لو رحل مبارك سيأتي شخص جديد ومعه رجال جدد، وسيسخرون نفوذهم للإثراء، ولذلك من الأفضل أن يبقى مبارك ورجاله لأنهم شبعوا، هذه الكلمات سمعتها أكثر من مرة بصورة مباشرة، ومن أشخاص مختلفين في نهاية التسعينيات وبداية الألفية، ففي ذلك الوقت بدأ الحديث عن انتخابات بين أكثر من منافس جرت في 2005 ضمن الهندسة التي تبقي حسني مبارك رئيساً لفترة رئاسية أخرى.
الرجال الجدد القادمون بشهواتهم للسلطة والنفوذ، والمال بوصفه محصلة نهائية للتحكم في الدولة ومصالحها، لم يتأخروا كثيراً، ومع جمال مبارك حدثت حالة من التزاحم بين المتخمين، والجائعين لجنة السلطة ونعيمها، وبعد ثورة تونس، كانت الأجواء مهيأة في مصر من أجل التخلص من النظام القائم، وشاعت عبارة «تونس هي الإجابة».
ثورات تونس ومصر لم تكن تحركها الأحزاب، وتولدت القيادات الميدانية التنظيمية في الشارع واختفت استغلت السلطة والدولة العميقة سذاجتها لتزيحها بعيداً بعد فترة وجيزة
في تونس نفسها كان الرئيس زين العابدين بن علي يبدو مسترخياً ليترك حصة كبيرة من النفوذ لزوجته وأسرتها، التي بدأت تزاحم من غير خبرة وبعدم تقدير لفكرة الدولة وتقاليدها، كما حدث مع جمال مبارك، وكانت النتيجة الانفجار الذي حدث بعد حادثة انتحار الشاب محمد البوعزيزي حرقاً. التأزم المعيشي كان أحد أسباب الثورة في البلدين، توجد أسباب أخرى مثل الغضب من القمع الممنهج، واستساغة الاستباحة الروتينية للإنسان، لكن ما حدث بعد ذلك أتى بكثير من الجائعين، وكأن الدرس العراقي لم يكن ليستوعب بصورة جيدة، فالعراق الذي يتمتع خلافاً لمصر وتونس بثروة نفطية كبيرة وموارد مائية وطبيعية، وجد نفسه في الفراغ الكامل ليحدث تهافت على السلطة ارتدى جميع الأقنعة الطائفية والعشائرية والجهوية، والعراق يتوزع اليوم بين أثرياء أنتجتهم اللعبة السياسية وتقلباتها، وفقراء يعيشون ظروفاً غير لائقة على أي حال. الأزمة الاقتصادية التونسية تجلت في فشل الدولة في توفير الأساسيات الضرورية مثل، بعض البنود التموينية الأساسية، وكانت رؤية التونسيين يتنازعون ويتصارعون على أكياس السكر بعد فترة من تغيبه في السوق تدفع لاستقصاء الأسباب التي تكمن وراء الفشل الذريع لأحد أسباب الثورة. ثورات تونس ومصر لم تكن تحركها الأحزاب، وتولدت القيادات الميدانية التنظيمية في الشارع، واختفت بعد انقضاء الاحتشاد الثوري، أو استغلت السلطة والدولة العميقة سذاجتها لتزيحها بعيداً بعد فترة وجيزة، وكانت الحركات الإسلامية تقف لتنتظر مجريات الأمور، فتأخرت في النزول مع الجماهير الغاضبة، ووجدت نفسها أمام فرصة تاريخية من أجل القبض على السلطة، في درس بقيت تتورط فيه المرة بعد الأخرى، ومنذ وقعت حركة حماس في الورطة نفسها سنة 2006 في غزة.
