عمان ـ ‘القدس العربي’: قواعد اللعبة السياسية المألوفة في الأردن أثبتت وخلال السنوات العشر الماضية فقط بأن رئيس الوزراء بصرف النظر عن هويته وملامحه السياسية يدخل في نطاق ‘الإستقالة’ بعد حصول مستجدين لا يمكنهما إسقاطهما من حسابات البقاء في السلطة.
المستجد الأول يتمثل في ظهور أو ولادة مؤشرات على تعاكسات بين نوايا الحكومة وإتجاهات مؤسسة القصر الملكي مع تشكل نقطة إرتكاز من عدة مراكز قوى تبدأ الحفر تحت أعماق الحكومة حتى تصل لمرحلة إنضاج مغادرتها.
والثاني يتمثل في دخول مساحات إنتقاد الحكومة شعبيا إلى مستويات السخرية المرة وكثرة صدور التعليقات والصور والبيانات التي تعتمد على المفارقة والنكتة السياسية في إنتاج إحتقانات ومطبات سياسية وشعبية تجعل إسقاط الحكومة في المحصلة نقطة جذب للعديد من المناكفين والمعارضين.
إلى حد ما يعتقد وعلى نطاق موسع قليلا بأن بعض هذه المظاهر بدأت تلامس أطراف حكومة الرئيس عبد الله النسور الثانية التي كانت أول حكومة تأتي على رافعة المشاورات البرلمانية في تاريخ البلاد.
على صعيد الحراك والتعليقات مع الصور الساخرة تمتلىء المساحة الوطنية يوميا بنشاطات مضادة للحكومة تظهر النسور مهتما برفع الأسعار والضرائب دائما.
والدليل على المساحة التي يشغلها المناكفون على فيس بوك ومواقع الحراك هو إتخاذ قرار إداري يضم ما يحصل على صفحات التواصل الإجتماعي للتقرير الرقابي اليومي الذي يقدم لمكتب رئيس الحكومة.
نقطة التعاكس المركزية ورغم كل الإجتهادات التي أخفقت في سترها وبقائها داخل أروقة الحكم تمثلت في الجدل الذي أثاره إختيار شخصية من وزن الوزير الأسبق عقل بلتاجي رئيسا لبلدية العاصمة عمان وهو الموقع الذي يعتبر من مواقع الصفوف الأولى بل وأبرزها.
بلتاجي طلب منه في وقت مبكر بداية الشهر الحالي الإستعداد لتولي مهام وظيفته الجديدة وبالطريقة التقليدية المألوفة في التعيينات العليا حيث إستدعي إلى المقرات السيادية وأبلغ بالتكليف.
بعد ذلك أجرى الرجل بإعتباره مكلفا عدة إتصالات وقابل العديد من مسؤولي البلدية ورموزها في السابق سعيا للنصيحة وللإطلاع.
لاحقا لم يتحرك مجلس الوزراء صاحب الولاية في تعيين بلتاجي لتنفيذ التوجيهات بالخصوص ومن المرجح أن الرئيس النسور كان لديه تصور مختلف للموقع وصاحبه أو كان لديه خيار آخر لهذه الوظيفة.
بقي الأمرعالقا لأسبوعين وسط مماطلة واضحة من مجلس الوزراء إلى أن حصلت مراجعة في المسألة فإضطر المجلس للأنعقاد مرتين بأوامر عليا بهدف التوقيع على قرار تعيين بلتاجي.
القراءة السياسية لظهور هذا النمط المفاجىء من التباين بين مؤسسة القصر والحكومة في مسألة تفصيلية صغيرة تعكس برأي مراقبين مخضرمين إنطباعا بأن منسوب الكيمياء في العلاقة بين الجانبين يتقلص لصالح ظهور تجاذبات.
يحصل ذلك علما بأن حسابات رئيس الوزراء بالخصوص قد لا تتعدى سعيه لإختيار الحكومة بذاتها رئيسا لبلدية عمان دون وجود شخصية ‘عابرة للحكومة’ من طراز بلتاجي لترتيب ملفات البلدية المعقدة.
لاحقا كشفت حادثة الكلاشينكوف في البرلمان عن علاقة بمزاج حاد بين رئاسة الحكومة ورئاسة مؤسسة البرلمان حيث يتهامس الكثير من النواب بتوجيه الإتهام في الكواليس لأركان في الحكومة بالتسبب بالتشنج وسط البرلمان.
وتتم الإشارة لثلاثة نواب دون غيرهم من بينهم نجم حادثة كلاشينوف بإعتبارهم يدافعون بتشنج وبطريقة خشنة عن الحكومة ورئيسها في إجتماعات البرلمان.
هذا التشنج لم يستطع حتى رئيس مجلس النواب سعد هايل السرور ستره عندما سأل في لقاء صحافي لم يكن مخصصا للنشر حول الأسباب التي تمنع رئيس الوزراء من الرد على النواب الذين يهاجمونه بشكل سياسي بدلا من تنطح نواب ضد زملائهم.
‘القدس العربي’ إلتقت السرور مؤخرا وتلمست وجود عتاب مع تساؤلات لديه حول أداء الحكومة مما يوحي ضمنيا بأن مؤسسة البرلمان ومع وجود برلمانيين يتميزون بالخشونة ضد النسور ليست في مسار العلاقة الودية مع السلطة التنفيذية.
بالتوازي يطالب الإسلاميون بحوار مع الحكومة عبر رعاية القصر الملكي علنا كما صرح الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ حمزة منصور، فيما عرض عليهم النسور وعبر ‘القدس العربي’ مباشرة حوارا عبر وزارة التنمية السياسية وكبقية الأحزاب بدون ‘دلال’ من أي نوع على حد تعبيره.
هذا الوضع يربك الإسلاميين ويدفعهم إلى الزوايا المناكفة لحكومة النسور ويؤسس لتواصل مسلسل ‘تجريف’ الحياة السياسية والإصلاح في البلاد كما قال الرجل الثاني في التنظيم الأخواني الشيخ زكي بني إرشيد.
مع الإسلاميين في دائرة التخاصم مع تجربة النسور يمكن ضم خمس شخصيات برلمانية بارزة على الأقل تناكف الحكومة وتصطاد أخطائها وتحاول إعاقتها أملا في وراثة مقعد رئيس الوزراء وهو نفس الأمل الذي يحرك عمليا نخبة عريضة من الرؤساء والوزراء الذين قد تخطر في ذهنهم دعابة النسور نفسه عندما قال في منزل أحد النواب : عارض بقوة لتصبح رئيسا للوزراء.
ويمكن بالقياس ملاحظة أن صفة ‘الرجل المقبول من مؤسسات المجتمع الدولي’ قد لا تكفي لإحتواء تحرشات ومناكفات وتجاذبات نادي خصوم وزارة النسور الذي يتزايد عدد الأعضاء فيه لا بل إنضم إليهم مؤخرا مراكز من الوزن الثقيل فرضت بعض الإيقاعات على إتجاهات الحكومة.
الله المستعان