«الإنسان… المكان… والزمن»: معرض استعادي للراحلة فاطمة العرارجي

محمد عبد الرحيم
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: بمناسبة رحيل الفنانة المصرية فاطمة العرارجي (1931 ـ 2022) أقام غاليري المسار في القاهرة معرضاً استعادياً لأعمالها، تحت عنوان «الإنسان، المكان، والزمن.. رحلة سبعة عقود». مع ملاحظة أنه تمت إقامة معرض سابق بالعنوان نفسه، الذي اختارته العرارجي في عام 2019، مستعرضاً جانباً من مسيرتها الفنية. وتعد العرارجي من جيل التشكيليين المصريين الثالث، الذي جاءت رؤيته وفق سياق سياسي واجتماعي مختلف، حيث كان الحِس القومي وما شابه هو النغمة المسيطرة على تلك الفترة وفنانيها. تخرجت العرارجي في كلية الفنون الجميلة عام 1955، وترأست قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية عام 1981.
ورغم البيئة المختلفة التي نشأت فيها العرارجي، إلا أنها تعايشت وتأثرت بالبيئات المصرية الأخرى، القرى والصحراء والبحر، وحاولت من خلال أعمالها، التعبير عن شخوصها وعوالمهم. وتقول الفنانة في أحد حواراتها الصحافية.. «لطالما شغلني الإنسان وعلاقته بمحيطه، سواء في القرية أو في المدينة أو في الصحراء، مع تقدم الإنسان في العمر تتراكم خبراته الحياتية بالترحال والتأمل، ليتضح أمامه المغزى من الحياة». فكرة الترحال هذه التي جعلت من أعمالها مزيجاً متبايناً للروح المصرية في أشكالها وصفاتها المختلفة.

الروح المصرية

تأتي أعمال فاطمة العرارجي معبّرة عن الروح المصرية والقضايا التي كانت مطروحة وقت المد القومي، كما أسلفنا. لكنها لم تكن تصوغ رؤيتها هذه في شكل مباشر، كالكثير من مجايليها من الفنانين. فالناس هم الأكثر جدارة للاحتفاء بهم وبتجربتهم الحياتية القاسية. بمعنى أنها لم تجسد نضالاً يتم اختصاره في شخص أوحد تلبسته الزعامة، بل أصبح النضال ـ النضال الحي ـ هو سعي الإنسان للعيش، ومحاولاته العمل في ظروف قاسية، كذلك في ظل طبيعة أكثر قسوة. فكرة العمل والمحاولات المستميتة للحياة كانت شاغل الفنانة، لذا تواترت الشخوص المختلفة وبيئاتها، وهي تمارس عملها، المعتمد بالأساس على قوة الشخصية البدنية، وصراعها مع الطبيعة، سواء في البحر أو الصحراء، أو الجنوب المصري.
من ناحية أخرى حاولت العرارجي في أعمالها أن تمجد دور المرأة المصرية، دونما افتعال أو دعاية، وربما لوحاتها التي جاءت بعنوان (الشهيد) حيث تجتمع النسوة حاملات جسد الرجل، وهن في زِي نساء الريف المصريات، إضافة إلى لوحات عن الأمومة، وألعاب الأطفال الشعبية، والنساء عموماً في جلساتهن مجتمعات أو في وحدتهن. ذلك بخلاف اللوحات التي تمثل الرجال، فهم في حالة العمل أو حتى الراحة، سواء في المقهى أو على شاطئ البحر، نلحظ دوماً حالة من الإشفاق تلازمهم، بخلاف النساء الأكثر ثقة وقوة.

الأسلوب الفني

قد يتشابه أسلوب الفنانة والكثير من الفنانين المصريين المؤثرين في الحركة التشكيلية المصرية، أمثال عبد الهادي الجزار وحامد عويس، وبعض أعمال تحية حليم وجاذبية سرّي. من هنا نلمح مدى تفاوت أساليب أعمال الفنانة. وقد يُقال إنها لم تسجن نفسها في أسلوب معين، أو أنها حاولت التعبير بشتى الطرق. لكن أسلوب الفنان، رغم تحوراته وما يطرأ عليه من تطور، لا ينفي بصمة الفنان نفسه. إلا أن العرارجي ما كان يهمها هو التعبير عن حالات الإنسان المصري، التي هي في الأصل متنوعة ومتباينة إلى حدٍ كبير. السمة الأخرى التي تتميز بها أعمال الفنانة هي (الاختزال) والتي عن طريق الخطوط والألوان فقط يمكن التفاعل والتواصل مع اللوحة، مساحات لونية دون تفاصيل، وأجساد هزيلة في أغلبها، فقط وجوه قوية ترتضي ما تفعله وتجاهد في سبيله، حتى ولو في لحظة مُختَلسَة من الراحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية