هناك قاعدة تربوية في التعامل مع الأطفال تقول “العقاب يكون على قدر الخطأ، لا على قدر الغضب”، ومعناها مسلك عام عام مُلزِم بألا يتجاوز العقاب قدر الجناية، وأن الكراهية ينبغي أن لا يكون لها تأثير في توقيع العقاب، ولذا ترى في القرآن الكريم التأكيد على أن يكون القصاص عادلا متناسبا مع العدوان (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، ويعد هذا أصلا في الأعراف السليمة، ومنظومة القيم والأخلاقيات التي لم تنحرف عن مسارها الطبيعي، المنطلق من الفطرة البشرية السليمة.
في هذه السطور، وفي ضوء هذا الأصل، نحاول التعرف على مدى تناسب العقاب الجماعي الذي نزل بالإخوان، والأخطاء التي وقعوا فيها.
حقاً وضْعُ الإخوان في المجتمعات قد حدثت له طفرة واضحة تسترعي الاهتمام.. وإنما قلت وضع الإخوان في المجتمعات ولم أقل الأنظمة، لأن عداوتها لتلك الجماعة ظاهرة منذ البداية، ولديها قواعد في التعامل مع جماعة الإخوان، فمنها توظيف وجودهم على الساحة في إحداث التوازنات، سواء على مستوى الفصائل الإسلامية مختلفة التوجهات، أو في مواجهة الأفكار الوافدة التي لا تتفق مع النظام في حقبة ما، ومثاله: مواجهة الشيوعية في بعض البلدان العربية عن طريق إعطاء مساحات كافية للإخوان للتحرك ضد هذا الاتجاه، وهي لعبة أتقنتها الأنظمة العربية الديكتاتورية.
لكن هذه الأنظمة لم تكن غافلة عن خطورة الإخوان، لأنهم كسائر الأحزاب يسعون لتسلم السلطة كآلية أساسية للتغيير والإصلاح، فاعتادت السلطة من وقت لآخر أن تكشر عن أنيابها تجاههم، وبالذات في الأوقات التي تعلو فيها أسهمها بين الشعوب، كما حدث مع إجراءات قمع الإخوان، وتفكيك الجماعة في مصر بعد أن حصلوا على تعاطف كبير جدا لتضحياتهم في حرب 48، وظهور قدرتهم على التعبئة والحشد والتأثير في الرأي العام، وفي ظل حكم العسكر لم تتوقف الضربات الموجهة للإخوان لإعادتهم إلى المربعات الأولى.
الإخوان المسلمون، كسائر الأحزاب يسعون لتسلم السلطة كآلية أساسية للتغيير والإصلاح
أما على صعيد المجتمعات، فقد حدث اختلال كبير في الحاضنة الشعبية لها، إذ كانت الجماعة بالنسبة للمجتمعات تمثل الإسلام المعتدل البعيد عن التشدد، كانت تمثل للناس العمل الخدمي المنقذ من غلاء الأسعار، وسطوة التجار ورجال الأعمال وتجار الطب، كان ذكر جماعة الإخوان يعني في وجدان الشعوب النضال في حرب فلسطين، حين كانت كتائب الجماعة شوكة في حلقوم الصهاينة، عندما أطلق في حرب 48 على تبة اليمن اسم “تبة الإخوان” لما أبلوه في هذه المعركة وغيرها من بلاء حسن. كانت تلك الجماعة في كل منزل، إما أن يكون فيها أحد عناصرها، أو أحد محبيها، وقلما كنت تجد بيتا يبغض الإخوان المسلمين، ولم يكن هناك حرج لدى الجماهير العامة أن تهرع إلى صناديق الانتخابات لتأييد مرشحي الإخوان.
