القاهرة- ‘القدس العربي’- من : أبرز ما في صحف مصر امس كان تقرير هيئة مفوضي المحكمة الادارية بمجلس الدولة الذي اوصى بحل جمعية الإخوان المسلمين في الدعوى المرفوعة أمامها بسبب مخالفتها لقانون الجمعيات الذي انشئت على اساسه في مارس الماضي بطريقة فيها عوار قانوني لتفادي حكم قضائي في دعوى مرفوعة باعتبار الجماعة محظورة منذ عام 1954 وننبه الى ان المحكمة تأخذ في الغالب بتقرير هيئة المفوضين، ولكن ليس شرطا أن تلتزم به أي أنه ارشادي، كما أن الحكم لا يكون نهائيا الا اذا اقرته المحكمة الادارية العليا، وهنا تتدخل وزارة التضامن الاجتماعي المشرفة على الجمعيات باصدار قرار الحل ومصادرة اموالها وممتلكاتها ومكاتبها. واستمرار القبض على قيادات الإخوان بقرارات من النيابة العامة ومنهم محافظ كفر الشيخ السابق سعد الحسيني، واستمرار التحقيقات مع الإرهابي عادل الحبار المسؤول عن مذبحة جنود الأمن المركزي الخمسة والعشرين وادعت جماعة الإخوان المسلمين وحزب العمل الجديد بأن الجيش الذي دبر قتلهم.. والى بعض مماعندنا:
تاريخ الإخوان مع القضاء
وحلّ جمعيتهم
ونبدأ بالدعوة المرفوعة لحلّ الجماعة، وبهذا يكون الحلّ هو الثالث في تاريخ الجماعة، فالاول صدر عام 1948 بعد القبض على السيارة الجيب المملوءة بالاسلحة واغتيال القاضي احمد الخازندار أمام منزله في ضاحية حلوان ومصادرة مقارها وأموالها وردت الجماعة باغتيال رئيس الوزراء محمود النقراشي باشا، وكان رئيسا لحزب الهيئة السعدية وتولى رئاسة الحكومة والحزب من بعده ابراهيم عبد الهادي من عام 1949 أمام جمعية الشبان المسلمين بشارع الملكة نازلي- رمسيس حاليا- وقامت الحكومة بأكبر عملية اعتقال وتعذيب للإخوان وعندما استقالت الوزارة وتشكلت حكومة ائتلافية تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة بدأ صديقنا فؤاد سراج الدين باشا سكرتير عام حزب الوفد وقتها وممثله في الوزارة بالإفراج عن الإخوان واعادة ممتلكاتهم تدريجيا والسماح لهم بالعمل. وتقدم المرشد الثاني المستشار احمد حسن الهضيبي بطلب لإعادة الجماعة رسميا وتسليمها مقرها الرئيسي في الحلمية بالقرب من شارع القلعة، ولكن طلب منه الانتظار الى حين حكم محكمة القضاء الاداري الذي صدر باعادة الجمعية، وصدر ثاني قرار بحل الجماعة عام 1954 من مجلس قيادة الثورة بعد تورطها في الاتصال بالسفارة البريطانية والاتفاق معها على مشروع معاهدة من وراء الحكومة وردّت الجماعة بمحاولة اغتيال عبدالناصر. وحين أعاد الرئيس الراحل انور السادات الإخوان للعمل عام 1974 وأفرج عمن تبقى منهم في السجون بأحكام قضائية رفض طلب المرشد الثالث المرحوم عمر التلمساني اعادة الجمعية وأحاله الى رئيس الوزراء وقتها المرحوم ممدوح سالم الذي اخبرني بأنه قال للتلمساني ان هناك قرارا من مجلس قيادة الثورة بالحل وعليهم اللجوء للقضاء لإلغائه مع السماح لهم بالعمل دون اشهار، ولذلك استأجروا مقرا للجماعة في سوق التوفيقية بوسط القاهرة وعليه يافطة باسم الجماعة الى أن أغلقه السادات في سبتمبر 1981 واعتقل التلمساني وشهادة ممدوح سالم لي منشورة في كتابي- الإخوان المسلمون والصلح مع اسرائيل- والصادر عام 1982 ثم أفرج مبارك عنهم واعاد لهم المقر ثم نقلوه الى مقر آخر في منيل الروضة.
