أبدأ هذه السطور برسالة قصيرة وصلتني من الأكاديمي والثائر الأخ والصديق يحيى القزاز تعليقا على ما كتبت الأسبوع الماضي عن ‘القدس العربي’ وعبد الباري عطوان، وتشبيه ‘القدس العربي’ بما أطلقت عليه ‘خيمة القزاز’، كحالة نمت مع التصعيد الثوري منذ 2006، والتفاصيل منشورة لمن يريد إعادة الإطلاع.
يقول القزاز عن خيمته’ أنها ‘للأمانة والتاريخ كنت صاحب اقتراح الخيمة، وصاحب تعبير ‘إقامة حالة’، ولا أقول نظرية ‘الحالة’ وعندما قررت شراء الخيمة تقدم المناضل العظيم وهو من يسبقنا بخطوات كثيرة وعظيمة الاستاذ ‘كمال أبو عيطة’ (وزير القوى العاملة والهجرة الجديد) وقال عندي خيمة سأحضرها لك، وبالفعل أحضر أخونا كمال أبو عيطة الخيمة، وما كان للاعتصام أن يتم ولا الحالة أن تقام لولا نزول كل الشباب والكبار إلى حلبة الأعتصام أمام نادي القضاة في النصف الثاني من أبريل 2006 لذا لزم التنويه’.
وأنا بدوري أشكره على التنويه، واتخذه مدخلا للدخول إلى صلب ‘الحالة’ الراهنة في أرض الكنانة، وأقول أيا ما كان القول فيما حدث في الثلاثين من يونيو الماضي.. ثورة.. إنقلاب.. موجة ثانية.. موجة ثالثة.. فوضى إلخ؛ هذا لا يمنع من القول بأن هناك أمرا جللا حدث. وتم إنكاره، وجاء الإنكار مسيئا لمرسي ولحكم الإخوان إساءة بالغة، وإذا كانت الثورة افتراضية، كما ادعوا يصبح السقوط افتراضيا كذلك، لكن المشكلة أن السقوط تم بالفعل، وبناء عليه فإن الحكم في وضع السقوط قبل 30 يونيو، ولم يكن في حاجة إلى ألاعيب ‘الفوتو شوب’.
وعند التدقيق في ظاهرة ‘الخروج الكبير’ في 30 يونيو، وسقوط عرش الإخوان المسلمين، بقوة الملايين الزاحفة من كافة الأرجاء، فإن سقوط حكم الإخوان تبعا لذلك يصبح منطقيا، وقد حدث من قبل أن الملايين أسقطت دولة مبارك البوليسية، بخروج مشابه مع فارق الأعداد.. وما الذي يحول دون سقوط حكم الإخوان المسلمين أو غيره إذا ما تكرر ذلك؟
وهذا يعني أن الثورة ما زالت فاعلة وقادرة والشعب على عهده يلبي نداءها عند الطلب، فما زال الخروج إلى الميادين والشوارع حلا إذا ما استحال التغيير. ومن هنا يجب أن ندخل دخولا جادا فقد نجد مخرجا.
بعد 30 يونيو ركز الإسلام السياسي خطته على القوات المسلحة والصدام المستمر معها مع إشغالها في جبهة سيناء، ويبدو أن الهدف هو ‘عسكرة’ الصراع؛ طلبا للتدخل الخارجي، وتكرارا للسيناريو الليبي ثم السوري، وأعتقد أن توصيف ما حدث بأنه انقلاب ليس مشكلة إذا وقف عند حد الخلاف السياسي، فما زال يُطلق على 23 يوليو 1952، لتعزيز الادعاء بأن مصر وقعت تحت ‘حكم العسكر’ لستين عاما، ومعروف أن هذا الادعاء يقدم ضمن أوراق الاعتماد المطلوبة لنيل رضا واشنطن ولندن وباريس وبرلين وتل أبيب. ويوظف مادة في حملات التعبئة المتجددة لـ’شيطنة’ العمل المستقل المتحرر من التبعية، وإلهاء الناس بعيدا عن دراسة تكرار ظاهرة الخروج الكبير وأثره، وعن البحث عن سبل ملائمة للتعاطي معه.
