ابو ظبي من فاطمة عطفة إعلامية شابة تعود بجذورها إلى حضارة وادي الرافدين وما زالت ذاكرتها مشرقة بعصر بغداد الذهبي وآثار الرشيد والمأمون. أقامت وعملت في إيطاليا كما عملت في قناة سما دبي، وكذلك لفترة سنة في قناة الميادين، ثم عادت إلى دبي في عملها الجديد بالإنتاج الفني بين إيطاليا والإمارات. لكن الوجع الذي تحمله في قلبها من أحوال العراق بعد الاحتلال وحتى الآن لا يقل عن وجعي من أحوال بلادي سورية، لكني أعتز معها بهذا الأمل الكبير بمصر وشعبها العظيم حتى تعود لقيادة هذه الأمة وتكون عماد الأمن القومي لأمتنا العربية ونبني ديمقراطية بلا دماء وحرائق، وننعم جميعا بالحرية والمحبة والأمان وازدهار الوطن ووحدته وسلامته.
– ننطلق من البدايات، النشأة والعمل الإعلامي.
– أنا فتاة من بلاد الرافدين فخورة ببلدي، حضارة سومر وبابل وأشور،’مهبط أول نبي’وأول حرف، بلد العلم والشعراء والمثقفين والكتاب، بلدي هو الأغنى والأجمل، وفيه قبر أبي الذي لم يغب فهو معلمي’وقانوني.
غادرت العراق ولم يغادرني، هو يسكن فيّ حتى وإن لم أسكنه، قضيت طفولة الحروب والرعب والموت، عانيت الحصار وتشبعت بويلات الحروب، حربا بعد حرب، حصارا، ثم احتلالا، ثم غربة لم تنته بعد…
أنا لا أنتمي لأي طائفة، أنا مع الله سبحانه وتعالى وأنتمي للخالق عزّ وجل،’فالله تعالى عن المذاهب والأحزاب والقوميات. ولو كان بيدي لمسحت خانة الدين والطائفة من جميع الهويات والجوازات، لأنه تحت بند تلك الخانة زُهقت ملايين الأرواح من جميع الأديان والطوائف على مدى التاريخ. وأنا لا يهمني بماذا تؤمن أنت، فهذا أمرك وحدك مع رب العالمين. لكن يهمني إن كنت تهدم أم تبني؟ تسلب أم تمنح؟ تصدق أم تكذب؟ تقتل أم تمنح الحياة؟ تكره أم تحب؟ تزرع أم تقلع؟!
أما عن عملي الاعلامي، فقد بدأت علاقتي مع الشاشة منذ سنوات في روما، من خلال مشاركتي في عدة أفلام وبأدوار صغيرة، بعدها عملت مراسلة لإحدى القنوات المحلية الإيطالية، ثم انتقلت إلى مؤسسة دبي للإعلام مراسلة أيضا، نلت العديد من التكريمات والجوائز نظير تغطياتي الإعلامية من مختلف وزارات ومرافق دولة الامارات العربية المتحدة، بعد ذلك عملت لفترة وجيزة في قناة الميادين الإخبارية، ثم انتقلت للعمل في شركة إنتاج فني إيطالية.’
– كيف ترين الربيع العربي وتداعياته؟ ‘
– أنا دوما مع خيار الشعوب، ولا أقبل بغير ذلك إطلاقا وإن أخطأ شعب في خياره فهو من يتحمل مسؤولية ذلك وعليه تصويب اختياره الخاطئ. الشعوب حرة، لكني لست متفائلة بما يُسمى الربيع العربي، لأنني لا أؤمن بربيع يزهر دماء، تخلفا وتفتتا. هناك ملايين القتلى واللاجئين، وهذا الربيع أفرز لنا فكرا معاقا متطرفا ومجموعات إرهابية وتكفيرية. ليس بالحقد والكراهية والخراب تُبنى الأوطان. لقد بدأ المشروع ‘من أزمة حرب الخليج واحتلال العراق لدولة الكويت ثم احتلال العراق من قبل أميركا وحلفائها، وليس من ثورة البوعزيزي. ‘
منذ بدأ الاحتلال الأمريكي ولليوم ونحن نشهد إبادة جماعية يومية، صراع طائفي، ديني، حزبي.