‘الحرية والعدالة’: أخطأنا نعم
لكننا لم نرتكب جرائماً
وواجب علينا الإعتذار للوطن
ونبدأ من يوم الجمعة وقد بدأ يوم- الجمعة- القيادي الإخواني حمزة زوبع بقوله في جريدة ‘الحرية والعدالة’: ‘من لم يتعلم من اخطائه فهو أحمق ومن لم يتعلم من أخطاء غيره فهوغبي لا يمكن ان يتعلم أبدا.. من قال ان الإخوان لم يخطئوا ومن قال ان مرسي لم يخطئ؟ قلنا مرارا وتكرارا اننا كحزب وجماعة .. كحكومة ورئاسة أخطأنا الخطأ الكبير هو أننا وبرغبة أو على غير رغبة وقعنا في فخ الانفراد بالحكم ولو مضطرين بعد أن تركنا الآخرون برغبة منهم أو مكرهين، لكن المسؤولية عادة ما تقع على من بيده مقاليد الحكم وهو نحن، سواء ونحن في الحكم أو بعدما اجبرنا على تركه. لكننا لأننا نحب هذا الوطن لم نلجأ الى عنف ولم نستخدم السلاح وهذه ليست منة نمنها على احد بقدر ما هي تذكير بمبادئ عامة واصول تربينا عليها ونرعاها حق رعايتها وقد يقول قائل ولكنكم سمحتم للبعض باعتلاء منصات الاعتصام متفوها بعبارات قوية لا تحتمل اللبس من فرط خشونتها ومن قوة تحريضها وعنف دلالاتها وأقول معك حق وهذا من أخطائنا التي وقعنا فيها بغير ارادة.. أخطأنا نعم لكننا لم نرتكب جرائماً ضد الانسانية وواجب علينا الاعتذار للوطن وللمواطنين عن سوء الأداء بعد أن كلفنا بحمل الامانة ولم نؤدها على النحو المطلوب ولكن حدثونا عنكم، ماذا عن خطاياكم أنتم؟
رسالة للجيش: ألم يئن أوان
التفكير في مستقبل هذا الوطن؟
متى تتوقفون وتسألون انفسكم السؤال الكبير، ألم يئن أوان التفكير في مستقبل هذا الوطن؟ نحتاج كغيرنا ولدينا القدرة على اعادة قراءة ما حدث واستنباط وتعلم الدروس، وهذا أمر حيوي بالنسبة لتنظيم متجذر في الواقع عليه التفاعل الايجابي مع الاحداث وليس توجيه الانتقادات وتبرئة الذات والجيش مؤسسة وطنية لها حضورها ودورها وتأثيرها على واقع الحياة بشكل عام والسياسة بشكل خاص، لكنه وبكل تأكيد سيكون اكثر تأثيرا وهو يمارس دوره الحرفي والمهني المنوط به.. وان كان له كلمة يجب الاستماع اليها، خصوصا في وقت الازمات وهذا لا يعني أنها الكلمة الفصل ولكنها كلمة من بين كلمات كثيرة يستمع اليها باحترام وتقدير، والمؤسسة الأمنية والاجهزة السيادية ملك للدولة والشعب بأسره ولا يمكنها التدخل في الشأن السياسي والانحياز أو دعم فصيل من الفصائل السياسية، ويجب أن تكون بمنأى عن الصراع أو المنافسة السياسية ويجب ان تكون مفتوحة للجميع وبلا شروط.. ونحن جميعا بحاجة الى التقاط الانفاس لأن الوطن يحترق فعلا وهناك من يزين الامر على أنه حرب على فصيل سوف تنتهي بالانتصار متغافلا عن مجموعة من الحقائق على الارض تنفي حدوث ذلك، وأن حدث فبكلفة عالية لن يطيقها من قام بها وسيحاسب عليها والتوقف عن اشعال الموقف يتطلب قرارا جريئا من القائمين على الامور بوقف الحملات الأمنية والاعلامية واطلاق سراح الرئيس محمد مرسي وكافة المعتقلين معه وتشكيل لجنة التحقيق الموعودة لكي تبدأ عملها على الارض ولا مانع من الاستعانة بخبرات دولية في هذا المجال واعلان الجميع رفضه الواضح والصريح للتدخل الخارجي بكافة صوره واشكاله واعتبار الشأن الوطني أمرا داخليا لا يجوز تناوله خارجيا واعتذار قوى الأمن والجيش عن سقوط قتلى وجرحى والتزامها الكامل بتطبيق وتنفيذ قرارات لجنة التحقيق المزمع تشكيلها وعدم الاعتراض عليها’.
حتى لا يسلط الله علينا شرارنا
وواصل في اليوم التالي- السبت- الإخواني واستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس الدكتور سعيد سلامة بقوله في جريدة ‘الحرية والعدالة’: ‘ما يحدث اليوم على ارض مصر ليس شرا بل هو خير، هو تجسيد للآية الكريمة التي تقول ما معناه ان علينا ان نأخذ حذرنا من فتنة لن تصيب الظالمين بصفة خاصة وانما ستصيب ايضا المظلومين، ليس لأنهم سكتواعن الظلم فحسب وانما لأن منهم من سايروا الظالمين في ظلمهم ومنهم من تلونوا كالحرابي وانتشر التظالم بين الناس والذي بدت مظاهره واضحة في معاملاتنا اليومية تخلينا عن قيمنا الاصيلة، عن صدق الحديث، وقول الحق، واتقان العمل، والكسب الحلال.. إستمرأنا الكذب والغش والخداع والتكسب الحرام والاحتكار وقول الزور، لم تترك موبقة الاوطان لها نصيب من تعاملاتنا ظلم بعضنا بعضا.. الكبير لا يرحم الصغير.. القوي يدهس الضعيف الغني يستأثر بنصيب الفقير وفي المقابل لجأ سواد المستضعفين الى تقاضي الرشوة واسرفوا فيها.. والى القتل والاغتصاب بكل صوره واحتال الفقير على الافقر والضعيف على الاضعف، طمست الضمائر وزهقت الشهامة هكذا تبادلنا الكراهية والبغضاء ومن منا من لم يضق بمعيشته أو تبرم منها ولم يشك ظلمنا لبعضنا البعض، لا مناص والحال هذه من أن ينزل الله سخطه علينا جميعا، ولكن أليس كل ما يأتي به الله خيرا، ان ما نحن فيه تمحيص وصَهر يخلصنا من الخبث لنصبح بعده متحابين متراحمين داعين الى المعروف، ناهين عن المنكر حتى لا يسلط الله علينا شرارنا ويستجاب لدعاء خيارنا’.
مستشار مرسي:
تحية إلى الثابتين على المبدأ
وأما الأشد عجبا فهو استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومستشار مرسي السابق الذي استقال عندما أحس باقتراب النهاية وانتقده، وصاحب الدعوة لإرسال الجيش المصري لاحتلال سورية الدكتورسيف الدين عبد الفتاح الذي عاد ليكون واحدا من أشرس صقور الجماعة ومقالاته في جريدة ‘الشروق’ عبارة عن بيانات انشائية عصبية تصلح لالقائها في اعتصام للجماعة، لدرجة ان مقاله في نفس عدد ‘الحرية والعدالة’ كان عنوانه- تحية الى الثابتين على المبدأ- احتوى ثلاثين بندا كلها لاءات فخرج بذلك عن اللاءات العربية الثلاث الى اللاءات الإخوانية الثلاثين، على اساس أن لاءاتهم فيها بركة واللاء الواحدة منهم تساوي عشر لاءات من غيرهم والمدهش انهم وهم في هذه المحنة يفرضون شروطهم على اساس حسنة وأنا سيدك، مثل قوله في اللاء الخامسة عشرة: ‘لا مصالحة في ظل الاجراءات الاستثنائية وتكميم الافواه وتقييد الحريات’. ثم تحول الامر بقولة في اللاء العاشرة: ‘ لا لاستدعاء الخارج’. وفي رقم 27 قال: ‘لا لنائب عام جديد ملاكي في ظل انقلاب على ثورة 25 يناير’. وفي اللاء الثلاثين والاخيرة قال: ‘لا للتسول من الخارج’.
وكان واضحا أنهم يراهنون على نجاح جمعة ‘الطوفان’ وارغام النظام على الجلوس معهم وتنفيذ مطالبهم وهي اعادة مرسي وتقديم قادة الجيش والشرطة للمحاكمات .
‘أخبار اليوم’:
إنكشف وجه الجماعة!
ولم يكن هؤلاء المساكين يدرون ماذا ينتظرهم اذ قال عنهم يوم – السبت- في ‘اخبار اليوم’ زميلنا احمد هاشم: ‘انكشف وجه الجماعة بعد أن ارتكبت جماعة الإرهابين كل الموبقات التي تسيء للاسلام من قتل وتعذيب للابرياء في مقري اعتصامهم برابعة العدوية والنهضة وقتل وترويع المواطنين في جميع انحاء الوطن مثلما تم بين السرايات والمنيل والبحر الاعظم والاسكندرية واسيوط وغيرها من المناطق بخلاف هجماتهم البربرية على اقسام الشرطة والكنائس ومقرات المحافظات والوزارات وقطع الطرق والشوارع والسكك الحديدية والمترو وقتل ضباط الشرطة والتمثيل بجثثهم في كرداسة ومطاي واسوان وتحريض انصار الجماعة الإرهابية من التكفيريين والبلطجية على قتل الجنود الابرياء في رفح بسيناء وقنص ضباط وافراد الشرطة بخلاف الكذب المتواصل من قادة الجماعة، سواء أمام أنصارهم والمصريين بالداخل وأمام الاعلام الاجنبي’.
‘روزاليوسف’: الجماعة
لم تفهم طبيعة المصريين
ومن ‘أخبار اليوم’ إلى مجلة ‘روزاليوسف’ ورئيس تحريرها زميلنا عصام عبد العزيز وقوله عن هكذا جماعة وافاعيلها العجيبة: ‘جنون الإخوان في استعادة حكم مصر الذي فقدوه نتيجة فشلهم الذريع في ادارة البلاد انساهم قوة السحر الذي يربط المصري بوطنه ربما لذلك لم يفهم الإخوان وحتى الأمريكيون لماذا خرج أكثر من ثلاثين مليون مصري لاسقاطهم ولماذا خرجوا مرة اخرى لتفويض الجيش لينهي اعتصامهم وانهاء احاديث الإرهاب التي حاولوا بها تخويف المصريين والتي لم تتوقف من على منصة رابعة، الغريب ان جهل الإخوان بطبيعة المصريين جعلهم لا يدركون مدى ارتباطهم بوطنهم ويدفعهم للدفاع عنه بكل الوسائل لذلك انكر الإخوان الخروج المصري العظيم الذي اسقطهم هذا من جانب ومن جانب آخر ادى الجنون الذي اصاب الجماعة الى سقوط اقنعتهم ليظهروا أمام المصريين والعرب والعالم كحزب تكفيري واستبدادي ترفضه الغالبية العظمى من الشعب المصري وأنها جماعة إرهابية تتمسح بالدين الذي لا تنتمي اليه وتتحالف مع اعداء مصر والمسلمين من اجل سلطة زائلة وأنها أيضا جماعة ترتبط ارتباطا مباشرا بالمشروع الامريكي-الاسرائيلي في المنطقة لذلك كله توحد المصريون مع جيشهم وشرطتهم حفاظا على دولتهم ولاسقاط تلك الجماعة ومطاردة عناصرها الإرهابية’.
مطالبة الإخوان بالنزول
للشارع لمعرفة رأي الناس فيهم
ومن عصام الى زميلنا وصديقنا عاصم حنفي وحبه الكبير للجماعة وقوله عنها في نفس العدد عن صديقنا الإخواني الدكتور عصام العريان: ‘فجأة صعدت كلمة الديمقراطية الى السطح واحتلت قلب الاحداث والأخوَان بهروز والمليجي أو البلتاجي والعريان يدسان السم في العسل ويستعطفان الجماهير باسم الديمقراطية الشهيرة بفضل العسكر، والعريان يندد بالانقلاب الدموي الفاشي الذي اوقف المسار الديمقراطي. صح النوم يا دكتور وهو اليوم في عيد والإخوان في خبر كان اليوم وغدا وكمان مائتي سنة قادمة، وقد جربت حكمكم فخرجت عن بكرة ابيها تعزل رئيسكم مع الناس أو أرسل مندوبين يتحدثون الى الناس وسوف تدرك أن الناس انفضت عنكم وكانت تحسبكم بديلا شريفا لنظام مبارك الفاشي والفاشل والفاسد فاذا بكم اكثر فاشية وفشلا وفسادا’.
وطبعا عصام العريان لن يستمع لنصيحة عاصم بالنزول للشارع حتى لا تقبض عليه الشرطة، اما بهروز والمليجي فهما من كانا يعملان في خدمة سليمان غانم العمدة في مسلسل ‘ليالي الحلمية’ والذي أدى دوره صديقنا الفنان الموهوب صلاح السعدني.
