لم تحدد دائرة التراخيص في وزارة الإعلام معايير محددة في الترخيص وتحديد المفهوم، وانما كلام فضفاض من قبيل لا سياسة لا اقتصاد لا مواضيع اجتماعية.
رام الله-»القدس العربي»: مرة أخرى يعود ملف الإعلام الفلسطيني ومسألة الحريات في ظل تنامي حالة القمع وتكميم الأفواه في المشهد الداخلي الفلسطيني، وهذه المرة من بوابة الإذاعات المحلية التي تتبع جامعات فلسطينية وهي ثلاث في الضفة الغربية: إذاعة «علم» التي تتبع جامعة الخليل، وإذاعة «النجاح» التي تتبع جامعة النجاح في مدينة نابلس، وإذاعة «الجامعة» التي تتبع إذاعة الجامعة العربية الأمريكية في مدينة جنين.
ففي خطوة مفاجئة وغير مفهومة لعموم الوسط الصحافي ومتوقعة لإدارات الإذاعات المحلية وتحديدا إذاعة «علم» أبلغت وزارة الإعلام الفلسطينية أمس الأول (بقرار شفوي عبر الهاتف) إدارة إذاعة «علم» في مدينة الخليل بأنه «يمنع عليها الحديث في مواضيع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية» بحجة أنها «إذاعة تعليمية» تتبع لجامعة فلسطينية، وهو نفس الأمر الذي تكرر مع الإذاعتين الأخريتين.
مدير البرامج في إذاعة «علم» صلاح الدين أبو الحسن، قال في حديث خاص لـ»القدس العربي» أن «علم» لديها ترخيص منذ 10 سنوات لمزاولة العمل الإذاعي، وهي تتعامل مع القوانين بشكل سليم ولم تخالف ما ورد في بنود الترخيص طوال السنوات الماضية.
وتابع أبو الحسن: «الحقيقة التي نعلمها بالإذاعة جيدا أننا نتعرض منذ شهور لمضايقات من جهات أمنية وسياسية فلسطينية عدة، وأسباب ذلك مرتبطة بطبيعة عمل الإذاعة المهني وعدم انحيازها لطرف من الأطراف».
وعن أبرز مظاهر التضييق قال أبو الحسن: «لقد تعرضنا لتضييق من خلال مقاطعة من عدة مؤسسات رسمية بحيث رفضوا الظهور على هواء الإذاعة، ومن ثم تم استدعاء عدد من الموظفين السابقين والحاليين لجهات أمنية والتحقيق معهم حول محتوى الإذاعة وطريقة عملها».
أما آخر أنواع التضييقات فتمثلت بحسب أبو الحسن «باستدعائي بصفتي مديرا للبرامج في الإذاعة للتحقيق لدى الأجهزة الأمنية والحديث كله كان عن البرامج التي نقدمها».
وتابع: «لا نعلم مدى خصوصية القرار ومدى ارتباطه الوثيق بنا كإذاعة (علم) من غيره ولكن ما نعلمه ونؤكد عليه أنه تم تبليغنا شفويا من دائرة الترخيص في وزارة الإعلام بأن الإذاعة ستكون تعليمية فقط حيث قالوا لاءات ثلاثة: لا سياسة لا اقتصاد لا اجتماع، كما أننا تواصلنا مع زملاء في إذاعات زميلة وأكدوا لنا الأمر».
وتتفق الإذاعات الجامعية الثلاث على رفض القرار على اعتبار أنه يعتبر خطوة لإغلاق الإذاعات وطرد طواقهما لكونهم ينتمون لخبرات صحافية متنوعة وأغلبها مرتبط بموضوعات اجتماعية ورياضية واقتصادية وسياسية، في حين أن المحتوى التعليمي يتطلب خبرات خاصة وطريقة عمل مختلفة.
وحسب مصدر خاص قال لـ»القدس العربي» نرفض بشكل مطلق تعليمات أو قرارات الوزارة، إنها غير ملزمة لنا لكوننا حصلنا على تراخيص للبث العام والمنوع ولم يكن ترخيصا لإذاعة تعليمية بالمفهوم الضيق.
أبو الحسن بدوره يؤكد أنه لم يكن هناك أي حوار بين الإذاعة ووزارة الإعلام حول ما معنى إذاعة تعليمية، ولم تحدد دائرة التراخيص في الوزارة معايير محددة في الترخيص وتحديد المفهوم، وانما كلام فضفاض من قبيل لا سياسة لا اقتصاد لا مواضيع اجتماعية.
وتابع أبو الحسن «كل الجامعات الفلسطينية وجامعة عريقة كالخليل تقدم تخصصات في السياسة والإعلام والقانون والخدمة الاجتماعية وبالتالي لا بد من الحديث عن كل هذه الموضوعات.»
وشدد على أن الإذاعة مرخصة بصفتها «إذاعة شاملة وليست تعليمية وفقا للخيارات التي تضعها وزارة الاتصالات في نموذج الترخيص».