كنّا أمة واحدة، ولم يشعر الشيعي في يوم من الأيام أنه مدعوّ لإزاحة السنّي، ولم يشعر السنّي في يوم من الأيام أن الله سبحانه’كلفه بتنقية الإسلام من الشيعة، ولم يكن للمسلم أن يفكر يوما بتدنيس كنيسة، بل كان يشعل شمعة ويطلب أمنيته من السيدة العذراء عليها السلام.
والعكس صحيح كان الصابئي أو المسيحي’يزور أضرحة أئمة أهل البيت (ر)’ليطلب مراده. كان السنّي يناضل جنب الشيعي، والعربي جنب الكردي والتركماني، والمسلم جنب المسيحي والصابئي واليزيدي، يعملون معا، ويناضلون معا، كانت تختلط دماؤهم في ساحات النضال. كيف لذلك أن يتغير؟
– ألا ترين أننا في مرحلة تاريخية مختلفة تماما؟
– نحن اليوم نعيش عصر الظلام، عصر تخرج فيه كل يوم فتوى سياسية ولا رقيب. جعلوا الدين وسيلة لتحقيق أغراض سياسية ليست نبيلة،’ولا أرى نبلا في عمل يستهدف أتباع دين أو مذهب آخر أو حتى إن كان بلا دين أصلا. لا تنتصر الشعوب وتنهض بطول اللحى وعرض العمامة ولا بالمغالاة بالإلحاد والكفر والتكفير، بل بالإرادة المستندة إلى الإيمان بالله والعلم’والمحبة والأمن والسلام وحقن الدماء. نحن اليوم نشهد عملية تفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين، نحن نقطع أوصال حضارتنا، نقطع أوردة جزء مهم من هويتنا العربية المشرقية، ونجعل من الغرب مسؤولا عن جزء منّا باحتضانه لمسيحيي الشرق تحت ذريعة حمايتهم من تفجير المقدسات المسيحية وارتكاب المذابح في بلاد المسلمين، وهل الغرب يفعل ذلك فعلا نصرة للمسيحية؟
المسيحية التي لم ينصرها الغرب في ديارهم، بل حصروها في الكنيسة التي سلبوا منها كل شيء وحولوها إلى تراث شعبي. أتساءل: أوليس الأجدى بنا أن نساهم جميعا’في نضالات حقيقية من أجل أهداف ملموسة في الحرية والنهضة والتقدم ومحاربة الاستغلال والاستعمار؟ نحن نتقاتل بيننا سيدتي! لم يكذب هتلر عندما قال: أنا لا أهتم لأمر العرب، سيأتي يوم ويقتلون بعضهم!
– برأيك، هل قام الإعلام العربي بدور سلبي أو إيجابي في الفوضى التي تجري بالمنطقة؟
– نحن في فوضى، ‘الفوضى الخلاقة’ التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس والتي تهدف إلى تفتيت المنطقة العربية وإضعاف قدراتها، عبر الفتنة والتشرذم وإيجاد دويلات اقاليم ذات طابع طائفي’قومي، وتحققت بشائرها في كردستان العراق ثم سوريا، ما يُسهم بسهولة الانسياب لتحقيق المسعى الإسرائيلي بإقامة دولتهم.
– كيف تنظرين إلى مسيرة الإعلام، المرئي منه والمكتوب من بدايات الثوارات العربية.. أعني هل الإعلام شريك بهذه الثورات؟
– الإعلام شريك أساسي. الإعلام له دور في تحريك أو إخماد الثورات، هو موجّه’نحو شعارات الديمقراطية’ولم يخفَ على أحد دوره في احتضان هذه الثورات وتحريكها في مكان أو دوره ‘في إخمادها وإطفاء نارها في مكان آخر، ودوره اختلف من ثورة إلى أخرى. هو إعلام تبنَّى الثورات وتلقَّفها وبدأ يبث أخبارها بشكل مباشر ومكثف ومكبر.
