الإنتقال من “الإقتصاد الإستهلاكي” إلى “الإكتفاء الذاتي” أولوية وطنية في قطر

حجم الخط
5

الدوحة  ـ “القدس العربي”  – إسماعيل طلاي:

دخلت الحكومة القطرية منذ بدء الحصار المفروض عليها منذ 5 يونيو/حزيران الماضي، في حركة متسارعة للإنتقال من “إقتصاد إستهلاكي”، يعتمد بنسب قياسية على الإستيراد لسد إحتياجات السوق المحلية، نحو “اقتصاد منتج”، يمضي نحو تحقيق الاستقلالية والاكتفاء الذاتي. وهو الهدف الذي بات أولوية وطنية في برنامج الحكومة القطرية التي بدأت في إستنفار رجال الأعمال وكبار الصناعيين، وتحفيز الإنتاج المحلي، وتذليل كافة العقبات أمام الإستثمارات الخاصة.

ربّ ضارة نافعة 

وبمرور الأيام، تتوالى تصريحات عديدة لوزراء قطريين، ومسؤولين بغرفة تجارة قطر، ورجال أعمال أجمعوا على أن “ربّ ضارة نافعة”، وأن الخناق المفروض على قطر براً وجواً وبحراً أحدث تحولاً إيجابيا، حفّز الحكومة والقطاع الخاص على إيجاد بدائل تعزّز قوة الإقتصاد القطري، وتجعله في منأى عن تهديدات مماثلة مستقبلا، جراء إعتماده على الإستيراد شبه الكلي لتلبية إحتياجات السوق الوطنية.

وجاء خطاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأسبوع الماضي ليؤكد تلك القناعة، ويحدّد التوجه الاقتصادي المستقبلي لدولة قطر، بقوله: “نحن مدعوون لفتح إقتصادنا للمبادرات والاستثمار، بحيث ننتج غذاءنا ودواءنا وننوع مصادر دخلنا، ونحقق استقلالنا الإقتصادي..”.وأضاف”سبق أن وجهت عدة مرات لإتباع سياسة الإنفتاح الإقتصادي في الإستثمار، وتنويع مصادر الدخل، ولكن في هذه المرحلة لم يعد هذا مسألة رفاهية، بل أصبح أمراً ملزماً ومحتماً علينا ولا مجال للتهاون فيه. وهذه مسؤوليتنا جميعاً حكومة ورجال أعمال” .

وتابع قائلاً “لقد ساعدتنا هذه الأزمة في تشخيص النواقص والعثرات أمام تحديد شخصية قطر الوطنية، السياسية والاقتصادية، المستقلة، وفي إتخاذ القرار بالتغلب على هذه العقبات وتجاوزها. وها أنا أتوجه إليكم فيما نخوض جميعاً هذا الإمتحان بعزة وكرامة، لأقول لكم إن قطر بحاجة لكل منكم في بناء إقتصادها وحماية أمنها”.   وأستطرد يقول: “لقد وجهت الحكومة للقيام بكل ما يلزم لتحقيق هذه الرؤية، بما في ذلك الإنفتاح الإقتصادي المطلوب، وإزالة العوائق أمام الاستثمار، ومنع الاحتكار في إطار بناء القتصاد الوطني، والاستثمار في التنمية، ولا سيما التنمية البشرية. كما وجهت بتخصيص عائدات الغاز من الاكتشافات الجديدة التي أنعم بها الله علينا للاستثمار من أجل الأجيال القادمة، فقد عاشت قطر برخاء حتى الآن من دونها. وقد وجهت أيضاً بالعمل على الساحة الدولية لتعميق التعاون الثنائي والتوصل إلى اتفاقيات ثنائية بين قطر والدول الأخرى”.

الحكومة تستنفر رجال الأعمال الصناعيين

رسم خطاب أمير قطر خارطة طريق للسياسة التي شرعت الحكومة في تنفيذها فوراً، فجاء لقاء رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القطري الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني مع عدد من رجال الأعمال القطريين المختصين في مجال الصناعة، بحضور عدد من الوزراء والمسؤولين بالدول، استمع خلاله إلى كافة المعوقات التي تواجه الصناعة القطرية في جميع مراحلها من شراء المواد الأولية والمواد الخام حتى الإنتاج والتصنيع والتصدير، وطرق حل تلك المعوقات. وشدّد على “ضرورة تطوير الصناعات القط رية وجعلها من أهم الصناعات في المنطقة، كما وجه بتكوين لجنة من الوزارات المختصة ورجال الأعمال الصناعيين والعاملين في مجال الصناعة لتكون مهمتها مراجعة ومتابعة كافة القرارات وتنفيذها بالتنسيق مع كافة الأجهزة الحكومية”، وفقا لما جاء في بيان لوكالة الأنباء القطرية.