كل هذا قد تغير في غضون بضع سنين، فغدا التبرؤ من الإخوان عنوانا للوطنية، ومظهرا من مظاهر تأييد الدولة، كثير من الناس يفعلون اتقاءً للضرر، وكثير منهم أرغموا أنفسهم على تقبل ذلك كحقيقة، رغم عدم اقتناعهم به إلى أن صدقوها.هل أخطأ الإخوان؟
هذا السؤال بصيغته هذه يعد سطحيا، فما هناك من تجمّع أو تكتل إلا ويعتريه الخطأ، خاصة إذا امتد وجوده عقودا طويلة، وازدادت قاعدته الجماهيرية، فلا ريب في أن البدايات أكثر صفاء وإحكاما، ثم بعد ذلك يبدأ التناقص، وتكثر الأخطاء سواء من القاعدة الجماهيرية العريضة التي يستحيل أن تنال قدرا مناسبا من التعرض المباشر لعملية التنشئة على المنهج، أو من القيادات التي تزداد مهمتها صعوبة في ضبط سلوكيات الأفراد، في ظل تمدد الجماعة أو الكيان، أضف إلى أنها ككيان لا بد أن تدخل فيه الأهواء وحظوظ النفس في العمل الجماعي، لكن الصيغة الأكثر دقة للسؤال: ما هي أخطاء الإخوان؟ نعم جماعة الإخوان تمادت في البراغماتية في بعض محطاتها، وأوغلت في الحزبية والتعصب إلى حد بعيد، ولم تستوعب الآخر، كما ينبغي، لكنها أخطاء تكاد تكون موجودة في كل تنظيم. لكن الأخطاء الاستراتيجية الكبرى التي وقعت فيها الجماعة، والتي ظهرت لديها في مصر – باعتبارها التجربة الأبرز التي وصلوا فيها إلى الحكم – هي قيادة الدولة بفكر الجماعة لا الدولة، فهي جماعة معارضة للنظام طيلة عقود، واعتادت العمل وفق طريقة إدارة الجماعات، التي تختلف كليا عن إدارة الدولة. وحتى على سبيل الإعداد والتجهيز للكوادر، لم تكن كوادر دولة، فاعتمدت في كثير من الأحيان على عامل الأمانة أكثر من عامل القوة، خلافا لمعيار الكفاءة (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، ودائما كانت تقدم قبل وصولها للحكم المتوافقين مع القيادة، وتستبعد المخالفين رغم كفاءتهم. الخطأ الأكبر الذي ارتكبته جماعة الإخوان، أنها تعجلت قطف الثمار، واستثمرت ثورة يناير في تحقيق طموحاتها السياسية بالوصول إلى الحكم، من دون التجهيز الكامل لهذه المحطة، ومن دون مراعاة المناخ المصري الذي هيمن عليه الفساد والاستبداد على مدى عقود، فوقعت في المصيدة التي وضعها العسكر لضرب الإسلام السياسي، ومن دون مراعاة التركيبة السياسية والحياة الحزبية في مصر، ومن دون مراعاة الظرف الإقليمي والتحالفات الدولية.
تغافل الإخوان عن حجم التحديات الداخلية والخارجية، التي يمكن أن تواجهها حال تسلمها الحكم، وعوّلت على قاعدتها الشعبية، وعلى دعم القوى الإسلامية رغم اختلافهم معها، وعلى إظهار أمريكا لعدم ممانعتها في وصول الإخوان إلى الحكم، وكان الأحرى بالجماعة أن تنأى بنفسها عن التصدر لإدارة الدولة في وقت حرج، وتعد عدتها لمحطات لاحقة مناسبة، والاكتفاء بوجودها القوي في البرلمان والشورى، والحياة السياسية في مصر بعد ثورة يناير.
