عشية خريف الديمقراطية في العالم العربي، وظهور مؤشرات كثيرة على تمدد المحور المناهض للديمقراطية في العالم وفي المحاور الإقليمية العربية، ثار نقاش كبير في أوساط الإسلاميين، وكذا القوى المعنية بالإصلاح الديمقراطي في العالم العربي، حول المحيط الدولي والإقليمي ومدى علاقته بمسار الدمقرطة، وهل يساير نزعات مناهضتها، أم لا تزال اتجاهات السياسة الدولية والإقليمية تساعد عليها، أم أن هذه الاتجاهات تكتنفها توترات وفجوات، تسمح بتقدم الديمقراطية ونكوصها في آن واحد، حسب قدرة القوى الإصلاحية على إنتاج المناورات والتكتيكات المناسبة لكل سياق على حدة.
الواقع أن سلوك الإسلاميين على العموم انطلق من محددين اثنين: الأول، انطلق من وحي سقوط تجربة الإخوان في مصر، وما رافقها وتلاها من تغول إقليمي سعودي إماراتي مصري، يرفع شعار مناهضة الإسلام السياسي في المنطقة. والثاني، انطلق من قراءة للوضع الدولي، اعتمدت تقديرا سياسيا يرى بأن موجة انتشار الديمقراطية، قد تراجعت لجهة موجة مناهضتها، وأن صعود التيار اليميني في أوروبا، ودلالات صعود ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، صار يؤشر على تراجع الديمقراطية وحقوق الإنسان في بوصلة السياسات الدولية، وعودة مفاهيم الأمن وما يرتبط بها من دعم السلطوية لتأمين المصالح الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية على السواء.
ولذلك، انطبع سلوك الإسلاميين في الأغلب الأعم بمنطق الانحناء للعاصفة التي قد تقصر أو تطول حسب تحولات السياسة. وقد انعكس ذلك في حالة تونس التي اختارت فيها حركة النهضة التحالف مع بقايا النظام لتأمين البقاء في مربع الحكم، وحزب العدالة والتنمية في المغرب الذي قبل التنازل عن محدداته التفاوضية لتشكيل الحكومة عشية فوزه بانتخابات السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2016، مقابل مسايرة الشروط السياسية التي أفرزها واقع ما بعد إعفاء بنكيران، فيما لعبت شروط إقليمية مرتبطة بصفقة القرن دورا في إبعاد شبح هذه المعادلة عن إسلاميي الأردن الذين اختاروا الاقتراب من المؤسسة الملكية لمواجهة مخاطر هذه الصفقة.
والواقع أن مشكلة الإسلاميين في تقديرهم لاتجاهات السياسات الدولية، أنهم لم يقرأوا في أبعادها وتطوراتها طابعها المتقلب، بل لم يقرأوا في فعالية المحاور الأخرى (إيران أو تركيا وغيرها)، أي مؤثر يمكن أن يغير البوصلة مرة أخرى لجهة إسناد الموجة الديمقراطية، أو على الأقل، تعميق الجراح داخل المحور الدولي الإقليمي المناهض لها، بل لم ينطلقوا من القراءة الصحيحة للسياسة الدولية في راهنها، أي واقع فوضاها وتوترها وعدم استقرار حالتها وعدم وضوح مؤشراتها، بالشكل الذي يسمح بالكلية باستنتاج ما اعتمدوه من تقدير يرى أن النفس العام هو مناهضة الديمقراطية ومناهضة الإسلام السياسي على الخصوص.
اليوم، وبعد أن أفضت اتجاهات السياسات الدولية والإقليمية إلى تطورات أخرى مغايرة للصورة التي حملها الإسلاميون، اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن أطروحتهم كانت متسرعة ومحكومة بالخوف ونزعة المحافظة، وذلك سواء في قراءتهم للحالة الأمريكية، أو الأوروبية، أو قراءتهم لسيناريوهات إعادة تشكيل الشرق الأوسط، أو حتى في سوء مبالغتهم لقدرة المحور السعودي الإماراتي المصري في مناهضة الدمقرطة ومحاصرة الإسلاميين في المنطقة.