وأكد أبو الحسن على أن القرار الذي بلغوا به جاء خلال مكالمة من دائرة الترخيص في وزارة الإعلام في رام الله تبلغنا بضرورة تجديد الترخيص للإذاعة التي تعمل منذ أكثر من عشر سنوات.
وشدد أن «من يزعل من الإذاعة كثر بالمناسبة، ولا يقتصر الأمر على الجهات الفلسطينية الرسمية والمسؤولين، الحكومة لا تعجبها تغطيتا، وكذلك السلطة في غزة، وأحيانا كثيرة أطراف في قضايا محلية حقوقية أو اجتماعية في الضفة الغربية».
وأشار إلى أن «هذا مريح لنا، ألا يرضى عنك طرف من الأطراف يعني أنك لست في جيب أحد، وهذا جوهر الإعلام المستقل الذي تحاول إذاعة علم تكريسه والمضي به».
وتقدم إذاعة «علم» أسوة بـ»النجاح» و»الجامعة» برامج متنوعة تتناول الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للناس، واعتبر صحافيون فلسطينيون أن القرار يأتي في سياق «التضييق على الإعلام الفلسطيني» ومنعه من تناول القضايا الحساسة التي تمس حياة المجتمع.
وعلى خلفية إعلان الإذاعات رفضها لقرار وزارة الإعلام والكشف عن حالة التضييق عليها تبين أن البلاغ هو عمليا قرار لتحويل الإذاعات الجامعية لتكون تعليمية التوجه والبرامج صادر عن رئاسة الوزراء وتمت المصادقة عليه، غير أن تنفيذه ما زال قيد الدراسة، بحيث لم يتم تعميمه على الإذاعات بناء على هذا الأساس.
واعتبرت وزارة الإعلام أن إبلاغ الإذاعات أمس الأول ما هو إلا خطأ فردي.
وكيل وزارة الإعلام يوسف المحمود نفى في تصريحات صحافية وجود قرار رسمي بهذا الخصوص، أو أن تكون الوزارة قد أبلغت أي جهة بمثل هكذا قرار.
وقال المحمود: «إذا لم يكن التبليغ رسميًا، لا يعتمد عليه، ولا يمكن الحديث به، ومن يتبلغ هو صاحب المؤسسة ويتم تبليغه بشكل رسمي».
ونفى أن يكون قرار من هذا النوع قيد الدراسة، «ولم يصدر أي شيء من وزارة الإعلام، وكل ما قيل في الأحاديث الشفهية هو أنه إذا أرادت أي مؤسسة إعلامية أن ترخص نفسها على أنها مختصة بالتعليم فلها ذلك، وكل هدفنا من تنظيم الإعلام ونقاشنا هو الارتقاء بوسائل الإعلام».
وفي وقت لاحق سرب نص قرار موقع من وزير الإعلام نبيل أبو ردينه وجاء فيه: «استنادا للصلاحيات الممنوحة لنا بموجب القانون يتعين على كافة المؤسسات التعليمية عند طلبها ترخيص أي وسيلة إعلام أن تختص هذه الوسيلة في شؤون التعليم».
وعلمت «القدس العربي» أن القرار صدر فعليا من الوزير أبو ردينة قبل شهرين، وأن الصيغة التي كتب بها يحمل معنى أنه يقتصر على المؤسسات التعليمية التي تتقدم بطلب ترخيص جديد، وبالتالي لا يمكن أن يعمم على الإذاعات التي حصلت على تراخيص سابقة طالما يغيب على النص أي إشارة إلى تطبيقه بـ»أثر رجعي».
وأكدت المصادر أن هناك موقفين أو أكثر داخل وزارة الإعلام فيما يتعلق بالقرار حيث هناك من يقف ضده ويعارضه ويعتبره غير قانوني وهناك من يرى أنه من حق الوزارة ويجب العمل على تنفيذه.
وفي بيان صحافي قالت وزارة الإعلام، إنها «تجري نقاشات داخلية عادية ضمن تنظيم عمل وسائل الإعلام وفي هذا الإطار كان لا بد من التذكير بأن تخصص وسيلة الإعلام التعليمية يتيح الاستفادة من بعض الإعفاءات، وتستطيع المؤسسة التعليمية ترخيص وسيلتها الإعلامية ضمن التخصص، كما تستطيع التقدم للحصول على ترخيص شامل ضمن شروط الترخيص المنصوص عليها في القانون والنظام».
الصحافي والباحث عماد الأصفر مدير مركز تطوير الإعلام قال إنه «متضامن مع راديو علم في جامعة الخليل وبدون أي تحفظ».
وأضاف الأصفر: «الحقيقة أن راديو علم إذاعة جادة تجسد إعلاما ذا مضمون».
ورأى إعلاميون وحقوقيون أن القرار يحمل في طياته خطوة متقدمة ضمن خطوات السلطة الفلسطينية ضد الحريات الإعلامية في فلسطين، وضد أي وسيلة إعلامية تنتقد أداء السلطة بشكل مهني، وهو أمر يلحظ تزايده بعد مقتل المعارض السياسي الناشط نزار بنات مضيفًا.