فات الإخوان أنه ما من ثورة إلا ولها ثورة مضادة، فلم يقدروا هذه الحقيقة حق قدرها، وبرروا لأنفسهم بأنها فرصة تاريخية في إنقاذ البلاد، ورحم الله الشيخ الشعراوي، حينما أشار إلى عجلة الإخوان قائلا بحق الجماعة: “كنتم شجرة ما أروع نضالها، وما أورع ظلالها، رحم الله شهيدا استنبتها، وغفر الله لمن تعجل ثمرتها”. فغالب أخطاء الإخوان تتراوح ما بين الأخطاء التربوية والإدارية والاستراتيجية، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل أخطاء الإخوان تستحق كل هذا العقاب؟ هل تستحق أن تدرج الجماعة على قائمة الإرهاب، رغم منهجها السلمي المعروف، وتركيزها على العمل السياسي؟ هل تستحق أن يصير لقبها “الجماعة الإرهابية”، ويصبح الانضمام لها جريمة يعاقب عليها القانون؟ هل تستحق الجماعة أن تُحَمّلَ أخطاء التكفيريين وجماعات العنف المسلح؟ هل تستحق الجماعة أن يُشرّد أبناؤها ويلاحقوا ويحرموا من وظائفهم ويحاربوا في أقواتهم؟ هل تستحق الجماعة أن يُحكم بالإعدام على رموزها وشبابها بادعاءات واهية، بعد أن تم إذلالهم لسنوات في السجون في ظل معاملة غير آدمية؟ هل تستحق الجماعة أن تكون هدفا للأنظمة التي تلاحقها محليا ودوليا، بهدف القضاء عليها؟
نعم الإخوان وقعوا في أخطاء، لكنهم لم يريقوا الدماء، وسعوا لتحقيق مطالب وشعارات ثورات الربيع العربي، وتخليص الناس من الظلم والفساد. نعم سعوا إلى الحكم، ولكن ما الخطأ في ذلك؟ أليس هذا هو هدف أي حزب معارض؟ نعم فيهم الكاذب والنفعي والوصولي، ولكن أليسوا بشرا مثلنا يصيبون ويخطئون؟ نعم يدخلون الدين في السياسة، ولكن أليست السياسة من الدين؟ والاقتصاد من الدين؟ والإعلام من الدين؟ أليس الدين منهجا شاملا لكل مناحي الحياة؟ أعلم أن نقدي للإخوان لن يروق لهم، وأعلم كذلك أن إنصافي لهم في ما ظُلموا فيه لن يروق خصومهم، ويعلم الله أنني بعيدة عن الانتماء لأي حزب أو جماعة بما فيها جماعة الإخوان، لكنني أسجل هنا شهادة أحاسب عليها عند الله: الإخوان أخطأوا، لكن أخطاءهم لا تستحق ما آل إليه أمرهم، أخطأوا لكنهم دفعوا ثمنا باهظا نيابة عن أمة لم تتيقظ بعد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
*كاتبة أردنية
ذكر لي شاهد (ليس من مصر) بأن الإخوان كانوا يقدمون المساعدات (الغذائية والطبية ووو) للفقراء قبل الثورة!
ولذلك نجحوا بالإنتخابات!! ولا حول ولا قوة الا بالله
ألم تعلمي يا إحسان إننا كلنا إخوان حتي ولو لم نكن من جماعة الإخوان !!!
كلنا صاحب ذنب وخطيئة وكلنا نود الإحسان والإصلاح لكن التوفيق والهداية من الله تعالي علي قدر إجتهاد بني الإنسان
وكلنا الآن يدفع ثمن الغدر والطغيان
بعض الأسئلة التي يراودني .. الى اين يتجه ابناء الاخوان المسلمون ؟ وهل استفاقوا بعد كل ما اصابهم ؟
هل نحن بحاجة فعلا الى تنظيم ينظمنا ويرص صفرفنا مثلما نسمع من ابناء الاخوان ؟
هل يوجد لهم بديل ؟ هل سمعنا بالصورات الربيع العربي بالتحديد من ساندها بقدر ما ساندتها الاخوان ؟
ارجوا الرد ان مان لديك متسع من الوقت
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيراً ان صرت صوتاً للمظلومين المنكوبين. نرجوا الله تعالى ان يكون كل ما وقع درساً مفيداً لنا و لأجيالنا القادمة كما قال النبي كريم صلى الله عليه وسلم: ” لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين”.
ونرجوا الله ان ظهره رجال الرشيد من جيش مصر كَى اسقطوا نظام المحتل الباغي و اعادوا حق المغصوب الشعب المقهور المصر و كمان في سائر بلدان بهذه الأحوال.