على مستوى الحالة الأمريكية، ظهرت في الآونة الأخيرة تحولات دالة تؤذن بسقوط ترامب الوشيك بإجراءات لمجلس النواب الأمريكي على خلفية استثماره لموقعه السياسي كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية لطلب مساعدة أوكرانيا في عمل انتخابي لصالحه الشخصي ضد منافسيه من الديمقراطيين. هذا المؤشر الكبير على تطور الحالة الأمريكية وعدم استقرارها، يشهد له تصريح الرئيس ترامب نفسه، وطريقة توصيفه لإجراءات مجلس النواب، إذ اعتبرها انقلابا غير مسبوق في تاريخ التجربة السياسية الأمريكية. وسواء انتهت هذه الإجراءات إلى عزله أم لا، فإن هذه الديناميات ستحكم على أمريكا لفترة مهمة، الانشغال بوضعها الداخلي عن مواجهة الاستراتيجية الإيرانية أو إعطاء سند حقيقي للسعودية في رهانتها على الحفاظ على أمنها الإقليمي فضلا عن رغبتها في نحاصرة نزعة الدمقرطة وفاعلية الإسلام السياسية.
اندلع في الحالة المغربية، نقد قوي لتجربة الإسلاميين الذين سايروا نفس القراءة للوضع الدولي، وانتهى بهم المطاف إلى التوقيع على تراجع مواقعهم وتفكيك تحالفاتهم الاستراتيجية والحكم على عزلتهم السياسية
نفس الشيء تقريبا، يمكن معاينته على مستوى بريطانيا، وإن بشكل أقل، بالنسبة لرئيس الوزراء جونسون الذي يعاني من تقليم أظافره، ورفض قراره بحل البرلمان، فضلا عن حراك سياسي بريطاني واسع من أجل أن ينتهي مصيره إلى ما انتهى إليه مصير ترامب.
حالة الشرق الأوسط، هي الأخرى، تعرف تحولات تنذر بارتباك المشاريع الأمريكية المقدمة، فـ«صفقة القرن» تعثرت بشكل كبير قبيل أن تشهد الولايات المتحدة الأمريكية حراكها السياسي الأخير لعزل ترامب، فقد رفضت هذه الصفقة، ولم ينفع تحويلها أو استباقها بأجندة اقتصادية في ورشة البحرين في الترويج لها، مما اضطر ترامب نفسه إلى التأكيد على أنها ليست آنية وعاجلة، بل يمكن تأخيرها وتطويرها استجابة لرغبات الشركاء.
المعطى الذي قلب الصورة بشكل كامل، وهو التداخل الذي وقع للمحور الإقليمي السعودي الإماراتي المصري المناهض للدمقرطة، وذلك بين استراتيجيتين غير منسجمتين: استراتيجية منع التمدد الإيراني في المنطقة، واستراتيجية مواجهة الدمقرطة وتصدر الإسلاميين للمشهد السياسي في العديد من الدول العربية، هذا بالإضافة إلى استراتيجية أخرى إماراتية خاصة في اليمن وغيرها: إذ انتهى الأمر بالنسبة بالنسبة للتحالف السعودي في اليمن إلى التفكك، وانسحاب بعض الدول العربية على خلفية تفجر البعد الإنساني، ثم انتهى بعد ذلك إلى خسارة عسكرية وسياسية فادحة، فضلا عن ظهور مؤشرات ارتباك في التحالف السعودي والإماراتي حول اختلاف الأجندة في اليمن.
النتيجة التي أفضى إليها الوضع في اليمن، أن هيبة المؤسسة العسكرية السعودية قد مست بعمق في اليمن بإعلان الحوثيين عن أسر حوالي 2000 من السعوديين في عملية عسكرية موثقة بالصور والفيديو، واضطرار القيادة السعودية إلى تغيير استراتيجيتها بالكامل لجهة قبول جزئي لإيقاف إطلاق النار، مع الانعطافة لقبول الحل السياسي مع إيران لتأمين أمنها القومي.
