التي لها تأثير فعال فيها، تركيا وإيران.
كاتب عراقي