الاردن وسورية: بين المتاجرة السياسية والمواقف المبدئية

سورية تواجه مؤامرة كونية على حد تعبير سفيرها في عمان الجنرال بهجت سليمان.
دعونا نبصم جدلا على هذا التحليل فيصبح السؤال كالتالي: من أين يجد رئيس دولة تتعرض لمؤامرة كونية أوقات يخصصها لإلتقاط صور ملونة أنيقة مع حزبيين أو نشطاء أردنيين يرسلهم السفير بهجت سليمان إلى دمشق من باب التضامن الإعلامي الباهت ؟.
رئيس الدولة- أي دولة- ليس أكثر من خادم لشعبه ووطنه وهذا التعبير سمعته شخصيا من الرئيس السوري في أحد خطاباته.
والرئيس- أي رئيس بهذه الحالة ليس نجما سينمائيا حتى يتوافد القوم إلى مكتبه الرئاسي لإلتقاط الصور التذكارية بهدف إرسال رسالة بائسة ولا معنى لها ولا تنتج شيئا في الواقع لإنقاذ سورية قوامها بإختصار وفي الحالة السورية الأردنية حصريا الإيحاء من جهة دمشق بأن لها في عمان أصدقاء وحلفاء وأعوان شروشهم ضاربة في أعمق المجتمع.
لم أر ولا مثقفا روسيا أو ناقدا مسرحيا إيرانيا أو محاميا صينيا يزور دمشق ويلتقط صورة له مع الرئيس بشار لها مدلول سياسي أو تتقصد رسالة من أي نوع.
فقط يفعلها النظام السوري مع أشخاص أردنيين فقبل فترة نشرت الصورة التي تظهر كاتبا أردنيا يرتدي بزة أنيقة ويلتقط صورة له بجانب الرئيس بشار الأسد.
قبل ذلك فقط زار حزبي وناشط دمشق وإذا به يعمم للإعلام صورة شخصية له مع الرئيس السوري بشار الأسد …بأمانة وصراحة لا أفهم ما الذي تريد هذه الصور أن تقوله لنا نحن الأردنيين بصرف النظر عن موقفنا مما يجري في سورية؟.
قبل الجميع طبعا إلتقط محام أردني عشرات الصور له مع الرئيس بشار الأسد وهو يرتدي عباءة قدمت له بإسم الشعب الأردني وهنا أيضا يبرز التعبير البائس في إطار المناكفة السياسية والحزبية والنقابية وليس في إطار البحث الفعلي المعمق عن ما يجري في سورية فالمؤامرة بالتأكيد موجودة لكن سببها لم يتفق عليه بعد .
يخيل إلي بالمقابل بأن الرئاسة السورية ليست محتاجة لمثل هذه الصورة فمن يزور القصر الجمهوري من الأردنيين ويتصور مع الرئيس بإعتباره {زعيم الأمة} كما قال المحامي سميح خريس لايمثلون الشعب الأردني برمته ولا يمثلون في الواقع حتى جماعاتهم الحزبية أو مؤسساتهم النقابية .
وهذه الصور تحرض المحايدين من الشعب الأردني ضد النظام السوري وتعكر المزاج ضد نظام دمشق ولا تقدم أي إجابة على أي سؤال معلق له علاقة بنهر الألم والدم المندلق في سورية .
هذه الصور الرئاسية بإمتياز سطحية ولا معنى لها فهي تلتقط داخل مكتب رئاسي وثير ووسط حرس القصر الجمهوري وفي منطقة آمنة وكنت أتمنى إستثمارها في رسالة أكثر عمقا وأهمية مثل إلتقاطها وسط الدمار أو بين الجثث أو بجانب تلك المصانع التي دمرتها الحرب الأهلية .
الرئيس السوري بصرف النظر عن إختلافنا أو إتفاقنا معه ينبغي أن يخصص كل وقته لبحث الأزمة في بلده ونفترض أن يكون على الأغلب جالسا في الخنادق وغرف العمليات في إطار حربه على {الإرهاب} الذي يستهدف بلاده.