هذه الهزيمة العسكرية السعودية مع الحوثيين في اليمن، والهزيمة السياسية مع إيران، والتردد الأمريكي في المضي بخيار مواجهة إيران إلى ما تطمح إليه السعودية، فضلا عن فشل الاستراتيجية السعودية الإماراتية في دحر حكومة التوافق في ليبيا، كان لها انعكاس واضح على مستوى قدرة المحور السعودي الإماراتي المصري على القيام على استراتيجية مناهضة الإسلاميين في المنطقة، وإيقاف مسار الدمقرطة. فقد أثبتت الحالة التونسية (انتخابات الدورة الأولى من الرئاسة) والجزائرية والسودانية وإن بشكل نسبي، في إثبات محدودية هذا المحور على الحسم في المستقبل السياسي لهذه الدول، كما أبانت مؤشرات الربيع الديمقراطي الثاني في مصر ضد حكم عبد الفتاح السيسي، مؤشرات ضعف وترهل هذا المحور وعدم قدرته على الصمود، بسبب الوضع الداخلي الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية، ووضع ترامب غير المحسود عليه، هذا فضلا عن تراجع المؤشرات الاقتصادية في السعودية، وتراجع تصنيفها الائتماني (تقرير مؤسسة فيتش)، وما يعنيه ذلك من محدودية قدرتها على تمويل المشاريع الضخمة لاسترضاء النخب المناهضة للديمقراطية.
محصلة هذا التحليل والاستقراء، أن قراءة للإسلاميين للوضع الدولي والإقليمي كانت محكومة بالخوف وسيطرة النسق المحافظ في التفكير، وأنهم بناء على سوء القراءة والتقدير، تورطوا في إنتاج سلوكات سياسية، أفضت بهم إلى مواجهة واقع سياسي يدينهم ويدين الأحزاب الساسية برمتها كما وقع في الحالة التونسية كما أظهرت ذلك نتائج الانتخابات الرئاسية في جولتها الأولى، إذ تحرك النقاش داخل حركة النهضة نفسها بضرورة إجراء نقد ذاتي على خلفية سياسات ومواقف اتخذتها الحركة بعيدا عن تطلعات الثورة وعناوينها الرئيسية واسترضاء لنخب الحكم، وهو الوضع نفسه الذي تعيشه الحالة المغربية، التي اندلع فيها نقد قوي لتجربة الإسلاميين الذين سايروا نفس القراءة للوضع الدولي، وانتهى بهم المطاف إلى التوقيع على تراجع مواقعهم وتفكيك تحالفاتهم الاستراتيجية والحكم على عزلتهم السياسية.
كاتب وباحث مغربي
مشكلة الأحزاب الإسلامية في العالم العربي أنهم يتعرضون للفشل باستمرار لأنهم يسعون لإيجاد حلول لمشاكل عصرية معقدة بمنطق دعوي قروسطوي وتبسيطي ولذلك فهم يخبطون خبط عشواء على مستوى التصدي للمشاكل في الداخل وعلى مستوى فهم طبيعة استراتيجيات العلاقات الدولية. نستثني من هذا توجه جمهورية إيران على مستوى السياسة الخارجية في علاقاتها مع الجيران ومع القوى الدولية. لكن لا يمكن اعتبار إيران ذات توجه إسلامي يشبه توجه الحركات الإسلامية في العالم العربي .
وماذا عن التجارب الناجحة مثل التجربة التركية او الماليزية اوالاندونيسية او الباكستانية أليست هذه تجارب باكستانية هذه قراءة وتحليل ناقص يربو قصدا الى استبعاد مؤشرات النجاح ومن اهمه استقرار الأمني وإعطاء الفرصة للشعب من جديد للإبداع والتجديد في وسائل المقاومة والنهوض مرة اخرى، فنكوص حزب او تراجعه الانتخابي لا يعني ابد اندثاره او اندثار فكره السياسي …
لو قرأت تعليقي جيدا يا سيد عبد الصمد لتوصلت إلى أنني اقتصرت في تقييمي على الأحزاب الإسلامية ( الإخوان المسلمون ) في البلدان العربية. ذلك أنني أعرف أن الخصائص الثقافية والاجتماعية للبلدان الإسلامية غير العربية تختلف جذريا عن البلدان العربية رغم وحدة الدين. ومن الغريب أنك أدرجت في تعليقك بلاد باكستان التي تعاني من مشاكل وأزمات لا تعد ولا تحصى وهي لا تحكم حاليا من لدن تيار حزبي إسلامي .مع تحياتي.
تحليل سليم. تبارك الله عليك
ان الخلل ليس في الشعوب بل في النخب العربية و التي هي في حقيقة الأمر ليست بالنحب .لكونها لم تعرف كيف تتفاهم علي مشروع الدولة التي يطمح لها الشعب و من المفترض هم أيضا بل راح كل منهم يدافع عن تياه و بان منهم من هو متعلقا و مرتزقا و ارتمي في أحضان من يدفع أكثر و تاه الشعب في مختلف الدروب و الاتجاهات و أصبح يحن الي ايام الدكتاتور
في بلاد العرب ليست لدينا أحزاب بمعني الأحزاب بل مجموعات متسارعة تطمح الي الوصول الي السلطة و بأي ثمن و تنادي بالديمقراطية و هي منذ نشأتها لم تعرف ديمقراطية فالمؤسس يظل علي رأس الحزب الي بوفيه الله بالاجل المحتوم أو يعتقله النظام و يظل في قياهب السجون .ليس لديهم مشاريع لا اقتصادية و لا ثقافية و لا حتي دنية لا يؤمنون بالرأي الآخر و يتعايشون مع غيرهم اي المعارض لهم أما هو و أما هم فنحن العرب لدينا عمي اللأوان لانريد إلا لونين ابيض أو اسود فقط .
الإسلاميون ماهم إلا جزء من هذه الامه لهم ما لها و عليم ما عليها و لا فرق بينهم و بين الحاكم الديكتاتور السابق الا شي واحد هو أن الحاكم الدكتاتور الذي اسقطه الشعب كان يعتقل المعارضين و من ضمنهم الإسلاميين طبعا بتهم الخيانه و العمالة للخارج و التآمر علي الدولة و قد يدفع المعارض حياته ثمنا لتلك التهم الواهية في معظمها الان الاسلاميين يرمون المعارض لهم بالتهم السابقة و يزيدون عليها تهمة الكفر أو الزندقة و الخروج عن الملة و هي أشد وطاتا من كل التهم الأخري كما أنهم أخذوا الكل في الكل و نقضوا ما كانوا يروجون له إذا ما هو الفرق اي من هو الأحسن الدكتاتورية الوطنية ام الدكتاتورية الدينية و ياليتها دنية حقيقتا اي بتطبيق الدين كما في القرن لأنه ينصف لكل لو طبق كما يجب و أخذت روح التسامح و التعايش الموجودة فيه بتمعن و طول بال
ان الثورات المضاة موحدة وتغذيها جماعات نافذة في الدولة العميقة و حتي دول تخشي من تداعيات الثورة الشعبية و مازاد في تغول هذه الثورات و رفض بعض القادة السابقين الاستسلام هو أخطاء الثورات الاولي التي كانت تنتقل في مطالبها تصاعديا فمن تحسين الحالة الاجتماعية الي سقوط النظام و أركانه و مصادرة املاك رجال الدولة السابقين و محاكمتهم و الشي نفسه وقع مع رجال الأعمال و المقربون من تلك الأنظمة اي تم حشر النظام في الزاوية و عدم ترك منفذ له جعله يقاوم بكل قوة فحكم الإعدام قد صدر و لماذا الاستسلام .