وعمل العسكريون خارج القوات المسلحة لا ينكره أحد، وتجده في السياسة والإدارة والمال وغيرها من المجالات؛ وليست مصر بدعا فيه، فهناك تشرشل وأيزنهاور وكنيدي وديغول في السياسة ومكنمارا في المصارف (المصرف الدولي)، وكولن باول في العمل الدبلوماسي، ومع ذلك لا يعاملون مثلما نعامل أقرانهم في مصر، ورغم ذلك فالتاريخ العسكري المصري به قامات عالية من إبراهيم باشا وأحمد عرابي، وعزيز علي (المصري) ومحمد نجيب وجمال عبد الناصر والضباط الأحرار وعبد المنعم رياض ومحمد فوزي وسعد الدين الشاذلي وعبد المنعم واصل وغيرهم. وعقدة ‘حكم العسكر’ برزت لـ’شيطنة’ عبد الناصر، الذي أعاد توزيع الثروة على أسس أكثر عدلا، وقاوم الهيمنة الاستعمارية، وتمرد على الأحلاف، وعمل على تحقيق الوحدة العربية، واهتم بالتنمية ورفع مستوى المعيشة، وبنى السد العالي، ووقف في خندق التحرر العربي والإفريقي والأسيوي واللاتيني، وهناك من ذوي الأصول العسكرية غير عبد الناصر وجدوا الاحتضان والتدليل من الغرب، ومنهم من زار الكنيست، وآخر أضحى كنزا استراتيجيا للحركة الصهيونية.
والعمل على إقصاء ما يسمونهم ‘العسكر’ من الحياة المدنية هدفه إخراجهم من دائرة المواطنة عقابا لهم على ما لعبوا من أدوار في بعض المراحل الثورية والحقب الوطنية، ونحن لسنا مع انشغال المؤسسة العسكرية بالسياسة، ونفرق بين الدولة العسكرية والدولة المدنية الحديثة بسلطاتها الثلاث، ومؤسساتها الحزبية والسياسية والمدنية والأكاديمية والإعلامية والعسكرية والأمنية والرقابية.
وإذا تحلى الإسلام السياسي بفضيلة النقد والتصحيح والمراجعة لجنب مصر الوقوع في فخ ‘عسكرة’ الصراع السياسي، ولو تأملوا القادة العظام في التاريخ ومنهم الرسول الكريم (ص)، الذي لم يعلق هزيمة ‘أُحُد’ في رقبة الغير، وتولى كشف العيوب السياسية والعسكرية وأسباب خلل موازين القوى في المعركة الخاسرة، وتمت المراجعة وحوسب المقصرون وتخلص مما شابها من قصور وعوار، فلم تتكرر. ومشكلة الكائنات الإخوانية، وكانت مهيمنة ومسيطرة؛ أنها تصورت أنها محصنة ومقدسة ولا قبل لأحد بهزيمتها، وحين وقعت الواقعة وهزمت أشعلت النيران في ربوع مصر واعتدت وقتلت وقطعت الطرق ونشرت الذعر في كل مكان.
ومع ذلك فلنطلع على ما قاله واحد منهم لعلهم يعقلون؛ إنه صوت النائب الأول للمرشد العام السابق محمد حبيب، وهو منذ ما قبل 30 يونيو عاكف على البحث عن مخرج.
قال حبيب يوم الثلاثاء الماضي، متحدثا بلسان الإخوان؛ بأنهم يحلو لهم تعليق فشلهم وعجزهم على شماعة المؤامرة، أو على غيرهم والقليل منهم هم من يمتلك الشجاعة للاقتراب من أسباب الفشل، وأقل القليل يمتلك جسارة الاعتراف بالفشل والاعتذار عنه علنا أمام الجميع، حتى يبدأوا تصويب خطواتهم وترشيد مسارهم. ورأى أن هذا يتطلب قوة نفسية كبيرة، لم تتوفر بعد. وسوف يقضون وقتا طويلا حتى يتحلوا بثقافة الاعتذار.