القطاع الخاص  يرفع التحدّي

3

لقيت خطوة الحكومة ووعودها بتذليل كافة العقبات، تجاوباً فورياً من قبل رجال الأعمال والقطاع الخاص في قطر؛ فقد أطلقت رابطة رجال الأعمال القطريين مبادرة جديدة لدعم جهود الدولة الاقتصادية، عقب إجتماع مجلس إدارة الرابطة، برئاسة الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني. وأفضى الاجتماع إلى إنشاء لجنة من القطاع الخاص لإطلاق مبادرة محلية لدعم جهود الدولة، خاصة في ظل استمرار الحصار الذي فرضته 3 بلدان خليجية على دولة قطر.

وعرض رجال الأعمال مجموعة من الأفكار المهمة حول مجموعة من الصناعات؛ سيتم الإعلان عن جميع تفاصيلها حالما يتم الانتهاء منها. كما أكدوا أن الهدف من المبادرة هو تحقيق الإكتفاء الذاتي الداخلي في عدد من الصناعات والإحتياجات التي تهم المواطن والمقيم على حد سواء.

 هذا وقد إنخرط القطاع الخاص القطري سريعا في مسعى الحكومة، حيث شهدت النسخة الثانية من ملتقى «اشترِ المنتج الوطني»، الذي نظمه بنك قطر للتنمية، حضوراً لافتاً للصناعة الوطنية القطرية؛ وهو الملتقى الذي نظم بهدف تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة على توسيع نطاق عملها، وإيجاد فرص التوريد والشراء المحلية. وشارك في الطبعة الثانية 150 شركة محلية، مقابل 70 في الطبعة الأولى للملتقى الذي أستقطب المنتجين والمورّدين القطريين في قطاعات عديدة أهمها البلاستيك، والألومنيوم والنحاس، والحديد والصلب، والخشب، ومواد البناء، والمنظفات، وصناعة الأوراق، والزجاج، وتكنولوجيا المعلومات والخدمات البحرية.

وأجمع العديد من الصناعيين القطريين ممن شاركوا في الملتقى أن الحصار ضد قطر كانت له نتائج عكسية لما كانت تخطّط له الدول الأربعة (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر)، لافتين إلى أن الخناق المضروب على الدوحة ساهم في تسلّيط الضوء أكثر على المنتج القطري، وفتح أمامه المجال؛ لتوسعة حصته في السوق المحلي، وإثبات جودته وتنافسيته العالية.

ولا يخفي العديد من رجال الأعمال القطريين تفاؤلهم بالآثار “الإيجابية” التي خلفها الحصار، فقد زادت حصة القطاع الخاص القطري في السوق، بعد توقف تدفق السلع والبضائع من دول الحصار، لا سيما المملكة العربية السعودية والبحرين. كما شهدت المصانع الوطنية والشركات انتعاشاً في نشاطها، بسبب تنامي الإقبال على المنتجات الوطنية.

حملات دعائية لتشجيع “المنتوج الوطني”

أطلق العديد من القطريين حملات دعائية عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، دعما للمنتوج القطري، مطالبين بمنح ثقة أكبر للمنتجات الوطنية، والإعتماد عليها مستقبلاً، حتى في حال عودة العلاقات مع دول الجوار؛ في وقت كانت السلع والبضائع القطرية مجهولة لفئة عريضة من المستهلكين القطريين والمقيمين، ولا تجد لها مساحة واسعة علي أرفف  المجمعات التجارية، باستثناء الأسواق الأسبوعية الشعبية.

من جانبها، وقعت هيئة الأشغال العامة القطرية مع بنك قطر للتنمية اتفاقية تعاون تضمنت إطلاق مبادرة «تأهيل» على هامش انطلاق فعاليات معرض «إشترِ المنتج الوطني 2». وتهدف المبادرة إلى فتح الأبواب للشركات القطرية الصغيرة والمتوسطة، وبشكل أدق للمصنّعين القطريين، ليصبحوا مزودي خدمات ومنتجات في الهيئات الحكومية الرئيسية.

