الإسلاميون والديمقراطية: معجزة تونس وعار مصر

حجم الخط
9

مدهش أن تقترن ذكرى نجاح الثورة التونسية الرائدة اليوم بمشهدين متباينين في تونس مهد الثورة ومصر ثاني فتوحاتها. ففي تونس، يحتفل الشعب الذي أراد الحياة وقد انتصرت إرادته، وتحقق له دستور متوافق عليه، ولجنة انتخابية يثق الجميع بنزاهتها، وقيادات ديمقراطية ممثلة في حركة إسلامية اتبعت وحلفاؤها حكمة سليمان، فحافظت على الثورة الوليدة حتى لا يقطعها الحاقدون أشلاء، فأثبتت بحق أمومتها للثورة وحرصها على الوطن. أما في مصر، فقد اختار أعداء الثورة هذا اليوم لتمرير دستور ‘مضروب’، وسيف معاوية مسلول فوق الرؤوس، فإما أن تبايع وإما أن تعذب. وليس هناك جو حرية حتى يختار الناس، ولايسمح لصوت مخالف بأن يرتفع. ثم يتحدث هؤلاء عن ديمقراطية وانتخابات، ويمالئهم في ذلك منافقون وكذابون من خارج مصر وداخلها.
في مصر كما في تونس، ثار الشعب مرتين، مرة حين أسقط الأنظمة الفاسدة التي مردت على الطغيان وإسكات الأصوات، ومرة أخرى حين اطرح النخب التي تربت في حجرها ورضعت من لبانها، واحتمت بظلها من الشعب.
ولكن هذه النخب المتمسكة بالسلطة من وراء حجاب، والمعششة داخل إعلام الدولة ومصارفها وبيروقراطيتها وجيوشها وشرطتها وجحور أخرى يعلمها الله، قاتلت بشراسة لتعود إلى مقعدها، وهو أمر لن يتأتى إلا بسلب الشعب حياته، وإسكات صوته. ولكن الشعوب لم تعد تقبل الصمت ولا تريد العودة إلى المقابر والقيود التي انكسرت، ولن ترضى ضيق الزنازين بعد أن استنشقت هواء الحرية الطلق.
لهذا السبب، أراد بعض شياطين الإنس للشعوب أن تصوغ قيدها بنفسها، وأن تهرع إلى زنزانتها لتستجير بنارها من رمضاء كانوا هم من ساق الناس إلى حرها. وهكذا نشروا الدعاية المسمومة، وخوفوا الناس من مؤامرات هم من دبرها، وقسموهم شيعاً وطوائف يخوفون بعضهم من بعض، ودبجوا في سبيل ذلك الأساطير والخرافات، وحرضوا ونفروا، حتى سقط الجميع في الفخ، وأصبح الشعب الذي أسقط الدكتاتور تتوسل بعض فئاته لدكتاتور جديد حتى يسارع بوضع القيود في الأيدي في الأرجل. وقد صدق في هذه الأمة مقولات غلاة الصهاينة وأنصارهم من المستشرقين التي قالت عنا إننا شعوب لا تعرف الحرية ولا تستحقها.
قبل ذلك كان أمير الشعراء أحمد شوقي من أول من لمح إلى دور التضليل في التلاعب بإرادة الشعوب كما أورد على لسان إحدى شخصياته في مسرحيته الشعرية ‘مصرع كليوباترا’:
أنظر الشعب ديون كيف يوحون إليه
ملأ الجو هتافاً بحياتي قاتليه
أثر البهتان فيه وانطلى الزور عليه
ياله من ببغاء عقله في أذنيه!
وبالطبع فإن شوقي لم يكن يتحدث وقتها فقط عن بدايات العهد الروماني في مصر، واللبيب بالإشارة يفهم! وقد عاش شوقي رحمه الله حتى رأى بوادر صعود الغوغائية الأوروبية بشقيها الفاشي والبلشفي، وإن كان لم ير كل أهوالها، ولكن الله تعالى حماه من مشاهدة الغوغائية العربية المعاصرة نشرت الخراب في بلدان عربية كثيرة ولم تنج منها مصر.
لا تختلف تونس كثيراً عن مصر والعراق وسوريا والبحرين وغيرها من جهة انتشار الغوغائية ونشاط وهمة قوى الثورة المضادة في محاولة لكسر إرادة الشعوب وإعادتها إلى بيت الطاعة. ولكن النتيجة اختلفت تماماً، حيث فشلت الثورة المضادة في تحقيق أهدافها، وعادت الفلول منكسرة، ولم تجد الأحزاب الميكروبية دكتاتوراً جديداً تلوذ به من مواجهة إرادة الشعب.
وتعود هذه النتيجة أساساً إلى حكمة القيادات الديمقراطية في تونس، وعلى رأسها حركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي، والمؤتمر من أجل الجمهورية بقيادة الرئيس المنصف المرزوقي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بقيادة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي. فقد أدارت هذه القيادات المرحلة بروح ديمقراطية، وسعت دوماً إلى التوافق، كما ردت بحكمة على المحاولات الغوغائية لاستثارة المشاعر بعد كل جريمة اغتيال سياسي، علماً بأن مثل هذه الجرائم من المخاطر التي تتعرض لها الديمقراطيات وغيرها. ولكن من الغباء أن يكون رد الفعل على الجرائم السياسية تهييج المشاعر والتحريض على الحرب الأهلية، لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من القتل!
وقد يكون الأمر أسوأ، كما حدث في رواندا عندما أدى اغتيال رئيسها جوفنال هابياريمانا مع رئيس بوروندي سيبريان انتارياميرا باسقاط الطائرة التي كانت تقلهما إلى العاصمة كيغالي بصاروخ مجهول المصدر عام 1994. فقد استغل متطرفو التوتسي الحدث للشروع في حملة إبادة جماعية ضد أقلية التوتسي، ونجحوا خلال مائة يوم في قتل ما لا يقل عن ثمانمئة ألف مدني، معظمهم من النساء والأطفال. ولم ينج من هذه المذابح الهوتو ‘المعتدلون’، أي من كانوا يعترضون على مثل هذه المجازر الجماعية ويدعون إلى التعايش بين الطوائف. ولكن النتيجة لم تكن انتصار الهوتو، بل بالعكس، تحقق ما كانوا يخشونه، وسيطرت الأقلية التوتسية على مقاليد الأمور في رواندا، وأصبح الهوتو مشردين في كل مكان أو مستعبدين في وطنهم، جزاء وفاقاً.
القادة التونسيون المتمسكون بالديمقراطية كانوا من الحكمة بحيث فوتوا على مثيري الفتنة الذين أرادوا أن يجعلوا من مقتل شخص واحد ذريعة لسفك دماء آلاف التونسيين ثم إعادة الأمة إلى السجن التي خرجت منه ظافرة. لم يتعامل هؤلاء القادة مع التحريض بتحريض مضاد، بل سعوا إلى التهدئة والتوافق والحوار، فضربوا مثلاً لغيرهم في ذلك، وقدموا التنازلات في أريحية فداءً للوطن، وتركوا السلطة طائعين، ولم يتمسكوا بها بأي ثمن.
بالمقابل، فإن الأطراف المصرية، بما فيها الإخوان المسلمون، تمسك كل منها بموقفه، وتنطع في جانب الحق الذي كان معه، فأصبح ‘كل حزب بما لديهم فرحون’، حتى وقعت الكارثة على الجميع. وليس المهم في هذه الحالة من هو المصيب ومن هو المخطئ، لأن الكارثة عمت الجميع، وأصبحت مصر اليوم رواندا أخرى، تدمر نفسها بنفسها كما تفعل سوريا وكما هو الحال في العراق. وقد كان بإمكان زعماء تونس، والحق كله معهم، أن يرفضوا مطالب الأقلية المعارضة، ويتحدوها في الشوارع والمحاكم. ولكن النتيجة ربما جاءت ضرراً بكل تونس، تماماً كما حدث في مصر، ويحدث في العراق والبحرين.