لكن تخصيص وقت كبير لإستقبال نشطاء أردنيين حصتهم في التأثير بالمجتمع الأردني نفسه قليلة ولا تذكر مسألة قد تخلق إنطباعا عكسيا يردده بعض المحللين عن الفارق بين من يحكم ومن يترأس في سورية .
لا توجد شخصية أردنية ثقيلة ويعتد بها ولها حضور وطني كبير ذهبت إلى دمشق للتضامن وإلتقاط مثل هذه الصور البائسة التي لا معنى لها .
إنها صور تخلق من الإستفزاز مساحات إضافية لا مبرر لها .
ولا توجد شخصية من وزن معقول تقبل أصلا فكرة إلتقاط مثل هذه الصورة لترويجها إعلاميا فالرسائل هنا غامضة وقابلة للتأويل وتحمل أكثر من معنى ونحن لا نعلم هل يطلب الرئيس نفسه إلتقاط هذه الصورة مع ضيوفه الأردنيين أم يطالب بها ضيوفه من النشطاء الأردنيين لأغراض لا تخص المؤامرة على سورية أصلا وإستثمارها في عمان.
فعلا نحن لا نعرف الحقيقة وإذا كانت معركة الرئيس بشار الأسد عادلة ومنصفة وتمثل معركة الحق فعلا فما حاجته فعلا لصور من هذا النوع مع شخصيات أردنية إشكالية في مجتمعها وتثير الإنقسام ولا تقدم حججا مقنعة للناس ولا تخدم قضية النظام السوري حقا.
لست بصدد مناقشة الموضوع السوري نفسه ولا القيادة السورية وأخطائها بل الإستفسار عن جدوى ومنافع الصور التي يلتقطها أردنيون بلا مبرر مع الرئيس السوري بعد إيفادهم من سفارة دمشق إلى سورية مما ينتهي بالعودة بصور مستفزة تضع الملح في الجرح وتباعد بين الأردنيين المحتارين والمحايدين وبين النظام السوري .
طبعا كنت أفضل ظهور صور للرئيس بشار الأسد مع أقطاب المعارضة الوطنية في بلاده ومع ممثلين لشعبه تحديدا أولئك الذين لم يحملوا السلاح وبقوا في الميادين
يرقصون ويغنون وينشدون الحرية والإصلاح وليس إسقاط النظام قبل إقتلاع الحناجر وقص الأصابع والسماح بالتالي بدخول {الإرهاب النفطي} المفترض إلى عمق المعادلة السورية .
الأبرياء الذين قتلوا في الصراع السوري أو قتلوا جراء سياسات الشبيحة والأمن السوري لم يتأسف عليهم الرئيس السوري ولم يعتذر لهم ولم يترحم علي أي منهم وجميع من قتلوا في سورية لأي سبب لم تتح لأي منهم فرصة الإسترخاء وإطلاق إبتسامه بلهاء تحتفل بالدم امام كاميرا في القصر الجمهوري بجانب الرئيس وهو الخيار الذي اتيح لبعض الأردنيين فقط دون بقية خلق ألله حتى أن السفارة السورية لم تعد تهضم حجب طلبات النشطاء الراغبين في الزيارة والساعين لإلتقاط صورة مع {السيد الرئيس).
لا يمكن لصور من هذا النوع ان تكون هدفا بحد ذاتها وكل ركاب حافلة التحالف مع النظام بين الأردنيين لا يخدمون النظام السوري إطلاقا في ساحة عمان لانهم ببساطة ورغم كل النفقات التي تصرف لنشاطاتهم من خزينة المواطن السوري لم يقدموا للشارع الأردني ولو إجابة واحدة مقنعة على أي سؤال معلق .