وألقى حبيب الضوء على العوامل الداخلية التي أفشلت مرسي، وأخرجت عشرات الملايين تطالب برحيله، وعزا ذلك إلى فقدان الرؤية الاستراتيجية لإدارة الدولة، وانعدام الخبرة والتجربة، والاعتماد على قدرات وكفاءات أفراد الجماعة فقط، بالرغم من قلتها كَمّاً، ومحدوديتها كيفاً، ورفض الاستعانة بموظفي الدولة من ذوي العلم والخبرة والكفاءة، وعدم الالتفات للنصح أو النقد، وغياب الإدراك الحقيقي للمشكلات والأزمات، وكأن مرسي يعيش في كوكب آخر، وانعدام قدرته على التواصل مع الجماعة الوطنية، والوصول بالبلاد إلى حالة من الانقسام والتشرذم، والاحتراب الأهلي، والعنف المجتمعي، فضلا عن القتل والخطف وانتهاكات حقوق الإنسان، ويكفي إن يقال أن عدد القتلى في عهد مرسي وصل إلى 154 قتيلا، أغلبهم من المعارضين، بالإضافة إلى الفشل في اتخاذ خطوة نحو العدالة الاجتماعية، وتفضيل الانحياز للأثرياء وإهمال الفقراء، وهم الغالبية العظمى للشعب، وغض الطرف عن تطبيق العدالة الانتقالية، رغم تعهد مرسي بالقصاص للشهداء، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، مع شح البوتاغاز والبنزين والسولار، وعدم هيكلة وزارة الداخلية، وغياب الوضوح والشفافية، وترك كثير من معاونيه ومستشاريه لمواقعهم.
وأضاف حبيب أن مرسي أسلم رئاسة مصر لقيادات نافذة في مكتب إرشاد الجماعة، ولم يكن هو الرئيس الفعلي، كان هناك من يحكم من وراء ستار.. ووصف الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر 2012 بكارثة الكوارث، ونقطة بداية السقوط. وأردف أن مرسي كانت أمامه فرص كثيرة أهدرت.. لقد أعطت القيادة العامة للقوات المسلحة لمرسي وللإخوان ولكافة القوى السياسية والوطنية مهلتين؛ إحداهما لمدة أسبوع والأخرى لمدة يومين، على أمل إنقاذ البلاد من الوقوع في حرب أهلية.. وكانت نهاية المهلة الأولى في 30 يونيو، لكن مرسي لم يتجاوب واستخف بقدرة الجماهير على الخروج، بالرغم من أن حملة ‘تمرد’ جمعت أكثر من 22 مليون استمارة من المواطنين لسحب الثقة منه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وفي يوم 30 يونيو، خرج عشرات الملايين من المصريين في مشهد مهيب ومذهل وغير مسبوق في تاريخ البشرية ليقولوا كلمتهم: ‘ارحل.. ارحل’.. حتى الفرصة الأخيرة التي لاحت له مساء الثلاثاء 2 يوليو، فشل في استغلالها، وخرج خطابه مهلهلا، مشتتا، تائها، حائرا، ومشحونا بقدر كبير من الغضب والتوتر والانفعال، فضلا عن أنه لم يقل شيئا ذا بال، ولم يدع لأحد فرصة التعاطف معه، وكان خطاب النهاية.
ويستطرد: ‘لا نريد (كإخوان) أن نقوم بتمزيق الوطن بالوكالة عن الإدارة الأمريكية والعدو الصهيوني.. لذا، أرجو أن يتوقف الإخوان عن تظاهرات ‘الشرعية’ التي سقطت، ربما من قبل أن يخرج عشرات الملايين في 30 يونيو، وأن يبتعدوا عن التحريض على الفتنة والفرقة، وأن يراجعوا أخطاءهم ويعيدوا حساباتهم.. لا نريد إقصاء لأحد، والباب مفتوح على مصراعيه للبدء من جديد.. لست مع البكاء والنواح والعويل، ومحاولة استعادة دور الضحية الذي لا يفيد.. لكننا نريد البناء على أسس نظيفة وسليمة، خالية من الجروح والتقيحات.. أعلم هول الصدمة وما يعقبها من غضب وإنكار وحزن، لكن أرجو أن يلملم الإخوان شتاتهم ويضمدوا جراحهم سريعا وقبل فوات الأوان، إذ لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب’.
فهل هناك من يستجيب لوقف هذه التصرفات المدانة؟ وهل مثل هذا الجهد يجدي لوقف ذلك الجنون الكاسح؟ لعل وعسى!!.
‘ كاتب من مصر يقيم في لندن
عفواً سيدي الكاتب، لقد نسيت ولم تذكر في مقال المشير د الحكيم عامر من بين ما سميتهم “”بقامات عالية””في التاريخ العسكري المصري….!!؟
نفسي افهم كيف خرج اكثر من ثلاثين مليون مصري يهتفون بسقوط مرسي واختفوا خلال ساعات وميدان التحرير طول رمضان فاضي.
ولماذا قطع بث القنوات لحظة الانقلاب
ولماذا الاعقال وذبح المصلين
ولماذا؟…؟…؟