وأمام دولة وصمت الصفوف الأولى والثانية من قياداتها الإدارية بالخيانة، وأخرجت من المشهد، وفشل البديل الثوري والحزبي من تقديم نفسه والإمساك بزمام البلد وإدارتها، كان الصف الثالث يتأهب ويعرف المفاتيح اللازمة من أجل التسيير، إلا أنه كان خلافاً للصفوف التي تقدمته، جائعاً وينتظر مكافأته بكثير من النهم، وكان المبرر جاهزاً، ظروف مضطربة ورغبة في تهدئة الأمور وتحقيق مطالب الثورة ستتطلب تضحيات مؤقتة دائماً، وجميع ما كان مؤقتاً في المنطقة العربية، مثل قوانين الطوارئ، يصبح مع الوقت أبدياً ويتحول إلى نمط لا يمكن التخلص منه، وحلاً جاهزاً في كل وقت. الصف الثالث الذي انحصرت ثقافته الإدارية في (طلباتك أوامر) أو (حاضر سيدي) وجد نفسه أيضاً يحتاج إلى شرعية تقاسمه الصعود وتزاحمه، وبدأت لعبة شد الحبل بين الطرفين، والحبل هو الدولة والنظام والمؤسسات بشكل عام، وبقي الزخم التمثيلي المطلوب للمواطنين والناس غائباً لأسباب ذاتية، ومغيباً من قبل الرجال الجدد. الأمثولة التي يمكنها اختصار المشهد وتوصيفه تتعلق بفكرة استقدام شاحنة حديثة لنقل ركام الدولة من مكان إلى آخر من أجل البناء، وببساطة لا يوجد من يمكنه سياقة الشاحنة، وكان الأولى، أن تحضر عربات تجرها الخيول أو شيء يمكن للناس أن يستخدموه، وليس الأمر يحتاج إلى فطنة إلى النسخة من الديمقراطية التي استقدمت تمثل الشاحنة الحديثة. الشعوب العربية، خلافاً لما يعتقد بشكل واسع، غير دموية أو عدوانية، ولذلك فشلت فكرة الشرعية الثورية، وينضاف إلى ذلك، أنها شعوب عاشت طويلاً أقرب إلى حالة الرعايا من المواطنين، وبقيت تجهل كثيراً عن ظروف الدولة وطريقة إدارتها، ولا تعرف لماذا يأتي فلان ولماذا يرحل، وهذه الظروف لا يمكن أن تنتج رأياً عاماً مؤثراً، والرأي الوحيد هو الذي تصنعه وسائل الإعلام التي عاشت أيضاَ مطيةً للتوجهات السياسية فتحولت إلى فاعل وطرف في المنافسة، ولم تكن يوماً صوتاً للناس.
بقية ما يحدث على الساحة الاقتصادية هو تفاصيل ونتائج، فالأسباب تشكلت في تفكيك نظام قائم، والفشل في بناء آخر جديد، لأن حالة التزاحم والتنافس بين الرجال الجدد، الذي أوهموا الناس بأنهم يديرون خراباً موروثاً، وكانوا يتطلعون
إلى إعادة صياغة الاقتصاد بما يخدمهم، فهو يتحرك وفقاً لأولويات غير توافقية فرضت بوصفها ضرورة لا يمكن تأجيلها ولا المناقشة في تكلفتها. المؤسف في الحالة التونسية يتمثل في أن الدولة والمجتمع في تونس على مستوى الوعي والعمق المديني يفترض أنه من الأكثر منعة في المنطقة العربية، فلا طوائف ولا انزياحات عشائرية مع مستوى تعليم متقدم نسبياً، وهو ما يجعل التشكك في أن تونس تمثل الإجابة قائماً ومشروعاً. تخيرت تونس أن تأتي برجل غير محمل بالماضي، يمكنه أن ينكب بهدوء على تفكيك الورطة أو تجاوزها، لكنه رجل أتى من خارج التاريخ والجغرافيا مع حساسية معدومة، أو حساسية تعمل في المجال الخاطئ، فالرئيس قيس سعيد لاحظ أن القصر الرئاسي تعوزه اللحوم الحمراء ليطرح عطاءً للتزويد بمئات آلاف الدولارات بينما الدولة غارقة في أزمة لتوفير المواد الغذائية ومهددة بالإفلاس.
*كاتب أردني
قيس سعيد مشكلته انه جاء من خارج المنظومة السياسية المتمكنة من مفاتيح الحكم والخبيرة في دهاليزه هو رجل تعليم وقانون مثقف حلم كمثلنا جميعا بدولة قانون وعدل وديموقراطية لكنه وجد نفسه وحيدا في مواجهة صعاب ومشاكل وتركة ثقيلة قيس سعيد او مثله في اي بلد عربي لن ينجح ان لم يكن من مؤسسة العسكر او شلة الحكم المنتفعة لدا انا لا الومه على اخطاءه وتهوره لانه مجبر لا بطل
الوضع في تونس مختلف تمامًا عن كل ما يجري في المنطقة ، تونس تضل الاجابة دون شك ، في تونس توجد مساحة كبيرة لحرية التعبير و التضاهرات المعارضة لكيفية تسيير الشأن السياسي في البلاد بقطع النظر ان كانت هذه التحركات محقة ام لا ، تونس رئيسها منتخب مباشرة من طرف الشعب و لم يأتي متسلط او مسقط كما هو الحال في دول اخرى، الرئيس قبس سعيد رغم بعض الشوائب الا انه يبقى متزن في تعامله مع الوضع العام في البلاد، الوضع العالمي و الكوارث الطبيعية و الحروب التي حلت به لم تخدم المجال الاقتصادي لتونس و لم تسهل الأمر كثيرًا على الرئيس قيس سعيد ، في مهنته كرئيس دولة بل كانت عائق لأي محاولة تقدم ، رغم كل السلبيات المعطلة للمسار الإصلاحي في تونسي التي بدأت في شتاء 2010 لا تزال الى اليوم هي الاجابة ….