الرئيس بشار لم يسقط بعد ولا يتوقع أن يسقط حتى تلتقط معه صور تذكارية جنائزية مؤذية من هذا النوع وهو بكل الأحوال ومهما إختلفنا معه في التشخيص والتحليل قائد وزعيم ينبغي أن لا يتوفر لديه الوقت إطلاقا لا لإستقبال وفود أو شخصيات لا تحظى بعمق وتمثيل شعبي ولا لإلتقاط صور من أي نوع خصوصا وان هذا الزعيم تواجه بلاده مؤامرة {كونية)؟
أي وقت إضافي متاح للزعيم وللرمز السوري الأول ينبغي برأينا المتواضع أن يخصص فقط للمواطنين السوريين .
لا يوجد سوري واحد اليوم في الكرة الأرضية لم يتأذ أو لم يتلهمه القلق وأهالي القتلى والضحايا والشهداء من كل الأطراف أجدر بالأوقات المتاحة وأولى بإلتقاط الصور فمن غير المعقول أن ينشغل العسكري السوري في ساحات القتال في التصدي لمؤامرة كونية فيما تنشغل السفارات بمهمة من طراز إرسال شخصيات أردنية أو غير أردنية لإلتقاط صور بلهاء في أروقة القصر الجمهوري .
المتعاونون في الساحة الأردنية أو غيرها مع النظام السوري لأسباب أيديولوجية أو حزبية أو إنتهازية او لأسباب تتعلق بمعتقداتهم وقناعاتهم لا يحتاجون لصور مع الرئيس ولزيارات سقيمة لدمشق تتخللها الإقامة في فنادق فارهة مع الجلوس في قاعات الشخصيات المهمة ثم لصور مع الرئيس لتثبيت قناعتهم في الوقت الذي يتواصل فيه شلال الدم السوري .
مثل هؤلاء مضمونون وفي {الجيبة} ويقولون لنا بان مواقفهم مبدئية والأوقات المخصصة لتثبيتهم على مواقفهم عبثية وينبغي إنفاقها في العمل على جذب وإستقطاب نشطاء أخرين في الساحة الأردنية أو غيرها فلا يوجد أردني لا ينتابه القلق على سورية ولا يوجد أردني لا يعشق سورية ويحترمها ولا يوجد أردني يقبل ما يجري لسورية المدهشة الجميلة التي تخطف قلب الأردنيين وأبصارهم.
ويوجد المئات من المعترضين المخلصين على تصرفات النظام السوري الذين لا مكان للأجندات المعادية لسورية في قلوبهم..هؤلاء يستحقون فتح حوار معهم ومناقشة عقولهم بدلا من إستعراضات دعائية يتخللها إلتقاط صور مخجلة وتنتهي بالعادة بإبعاد النظام السوري أكبر عن وجدان الشارع الأردني لان هذه الصور تصبح وسيلة للمتاجرة السياسية وليس للمبادىء خلافا لانها غير منتجة ولا يمكنها أن تكون منتجة.
الجنود الحقيقيون الذين يتصدون للمؤامرة على سورية في الشارع الأردني يقومون بواجبهم بصمت وبدون إعلام ولا يجتمعون بسفير دمشق ولا يزورونها ولا يلتقطون الصور… أنا شخصيا أعرف العشرات من هؤلاء الذين تتقلص هوامش المناورة أمامهم بسبب الصور إياها .

‘ مدير مكتب ‘القدس العربي’ في الاردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الشعب السوري:

    على الجميع ان يدرك بانه لا يوجد شيئ اسمه معارضة مسلحة في سورية منذ سنتين باستثناء القلة من ما يسمى الجيش الحر وهو تنظيم شبه عسكري و لا يمثل معارضة مدنية سلمية اما ما هو موجود على الساحة السورية فمعظمهم عصابات مسلحة مندسة من الخارج لا تمت بصلة الى سورية مثل الافغان و الشيشان و الباكستان و الاجانب غير السوريين . لذا فان بعض الاعلاميين يخلطون المفاهيم و يقولون معارضة مسلحة وهذا غير صحيح و الصحيح انهم جماعات مسلحة وافدة . لذا الوضع الحالي يؤكد بان معظم الشعب السوري 23 مليون مع دولته و قيادته الوطنية ضد الارهابيين الاجانب المندسين من الخارج .

إشترك في قائمتنا البريدية