– هل قام الإعلام العربي بدور سلبي أو إيجابي في الفوضى التي تجري بالمنطقة؟
– نعيش اليوم ‘حالة من الفوضى وعدم الحيادية والشفافية في وسائل الإعلام، سواء صحف ومواقع إلكترونية أو قنوات فضائية، فهم يتعاملون’بحالة من تضارب المعلومات والأرقام والأخبار المضللة خاصة في الشأن السوري والمصري، والسبب هو دخول تيارات سياسية على خطّ التحكم بالوسائل الإعلامية ما قد يخنق الحقيقة ويزيفها ويوجّه بوصلتها مثلما يشاء. وأحيانا اعتماده على التحريض والإثارة، بدلا من أن يقوم بشرح الحدث وإيقاعاته بحقيقته. اصبحنا نسمع عرضا’للوصف الشخصي’في اللغة الإعلامية اليومية (الفلول الشبيحة ‘ البلطجية ‘ العملاء الخونة.. ‘وغيره ) والتي تساهم في زيادة تشتيت المواطن. على اللغة الإعلامية الابتعاد عن تلك’الآراء الشخصية لأنها ‘تؤثر سلبا على المصداقية. وأصبحت بعض القنوات تلجأ لتعبئة الشارع عن طريق بثّ الأغاني الوطنية والشعارات وكأنها طرف بالحراك، وذلك هو عدم المسؤولية الأخلاقية، فالحرية لا تعني تحريك الغرائز واللعب على أوتار الشحن العاطفي،’حينها أقول:'(كذب الأعلام ولو صدق).’وأسوأ ما أفرزه الإعلام العربي هو كمية الصور التي تنطوي على إساءة’للأطفال والموتى والجرحى من أجل استعطاف الشارع. هذه صور تسيء لكرامة الإنسان وتشيع ثقافة الاستخفاف بحقوق الإنسان الأساسية، هذه إهانة وابتذال.
– أنت عشت وعملت في الغرب، هل يرتكبون مثل هذه الأخطاء؟ وكيف تنظرين إلى هذا الطوفان من الفتاوى؟
– في إيطاليا مثلا لا يظهرون صورة قطة مجروحة، ونحن هنا أصابتنا البلادة في المشاعر من كثرة صور الموتى والأشلاء فلم يعد يؤثر فينا مشهد الأشلاء. هذا بكفة ودخول القنوات الدينية ورجال الدين على الخط بكفة أخرى حيث تحوّلت بعض الفضائيات الدينية إلى فضائيات لنشر الفتنة والانقسام،’وقدمت لنا مجموعة من الأشخاص يدعون العالم للجهاد والقتل والفتنة،’أدخلونا في فيضان من الفتاوى المتضاربة الكاذبة، حالة من الجهل والرجعية في كل شيء أرجعتنا إلى الوراء وفرقتنا، هذا بدل أن ‘نجد علماء الإسلام الحقيقيين الوسطيين ‘يشرحون لنا عظمة وروح الإسلام ‘ويبنون جسورا من المحبة والترابط بين المسلمين واحترام’واحتواء كافة الأديان الأخرى.