هويدي:
أساطير زمن الإلتباس
والى ‘الشروق’ ومقال انتقادي للكاتب فهمي هويدي يقول فيه: ‘لا أعرف متى ستذهب عنا السكرة، لكي نتبين الحقيقة في الـــعــديد من الأســـاطير التي يروج لها في مصر هذه الأيام. لكنني أرى إرهاصات دالة على أن الإفاقة على الفكرة لن تتأخر كثيرا. أتحدث عن بعض الكتابات الاستثنائية التي ظهرت في الصحف المصرية خلال الأسبوعين الماضيين معبرة عن تلك الإفاقة. خصوصا تلك التي أفزعتها عودة شبح الدولة الأمنية، مصطحبة معها ممارسات القمع والتحريض بدعوى الحفاظ على الدولة في مواجهة الإخوان، وأقلقتها مؤشرات عسكرة المجتمع المصري بعد عزل الدكتور محمد مرسي. إضافة إلى تلك الأصوات التي استهولت حجم القتل الذي تم باسم فضّ الاعتصام بالقوة، كما استهولت ارتفاع صوت أبواق الثورة المضادة، التي باتت تبشر بفاشية جديدة لا تكتفي بمباركة إجراءات القمع وخطاب الإقصاء وإنما عمد ممثلوها إلى اتهام المخالفين بالخيانة، والازدراء من مفجري ثورة 25 يناير ووصفهم حينا بأنهم ‘مرتزقة’، ووصف الثورة ذاتها في حين آخر بأنها ‘نكسة’.
نظرا لمحدودية تلك الأصوات، فإنني أفهم أن ظهورها لا يشكل اختراقا لحملة الإعلام ولأجواء الإرهاب الفكري والاغتيال السياسي والمعنوي التي تتبناها مختلف الأبواق، التي أسهمت في تسميم الفضاء المصري، لكنني أزعم أن حضورها لا يمكن تجاهله، لأنه يعني أن المراهنة على الإفاقة من السكرة ليس ميؤوسا منها ولا هي من قبيل التمني ووحي الخيال.
لا أرجع ذلك إلى وعي البعض ويقظة ضمائرهم فحسب، ولكن المبالغات الفجة التي يتم اللجوء إليها في الأجواء المحمومة الراهنة كثيرا ما تأتي بثمار عكسية، عملا بالقول الشائع ان ما يزيد على حده ينقلب إلى ضده. فحين يتهم أحد المحتجزين، اسمه محمد عبد التواب أحمد، بالاعتداء على المتظاهرين وحمل السلاح وإرهاب المواطنين وقتلهم، ثم يتبين أن الرجل فاقد البصر ولا يستطيع أن يتحرك دون دليل يقوده، فإن أي عاقل يكتشف مباشرة التلفيق والكذب في التهمة، وحين تتحدث الصحف عن ترسانة للأسلحة في اعتصام رابعة، وعن وجود مدافع ثقيلة وأسلحة كيماوية مع المعتصمين، ثم يتم قتل المئات (في رابعة وحدها) واعتقال الألوف منهم دون أدنى مقاومة، فإن ذلك يهدم الأسطورة دون حاجة إلى تكذيبها. وحين تنشر إحدى الصحف أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ـ بجلالة قدره ـ عضو في التنظيم الدولي للإخوان (الوفد 28/8) الأمر الذي يعني خضوعه لقيادة مرشد الإخوان فإن ذلك يحول الخبر إلى نكتة من ذلك القبيل الذي يتردد في حلقات تعاطي المخدرات..الخ.
‘وطني’:
‘عض قلبي ولا تعض رغيفي’
أما زميلنا يوسف سيدهم رئيس تحرير ‘وطني’ فانه اقترح إرغام الإخوان على دفع تكاليف تخريب واتلاف المساجد والكنائس والمنشآت التي تسببوا فيها وقال يوم الاحد: ‘لا أتصور ان تتحمل هذه الفاتورة خزانة الدولة المثقلة أصلا بأعباء جسيمة لضمان توفير احتياجات هذا الشعب والجهاد من أجل اقالة الاقتصاد من عثرته.. لذلك من المحتم مثلما يتم تقديم قيادات الجماعة ورموزها للعدالة لمحاسبتهم على ما أفسدوه في حق هذا الشعب أن يكون القصاص أيضا منهم في صوره الزامهم بسداد فاتورة الاصلاح، وليس ذلك التوجه بمنأى عن القانون فمواد القانون التي تتولى ادانة الإرهاب وانزال القصاص بالمحرضين والمجرمين على السواء تتضمن كل ما يلزم اللجوء اليه لتعويض هذا المجتمع عما لحق به من تكاليف الاعتصامات السلمية التي جرت وفاتورة استضافة مصر لها رغما عنها’.
وهذا اقتراح عبقري وازيد عليه بأن يتم تخيير الإخوان بين السجن أو دفع الغرامات.. وأنا واثق انهم سيختارون السجن بارادتهم ولن يضحوا بأموالهم عملا بالمثل الشعبي ‘عض قلبي ولا تعض رغيفي’.