و ما ذلك على الله بعزيز
خطأ الإخوان هو بعدم إنشائهم قوة عسكرية تحمي الديموقراطية كما فعل أردوغان بتركيا!
لا ثقة مع العسكر, ولا ثقة مع العلمانيين!! ولا حول ولا قوة الا بالله
بدول العرب منتسبوا أجهزة عسكرية وأمنية وأقرباؤهم وأصدقاؤهم يجاوز نصف السكان وبيئة الأعمال والصناعة والأغلبية الصامتة والأقليات تفضلهم على الفوضى، بالتالي لا يصل موقع مسؤولية أو يبقى فيها إلا من كان منهم أو مدعوماً منهم ويتسلحون عادةً بالعروبة والثقافة العربية الإسلامية السمحة الجامعة مع التمسك بالهوية الوطنية فتصبح معاداتهم بمثابة خيانة عظمى للوطن والأمة، بالتالي لا ينجح الإسلام السياسي بتغيير المعادلة حتى لو حصل على تأييد غربي مؤقت كما حصل لربيع تركي إيراني بأوطان العرب والذي تبخر واندثر سريعاً
@احسان الفقيه
صحيح، الإخوان كان لديهم أخطاء وتحملوا مسؤوليتها بشجاعة ودفعوا ثمنها بدمائهم وأرواحهم وأبنائهم؛ إعداما وسجنا وتعذيبا واغتيالا للسمعة والتشهير والتفظيع بهم.. بل دفعوا وتحملوا أضعاف أضعاف ما ارتكبوه من أخطاء.
ولكن-كإضافة على الهامش ليست من صُلب المقال-ماذا عن التيار الليبرالي العلماني!!؟
بعد أن تفرّغ لهم العسكر والدكتاتور فلفظهم من حضنه بعد أن استخدمهم كمنديل لإتمام مسرحيته وانقلابه، وذاقوا من ناره واضطهاده، أدركوا عظيم جرمهم و…، قرروا الاستمرار في دعم الطغاة والتشنيع على الضحية (الإخوان) وتكريس كل الجهود في سبيل غسل دماغ العوام والتسويق لفكرة تحميل الإخوان مسؤولية ما جرى ويجري..ظنا منهم أنهم بذلك سيتمكنوا من تزوير تاريخهم المخزي وسينفذون من محاسبة الشعب عندما يصحوا، ووالله إنه لقريب بإذن الله..
بارك الله بأختنا الكريمة إحسان،انا أتفق مع ماجاء في مقالتك هذه عن الإخوان ،واتمنى من كل قلبي أن يكون درس حالة يناير وإغتيال المرحوم الرئيس محمود مرسي (الذي تهاون وطيب قلبه كثيراً معهم) الأمر الذي أوصل مصر وشعبها إلى نفق سوف لم يبصر النور لمائة عام قادمة)… فهذا الدرس يجب على كل الدول العربية بل والأمة الإسلامية التعلم منه .والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.دمتم بخير ،وربنا يكون مع الإخوان المسلمين الصادقين وكل مسلم حر ،شريف ونبيل
بالنسبة للمجتمعات تمثل الإسلام المعتدل البعيد عن التشدد، عبارة غير صحيحة .. فالاخوان ليس لهم حظ من الاسلام سوى اسمهم فقط
السلام عليكم..1)إن السياسة تطغى فيها المنفعة و المصلحة و فن الممكن و تدخل صاحبها في تناقض ما بين الوصول إلى مبتغاه أو هدفه نهج الدين القويم، باستعمال كل الوسائل حتى و لو كانت محرمة!!(إلا القليل من عباد الله )و أبرز مثال،على قولنا، أحزاب تدعي حمل راية الإسلام(الإخوان) ثم تتحالف مع الشيطان(الصهاينة) بطرق ميكيافيلية غريبة و مقززة!(التطبيع)..هذا التصرف ليس من الإسلام في شيئ و الله سبحانه قدوس و لا يرضى أن يدنس دينه.. يتبع