كنت تعرضت في صفحتي على فيسبوك، لموضوع الموت عبر التدخين، سواء أكان لدى المدخنين أنفسهم، أو سلبيا يأتي بمخالطتهم في المجالس والأماكن العامة، وحتى في البيوت، الذي تقول الإحصائيات المثبتة أنه يحصد أكثر من ثمانية ملايين شخص كل عام، وتقول أيضا إن نصف المدخنين يموتون فجأة، بما يسمى بالسكتة القلبية.
حقيقة كنت أعقد مقارنة بين ذلك الموت المستفحل اجتماعيا بلا ضجيج، والموت السريع الطارئ الذي نعيش أجواءه الآن بانتشار كوفيد 19. ومعروف أننا جميعا في حالة هلع يومي، نؤدي وظائفنا الحياتية بذلك الهلع، ننام به ونقوم به، وبالطبع توقفت آلة الإنتاج تماما، وتوقفت معها آلة الإبداع أيضا، وكل الأنظار تتطلع إلى لقاح قوي وسريع، يلغي ذلك الموت الشرس الذي، قد يطال كل من يتعرض للإصابة بكوفيد.
كانوا يقولون، إن المسنين وحدهم يموتون بذلك الوباء، لكن اتضح أيضا أن غير المسنين يموتون، وقيل أيضا إن الحر والشمس والبشرة السمراء، وقاية جيدة، لكن أيضا ذلك غير مؤكد، ويبدو أنه من صميم الأقاويل التي كثرت منذ ابتدأنا نعاني من ذلك الوباء.
معروف أن الإعلام يركز بضراوة على ما يسببه كوفيد 19، من ألم واختناق وحمى وموت، ونشاهد كل شاشات التلفزيون، ملونة بالإحصائيات، عن الذين أصيبوا والذين شفوا من الإصابة، والذين ذهبوا ضحايا. تحدثوا عن أطباء وممرضين ومسعفين، وحتى سكان آمنين في بيوت مغلقة، وأصبح ذهن المشاهد أو المتابع مبرمجا تماما لتتبع آثار الوباء، دون سواه من الأشياء الأخرى، وقد يصاب أحدهم بمغص عادي، وينسبه لكورونا، ويزداد الهلع، وقد يصاب بنزلة برد عادية، تحدث كل عام عنده بسبب تغير الفصول، لكن هذا العام ستكون لها نكهتها المرّة، التي ستلوث القلب بالهلع ويسرع المصاب إلى المستشفى، يسأل عن مساعدة، ولا يطمئن حتى لو أخبره الطبيب بجدية، أن ما به نزلة عادية، ستذهب خلال يومين.
لنحارب كورونا بكل ما أوتينا من إمكانيات، ولنحارب أيضا التدخين والكوليرا والملاريا، وكل معوقات التنمية والحياة الرغدة في كل مكان.
قصدت أن الإعلام له سطوته بكل تأكيد، وله مسؤولية كبيرة في ترسيخ الهلع لدى الناس، وهذا العدد من الوفيات، الذي نشاهده على شاشات التلفزيون ليس كبيرا جدا، لدرجة تأليف المناحات والبكاء الهستيري، الذي نراه في عيون الناس. إنه عدد يمكن أن يحدث من ثورة بركان خامد في مكان ما، في حرب جائرة، تستخدم فيها القنابل والصواريخ، في مذابح جماعية بيد سفاح سلطوي، بينما الموت جراء آفة الدخان، كثيف جدا جدا، والرقم الذي تبينه الإحصائية مفجع حقيقة، وأشبه بالوباء لكنه لا يعتبر وباء لسبب بسيط، هو أن المدخن يموت وحده بينما حامل كورونا أو إيبولا أو سارس، أو أي فيروس شرس آخر، يموت ويشد معه كثيرين غالبا من أحبابه وأصدقائه، إلى الموت.
لنفترض مثلا أن الإعلام الذي برمج الناس في تعقب إحصائيات كورونا، عاد وبرمجهم في تعقب إحصائيات ضحايا التبغ كل عام، لو عاد وركز على مرضى السرطان، ليس سرطان الرئة فقط، ولكن حتى سرطان القولون والمثانة، ومرضى ضيق شرايين القلب، وتوعك الدورة الدموية، وخلل الأوعية الطرفية الذي قد يسبب الغرغرينا، ومرضى التهاب الشعب الهوائية المزمن الذي يصل بالشخص إلى حمل أسطوانة أوكسجين في حله وترحاله، ووضع قناع الأوكسجين على جهاز تنفسه ساعات طويلة في اليوم؟ وأمراض عدة قد تبدو خفيفة وغير ضارة، لكنها في الحقيقة ضارة جدا، وتنخر في الجسم بلا هوادة.
ترى لو تغاضى الإعلام عن ضغوط المستفيدين من صناعة السجائر، والتوباكو، وركز على كل تلك المواضيع التي ذكرتها، بشكل يومي ومهووس، وعقب كل نشرة أخبار، هل سيمتلك أي منا الجرأة لتدخين سيجارة بعد ذلك؟ نعم السيجارة تبدو ممتعة، ومنعشة للذين جربوها، والتوعية عن خطرها بتلك العبارات المطموسة التي تكتب على ظهر علبة السجائر، لن تمنع أحدا من التدخين، والذي يمنعه في رأيي هو ما ذكرته، عن تجنيد الهلع الإيجابي لمكافحة داء سلبي، وموت معترف به في تصنيف الموت، لكن لن يحس الشخص بشراسته، لأن الأضواء حوله خافتة، ولكن ما أن يلمع ذلك الموت ويتخذ وضعية العدو المطلوب مكافحته، سيكون للمسألة بعد آخر.
بعض الأصدقاء قالوا إن المدخن حر في أن يموت إذا أراد، وهذا صحيح لأنه غير منتبه لمدى تلك الحرية، هي عنده جملة تكتب، أو تردد على اللسان، لكن خالية من طعم الخطر، ذلك الذي سيلون تلك الجملة، بمجرد أن يتلقف الإعلام المسألة، كما ذكرت، ويتصدى لها بتصديه نفسه في مسألة كورونا، أو حتى أقل من ذلك.
يقولون أيضا: هل أغلق الموت من جراء التدخين معاهد وجامعات وأنشطة اجتماعية واقتصادية، ورياضية ومطارات؟ أقول لا.. لكن يعوق التنمية بسبب إدمان المرض، لسنوات ثم الموت في النهاية في سن أبكر من التي يموت فيها غير المدخنين.
لنحارب كورونا بكل ما أوتينا من إمكانيات، ولنحارب أيضا التدخين والكوليرا والملاريا، وكل معوقات التنمية والحياة الرغدة في كل مكان.
٭ كاتب سوداني
قضيّة الموت المبكّر من عدمه غير خاضعة لنمط الحياة ؛ بدليل الكثير من الشعوب البدائيّة ومن المدمنين ؛ يعيشون لسنين طويلة…
لكن هناك ما يمكن تسميته ببركة العمر.بمعنى منْ يعش 70 عامًا بصحة هو أطول عمرًا ممنْ يعيش 70 سنة وهو فاقد للصحة.
إنما التدخين مرض نفسيّ أكثر مما هو مرض عضويّ كالملاريا.ولو سألتني عن أخطر مرض في الإنسان سأقول لحضرتك : الكذب.لأنه مزيج من المرض النفسيّ والعضويّ معًا.لهذا أكثر النّاس مرضًا : السياسيون ؛ ولو رأيتهم بصحة ونشاط وإبتسامة في برواز محنّط.
أما كورونا فهو فيروسيّ لا ينتمي للنفسيّ ولا للعضويّ بل للهوائيّ إذا جاز القول.والعجيب في زمن كورونا أصبح الهواء أقل تلوثًا ؟