وأكد عبد العزيز بن ناصر آل خليفة، الرئيس التنفيذي في بنك قطر للتنمية، أن هذه الاتفاقية تمنح الفرصة للقطاع الخاص والمصنعين القطريين لسدّ الإحتياجات المحلية للمشاريع في دولة قطر.وبادرت غرفة قطر لتنظيم زيارة لوفد من 50 رجل أعمال قطري إلى مدينة” إزمير” في الجمهورية التركية، خلال الفترة من 3 إلى 4 أغسطس/ آب 2017، لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، وإستعراض الفرص الاستثمارية المتاحة، وإمكانية إقامة تحالفات بين رجال أعمال وشركات من الطرفين، بما يفيد إقتصاد البلدين.

الإكتفاء الذاتي من التمور والألبان والفواكه

2

وضمن الفعاليات الاقتصادية الرامية لتشجيع المنتجات الوطنية يشهد “سوق واقف” الدوحة التراثي معرضاً خاص بالتمور المحلية يستمر إلى 14 أغسطس/ آب المقبل، بمشاركة 57 مزرعة قطرية، تحت إشراف وتنظيم إدارة الشؤون الزراعية بوزارة البلدية والبيئة.ويأتي تنظيم المعرض ضمن الفعاليات الهادفة إلى تشجيع المزارع المحلية على زيادة إنتاجها من التمور لتحقيق الإكتفاء الذاتي في فترة زمنية قصيرة، بدلاً عن الإعتماد على التمور السعودية، التي توقف إستيرادها بسبب الحصار المفروض على دولة قطر، مع وعود بدعم تسويق التمور المحلية، أسوة بالدعم الموجه لتسويق الخضروات والفواكه المحلية في أسواق “الميرة” التجارية.

وقال يوسف الخليفي مدير إدارة الشؤون الزراعية بوزارة البلدية والبيئة: إن قطر حققت الاكتفاء الذاتي من التمور بدرجة كبيرة، حيث بلغت النسبة %88، مؤكداً أن النسبة المتبقية تتعلق باختلاف أذواق الجمهور، حيث يتم استيراد أنواع قليلة لا تصلح للزراعة في قطر.

وبدورها، أعلنت شركة حصاد الغذائية في وقت سابق عن مبادرة “اكتفاء” التي تستهدف المزارع المحلية غير المنتجة، والتي تزيد نسبتها عن 80%، لتشجيعها على الإنتاج. بقصد تعزيز الأمن الغذائي المحلي، عبر توفير الدعم التقني وشراء إنتاجهم السنوي من الخضراوات والفاكهة، ثم تسويقها وبيعها في السوق المحلي لمدة عام واحد قابل للتجديد.كما أثنى رجال أعمال وأصحاب مزارع على قرار الشركات الخاصة القطرية بإستيراد أبقار من أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وهولندا, سعياً وراء تحقيق الإكتفاء الذاتي من الحليب، خلال فترة قصيرة، قد تصل إلى 3 سنوات على الأكثر.

واستقبلت شركة “بلدنا للإنتاج الحيواني” القطرية، دفعة من الأبقار المستوردة، عددها 165 بقرة ألمانية حلوب، جُلبت إلى الدوحة عن طريق الجو من مطار بودابست. ويرتقب أن يصل عدد الأبقار خلال سنتين من 4 آلاف إلى 25 ألف بقرة، ضمن خطط الحكومة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الألبان خلال فترة وجيزة. وأعلنت «بلدنا للإنتاج الحيواني»  عن خطتها لتوفير 35 % من إحتياجات البلاد من الحليب، خلال فترة وجيزة، مستهدفة الإكتفاء الذاتي والتصدير للخارج لاحقاً، بفضل حصولها على تجهيزات متطورة، بما يضمن سلامة وصحة الأبقار، وضمان وفرة كافية من إنتاج الحليب.

وتضم شركة “بلدنا للإنتاج الحيواني” مجموعة من المزارع والمصانع التي تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم والألبان في السوق المحلية أولا، والتوجه إلى التصدير كمرحلة ثانية بعد تغطية السوق المحلية، بحلول عام 2026.

