هكذا خرج مبارك من حبسه آمنا مطمئناً بل ومعززا مكرماً لا تلاحقه لا صيحات ولا لعنات الجماهير الغاضبة ولا صواريخ ونيران الإعلام المصري الحارقة. خروج هادئا تماماً مع نوع من التكريم والاعتذار، وقد تمثل هذا التكريم وهذا الاعتذار في أسلوب نقله من سجنه وحتى مشفاه. طائرة مروحية طبية رئاسية هي ما تكرمت به سلطات الانقلاب لنقل الرئيس السابق من سجنه الى مشفاه في اعتذار ضمني مباشر له. ولقد سبق هذا الاعتذار الضمني المبطن رد اعتبار حقيقي، وإن كان كذلك مبطنا للرئيس السابق والنظامة، وقد تمثل رد الاعتبار له في ما يعرف بحالة خلخلة ثورة 25 يناير والانقلاب على أهدافها وتطلعات ثوارها! وقد تمثل هذا الانقلاب وهذه الردة على أهداف الثورة وتطلعات الثوار من خلال بث الشقاق في صفوف الثوار، ومن ثم الانقضاض على اهم أهداف الثورة وهو سيادة مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات. تم تهيأت الأجواء والأنفس لتقبل هذا لانقلاب أي الانقلاب على أهداف الثورة من خلال خلق وضع غير مستقر سياسياً واقتصادياً وامنياً في البلاد بعد تسليم السلطة وانتزاعها من العسكر الى سلطات مدنية شرعية استحقتها نتيجة عملية انتخابية كاملة ومكتملة. تسلم الاخوان الحكم شكليا وبقي الحكم فعليا بيد النظام السابق الذي عمل على توتير الأوضاع وبذر روح الشقاق في صفوف الثوار ساعد على ذلك استحواذ الاخوان على المجلس التشريعي النيابي بغرفتيه وكذلك فوزهم في الانتخابات الرئاسية واستحواذ هم على لجنة اعداد وصياغة الدستور مما أتاح الفرصة لفلول النظام السابق من ان تخلق جواً مخيفاً من أخونة الدولة وهذا ما لم يفطن له الاخوان. لم يفطن الاخوان المسلمون لحقيقة ان استحواذهم على السلطة التنفيذية والتشريعية وإن كان استحواذهم تم بصورة شرعية وديمقراطية وفقا للآلية المتعارف عليها دوليا سيكون عبئا عليهم وعلى ثورة يناير. تخوف الثوار من الاخوان وتفردهم بالسلطات وحقد الكهول منهم والطامحين للسلطة على الجماعة وثار الإعلام والإعلاميين مكرسين أسطوانة اخونة الدولة حتى صارت حقيقة في ذهن السياسين الشباب وفي ذهن المواطن. اخونة الدولة كان المدخل الأول للفلول الذين يحكمون فعليا مصر في تصور وصنع وضعاً مخيفاً يهدد مستقبل مصر اسمه الاخوان والأخونة وقد ساعد هذا التصور في الانتشار وساعد على ترسيخ هذا التصور في أذهان الناس ما حُشِد من وسائل أعلام مختلفة ومن جيوش من الاعلاميين المحترفين التي استمرت بالعمل دون كللاً أو ملل طوال عاماً كاملاً في غرس هذا التصور وتحويله الى واقع حي في أذهان الناس. وبتخويف المجتمع والثوار من حالة الاخونة بإعتبارها حالة تهدد مستقبل مصر وكمدخل ثان للفلول لتهيئة الاجواء والانفس للارتداد عن الثورة وتطلعاتها جرى العمل وفق سياسة مدروسة ومخططة جيدا بالتوازي مع الحملة الإعلامية على زعزعة استقرار المجتمع من خلال خلق واصطناع أزمات مختلفة مست جميع أوجه الحياة في مصر وأهم هذه الأزمات المصطنعة هي الانفلات الأمني المخيف والأزمة التموينية المعيشية التي مست حياة الناس واقلقت مضاجعهم والتي صورت في الإعلام وفي خطابات السياسيين والمحللين الموجهين على أنها نتاج فشل في أسلوب إدارة الدولة من قبل الاخوان وإن الاخوان المسلمين بهذا الفشل اثبتوا بانهم غير جديرين او غير مؤهلين تماماً لإدارة البلد. كان لاخونة الدولة وضعف الاخوان وعدم قدرتهم على إدارة الدولة كما صور وهُيئ للشعب وكما تم الترويج له اعلاميا وسياسيا باعتبار ذلك خطرا يهدد مستقبل الأمة المصرية مدخلاً لتهيئة المجتمع لقبول إعادة النظام السابق وعلى اعتبار ان الأوضاع في عهد النظام السابق تمثل حالة ايجابية ولا يمكن مقارنتها بأوضاع ما بعد الثورة وخصوصا في عهد الإسلاميين التي شهدت أزمات خانقة ومواجهات حادة وعدة. هكذا تم صناعة الأزمات، وهكذا تمت التهيئة، وهكذا تم خلق عدو داخلي خطير يهدد مستقبل وامن مصر لا يقارن بأي خطر آخر؟! وهكذا تمكنت آلة النظام العميق من إقناع الشعب المصري بهذا الخطر الكبير فخرج الشعب مطالبا بإزالة ومواجهت هذا الخطر فكان الانقلاب العسكري ذو الشرعية الجماهيرية بمثابة إعلان صريح وواضح بعودة النظام السابق، وكان هذا الانقلاب وتلك المواجهات الدامية مع الاخوان التي أدت الى مقتل الآلاف من المعتصمين والمتظاهرين بمثابة اختبار لمدى نجاح خطة أعادت النظام السابق بصورة رسمية وعلنية واختبار لمدى تقبل الشعب لها. وبنجاح الخطط المرسومة ونجاح تقبل الجماهير لها بل وتأييدها من قطاعا جماهيرية مختلفة ومن منظمات وتنظيمات سياسية مختلفة لازالت تحمل طابع النظام السابق ولم تمسها تغييرات الثورة جرى إلانتقال الى الشق الأخير من الخطة والمتمثل بإطلاق المسجونين من رموز النظام السابق وأولهم رأس النظام السابق مبارك وإغلاق كافة المحاكمات له ومن بعده لأعوانه. خرج مبارك من سجنه بهدوء تام وسيتبعه الآخرون وذلك لانه اصبح لا يمثل أي خطر يذكر هو ونظامه مقابل خطر الاخوان، وهنا يكمن سر هذه الأزمة وهذه الموجة من القتل والتنكيل والمطاردات والاعتقالات. وهنا يكمن سر خروج مبارك الهادئ والامن من سجنه؟!