عبد الباري عطوانبعد انتهاء ‘أزمة’ المرحــــلة الثانيــــة من انتخابات الرئاسة على خير، ودون حدوث الصدام الذي كان يخشاه المصريون جميعا بين حركة الإخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية، تدخل مصر أزمة دستورية جديدة، قد تغرق البلاد في حالة من الشلل، وتعمق حالة الانقسام بين الليبراليين العلمانيين من جهة، والتيار الاسلامي في الجهة المقابلة.الدكتور محمد مرسي الرئيس المصري المنتخب فجّر قنبلة من العيار الثقيل يوم امس الاول عندما قرر سحب الصلاحيات التشريعية من المجلس العسكري، والغاء قرار حلّ البرلمان، الذي يسيطر الاخوان والسلفيون على اكثر من ثلاثة ارباع مقاعده.هذه المفاجأة التي اخذت المجلس العسكري على حين غرّة، وقعت وقوع الصاعقة على جميع القوى السياسية في مصر، باستثناء مجلس شورى الحركة الذي اجتمع قبل يوم وقرر التمسك بشرعية الانتخابات البرلمانية وتفعيل مجلس الشعب مجددا.المجلس العسكري عقد اجتماعا طارئا مساء امس الاول، ولكنه لم يتخذ اي خطوة من جانبه لمواجهة هذا التحدي، وقرر ترك الأمر للمحكمة الدستورية العليا، التي توكأ على حكمها بعدم شرعية الانتخابات البرلمانية، وقرر حلّ البرلمان والاستيلاء على صلاحياته كسلطة تشريعية.المحكمة الدستورية اصدرت فتواها القانونية بالتأكيد على ان احكامها ملزمة لجميع الجهات في الدولة، وانها غير قابلة للطعن، في اشارة واضحة الى ان قرارها بعدم دستورية الانتخابات البرلمانية ملزم للرئيس، مثلما هو ملزم للمجلس العسكري ايضا.’ ‘ ‘هذا يعني ان عودة البرلمان الى الاجتماع اليوم الثلاثاء غير دستورية، وان اي قرارات تصدر عنه غير ملزمة، علاوة على كونها غير قابلة للتنفيذ، مما يعني اننا امام معضلة كبرى تتمثل في وجود دولة برأسين، الاول لرئيس جمهورية منتخب يريد استعادة جميع صلاحياته التي استمدها من انتخابات حرة ونزيهة، والثاني لمؤسسة عسكرية ترى ان واجبها حماية الدولة، وتطبيق احكام المحكمة الدستورية.الصدام حتمي، وسيبدأ على شكل جدل قانوني دستوري، وربما يتطور الى مواجهات بين التيار الاسلامي من ناحية، والعلماني الليبرالي من ناحية اخرى. ومن المفارقة ان ‘حزب الفلول’ الذي تعرض لهزيمة قاسية في انتخابات الرئاسة بسقوط مرشحه احمــــد شفيق، يعيــش احلى ايامه، فقد وجد مجموعة من زعماء النخبة السياسية المصرية وقادة التيارات الحزبية في خندقه دون ان يخسر جنيها واحدا، او يبذل اي مجهود.كان لافتا ان قيادات مثل حمدين صباحي وايمن نور والدكتور محمد البرادعي وممدوح حمزة وقفوا بقوة الى جانب المجلس العسكري، وبعضهم كان من الدّ اعدائه، والاكثر من ذلك ان الدكتور حمزة استشعر المزاج السائد في اوساط شعبية، وطالب بانقلاب عسكري، وهو الذي كان من الدّ اعداء المجلس العسكري.لا نعرف ما اذا كان مجلس شورى الاخوان الذي اتخذ قرار التحدي هذا قد اجرى حساباته جيدا، ووضع كل السيناريوهات المترتبة عليه، وابرزها حشد قوى لها شأن في الشارع المصري ضد التيار الاسلامي، وكيفية الرد عليها بالتالي بطرق فاعلة ومؤثرة، ولكننا نرى، وقد يختلف معنا البعض، بأن الخطوة الممثلة في اعادة الشرعية الى البرلمان، وإبطال قرار حلّه جاءت سابقة لأوانها.فإذا كانت البورصة المصرية هي المعيار الذي يمكن استخدامه كقياس للحكم على مدى صوابية بعض القرارات، فإنها انخفضت بأكثر من ستة في المئة يوم امس، كمؤشر الى الخوف من حالة عدم استقرار قادمة الى مصر، مع العلم انها ارتفعت بالنسبة نفسها وهي الحد الاعلى، عندما ادى الدكتور مرسي القسم امام المحكمة الدستورية، و’تصالح’مع المؤسسة العسكرية وتلقى اعلى دروعها.ان اخطاء التيار الاسلامي تسمح لخصومه السياسيين بتخويف الشارع العربي منه، ومن نواياه في اقامة دولة اسلامية، ويبدو ان هذه المخططات بدأت تعطي ثمارها في اشهر معدودة، بدليل تقدم الليبراليين في الانتخابات الليبية وتراجع الاسلاميين، مع التذكير بأن الشعب الليبي شعب متدين في معظمه.ولا نبالغ اذا قلنا ان دولا عربية تشارك بقوة في تغذية عملية ‘الشيطنة’ هذه ضد الاسلاميين، وحركة الاخوان على وجه التحديد، فربما لم يكن من قبيل الصدفة ان تنشر صحيفة سعودية صورة من الارشيف تظهر الامام حسن البنا، مؤسس الحركة، وهو يقبل يد الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية اثناء زيارة الاول للثاني في الرياض، ومتى.. قبل يومين من زيارة الرئيس مرسي للعاصمة السعودية.. وكأنها تقول، اي الصورة، ان ما تريده المملكة هو علاقة تبعية وليست علاقة تقوم على الندية.’ ‘ ‘المجلس العسكري المصري من المفترض ان يكون سلّم السلطة الى الرئيس المصري الجديد، وبالتالي عليه ان يعود الى ثكناته وأداء واجباته التي حددها الرئيس المصري في خطابه اثناء تكريمه له، اي الدفاع عن حدود البلاد، ولكن يبدو ان المجلس العسكري لم يسلّم السلطة بعد، وما زال يقوم بالدور نفسه الذي قام به منذ طلبه للرئيس مبارك بالتنحي، وهو ينتظر الآن بذكاء لكي تختمر حالة الغضب في بعض الاوساط مما تراه مخالفة دستورية من قبل الرئيس، ليعود للتدخل بقوة والاستيلاء على السلطة.نقطة ضعف حركة الاخوان التي يركز عليها خصومها، وما اكثرهم، هي قبول الاعلان الدستوري المكمل، وحلف الرئيس مرسي القسم امام المحكمة الدستورية، وبعد ذلك الطعن في قرارها بحل البرلمان، ما يعدّ حنثا بالقسم الرئاسي الذي يشمل احترام الدستور والقانون، ما يجعل البعض يشكك في شرعية مرسي نفسه.مصر تعيش حاليا حالة من الخوف والقلق، وبات ممنوعا عليها ان تلتقط انفاسها، ويؤلمنا ان نقول ان احتمالات الصدام، والدموي منه على وجه الخصوص، اكبر من احتمالات الخروج السلس والآمن من أزمة البرلمان والشرعية التي يواجهها النظام.Twitter:@abdelbariatwan