توقعات بنمو الإقتصاد القطري

ويأتي الإصرار القطري على الانتقال إلى مرحلة “الاكتفاء الذاتي”، في وقت تشير العديد من التوقعات إلى تجاوز الإقتصاد القطري لضغوطات الحصار، وسط تفاؤل باستمرار تحقيق النمو.وفي هذا السياق، توقع بنك الكويت الوطني تسارع النمو الإقتصادي لدولة قطر في العامين المقبلين، إلى جانب إنكماش العجز المالي في نفس الفترة، مع استمرار سياسة التشديد المالي بالعام الحالي، وتراجع العجز لإرتفاع عائدات النفط والغاز.وذكر تقرير صادر عن البنك أنه من المتوقع تسارع وتيرة نمو الاقتصاد القطري خلال العامين الحالي والقادم بنسبة 2.5 % و3.1 % على التوالي، لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي والمسال والمكثفات من الجانب الهيدروكربوني. ورجح التقرير تراجع إنتاج النفط بمتوسط 30 ألف برميل يومياً على خلفية اتفاقية أوبك لخفض الإنتاج.  وأشار التقرير إلى أن برنامج تنمية البنية التحتية الحكومي، الذي تصل قيمته إلى 200 مليار دولار ورؤية قطر الوطنية 2030، بالإضافة إلى أن استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022 ستساهم في دعم النمو المتواصل بقطاع الإنشاء والخدمات والنقل حتى مع مواصلة الحكومة تشديد قبضتها على الإنفاق العام.وتوقع التقرير تراجع التضخم إلى 1.5 % بالعام الحالي قبل أن يعاود الارتفاع إلى 3 % عام 2018 مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية مرة أخرى وتحسن النمو الاقتصادي.

مؤشرات اقتصادية محفزة

وإلى جانب الإصرار الحكومي على تحقيق “الاكتفاء الذاتي”،تستند قطر على مؤشرات اقتصادية قوية جعلتها تتخطى أزمة الحصار، وتؤهلها  لتحقيق خططها المستقبلية حول الإكتفاء الذاتي، أبرزها قوة الإقتصاد القطري الذي يتجاوز حجمه 170 مليار دولار، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.  ووفقاً لتصريحات سابقة لوزير التخطيط التنموي والإحصاء القطري الدكتور صالح بن محمد النابت، استناداً للبنك الدولي، تحتل قطر المركز الأول عالمياً في مؤشر متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغ متوسط نصيب الفرد حوالي 74 ألف دولار عام 2016، وبلغ معدل النمو الاقتصادي لنفس العام حوالي 2.2%.

وبلغ إجمالي قيمة الصادرات غير النفطية لدولة قطر خلال النصف الأول من العام 2017 الجاري بلغ نحو 8.6 مليارات ريال (2.35 مليار دولار)، استناداً للتقرير الشهري لغرفة قطر. في حين، بلغت الصادرات القطرية حوالي 793.3 مليون ريال (217.5 مليون دولار)، خلال شهر يونيو/حزيران الماضي فقط. كما تعدّ قطر ثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، وتبلغ احتياطاتها منه نحو 14%، بما يعادل 900 تريليون قدم مكعب، بإيرادات سنوية تقدر بنحو 100 مليار دولار سنوياً.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح //الأردن:

    *(قطر ) تستطيع الصمود ألف سنة
    ودول (الحصار) هي الباغية والظالمة
    الله يهديهم.
    سلام

  2. يقول الكروي داود:

    نعم رب ضارة نافعة
    السعودية ليست أفضل من قطر
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول محمد جاسم:

    ولله الحمد قطر في الف خير ولا عزاء لدول الغدر، بس نشكرهم لانهم قاطعونا ومن اول يوم مقاطعة بدأت الخبرات تنزل على قطر مما يعني انه بسبب فقدانهم للنخوة العربية كانوا حاجزضد نزول الخبرات> خلوا مجلس التعاون لكم اتهنوا فيه،إذ قدرتوا تقاومون الغدر بالأخر

  4. يقول فثحي الجزائري:

    متى كان العرب يقدرون الامور الم ينقلب حصار امريكا لايران ضد ماتريده وكذلك يكون الامر بالنسبة لقطر ستكون الاحداث الاخيرة حافزا للاعتماد على نفسها والعمل على تحقيق ذلك فالاعراب لا يؤتمن جانبهم ابدا اتمنى التوفيق للقطريين على حساب الاعراب

  5. يقول السيف اصدق/الاردن:

    بارك الله بقطر وباهلها. نعم !!!هى ليست ضاره بل نافعه

إشترك في قائمتنا البريدية