العبرة من كل هذا تكمن في أهمية الحكمة في تجنيب البلاد المصائر المظلمة، وتقليل تكلفة وضريبة الانتقال.
فالشعوب منتصرة لا محالة، والطغيان إلى زوال. ولكن العبرة هنا بالثمن الذي يدفع لتحقيق هذه الغاية. ويمكن هنا أن نقارن بين تجارب بريطانيا وفرنسا في الانتقال الديمقراطي. فقد سبقت بريطانيا فرنسا في الثورات، بدءاً من الحرب الأهلية في منتصف القرن السابع عشر و ‘الثورة المجيدة’ في أواخره، أي قبل قرن كامل من الثورة الفرنسية. ولكن بريطانيا تميزت بأن التحولات فيها تأتي بالتدريج، وبالتوافق، بينما اختارت فرنسا منهج القطع والعنف. والنتيجة هي أن بريطانيا وفرنسا اليوم في نفس مرحلة التطور السياسي، ولكن فرنسا دفعت ثمناً أكبر بكثير من بريطانيا، في الدماء التي سفكت، ومن استقرارها السياسي ونموها الاقتصادي.
ومن واجب النخب العربية أن تدرك أن عاقبة كل بلداننا ستكون أنظمة ديمقراطية تشارك فيها كل القوى، وأن من الأفضل اختصار الطريق بالجلوس إلى مائدة الحوار. والممسكون بالسلطة في مصر اليوم والنخب الموالية لهم هم امام خيار، بين أن يكونوا جزءاً من السلطة القادمة أو في سجونها، وبين أن يكونوا في سجلات الفخر فيها، كما كان شأن مانديلا، أم في سجلات الخزي والعار، على غرار موبوتو وعيدي أمين وقادة الهوتو. أما مخطط الإبادة الجماعية للإسلاميين الذي يدبره أصحاب السلطة في مصر، وهو أسلوب اتبع في مصر منذ أيام النقراشي وتبعه ناصر بغير إحسان، ثم مبارك، فهو من قبل تجريب المجرب وإعادة تدوير الفشل. يكفي أن أولئك جميعاً ذهبوا كما سيذهب السيسي، والإسلاميون في نمو وازدهار بدل التراجع. فلماذا تضييع الوقت وإهدار الموارد، فضلاً عن سفك الدماء وتدمير الأوطان وتحويلها إلى سجون؟
كنت قد عنونت أول مقال لي عندما بدأت الكتابة الراتبة في ‘القدس العربي’ عام 1996 بعنوان ‘جائزة نوبل للسلام للمعارض العربي’، منوهاً بجهود معارضين عرب جنبوا بلادهم الحروب الأهلية رغم محاولة الأنظمة جرهم إليها جراً.
وكنت أعني تحديداً حينها الشيخ راشد الغنوشي، ولكن لم يكن من الممكن التصريح بذلك وقتها لأسباب عدة، ليس أقلها أن الصحيفة كانت توزع في تونس ولم نكن نريد أن نحرم قراءنا هناك منها. ولكن ها أنا اليوم أعيد الكرة، وأدعو إلى ترشيح الدكتور المنصف المرزوقي والشيخ الغنوشي والأساتذة مصطفى بن جعفر وحمادي جبالي وعلي العريض لجائزة نوبل للسلام، عرفاناً بجهودهم وإنجازاتهم التي ينبغي أن يتعلم منها بقية العرب والعالم جميعاً.
فالتهنئة لتونس بثورتها ورجالها ونسائها، والدعوة بأن ينقذ الله مصر من المستنقع الذي غرقت فيه كما غرق فرعون من قبل عندما لم يواته العقل إلا بعد فوات الأوان.

‘ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الأسد نصر الله:

    وماذا عن عار إخوته الذين دمروا السودان بأكمله ، إن الإسلامويون الذين أبتلى بهم الشعب السودانى على مدى ربع قرن من الزمان هم العار ذاته يمشى على رجلين.

  2. يقول ahmad omar:

    حق للسودان ان تفخر بأمثالك ، ولو كنت رئيسا عربيا لما توانيت لحظة بأن تكون مستشاري الأول هذا إن لم تكن أنت رئيسي أصلا.

  3. يقول عبدربه خطاب:

    ومع اننا نوافقك تماما في معظم ما كتبته اناملك الكريمة يا استاذ عبدالوهاب فاننا نحن ابناء هذه الأمة المقهورة المظلومة بتنا على قناعة تامة بان امتنا ما زالت بعيدة كل البعد عن تحقيق آملها وامانيها في العيش الحر الكريم. والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم قدرتنا على التخلص النهائي من ارثنا الممسوخ وفكرنا المشلول وعدم قدرة المفكرين من ابنائنا على التجديد والابداع. لاأقصد بذلك عقيدتنا الاسلامية السمحة بأي حال من الأحوال ولكنني اعني ضرورة التجديد وعودة الروح التي اتسمت بها امتنا الاسلامية قبل حلول مرحلة الهزائم والانكسارات المتتالية. ومن الغريب جدا الا تفهم النخب المثقفة الدروس من تجارب الشعوب الاخرى التي نالت حريتها وابدعت في كل مجال ايما ابداع. وما يجري في مصر اليوم ما هو الا دليلا ساطعا لما آلت اليه احوالنا من بؤس وقهر وفساد. سوف يفشل العلمانيون في حروب ردتهم على عقيدتنا وتراثنا وهويتنا ، ولسوف تستعيد الامة روحها وطاقاتها الروحية الهائلة طالما ظلت متمسكة بعقيدتها وهويتها ومنفتحة على العالم باسره ومستنيرة بنور الاسلام.

  4. يقول حسني:

    مقال رائع مع جزيل الشكر

  5. يقول حميم:

    الدور الأساسي لحماية تونس من الانزلاق و الغرق في متاهات العنف يعود اساسا إلى المنظمة النقابية الديمقراطية الشعبية “الاتحاد العام التونسي لالشغل” وهو بذالك يجوز ترشيحه لجائزة نوبل .

  6. يقول نورالدين - تونس:

    مقال رائع و في الصميم يا استاذ عبد الوهاب بقي اريد ان الاحظ ان حزب حركة النهضة هو فقط من تنازل عن حقه في ممارسة السلطة و قام بهذا التنازل من اجل مصلحة البلاد العليا و من اجل انجاح عملية الانتقال الديمقراطي و تهدئة النفوس بالرغم من انه الحزب الاغلبي حسب نتائج انتخابات اكتوبر 2011 اما شريكاه في الترويكا حزب المؤتمر و حزب التكتل فقد احتفضا بموقعيهما في السلطة المرزوقي رئيسا للجمهورية و بن جعفر رئيسا للمجلس التاسيسي
    تعتبر التجربة التونسية رائدة في بلدان الربيع العربي بالرغم من كثرة اعداء الثورة في تونس كما الحال في مصر و هناك من كان يحسب من المناضلين المعارضين الاشداء للطاغية بن علي و بعد نجاح الثورة و صعود النهضة الاسلامية للحكم انقلب ضد الثورة و ساند اعداءها و اصر على اسقاط الشرعية لكن حكمة الشيخ راشد الغنوشي و ذكاءه و بعد نظره حال دون هؤلاء و النجاح في مسعاهم الاثم
    لقد تاكد الشعب التونسي بذكاءه و فطنته ان حزب حركة النهضة هو الحزب الوحيد الذي قدم تضحيات و تنازلات مؤلمة من اجله مقدما مصلحة البلاد و الشعب و ثورته على مصلحته الحزبية عكس ما يروج له المنافقون
    لذلك يمكننا ان نقول اليوم ان نجاة ثورتنا من الغدر و ما تعيشه البلاد من استقرار و توافق يرجع فيه الفضل اولا لله سبحانه و تعالى ثم لحركة النهضة

  7. يقول أبوالمجد فلسطين:

    لا توجد قنبلة غزة على حدود تونس ولا تمر قناة السويس منها ولا يبلغ سكانها 90مليون أغلبهم مسلم سني يتوثبون لمقاتلة إسرائيل إن طلب رئيسهم وتاريخهم يشهد و لم تخض تونس مع إسرائيل 4 حروب و لم يهدد رئيس تونس : إرفعوا أيديكم عن غزة ولم يعلن جهارا أن علينا أن نصنع غذاءنا و دواءنا وسلاحنا
    كما أن جيش كمب ديفيد ليس كجيش تونس هذا الجيش بعد كمب ديفيد هو ذراع أمريكي و ظهر هذا جليا في حرب الخليج ولضمان إحتواء مصر تم تحويلها إلى جمهورية الضباط التي لم ترضى حتى بجمال مبارك بديلا عن الجيش و لكن لم يكن حساب الحقل كحساب البيدر و سقطت جميع القوى السياسية أمام الصندوق و تبين أنهم مجرد نخب بلا جماهير وبدل التحالف مع حزب جلبته قواعد الديمقراطية إلى الواجهة سمحت لكل من صوت لشفيق أن يمتطيها إلى الإطاحة بأول تجربة ديمقراطية في تاريخ مصر ولم يحتملوا الإنتظار ثلاث سنوات ليذهبوا الى الصناديق فيسقطوا تجربة الإخوان (الفاشلة) طبعا لأنهم على يقين أن سنة أخرى وليس ثلاثة ستؤكد فوز الإسلاميين بنسبة أكبر فصدرت التعليمات من إسرائيل بمباركة أمريكية وكانت اول أنشطة الإنقلاب نحو الحدود مع غزة ففعلوا مالم يفعله لا مبارك ولا طنطاوي

  8. يقول ضو الصغير-تونس:

    تعقيبا على مقال اليوم وسأكتفي بالتعليق على الجزء المتعلق بتونس مع تمنياتي لمصر الحبيبة بنجاح مسارها الديمقراطي وظفر ثورتها حتى تكون دافعا لكافة الشعب العربي وسببا لنهضتهم المتعثرة انطلاق من دورها وموقعها التاريخي والاستراتيجي الذي لا غنى عنه.
    _ أولا الإخوان المسلمون التونسيون ممثلين في حركة النهضة كانوا آخر الملتحقين بالثورة التي أطاحت ببن علي وهم لم ينكروا ذلك لأسباب عللوها بطريقتهم، وقد تكون بعض القوى السياسية التي أردت أنت تصنيفها من الأزلام أو تغض الطرف عنها في كل تحليل لك هي قوى الثورة الحقيقية التي نشطت بفاعلية من 17-12-2010 إلى 14-01-2010 وكانت السبب في نجاحها وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل والحركة الطلابية التونسية وطيف من القوميين واليساريين والنقابيين الذين نظموا الاحتجاجات أنذاك وأطروها، ومن يعود إلى أرشيف الثورة في هذه الفترة المذكورة سيظفر بذلك أو باسترجاع هوية الشخصيات التي كانت تتدخل أنذاك في قنوات الجزيرة والعربية وفرانس 24 وغيرها.
    _ثانيا المحصلة الضعيفة لحكم حركة النهضة وشركائها لم تعد خافية على أحد وهم أيضا لا ينكرونها ويعللونها بنقص تجربتهم وصعوبة الملفات والمشاكل التي واجهتهم وتكفي الإحالة هنا على قانون الإتاوات الذي أشعل الاحتجاجات مؤخرا وأخبرهم على إسقاطه قبيل تشكيل الحكومة الجديدة المستقلة إضافة إلى مظاهر أخرى من الفشل وضعف الإدارة وتعميق المشكلات.
    _ثالثا التوافق الأخير على خارطة الطريق _بما فيها الحكومة الجديدة وإتمام الدستور ولجنة الانتخابات_ يعود الفضل فيه أساسا إلى المنظمات الأربع الراعية للحوار وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل الذين نجحت مبادرتهم وفرضوا الحوار والتوافق على طرفي المعادلة فجنبوا بذلك البلاد سيناريوهات قد تكون كارثية وهي بدورها حقيقة لا ينكرها حتى من رشحتهم لجائزة نوبل.

  9. يقول معز- تونس:

    مقال ممتاز يا دكتور. فقط اتفق مع نورالدين من تونس ان دور المرزوقي وبن جعفر وحزبيهما كان هامشيا ولم يساهموا من قريب او بعيد في الخروج من الأزمة ولم يقدما اي حلول او تنازلات يمكن ان تعتبر تضحيات. بالعكس، المرزوقي لازم الصمت طويلا خلال الأزمة لأن رأس النهضة والحكومة كان هو المطلوب وليس رأسه، اما حزبه فقد برع في المزايدة على النهضة واتهامها بخيانة الثورة وعقد الصفقات مع إعلاء الثورة. والآن بعد ان ضحت النهضة بمواقعهارفي الحكومة من اجل الحفاظ على مسار الانتقال الديمقراطي، يحافظ المرزوقي وحزبه على مواقعهم في الرئاسة. اما بن جعفر فهو من أعطى دفعة قوية للانقلابيين بعد اغتيال الابراهمي وذلك عندما علق عمل المجلس التأسيسي دون أعلام شركائه والآن يحافظ على موقعه في رئاسة المجلس. في المقابل النهضة، وخاصة رئيسها الشيخ راشد الغنوشي، هم من قدم الثمن الغالي من اجل استقرار تونس ونجاح المسار الديمقراطي. الغنوشي هو من خاطر بسمعته وبوحدة حزبه عندما اقدم على لقاء غريمه رئيس جبهة الإنقاذ الانقلابية الباجي قائد السبسي، وهذا ما أربك جبهة الانقلابيين وادخل الشكوك فيهم اذ دب الخوف في قلوبهم بأن الباجي بصدد عقد صفقة مع الغنوشي، مما فرق صفوفهم وأعطى للنهضة القدرة على كسب الوقت والمناورة وإضاعة الفرصة على الانقلابيين. الغنوشي هو من نجح في استمالة العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل والذي أراده الانقلابيين ان يكون رأس الرمح في انقلابهم على الشرعية، فنجح الغنوشي ليس فقط في تحييد العباسي وذلك عن طريق الحوار واللقاءات المتواصلة ثم التوقيع على خارطة الطريق وهذا أدو في الأخير الى نجاح الغنوشي في ابعاد الاتحاد عن المعارضة ونجح في دفع العباسي الى تبني مرشح النهضة السيد مهدي جمعة. هذه عبقرية سياسية لا قبل لنا بها. نجح الغنوشي أيضاً في كسب الخارج الى صفه او في تحييده وذلك سواء بالنسبة الى الجزائر البلد الجار القوي، او الاتحاد الأوربي او أمريكا. كل هذا في ظل قصف متواصل إعلامي، وميداني، وضغط من قواعد حركته، وضغط من قيادات حزبه وصلت الى انشقاق بعضهم، لذا يجب الاعتراف ان الغنوشي هو من يقف وراء هذا النجاح ووراء هذه الحكمة.

إشترك في قائمتنا البريدية