– بعض الفضائيات كانت تدّعي المصداقية والوسطية في نقل الخبر، لكن من يوم سقوط الرئيس مرسي فورا تغيّر موقفها إلى جانب الإخوان، سواء من العناوين العريضة التي تضعها لتصريحاتهم، أو من إعادة عرض صور وأقوال مرسي، أو من استضافة ضيوف من الإخوان وإعطائهم مساحة واسعة للرد، وأنت عملت لفترة بهذه المحطة الجديدة، هل يوجد لها ارتباط مع حزب الإخوان، أو مع غيرهم من أصحاب الأيديولوجيا الدينية؟
– كل الفضائيات شعارها الحقيقة والواقع والرأي. اتركي الشعارات على جنب. إن كنت تقصدين قناة الميادين، في الحقيقة أنا لست من متابعيها ولي خلاف مع توجّهها، لكن هذا لا ينفي بأنها قناة طموحة أثبتت جدارتها وتبنت لنفسها مكانة ومشاهدة كبيرة ‘لدى جمهور معين متعطش لرأي مغاير لما نشهده في معظم القنوات الموجودة. إن من امتلك رأس المال ساد، وهي كغيرها من القنوات التي تحدثنا آنفا بأنها تتبع’رأس المال السياسي، هذا بديهي، وأنا شخصيا لا أعرف تمويلها لكن تتردد إشاعات بأن تمويلها إيراني. إذن ليس لها إلا أن تتبنى مواقف المحور الإيراني، سواء كانت مواقف معلنة أو غير معلنة صراحة. وان كانت حسب قولك هي تدعم تيّار الإخوان بأخبارها، فقد لا يخفى اليوم على أحد سواء من خلال إصدارات الكتب والإنترنت ومحللي الأخبار علاقة إيران بالإخوان المسلمين باعتبار القاسم المشترك الذي يجمع بينهما وهو المشروع الإسلامي الذي’لا يعترف بالقومية العربية والاعتبارات الوطنية’ولا بالحدود السياسية بين الدول الإسلامية، وإن الأولوية لا تكون إلا للأمة الإسلامية. هذا هو فكر الإخوان وإيران ولا نذيع سرا، فمعروف الدعم المالي والعسكري من قبل إيران لفصيل حماس الفلسطيني. هذا تفسيري لموضوع تغطيتها إذا ما افترضنا جهة التمويل.
– ماذا عن زيارتك للعراق؟ وكيف هو العراق بعد غياب عشر سنوات؟
– ذكرت في إحدى المقابلات السابقة أنني أخاف أن أذهب للعراق بعد الاحتلال، أخاف أن لا أجد العراق وأخاف أن أذهب ولا يعرفني العراق! هذا ما حصل، العراق هو حطام، دمار، قتل، تفجيرات، رعب، سبعة ملايين عراقي تحت خط الفقر في أغنى بلدان العالم، فساد، سرقة، انتشار أوبئة، بنية تحية مهدمة، صراع طائفي لا مبرر له، بلد غير صالح للعيش الكريم،’وحين ذهبت لمحافظة أربيل طلبوا مني الإقامة؟! تفاجأت وتألمت، كان علي’أصدار إقامة في بلدي، بلدي لم يعرفني، ولم يعترف بي! ولم أتعرف عليه، ليس لي فيه متر واحد من الأرض يؤيني! مع كل تضحياتي وكل نفطه وغناه وملياراته!’ذهبت لوطني غريبة وعدت غريبة! تألمت للعراق ومن فيه ومافيه. وهنا أستذكر أبياتا’لشاعر العراق عبد الرزاق عبد الواحد وأقول له: قلوبنا معك فلا تقلق وأدعو له بالشفاء العاجل.’
دَمـعٌ لِبَغـدادَ.. دَمـعٌ بالمَلايـيـنِ/ مَن لي بِبَغـداد أبكيهـا وتَبكينـي؟/’عُدْ بي إلى الكَرخ – أهلي كلُّهُم ذبحُوا/ فيها سَأزحَـفُ مَقطـوع الشَّراييـن/ أصيحُ: أهلي.. وأهلي – كلُّهُم جُثَـث
دَمـعٌ لِبَغـداد – دَمـعٌ بالمَلايين…’
حماكي الرب ورفع عنكم اهل العراق والشام الظلم
أمييييييين
الربيع يزهر دماً
جميل جداً سهاد القيسي
جميلة وكل ما فيها جميل!!!