الإرادة العربية والإسلامية الهشّة

لو طبقنا التصنيف الشهير للإرادة الذاتية الاستقلالية الأخلاقية، الذي وضعه الفيلسوف الألماني أيمانويل كانط منذ ثلاثة قرون، على القرارات التي أخذتها أعلى سلطات مؤتمرات القمة العربية والجامعة العربية ومنظمة التعاون العربي الإسلامي مؤخراً بشأن فواجع العرب والمسلمين، لما زاد ذلك التصنيف عن أدناها، الممثّلة بالإرادة الهشّة، التي هي حسب الفيلسوف، قد تعرف الفرق بين الصحيح والخطأ، وبالتالي بين الخير والشر، ومع ذلك وبأنانية وضعف ضمير، تنحاز إلى الموقف غير الأخلاقي خوفاً وهلعاً من جهة خارجية أو ممارسة للسلوك الانتهازي المماحك تجاه جهة داخلية، ويتم كل ذلك حتى لو كان فيه أذى وموتاً لألوف الأبرياء من الأطفال والنساء، وتدميراً إجرامياً لا نظير له للمستشفيات والمدارس والبيوت والكنائس والمساجد، وتجويعاً وتعطيشاً متعمداً مذلاً للمحاصرين، وتهجيراً من وطن سكنه الآباء والأجداد عبر عشرات القرون.
هكذا تتعامل إرادات تلك القوى الممثّلة لخمس وخمسين دولة عربية وإسلامية، والتي تضم مليارا ونصف المليار من البشر، والقدرات الاقتصادية الهائلة، والمكانة السياسية التي يحسب لها دولياً ألف حساب، والجغرافيا الممتدة عبر القارات، مع فواجع مثل استهداف صهيوني ممنهج يومي للبشر والحجر في غزة المحاصرة وسائر أرض فلسطين المحتلة، ومثل دخول جيوشها لكل أنحاء سوريا، وتدمير كل مظاهر القوة الحربية والأمنية والعلمية والأثرية فيها، واعتبارها ضيعة من أملاك الصهاينة الاستعماريين، والتلويح بأنهم باقون إلى الأبد في سوريا بألف صورة وصورة، ومثل الاستباحة الكاملة لكل شبر من أرض لبنان، تدميراً وقتلاً وسرقة وطرداً واغتصاباً لكل عرض، تحدياً حتى لأمريكا، التي وعدت كذباً بأنها ستقوم بمراقبة تنفيذ كذبة هدنة الاتفاق اللبناني ـ الصهيوني حتى إتمام انسحاب الجيوش الصهيونية من كل أرض لبنان المقاوم الصّامد، باسم كل العرب وكل المسلمين، ومثل مشاهدة السودان، مصدر الأمن الغذائي العربي المرتجى، وهو يمزّق إرباً إرباً من قبل الميليشيات والجيوش المؤجرة من قبل قوى استعمارية وحتى عربية متعاونة لا تخاف الله، ولا يردعها التزام عروبة أو دين، ومثل المؤامرة السافرة الواضحة التي تقودها أمريكا وحلفاؤها، من أجل تفتيت وطمس وجود القطر الليبي، ومثل استباحة أجواء القطر العراقي والتهديد بتدمير الحياة في القطر اليمني من قبل طيران الجيوش الصهيونية، وبالتالي انتقال الكيان الصهيوني، بدعم تام مجنون لا حدود له من قبل أمريكا وأنكلترا وألمانيا، لتحقيق حلمه في «إسرائيل التاريخية الكبرى»، تحت مسمى الشرق الأوسط الكبير.

مشاهد معيبة تحتاج مواجهتها إلى إرادة تضامنية ذاتية قوية عربية وإسلامية متماسكة تصدر في شكل قرارات واحدة فاعلة لتغيير الواقع ولدحر الأعداء، وعلى الأخص العدو الصهيوني

ولا تقف تلك الصور البشعة عند أقدام الكيان الصهيوني وتابعيه وخدم مشروعه، بل تمتد إلى أن تشمل دولة إسلامية كتركيا، التي بدلاً من الالتزام بالأخوة الإسلامية في سوريا للمحافظة عليها وحمايتها من كل الأعداء، تحتل جزءاً من سوريا، وتتكاتف مع أنواع لا حصر لها من التآمر على مستقبل نظامها السياسي، وتمتد إلى أن تقف العديد من الدول الاستعمارية الكلاسيكية مثل أنكلترا وفرنسا وألمانيا مساندة بألف شكل خبيث لكل ما يقوم به الكيان الصهيوني واستخباراته وأكاذبيه الدينية عبر الأرض العربية والعالم كله، وأن تمتد إلى أن تتآمر إثيوبيا على أمن مصر والسودان المائي وبالتنسيق مع مخططات الكيان الصهيوني في افريقيا، وأن تمتد إلى أن تسرح روسيا وتمرح وكأنها منقذة وصديقة، حتى إذا أزفت الآزفة انزوت ونأت بنفسها خوفاً وهلعاً من سطوة الصهيونية العالمية الأخطبوطية، وأخيراً أن تمتد الأيدي الدينية الهندية المتطرفة إلى معيشة وأمن الملايين من مسلمي الهند، من دون أن تقابل بأكثر من احتجاج ضعيف هنا وتهديد لا ينفذ هناك.
كل تلك المشاهد المعيبة تحتاج مواجهتها إلى إرادة تضامنية ذاتية قوية عربية وإسلامية متماسكة تصدر في شكل قرارات واحدة فاعلة لتغيير الواقع ولدحر الأعداء، وعلى الأخص العدو الصهيوني، لكنها لا تصدر ولا تنطق ولا حتى يُلوّح بها.
من حقنا، نحن الشعوب، أن نسأل: متى ستفعل إرادة خمس وخمسين دولة لتقول للكيان الصهيوني: إما أن تنسحب من حيث لا يحق لك أن تكون، وتتوقف عن ارتكاب المجازر بحق أي منا، وتتوقف عن الإعلان عن أحلامك الكاذبة الدينية المزيفة، وإلا فاننا سنقطع خلال اسبوع وأحد كل علاقاتنا، من دون استثناء على الإطلاق، معك. وسترون أنه سيتراجع ويتوقف وينكفئ ويعود من حيث أتى.
أصبحت الشعوب تشعر بأن التفرج على كل تلك الصور المذلّة قد أصبح عاراً لا يليق بالعروبة ولا بالإسلام. فأنتم، يا حكومات ودول، كتلة هائلة إن فعّلت إرادتها الواحدة، وأنتم كتلة ضعيفة مستباحة إن أحجمتم عن تفعيل إرادة الفعل، وعليكم الإختيار التاريخي الوجودي الآن.

كاتب بحريني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية