الإسلاموية… أزمات النهاية

حجم الخط
19

لتراجع الأهمية السياسية والمجتمعية للأحزاب والتيارات الإسلاموية، وهو تراجع مشهود على امتداد بلاد العرب من شمال إفريقيا إلى وادي النيل والمشرق، العديد من الأسباب التي تتجاوز قمع وتعقب بعض الحكومات وترتبط بهوية الفاعلين داخل تلك الأحزاب والتيارات وسمات أفكارهم وأفعالهم.
فخلال العقود الماضية، تنامت سيطرة التنظيميين والمحرضين وشيوخ الفتاوى وهمش ممارسو العمل العام (الخيري والتطوعي). تنامت سيطرة التنظيميين (الحرس الحديدي) الذين أبصروا الخرائط المجتمعية وتفاعلات السياسة في سياق مواجهات وصراعات مستمرة مع الحكومات وفي ظل شكوك قوية ومتبادلة بين أحزابهم وتياراتهم وبين القوى الوطنية الأخرى، علمانية (ليبرالية ويسارية) وقومية. يعتقد التنظيميون أنهم دوما على حق ويوظفون المرجعية الدينية لدعم الادعاء بكونهم أصحاب الحقيقة الكاملة ويخفقون كثيرا في إدراك الخطوط الفاصلة بين مصالح الإسلام السياسي وبين المصالح الوطنية.
هؤلاء يرون في ممارسي العمل العام والسياسي من خارج دوائرهم إما «سائرين في الركب» يستعان بهم إن لم يعارضوا أحزابهم وتياراتهم أو «عناصر مارقة» تستحق الهجوم والتهميش والتشويه إن هم طالبوا بالفصل بين الدين والسياسة أو تنادوا إلى التأسيس للدولة المدنية (وهي في هويتها ومضمونها مضاد الدولة الدينية والدولة العسكرية). سيطر التنظيميون على مفاصل صناعة القرار داخل الساحة الإسلاموية ودفعوا بأحزابهم وتياراتهم في الجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان والأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق، وعلى الرغم من التباين الشديد في ظروف هذه البلدان قبل وبعد 2011، إلى مواجهات مستمرة مع القوى المجتمعية والسياسية الأخرى.

جوهر الإشكالية هو الطرح الشمولي للإسلامويين الذي يدفع أحزابهم وتياراتهم من جهة إلى التدخل في كل مناحي حياتنا والخلط بينها، بين الدعوي والتربوي. ومن جهة أخرى، يرتب ذات الطرح الشمولي نزوعا للاستعلاء على الشركاء في المجتمع

خلال العقود الماضية أيضا، تعالت أصوات المحرضين الذين يدافعون بعنف لفظي بالغ عن اختيارات وقرارات الإسلامويين ويصنعون لهم صورة مثالية ومتجردة هي للخيال أقرب وفي إطار توظيف ممنهج للمرجعية الدينية. المحرضون بين الإسلامويين لا يقفون في عديد الأحيان عند حدود أخلاقية لدى الاختلاف السياسي، بل يرون في تشويه العلمانيين والتعريض بهم مكونا جوهريا لدورهم. أزمة هؤلاء هي أن تفاعلات الحياة السياسية، بما في ذلك الصراعات داخل الأحزاب والتيارات الإسلاموية عقب انتفاضات 2011 الديمقراطية، أظهرت للرأي العام الصورة الحقيقية بكل ما تحمله أحيانا من انتهازية وتحايل وتوظيف غير شريف للمرجعية الدينية وهزال فاضح للرؤى المجتمعية وقصور بين في تصورات السياسات العامة التي يروج لها الإسلامويون. تعالت كذلك أصوات شيوخ الفتاوى، وبعضهم غير منضوي تنظيميا داخل الأحزاب أو التيارات الإسلاموية وإن حسب عليهم بالمعنى الواسع. تسبب شيوخ الفتاوى في فوضى إطلاق اتهامات التكفير باتجاه بعض ممارسي العمل العام والسياسي من العلمانيين وفي نشر مقولات الكراهية لمواطنات ومواطني البلدان العربية المنتمين إن لديانات أخرى (كما في مصر) أو لمذاهب أخرى (كما في سوريا ولبنان والعراق).
بجانب التداعيات الخطيرة لأدوار التنظيميين والمحرضين وشيوخ الفتاوى، ثمة إشكاليات كبرى أخرى تعاني منها الأحزاب والتيارات الإسلاموية. تتمثل الإشكالية الأولى في حقيقة أن أغلبية تلك الأحزاب والجماعات لم تؤسس لا كهيئات أهلية تعمل لصالح المجتمع في مجالات بعينها ولا كأحزاب سياسية فقط هدفها الوحيد المنافسة في الانتخابات والوصول للحكم. بل أسست، وفقا لصياغات الإيديولوجيات الإسلاموية من بدايات القرن العشرين وإلى يومنا هذا، بادعاء الرغبة في إحداث تغيير شامل في المجتمع والسياسة ونظر أعضائها دوما لها باعتبارها تقدم بديلا عقائديا للدولة الوطنية القائمة وللمجتمع بكياناته المختلفة. بعض الإسلامويين لم يقف عند حدود العمل السلمي لتغيير الدولة والمجتمع، بل وظف في مراحل محددة العنف. جوهر الإشكالية الأولى هذه هو الطرح الشمولي للإسلامويين الذي يدفع أحزابهم وتياراتهم من جهة إلى التدخل في كل مناحي حياتنا والخلط بينها، بين الدعوي والتربوي كما بين الخيري والتنموي والسياسي. ومن جهة أخرى، يرتب ذات الطرح الشمولي نزوعا للاستعلاء على الشركاء في المجتمع وقناعة دائمة بكون الإسلامويين دوما على حق (ولنا في أقوال وممارسات حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان وقيادات جماعة الإخوان المسلمين المصرية في المنفى العديد من الأدلة الدامغة على النهج الاستعلائي).
أما الإشكالية الثانية، فتتمثل في غياب الفصل بين العمل السياسي وبين العمل الدعوي والمجتمعي بصورة عامة وترتبط لذلك بغياب التخصص عن ممارسي السياسة من داخل الساحة الإسلاموية. يجيد الإسلامويون، حين تسمح لهم الحكومات بذلك أو تنفذهم إليها تحولات المجتمع والسياسة، المنافسة في الانتخابات والحشد المنظم لها. أما العمل السياسي داخل المؤسسات المنتخبة إن في السلطة التشريعية أو التنفيذية، وخاصة عندما يكون من مواقع الأكثرية البرلمانية كما في تونس أو من موقع رأس السلطة التنفيذية كما في المغرب، فيستدعي قدرات خاصة يأتي بها المتخصص في التشريع والقانون والتعليم والاقتصاد والعمل التنفيذي والإدارة المحلية والسياسة الخارجية. ومثل هذه القدرات تطورها وتجتذبها عادة الأحزاب وتدفع بأصحابها لواجهة العمل العام والسياسي. ولا شك أن بعض هذه الكفاءات والقدرات متوفر داخل الأحزاب والتيارات الإسلاموية، إلا أن تركيبتهم العقائدية وتداخلات السياسي والدعوي كثيرا ما تهمش هؤلاء وتعطي مساحات الحركة والنفوذ الحقيقية إما للتنظيميين أو للمحرضين الذين يعوضون هزال رؤاهم وقصور ممارساتهم بالاستعلاء وادعاء احتكار الحقيقة المطلقة.
كاتب من مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الرحمان بن مبروك الجزائر:

    هذه الطريقة في معالجة قضايا الأمة مبنية على استأصاال الفكر الآخر وتقديم خدمات مجانية للديكتاتورية في العالم العربي وتسويق الأكاذيب والإنتصار لفكر على فكر باستغلال الديكتاتورية والصراع الحضاري ، والتستر بالعقلانية من أجل الإنتصار للفكر التغريبي ، فلماذا تتموهون ، فلتعلنوها صراحة أن الإسلام لا يصلح أن يحكم أو يحتكم إليه ، ونقول لكم هذا من حقكم ، ولكن أليس من حق الآخر أن يرى الخلاص في الإسلام وليس في العلمانية ، ثم أليس من الإنصاف أن نقول بأن العلمانية هي التي فشلت لأنها حكمت فكل من تولى القيادة في البلاد العربية وجهته علمانية ، بينما أن الإسلاميين لم تمنح لهم الفرصة وقد ذكرت مصر في مقالك والتي أفشل فيها العلمانيون الديمقراطية وفضلوا الديكتاتورية على الديمقراطية ، ثم أنكم سيدي تتهمون الشعوب أنها لا تفرق بين الغث والسمين ولن تكون عندكم ناضجة إلا إذا اقتنعتت بالحل العلماني ، أليس هذا ما تتهمون به الإسلاميون أنهم يحتكرون الحقيقة والصواب ، يا سيدي حقيقة الأمر أن الصراع صراع حضاري بين الفكر الغربي المتمثل في العلمانية وأنتم أدواتهم في البلاد العربية وتلتقون مع الديكتاتورية وتتعاونون معها وذلك عندما لا تستطيعون إقناع الشعوب بأطروحاتكم ، فالفشلة الحقيقيون هم مروجوا العلمانية

  2. يقول علي:

    لم تصل هذه الفقرة من التعليق:
    1-قبل انقلاب يونيو 2013 ، قامت جبهت الإنقاذ العلمانية بالتآمر على ثورة الشعب المصري، وقدمت قرابين الولاء والطاعة للعسكري الانقلابي الذي قاد عملية التمهيد للانقلاب بتحريك البلطجية والتنظيمات السرية والقوى الفاشلة أمام صندوق الاقتراع، مستغلا تسامح القيادات المنتخبة، وعدم إدراكها أن ما يحاك لها في دوائر الأعراب والكيان الصهيوني والعالم الاستعماري، ليس العصف بها ونسفها واستئصالها من الساحة فحسب، بل استئصال الإسلام برموزه ودعاته ونشطائه إن صح التعبير، كي يعيش الكيان الصهيوني آمنا، وتبقى العروش التي يجلس عليها الأعراب مطمئنة، ويتقدم إلى الساحة فلول القوى لعلمانية الفاشلة التي تحبذ الثقافة السلبية الغربية وتطبيقاتها المؤذية.
    لم تتراجع الأهمية السياسية والمجتمعية للأحزاب والتيارات الإسلامية، بالقمع العسكري والبوليسي والمخابراتي، وتعقب الحكومات الانقلابية والمنشارية والاستبدادية فقط، ولكن بالتسامح الساذج، والاستسلام المهين للطغاة، وعدم تفعيل الحزم ضد المرتزقة والخونة والعملاء.

  3. يقول علي:

    وهذه الفقرة أيضا:
    4-جوهر (الإشكالية) ليس هو الطرح الشمولي للإسلاميين الذي يدفع أحزابهم وتياراتهم من جهة إلى التدخل في كل مناحي حياتنا والخلط بينها. جوهر المشكل هو تنحية الإسلام عن التدخل في حياتنا منذ جاء نابليون إلى أرض مصر قاتلا وناهبا ولصا حتى الآن!
    الإسلاميون ليسوا انتهازيين، ولا يتحايلون على المجتمع، ولا يوظفون المرجعية الإسلامية توظيفا غير شريف . لو كانت لديهم القدرة على ذلك ربما لم يذبحوا في الميادين ، ويلقي بعشرات الألوف منهم في السجون، ولم يطاردوا في فجاج الأرض. إن الذين يفعلون ذلك ممن يرفعون لافتة إسلامية هم من صناعة الحكومات المستبدة ومخابراتها، وهم يأتمرون بأمر ضباط الأمن والمخابرات، ولهم فروع في بلاد الأعراب ، ويعرفهم الناس جميعا، ويؤمنون بطاعة ما يسمى ولي الأمر ولو زنا على شاشة التلفزيون!
    ليتنا نلتزم بالحقائق ونحن نتكلم عن الإسلاميين، ونصفهم بالإسلامويين، وهو اشتقاق لم يرد في اللغة، وإنما صنعته الكراهية للإسلام والمسلمين!

  4. يقول محمود يوسف محمد علي-مصر المحروسه:

    ومازال أدعياء العلمانيه والليبراليه الذين فضحوا عمالتهم للعسكر بأنفسهم مستمرين في سقوطهم نحو القاع بلا توقف.

  5. يقول زياد:

    العلمانويون في مصر لم يتحملوا نتيجة الانتخابات وتعاونوا مع العسكر على اسقاط رئيس منتخب بدعوى أخونة الدولة. وكأنهم لايعرفون اهم درس في السياسة و هو أن من يفوز بالانتخابات في الغرب يأتي بمن سينفذ رؤيته التي انتخبه الناس عليها. الازمة في عالمنا العربي هي أزمة من يدعون العلمانية وهم في الأساس مع كل توجه ضد ثقافة الأمة كيفما كان نوعه.

  6. يقول محمد:

    المشكلة في مثل هؤلاء المحللين أنهم عملاء ومخبرين للعسكر كل همهم هو الاسلام ومحاربته تحت غطاء محاربة التطرف أنتم لا تستطيعون أن تتنفسوا خارج الأنابيب العسكرية أو خارج البيادة كما يقول إخواننا المصريون الاخوان المسلمون أصحاب حق ومظلومون بل وشرعيون فازوا في كل الانتخابات ومحمد مرسي رئيس عالم مؤمن عرقل في عمله من قبل العسكر والعلمانيين والفاسدين محمد مرسي حمى غزة وكان غصة في حلق العدو للهم ارحمه رحمة واسعة هو وصحبه محمد عاكف وعصام العريان وغيرهم وكن بلسما تداوي به جراح المسجونين والمعتقلينأما أنتم يا محللوا النظام والعسكر فالعار والخزي عليكم

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية